الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يفعلها ترامب… أم ينحو نحو أوباما؟

هل يفعلها ترامب… أم ينحو نحو أوباما؟

15.04.2018
ميسرة بكور


القدس العربي
السبت 14/4/2018
"هل يفعلها ترامب؟" بات السؤال الأكثر طرحًا في أروقة المنتديات السياسية وبين الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، منذ أطلق السيد ترامب تغريدته الشهيرة التي رفعت أسهم "تويتر" في البورصة وأدت لانهيار في أسواق العملات في طهران وموسكو ودمشق: "روسيا تعهدت بإسقاط جميع الصواريخ التي سوف تطلق على سوريا، إذن استعدي يا روسيا لأن صواريخ رائعة وجديدة وذكية آتية".
وهنا يطرح متابعون هل الرئيس ورجل الأعمال "ترامب" يمتلك أسهمًا في شركة "تويتر" التي يدير ترامب سياسته عبر منصتها.
كل المعطيات التي تتوفر لدينا تشير إلى أنّ ترامب سيقدم على ضربة عقابية بحق نظام الأسد على خلفية استخدامه الغازات السامة في مدينة دوما السورية، لكن ما حجم تلك الضربة، وما هي أهدافها؟.. نترك هذه التساؤلات لمسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية وحلفائهم الدوليين.
المعطيات التي بنينا عليها تحليلنا هذا قالت إنّ غواصات بريطانية تحركت فعلا إلى المنطقة، وطلب رئيسة وزراء بريطانيا الحصول على تفويض من المجلس الوزاري المصغر وتصريحاتها السابقة أنها مستعدة لدعم عملية عسكرية في سوريا دون أخذ موافقة البرلمان.
وقالت مصادر صحافية بريطانية إنّ الطائرات البريطانية المتواجدة في قبرص ستتحرك من هناك للمشاركة في تنفيذ ضربات عسكرية محتملة في سوريا، بالتعاون مع أمريكا وفرنسا.
أيضًا تصريحات الرئيس الفرنسي أنّ بلاده تمتلك أدلة على استخدام تنظيم الأسد للأسلحة الكيميائية في دوما، وتحرك حاملة طائرات أمريكية إلى قرابة السواحل السورية، ووصول مدمرات أمريكية إلى المنطقة.
ومن هذه المعطيات تغيير المسار الدولي للطائرات فوق سوريا ، ومغادرة بوارج وسفن روسية ميناء طرطوس ، تحسباً لضربة قد تقع في أي وقت.
وفي وقت لاحق، أكّد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أنّ مجلس الأمن القومي سيبحث خيارات بشأن سوريا في اجتماع يعقد الخميس، وصرح خلال جلسة بالكونغرس بأنّ استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا "لا يمكن تبريره مطلقًا".
نعتقد أنّ ما أخّر الضربة العسكرية التي توعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رأس النظام السوري بشار الأسد بعد وصفه له للمرة الثانية بالحيوان، رغم الزخم الذي أثارته تغريدته المزلزلة، هي الأخطاء التي ارتكبها ترامب نفسه، الأخطاء التي أغضبت وزير الدفاع الأمريكي وجعلته يهرول مسرعًا للقاء الرئيس ترامب، على جناح السرعة، في لقاء لم يكن مجدولًا مسبقًا على قائمة الرئيس الأمريكي، في محاولة منه لضبط تصريحات الرئيس ترامب المنلفتة.
الأخطاء التي نتحدث عنها تتمثل في أنّ الرئيس ترامب كشف نوع الأسلحة التي ستستخدم في العملية، وكشف أيضًا أنّ الضربة ستكون صاروخية، لقوله إنّ الصواريخ آتية وهي جديدة وذكية، وهذا ما أغضب الجنرالات الأمريكيين وأربك حساباتهم، وربما دفعهم لإعادة ترتيب الأوراق وربما الخطط، الأمر الذي نقرأه في تراجع ترامب عن تغريدته السابقة والهروب إلى الأمام بالقول إنه لم يحدد موعد الضربة وإنه لم يقل أنه اتخذ قرار الضربة، رغم أنّ مُبتدئ في السياسة يفهم من تغريدته السابقة "استعدي يا روسيا الصواريخ آتية".
يمكننا أيضًا الارتكان إلى أسباب أخرى قادت إلى تأخير أو تأجيل الضربة المزعومة، على سبيل المثال وصول خبراء من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى مطار بيروت للتوجه إلى دوما في غوطة دمشق الشرقية.
وأمر آخر ما ذكره وزير الدفاع "ماتيس" في جلسة استماع عقد أمس الأول الخميس، تعهد بأن يتواصل مع الكونغرس قبل أي هجوم على سوريا، وهذا لم يحصل حتى ساعة كتابة هذه السطور.
في ظل هذه المعطيات والمواقف التي أطلقها ترامب والرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء البريطانية وما تم تناقله من أستراليا، كلها تشير إلى أنّ الضربة واقعة لا محالة، لكن السؤال يظل حائرًا متى وكيف.
لا نعتقد أنّ الرئيس ترامب تراجع عن تهديداته بمعاقبة تنظيم الأسد على خلفية استخدامه الغازات السامة في مدينة دوما في محافظة ريف دمشق، ولست ممن يعتقدون أنّ ترامب بوارد التراجع عن تهديده لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، الأسباب الداخلية ترامب يعاني من وضع داخلي غاية في السوء مع اقتحام مكتب محاميه الشخصي والاستحواذ على ملفات مهمة لصالح التحقيقات التي يجريها المحقق مولر بموضوع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وبالتالي هو في حاجة لهذه الضربة لصرف الأنظار عنه قليلًا أو تأخير التحقيق بسبب المخاطر الخارجية، وربما كسب المزيد من التأييد له "شعبية"، الأمر الآخر أنّ ترامب في تغريدته التي وجهها لروسيا، رفع السقف فيها كثيرًا جدًا حتى بات المتابع يعتبر أنّ الأمر أصبح تحديًّا بين القدرات الأمريكية والروسية حين كتب ترامب، في تغريدة على "تويتر"، يقول فيها: "روسيا تعهدت بإسقاط أي صواريخ يتم إطلاقها على سوريا"، وأضاف: "استعدي يا روسيا؛ لأن الصواريخ آتية… صواريخ جميلة وجديدة وذكية".
كما هاجم موسكو لدعمها نظام بشار الأسد، بالقول: "يجب ألا تكوني شريكًا لحيوان (بشار الأسد)، قتل بالغاز شعبه ويستمتع بذلك".
والموضوع أكبر من توجيه ضربة لتنظيم الأسد أو معاقبته، الضربة تحمل رسائل متعددة وهي أكبر من الجغرافية السورية سيصل صداها إلى أوكرانيا والقرم وكوريا الشمالية وطهران.
ترامب لم يعد بمقدوره التراجع لأنه وضع نفسه في هذا الموقف فكيف سيضغط على طهران وكوريا الشمالية في حال لم يستطع معاقبة تنظيم الأسد المتهالك.
خاصة وأنه وضع نفسه في مقارنة مع سلفه الرئيس أوباما وتردده في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الأسد التي كان من شأنها أن تجعل الحديث عن الأسد من الماضي.
نعتقد أنّ هدف الضربة الأمريكية، تدمير ما يعتقد البعض أنّه "إنجاز بوتين" في سوريا عبر إظهاره لاعبًا قزمًا غير قادر على مواجهة الصواريخ الأمريكية "الجميلة والذكية" حسب تعبير ترامب، تدمير سمعة الـ"س 400"، تدمير سمعة بوتين نفسه.
هدف الضربة الأمريكية ليس بشار الأسد بل هيبة روسيا المنتفخة بدماء السوريين، ونعتقد أنّ الضربة تهدف لإفهام بوتين المنهار اقتصاديًّا المحتاج للمساعدات الاقتصادية من أمريكا حسب ما زعم ترامب، غير قادرة على خلق نظام دولي ثنائي القطبية تكون روسيا فيه لاعبًا أساسيًّا أو القطب الثاني معتمدةً على قوتها العسكرية فقط.
بالعودة لموضوع الضربة وأهدافها، أنا ممن يعتقدون أنّ الضربة في حال وقعت ستكون قاسية لكن غير مميتة ولا تؤدي لسقوط تنظيم الأسد على إثرها، بل الهدف منها بالإضافة لما ذكر من رسائل خارجية، تحطيم قدرات تنظيم الأسد وجعله يفهم بأنه لن يكون قادرًا على الاستمرار في الحكم والتوجه لمفاوضات جنيف من أجل نقل الانتقال السياسي، ضمن ترتيبات دولية تضمن عدم إنهيار النظام القائم برمته.
وسبب اتجاهي هذا النحو أنّ الأرضية في سوريا أو الطرف المعارض غير مهيأ لتولي السلطة في ظل خلافاتهم ونزاعاتهم البينية، وأن النظام غير مستعد في هذه اللحظة لتقاسم السلطة مع طرف آخر، فبالتالي ستكون الضربة هي من تهيئ الأجواء لعملية انتقالية في سوريا بتوافق دولي بعد جمع أطراف الصراع.
 
كاتب وباحث سوري يقيم في برلين