الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يستطيع "التحالف الإسلامي" تجاوز الامتحان؟

هل يستطيع "التحالف الإسلامي" تجاوز الامتحان؟

17.12.2015
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاربعاء 16/12/2015
 
بإعلان المملكة العربية السعودية تشكيل تحالف عسكري من 34 دولة إسلامية يكون قد ظهر لدينا  حتى الوقت الحالي – ثلاثة تحالفات ذات طبيعة عالمية كلّها مخصصة لهدف معلن واحد هو "مكافحة الإرهاب"؛ الأول تقوده أمريكا ويضم، نظرياً، بعضاً من دول التحالف الإسلامي هذا، والثاني تقوده روسيا ويضم حكومات إيران وسوريا وبعض الدول الدائرة في كنف موسكو.
أهم ما تشترك به هذه التحالفات هو إعلانها أنها من طبيعة عسكرية، وأول ما يعنيه ذلك أن الإرهاب هو إشكالية يمكن حلّها بأدوات الحرب وحدها، وهي مغالطة كبرى تساهم عملياً في تأجيج أسباب الإرهاب وتعظم كوارثه.
وإذا كان التركيز على الطبيعة العسكرية لهذه التحالفات يُظهر اتفاق الأطراف الثلاثة المعلن على طريقة التعاطي مع ظاهرة الإرهاب هذه فإن اختلافاتها في تعريف الإرهاب وأجندة أولوياتها تظهر الطبيعة السياسية لهذه التحالفات، فهي تبيّن اتفاقا على العدوّ ولكنّها تختلف على ماهيّة هذا العدو، وهو ما يفسّر تبادل هذه التحالفات، بطريقة علنية أو مموّهة، الاتهامات برعاية هذا الإرهاب بدل محاربته.
لا يصعب على المدقق في التحالف الروسي  الإيراني، رغم بساطة تركيبته، الانتباه إلى التصدّعات فيه رغم كل أشكال الدبلوماسية الناعمة، كما لا يصعب رؤية هيكله العظميّ غير المتراكب، الذي يجمع ويقسم في الآن نفسه بين الطموحين الإمبراطوريين لروسيا وإيران، واللذين تعززهما رغبات الانتقام من التهميش التاريخي والحصار والعقوبات، وتفرّقهما الحسابات الإقليمية المتعارضة، مثل تفاهمات روسيا مع إسرائيل، والتي تسمح لتل أبيب بضرب حلفاء إيران في سوريا، كلّما عنّ لها الأمر، كما يفرقهما معالم التآكل الذي فرضه تصاعد الهيمنة الروسية من هبوط غير حرّ لنفوذ طهران في دمشق.
يأتي إعلان "التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب" ليعطي مؤشرات جديدة على الاتجاه الذي تتجه إليه المنطقة العربية، وفي صلب هذه المؤشرات الدور القياديّ المفترض سعودياً، وهو يحمل طموحاً كبيراً لموازنة الصدع الكبير في المنطقة العربية بين خطين إقليميين، الأول تترأسه تركيا وقطر، والثاني تترأسه مصر والإمارات، وترتسم بين هذين الخطين مقاربتان سياسيتان، لا تعرّفان الإرهاب بطريقتين مختلفتين فحسب، بل ترسمان عملياً حدود الفاجعة العربية في سوريا وليبيا وتونس وغيرها من بلدان، حيث يتواجه النظام العربيّ القديم الذي ينازع أنفاسه، مع نظام عربيّ جديد لم يتشكّل بعد.
من دون تحقيق اختراق حقيقيّ للوضع في اليمن وليبيا يتوجّه بالبلدين إلى حكومة شرعيّة تعبّر عن الثورتين الحاصلتين هناك، فإن قدرة هذا التحالف الإسلامي على الصمود والاستمرار لمواجهة الاستحقاق الأكبر في سوريا، ستكون ضعيفة، فسوريا أصبحت، عملياً، نقطة استقطاب عالمي وإقليمي ومشروعاً خطيراً لتغيير الديمغرافيا والوضع السياسي في المشرق والعالم العربي ككلّ.
إعلان التحالف الإسلامي يرتّب على أعضائه، وعلى السعودية خصوصاً، مهمّة خطيرة تحتاج إلى آلة دبلوماسية وإعلامية وقانونية وجماعات ضغط "لوبيات" مؤثرة، وهو أمر لا يمكن أن يحصل إلا بتنسيق عالي المستوى بين كبار "المساهمين" في هذا التحالف.
لقد كانت التجربة اليمنية، رغم عدم وصولها إلى نتائجها المبتغاة بعد، مناسبة لإثبات قدرة الدول العربية الخليجية وحلفائها العرب على التعاطي مع برنامج سياسي وعسكري موحّد، ويمكن للسعودية ودول الخليج البناء على هذه التجربة في ردم الخلافات السياسية وتوجيهها باتجاه واحد.
يبقى القول إن هذا التحالف يحمل رسالة سياسية كبيرة وخطيرة موجهة لدول الإقليم وللعالم لكن تجاوز مضمون هذه الرسالة من الكمون إلى الفعل على الأرض سيكون امتحاناً كبيراً للعالمين العربي والإسلامي تحدد نتائجه موقع العرب في العالم لعقود مقبلة.