الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل سيعيد التاريخ نفسه في جنيف3؟

هل سيعيد التاريخ نفسه في جنيف3؟

09.02.2016
بشار عمر الجوباسي



القدس العربي
الاثنين 8/2/2016
أخبرني أحد الأصدقاء أن عائلة أخته لا تتمكن سوى من شراء الخبز؛ يعمل فقط ابنها ذو الخمس عشر عاما ويتقاضى 1500 ليرة سورية في الأسبوع، أي اقل من أربعة دولارات، وطبعا تعتبر تلك احدى العائلات التي تعيش رفاهية عدم دفع ايجار المنزل وتقطن في أطراف دمشق في منطقة خاضعة للنظام لا تتعرض لقصفه أو قصف الروس.
وبما أن فشل مفاوضات جنيف-3 يعني انتظارنا لموسم جينيفي جديد لا يأتي عادة إلا كل عامين، مع كل ما قد يحمله عامان آخران من موت ودمار وجوع و… لذلك سأسوق كل ما يدعو إلى التفاؤل بنجاح هذا المؤتمر الموعود، في وقت لم يعد يحتمل السوريون استمرار هذه المحرقة، وبدأ اليأس يحطم أرواحهم المعذبه اينما كانوا، سواء في غياهب وطنهم أم في شتات هذا العالم.
انتهاء الأزمة السورية يتعلق ظاهريا باتفاق الأطراف الدولية الفاعلة على الأرض السورية، على صيغة ما تضمن مصالحها، ولكنه في الحقيقة يتوقف على وصول سوريا إلى حالة وكذلك قيام نظام جديد، يطمئنان إسرائيل، وهذا اقترب من التحقق، ففي جنيف-3 يتفاوض النظام مع منشقين عنه ليسيروا ربما وفق الخطة الأمريكية المسربة، التي تعد عامل تفاؤل آخر فلم يسبق جنيف-1 ولا جنيف-2 شيء مشابه لها، وعادة تخرج التسريبات قبل المفاوضات التي يغلب توقع نجاحها، خاصة إذا كان المتفاوضون ليسوا أكثر من دمى خيال الظل تحركها الأيادي، وبالتأكيد سيتم انتخاب لجان ينبثق عنها مسؤولو النظام الجديد، وهم في الغالب من النظام الحالي، ومن المنشقين عنه، وهذا ما يطمئن إسرائيل والغرب. أما على الأرض فقد اقتربت البلاد من التقسيم، لكنه لم يحدث وهذا ما يريدوه الإسرائيليون والأمريكان، فما يهمهما هو استمرار الصراع وليس حسمه، وربما تحوله إلى أشكال أخرى غير مسلحة في مراحل مقبلة، قد يتخللها صراع مسلح في فترات لاحقة، أي أن يتكرر السيناريو الليبي أو حتى العراقي أو اللبناني، وهما الأقرب للحدوث، الأمر الذي يخرج سوريا من دائرة المواجهة مع إسرائيل ويلهيها إلى أجل غير مسمى في نزاعاتها الداخلية.
اطمأنت روسيا لموطئ قدم لها في سوريا باتفاقية غير محدودة الأجل، تتيح لها البقاء في مطار حميمين قرب حلفائها العلويين الذين سيدافعون عن هذه الاتفاقية في المستقبل ويمنعون إلغاءها، والآن ربما هي بأمس الحاجة إلى التقارب مع السعودية، لدفع أسعار النفط نحو الارتفاع، فحتى السعودية لن تحتمل عاما آخر من مستوى الأسعار هذا، وكذلك تحتاج هي الأخرى إلى شريك- لم تجده في الأمريكيين الذين لا يزالون يقفون وراء تفاقم الأزمة السورية- وهذا ما توفره روسيا التي أمست القائم الفعلي بأعمال النظام الإجرامية في سورية.
شبه الجزيرة العربية ملعب السعودية التي تقاتل بشكل مباشر عنها، سوريا ملعب إسرائيل، ولا يحدث فيها شيء إلا وفق ما تريد، فما قام به الإيراني والروسي لم تكن لتبلغه حتى في احلامها يبرهن على ذلك التنسيق المعلن بين الاسرائيليين والروس حول سوريا، وبالتأكيد يوجد شيء مماثل بين الايرانيين والاسرائيليين لكنه سري. توجد لتركيا مصالح حيوية إستراتيجية مماثلة لحجم المصالح الاسرائيلية في سوريا، وهي تعي ذلك، وما إسقاطها للطائرة الروسية إلا خير دليل على ذلك، لكنها لا تتمكن إلى الآن من لعب الدور الذي تريد، ولا تزال تعتمد على رصيدها لدى السوريين، العراق اليتيم هو حصة إيران ويترك لعبثها فيه، طالما أن ذلك لا يؤثر على صادراته النفطية التي تبقى اغلب مواقعه بعيدة عما يجري من قتل وتطهير طائفي فيه، فما يجري في المقدادية لم يكد يواجه ولا حتى باستنكار حقيقي من جهة رسمية في دولة عربية.
ما جرى في محافظة ديالى في العراق وما يجري، وكذلك رغبات الأكراد في ضم الموصل وكركوك، وأيضا ما يجري في سوريا في كل من مضايا وداريا والمعضمية ودير الزور ومخيم اليرموك وجبال التركمان و… والأمر نفسه ينسحب على كل من ليبيا واليمن؛ ما هي الا عمليات مستمرة لإعادة رسم الحدود بالدم والجوع، بتواطؤ غربي لكنه لن يسمح بحسم أمر الاستقلال لأي طرف، ربما سيعطي بعض درجات الحرية، لكن موضوع الاستقلال يبقى خطا أحمر، لأنه بكل بساطة سينهي الصراع، فقد انهى التقسيم الحرب بين جنوب السودان وشماله، وكردستان العراق خير مثال على ذلك، فهو يملك كل مقومات الاستقلال ورغباته، لكن لما يسمح له بذلك. ربما يكون الشرق الأوسط الجديد دولا مفككة تعيش صراعات داخلية مزمنة، لا يُسمح بحلها ليبرر التدخل الدائم فيها، في وقت تعيش إسرائيل بأمان طالما استمر الوضع في محيطها العربي على ما هو عليه.
الدور الأمريكي لم يتراجع في المنطقة أبدا على عكس ما صدع به رؤوسنا الكثير من المحللين السياسيين، فهي موجودة من أجل النفط الذي تزداد أهميته عاما بعد آخر، ففي المستقبل القريب سينضب في كثير من الدول المنتجة الحالية، ما يؤكد أهمية وحيوية منطقة الخليج وما حولها للأمريكيين، فقرار تخفيض أسعار النفط لا تملك أن تتخذه السعودية منفردة، وكذلك انظروا كيف يتم التحكم بتحركات المعارضة السورية المسلحة، يؤكد ذلك استمرار، لا بل تعزيز قوة الدور الامريكي الذي لا يزال يتحكم بالمنطقة، ولن تحل الأزمة السورية إلا بقرار أمريكي. كان أول قرار وقعه أوباما بعد دخوله إلى البيت الأبيض هو اغلاق معتقل غوانتانامو تنفيذا لأحد أشهر وعوده الانتخابية، لكن القرار لا يزال حبرا على ورق، ولم يتمكن من تنفيذه حتى عندما كان يملك الأغلبية في مجلسي الكونغرس والنواب، وعلى الرغم أيضا من امتلاكه صلاحيات تتيح له تجاوز الكونغرس، لكنه تمكن من رفع سقف الدين مثلا ومرر الاتفاق النووي مع إيران ورفع عنها العقوبات، رغم تحول إدارته إلى بطة عرجاء، وبناء على ذلك فإن بعض القرارات الإستراتيجية في الولايات المتحدة ربما تتخذ بعيدا عن البيت الأبيض والكونغرس، أو بغض النظر عن ظروف من يديرهما لذلك فقد ينجز أوباما على صعيد الأزمة السورية وهو بطة عرجاء ما لم ينجزه عندما كان نسرا شامخا.
كاتب سوري