الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يحقق ميشيل عون، أخيرا، حلمه برئاسة لبنان؟

هل يحقق ميشيل عون، أخيرا، حلمه برئاسة لبنان؟

23.01.2016
بكر صدقي



القدس العربي
الخميس 21/1/2016
بمبادرة جريئة من سمير جعجع، ابتسم الجنرال الساخط، أخيراً، وهو يرى حلمه الذي طالما شكَّلَ الرائز الوحيد لكل مسلكه السياسي، منذ سنوات المنفى الباريسي، قاب قوسين من التحقق. فها هو خصمه التاريخي، في بيئة المارونية السياسية، يفتح أمامه أبواب قصر بعبدا، بمباركة أولية من البطريركية أيضاً، وإن كانت هناك عقبات كثيرة ستعترض طريقه إلى كرسي الرئاسة أهمها تيار المستقبل.
الصمت الذي تلا حدث معراب، من قبل أطراف أساسيين في اللعبة السياسية اللبنانية، قد يشير إلى أن مبادرة سمير جعجع تمت من غير تشاور مع شركائه في 14 آذار، ولا تشاور ميشيل عون مع شركائه في 8 آذار، ولا أي مشاورات داخل "البيت المسيحي" بجناحيه. هل أراد جعجع أن يضع حلفاءه وخصومه، على السواء، أمام أمر واقع يفرض على الجميع مراجعة حساباتهم المعقدة، فيحدث خلخلة كبيرة في المشهد السياسي اللبناني تكون لها مستتبعاتها الخارجية أيضاً؟ بهذا المعنى يمكن القول إنها ضربة معلم من جعجع، بصرف النظر عن وصول عون إلى قصر بعبدا من عدمه.
من وجهة نظر من شعروا بخيبة أمل كبيرة من حدث معراب الذي رأوا فيه تنازلاً مجانياً من خط 14 آذار لخط 8 آذار، يمكن وصف خطوة جعجع بأنها كاحتفال الزوجة القديمة بزفاف زوجها على ضرة جديدة. ولا ينطبق الوصف نفسه على ترشيح سعد الحريري لسليمان فرنجية الذي يبدو، بالأحرى، نكاية بميشيل عون أكثر مما هو حباً بفرنجية. ولكن في الحالتين هناك نوع من استسلام من معسكر 14 آذار أمام منطق القوة الذي يفرضه حزب الله على لبنان.
ما تتجاهله هذه المقاربة هي أن الخيارات محدودة جداً أمام 14 آذار، وهي محصورة بين استمرار الفراغ الدستوري المترافق مع هيمنة إيرانية على القرار اللبناني، ورأينا أحدث تجلياتها في موقف جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وبين اختيار فرنجية أو عون لرئاسة الجمهورية. وإن كان ترشيح الأول أو الثاني ليس نهاية المطاف، فلا يعني ذلك أن مشكلة شغور كرسي الرئاسة تم حلها. فالأمر ما زال متوقفاً على توافق جميع الفاعلين الأساسيين ممن يملكون حق الفيتو، ومن ورائهم أسنادهم الإقليميين.
واضح، قبل أي اعتبار آخر، أن مفاجأة معراب شكلت صدمة لحزب الله الذي لم يستوعبها بعد. صحيح أن الحزب كان يعتبر عون مرشحه الوحيد للرئاسة، لكنه بات اليوم محرجاً أمام حليفه الماروني الآخر الطامح إلى الرئاسة سليمان فرنجية، فضلاً عن حرجه من الاتفاق مع جعجع على مرشح مشترك هو ميشيل عون. ولكن الأهم، بالنسبة لحزب الله، من هذا الحرج المزدوج الذي يمكن تسويته بطريقة ما، هو ضمان استمرار غطاء بعبدا لهيمنته الفعلية على لبنان، بصرف النظر عن الشخص الذي سيجلس هناك.
والحال أن جعجع أرفق ترشيحه لعون ببيان سياسي يعكس رؤية 14 آذار السياسية إلى حد كبير، كالتمسك بمعادلات الطائف وسيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وسيطرة الدولة على الحدود مع سوريا. هذه جميعاً من المفردات التي لا يمكن لحزب الله القبول بها. في حين لم يعترض عليها جنرال الرابية حليف حزب الله المزمن. فالمهم بالنسبة له هو كرسي الرئاسة، ولا برنامج سياسياً يملكه لهذا المنصب. حين يتمكن من الوصول إلى "هناك" لكل حادث حديث.
تأتي أهمية حدث معراب، إذن، ليس من ترئيس عون ولا من البرنامج الذي يحاول جعجع تقييده به، بقدر ما يتمثل في الصدمة التي تسبب بها لدى جميع الفرقاء. فمن زاوية نظر "البيت المسيحي" طوى حدث معراب خصومة تاريخية تعود إلى ربع قرن، وقد يخلق شرخاً بين عون وفرنجية وما يستتبع ذلك من خلخلة عامة في تيار 8 آذار بكامله. مثلاً نبيه بري أظهر عدم رضا فوري من تفاهم جعجع وعون، وحزب الله يتريث في إظهار تأييده له إلى حين الحصول على موافقة فرنجية. ظهيره الإيراني غير معني مبدئياً بهذه التفاصيل الصغيرة، وسيناسبه ما يناسب بيدقه المحلي. أما النظام الكيماوي في دمشق الذي تربطه أواصر علاقة عضوية مع عائلة فرنجية، فلا يملك، في ظروف الحرب والاستتباع التام لروسيا، ترف الاختيار بين فرنجية وعون، ويكفيه حالياً الانتصار الذي تحقق له بإطلاق سراح ميشال سماحة.
ربما ينطبق الأمر نفسه على السعودية، السند الرئيسي لتيار المستقبل، التي قد لا تعنيها أي مفاضلة بين حليفي حزب الله، فرنجية وعون، وسيناسبها ما يناسب حليفها. بالمحصلة، أثقلت مبادرة سمير جعجع وزن الفاعلين المحليين على حساب التعطيلات الاقليمية المألوفة. المسار الذي يفصلنا عن 8 شباط، موعد اجتماع مجلس النواب، هو مسار التجاذبات الوطنية الداخلية، ويتوقف على الفاعلين المحليين أمر إدخال ظهرائهم الاقليميين من عدمه في رسم مجريات الأحداث.
من هذا المنظور يكتسب موقف وليد جنبلاط قيمة كبيرة كما هي العادة في المنعطفات المهمة في الحياة السياسية اللبنانية. فكتلته النيابية الصغيرة نسبياً قد ترجح كفة أحد الخيارين أو تساهم في تقويضهما معاً لمصلحة استمرار الفراغ.
قد لا يصل ميشيل عون إلى كرسي الرئاسة، لكن هذا لا يعني أن صدمة معراب لم تفعل شيئاً. فمن جهة أنهت خصومة رئيسية داخل البيت الماروني، ومن جهة ثانية خلقت مسافة برود بين عون وبري. وبالمثل بين جعجع وحلفائه في تيار المستقبل وحزب الكتائب. وهذه فقط نتائج أولية قد تليها أخرى.
في الحياة السياسية اللبنانية العجيبة، لمراقب من خارجها، هذا ليس بالقليل.
٭ كاتب سوري