الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل هناك حلف تركي سعودي؟

هل هناك حلف تركي سعودي؟

08.09.2016
د. مدى الفاتح


القدس العربي
الاربعاء 7/9/2016
لدي مشكلة مع التوصيفات المجانية التي تنتشر بسرعة الإشاعة، والتي سرعان ما تتحول في عرف الإعلام لحقائق ومسلمّات يحسبها الظمآن ماء حتى إذا اقترب منها لم يجدها شيئاً.
مفردة "الحلف" أو "التحالف" على سبيل المثال هي مفردة كبيرة تعني ببساطة أن مجموعة من الدول اتفقت على مبدأ مفاده أن نحيا معاً أو نموت معاً، وأن أي اعتداء على أي طرف داخل هذا العهد هو اعتداء بالضرورة على جميع الأطراف مما يتوجب رداً وردعاً جماعياً. المثال الأبرز والأنجح هنا هو المعاهدة الأطلسية التي انبثق عنها حلف الناتو الذي يضم دولاً غربية استشعرت ذات يوم خطر المجموعة الشرقية الشيوعية، وهو حلف ناجح ومستمر بفعالية حتى وقتنا هذا.
أما المنطقة العربية فقد فشلت في صنع أي تحالف جاد، ورغم أن الجامعة العربية ولدت حاملة معها الكثير من الأدبيات حول المصير المشترك ووحدة الغايات، إلا أن المشروع الذي طرح منذ نشأتها والخاص بالدفاع المشترك والجيش الموحّد ما يزال يبدو بعيد المنال. وفي ظل غياب تعريف موحّد للعدو تجتمع عليه دول الإقليم يظل الحديث عن قوة ردع ودفاع عربية مشتركة ضرباً من الأمنيات والأحلام. الحالة بهذا أشد تعقيداً مع الطرح الذي يتحدث عن حلف إستراتيجي بين المملكة السعودية والجمهورية التركية اللتين تحملان رؤيتين مختلفتين، إن لم نقل متناقضتين، في التعاطي مع التحديات الإقليمية.
من أين أتت هذه "الإشاعة" التي افترضت وجود هذا التحالف وروجت له إعلامياً وسياسياً؟ في الواقع فإن ما نسميه الآن إشاعة كان حقيقة مطروحة بقوة ومبررة، استناداً لعدد من الظواهر الموضوعية التي تم التركيز عليها من قبل خبراء ومحللين سياسيين. هذه الظواهر يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً، ما تعلق ببروز قيادة جديدة في المملكة مع ظهور الملك سلمان وما سمي آنذاك بتغير الأولويات وإعادة ترتيب الأعداء. أطراف معروفة روّجت لهذا بقوة، ليس على سبيل تمني أن تدير السعودية ظهرها لمصر السيسي، بل بالحديث عن جمود العلاقات بين البلدين كواقع جديد.
ثانياً، ما تعلق بالبرود السياسي بين الولايات المتحدة وحليفتها التاريخية السعودية، التي بدأت تبحث عن بدائل أخرى عن واشنطن، بعد أن مالت الأخيرة تجاه إيران.
ثالثاً، تهديد إيران الجاد لأمن السعودية واقترابها من حدودها على أكثر من اتجاه، ما يستوجب تداعي الدول السنية المهمة، وعلى رأسها تركيا، لعملية موحدة لصد الهجوم والدفاع عن "الحرمين الشريفين".
رابعاً، في ما يخص تركيا فإن فشلها في الدخول للنادي الأوروبي عامل مهم يجعلها لا تملك سوى الاقتراب من المنطقة العربية، خاصة الدولة الأكبر، السعودية، من أجل خلق بديل موازٍ لعلاقتها مع أوروبا.
خامساً، في الموضوع السوري هناك اشتراك يمكن البناء عليه وهو المتعلق بدعم المعارضة والتمسك بمبدأ تنحية بشار الأسد.
باختصار، ولأن المقام ليس مقام تفصيل يمكن القول بأن كل الفرضيات السابقة لا أساس لها، فالسعودية لم تدر ظهرها لمصر، كما أن الولايات المتحدة لم تدر ظهرها للسعودية ولا لبقية دول الخليج، رغم توقيع الاتفاق النووي مع إيران. وبشأن العلاقة مع طهران فإن للدولتين مقاربات مختلفة، ففي حين رأت السعودية ضرورة التصعيد عبر عاصفة حازمة في اليمن، وعبر استخدام قوتها الدبلوماسية من أجل فرض مقاطعة وعقوبات ضد النظام الإيراني وحلفائه في المنطقة، كانت تركيا ترى أن علاقتها مع إيران استراتيجية بفعل تعقيدات كثيرة سياسية واقتصادية تحول دون أي توتير للعلاقات، رغم الاختلاف الشاسع حول القضية السورية.
أما الحديث عن التحالف مع السعودية أو مع المجموعة العربية كبديل عن الانتماء الغربي لتركيا، فهو أمنية للكثيرين، بمن فيهم كاتب المقال نفسه، حيث لا يمكن حصر الفوائد التي يوّلدها مثل هذا التجمع الذي لا تنقصه القوة المادية أو البشرية أو الجغرافية. لكن هذا التحالف هو، للأسف، غير قابل للتحقيق في المدى القريب، لأسباب كثيرة أهمها أن عدداً من الدول العربية باتت تؤمن بأن احتمال استهدافها من قبل جار عربي هو أكبر بكثير من احتمال استهدافها من قبل أي عدو ظاهر بعيد.
في القضية السورية ورغم ما ذكرنا من التقاء ظاهر على هدف رئيس هو الانتصار للمعارضة والعمل على تنحية بشار الأسد كرئيس فاقد للشرعية، إلا أن هناك اختلافات لا يمكن التقليل من شأنها، فتركيا بدأت منذ أسابيع تنسيقاً علنياً مع كل من روسيا وإيران حول الملف السوري، ما تزامن مع إعادة القيادة التركية ترتيب أولوياتها بحيث تتصدر مشاغلها مسألة الحرب ضد تنظيم الدولة، وهو ما فهمه البعض على أساس أنه دخول في مرحلة جديدة قوامها "التعايش" مع وجود الرئيس السوري.
حتى مسألة دعم المعارضة لم تكن سوى متاهة فلسفية، فقد ظهر في الإعلام مصطلح المعارضة المدعومة من تركيا والأخرى المدعومة خليجياً وسعودياً، ما يعني أن مصطلح "المعارضة" نفسه لم يعد مصطلحاً بدهياً ومتفقاً عليه.
من ناحية أخرى فإن السؤال عن موقع الحركات والتنظيمات الإسلامية في سوريا المستقبلية ظل سؤالاً بلا إجابة. على ذكر الحركات الإسلامية نقول إنه لا يمكن الحديث عن العلاقات التركية السعودية بدون التطرق لموضوع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بنظر السعودية والشرعية، بل المدعومة، من قبل القيادة التركية.
من طرائف السياسة هنا أنه، ولأول مرة تقريباً، يلتقي الإخوان ومنافسوهم على نظرة واحدة وهي رفض التقارب التركي السعودي، فبالنسبة للإخوان قد يعني هذا الاقتراب التضحية بالعناصر الإخوانية المقيمة في تركيا وبالدعم الإعلامي والسياسي الذي توفره الدولة هناك لهم، وهو ما يبدو غير مستبعد في ظل النهج البراغماتي لحزب العدالة والتنمية. أما منافسو الإخوان فإنهم يعتبرون هذا الاقتراب تهديداً لهم، حيث يخشون من حدوث تأثير عكسي قد يؤدي إلى أن تخفف السعودية من حملتها ضد الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي، وهو ما ستكون له تأثيرات كبيرة على مستوى المنطقة.
لكنني أعود وأقول إن هذا الحلف لا وجود له وللمقارنة يمكننا أن نتحدث عن حلف بين إيران وروسيا كدولتين صديقتين تحرص كل منهما على استدامة سلام وأمن الأخرى، ويستبعد أن تتدخل في شأنها لتغيير نظام أو زعزعة واقع سياسي. لا يمكننا أن نتخيل طهران وهي تقف مكتوفة الأيدي في حالة تعرض موسكو للخطر، وكذلك الحال مع موسكو، فهل ينطبق ذلك على العلاقة بين السعودية وتركيا؟
بين أيدينا ما حدث إبان المحاولة الانقلابية الفاشلة، فبعد أكثر من شهر من هذا الحدث الذي يعتبر بالنسبة للأتراك مفصلياً كالحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للأمريكيين، بعد مرور كل هذا الوقت فإن بعض أصحاب فرضية التحالف التركي السعودي قد عبّروا عن دهشتهم من ردة الفعل السعودية التي كانت أقل مما يجب على الأقل لجهة الزيارات التضامنية رفيعة المستوى التي بادرت بها دول إقليمية منافسة أخرى. البعض يتحدث عن وجود أجنحة مختلفة داخل المملكة وأن القناة الإخبارية الشهيرة التي بدت مشجعة للانقلابيين في ساعاتها الأولى إنما تمثل اتجاها داخلياً نافذاً وغير راغب في علاقة جيدة مع تركيا، خاصة بعد أن قامت بإذاعة لقاء مع غولن المتهم بالتخطيط للانقلاب، مما زاد سوء الفهم بين البلدين.
بغض النظر عن الأسباب التي يمكن أن نختلف أو نتفق حولها، فإن إجابة سؤال المقال هي أنه لا يوجد مثل هذا الحلف على الأقل في الوقت الحالي وأنه لو وجد لظهر على الأرض مع التدخل التركي الأخير في منطقة جرابلس السورية الذي تم استقباله ببرود. ذلك التدخل الذي، رغم أنه قد لا يخلق منطقة آمنة تماماً وعازلة بالنسبة للمدنيين، كما أنه قد لا يتمكن من القضاء بشكل نهائي على المجموعات الإرهابية، إلا أنه تدخل سيساهم بالتأكيد في صنع حائط صد وردع ضد النفوذ الإيراني، ما يصب بشكل مباشر في صالح أمن المملكة، بل عموم الخليج.