الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ونجح بشار ال…

ونجح بشار ال…

10.10.2015
سهيل كيوان



القدس العربي
الخميس 8/10/2015
لا نستطيع أن ننكر نجاح بشار ال… ومستشاريه بما خططوا له، نعم لقد سارت الأمور كما حلموا ورسموا، مـــنذ اخـــتل توازنهم وفقدوا الســــيطرة، أيام كانت المظاهرات رقصا وغناءً وهتافات، هل تذكــــرون «جُمعات أطفال الحرية» و«الغضـــب» و«ارحل» وجمعة «حماة الديار»، وجمعة «صالح العلي» و«أسرى الحرية»، وغيرها العشرات من الجُمع، ولكل واحدة اسمها، التي أوصلت رِجل النظام إلى حافة القبر!
نعم لقد حقق بشار ال… ما أراده بالضبط، وهو ما كان قد حذر منه كثيرون في حينه، بأن استراتيجية النظام تتجه لدمغ الشعب الثائر بالإرهاب. ليس بقدرة الناس العاديين تخيّل الحقد الذي يحمله الديكتاتور لشعب ثائر ضده! يجب أن تكون لك مخيلة قادرة على استيعاب المجرّة حتى تستوعب! إنها كراهية ممزوجة بالحقد والاستهتار والاستخفاف! فمن هم هؤلاء الذين يثورون ضد هذا المُكرّس المقدّس المُعظّم! ألم يصفهم رجال بشار ال….بالقمل والحشرات!
كان أمام بشار ال..! طريقان فقط، أن يخفض جناحه للشعب ويهبط من السماء السابعة التي وضعه فيها نفاق البطانة والحزب ودوائره الأضيق فالأضيق على مدار عقود! أو إماطة اللثام عن وجهه الحقيقي بإدخال سوريا كلها في متاهة الوحول والدماء، هناك في الظلام حيث يملك هو وأجهزته الأمنية خيطان الجذب والإرخاء.
نجح بشار ال.. بإقناع العالم، بأنه حاكم لشعب من الإرهابيين، شعب لا يعرف سوى لغة القتل والدم والنار، وعلى العالم أن يشكره لأنه يتصدى لأمة الإرهاب التي توشك على افتراسه، لتنطلق وتفترس دول الجوار (قصده إسرائيل يا حرام) ثم العالم!
ولهذا على العالم أن يعينه على مواجهة هؤلاء «الإرهابيين» الذين كسروا الأقفاص وراحوا يفترسون جماليات الحياة والقيم الراقية التي يمثلها بشار ال… هو ورجاله ونساؤه الطيبون، الأمميون، المعاصرون ( الموديرن)، الذين يعيشون الحداثة وما بعدها، في أمة من الهمج والغوغاء والمقمّلين.
العالم كله صار فصيحا، حتى القردة والسلاحف والضباع في الغابات، والقرش في أعماق البحار ما عادت تتحدث إلا عن ضرورة وأولوية «محاربة الإرهاب». فما هو هذا الإرهاب! هل هو مرض جيني يصاب به العربي بالوراثة؟ هل هو في صلب عقيدته وعبادته؟ طبعا لا. ألا يستحق العربي الحرية والعدالة من دون أن يتهم بالإرهاب؟ ولماذا هذا الخلط الخبيث والمقصود بين الإرهاب وحركة الشعوب المطالبة بحريتها؟
أليس بشار ال… الذي دعا العالم كله ليحتل بلاده باسم محاربة الإرهاب، وفتح الباب على مصراعيه لكل ألوان الإرهاب والإرهاب المضاد، أليس هو نفسه الذي خان الأمانة بحفظ أرض وفضاء وشعب سوريا من الشر ولو على حساب منصبه وألوهيته؟
أليس هو الذي خوّن المطالبين بالحرية والكرامة بسخافات الرشوة وغيرها (ألا تذكرون اتهام المتظاهرين برشوة الكباب الشهيرة)! أليس النظام هو الذي وضع خطة لشيطنة شعب سوريا وطبّقها وأقنع بها العالم؟
أليست الأنظمة العربية المنضمة إلى جوقة « محاربة الإرهاب»، هي التي تمارس إرهابها الأفظع ضد المعارضين في بلدانها؟ أليست هي التي تصطبغ جدران ومساطب سجونها بدماء المعارضين؟ أليست هي التي تنتهك حريات شعوبها وتراقب أنفاس الناس حتى خنقها؟ أليست هي الأنظمة التي وصلت على ظهور الدبابات الأجنبية وشيفرات السيوف؟
تكالبت الأمم على الشعب السوري وعلى ثورته العادلة، ولكل منها أسبابه ومصالحه التي تدعوه للانضمام إلى جوقة ما يسمونه «محاربة الإرهاب»، هذه الجوقة التي تسعى لحرمان أي شعب عربي من مجرد الحلم بالحرية والعدالة، حتى صار البعض يتمنى العودة إلى أيام حمـــورابي، أيام العــدالة البدائية!
الأمريكيون والأوروبيون طبقوا نصائح إسرائيل بالضبط، سكب الزيت على النيران، ومنع أي طرف من الحسم كي يستمر النزيف أطول ما يمكن من السنين، وهو الموقف ذاته يوم كانت حرب بين إيران والعراق، يومها قال مناحيم بيغن بوضوح» إنهم أغيار يقتلون بعضهم بعضا، والمفضل أن يستمروا بهذا لسنين طويلة»! ورغم هذا، وعندما وصل النظام إلى انهياره أسرعت روسيا لتوقفه على ساقين من خشب، وتقدّم له تنفسًا اصطناعيا.
ها هما، ومن أجل عيون بشار ال…روسيا وإسرائيل تنسقان، كي لا تحدث إشكالات فوق أرض سوريا أو في سمائها! أليست إسرائيل المنسقة مع روسيا هي التي تحتل أراضي سوريا! أليس الاحتلال هو أعلى درجات الإرهاب! أي تنسيق هذا مع دولة تحتل أرضك وتبني عليها مستوطناتها منذ أكثر من أربعة عقود!
وكان قد وصل يوم أمس الثلاثاء نائب رئيس الأركان الروسي بزيارة إلى تل أبيب، يرافقه وفد عسكري رفيع «للتفاهم والتنسيق»، مواصلة لما تم التفاهم عليه قبل أسبوعين في موسكو بين نتنياهو وبوتين! فعلى ماذا ينسّقون؟ ولماذ لا يتجاهل الإعلام الممانع هذا التنسيق وأهدافه؟
هل تذكرون الحلفاء ضد العراق (وبضمنهم كل أنظمة العرب) يوم قالوا لحكومة تل أبيب «اصمتوا أنتم واتركوا الشغل علينا وسوف نعجبكم»! هذا هو جوهر التنسيق. تل أبيب ستطالب بأن تكون النتيجة كما تشتهي، وحينئذ فهي مستعدة لعدم التسبب بأي وجع رأس لروسيا والحلفاء، وما تريده هو أن يستمر الوضع القائم منذ عام 1974، ولا طلقة واحدة من الجولان، وهذا ما ستتعهد باستمراره موسكو والحلفاء الآخرون من العرب والعجم، طبعا تحت رعاية شعار»محاربة الإرهاب الإسلامي».
الهدف المعلن لجميعهم هو محاربة «الإرهاب الإسلامي»، أما الهدف الحقيقي فهو إبقاء الأمة العربية تحت بساطير الديكتاتوريات وأنظمة العصور الوسطى والتبعية والوصايات الأجنبية، وقد نجح بشار ال… بالمهة بحذافيرها، كي يبقى على رأس نظام أصبح في مزبلة التاريخ، بغض النظر عن المدة المتبقية له في الحكم!
نجح بشار ال…. بهذا، ولكنه الحلقة الأخيرة في هذا النظام الفاشي، لا نقول هذا مكابرة، بل لأنه لا يمكن لنظام خوّن شعبه ووصمه بالإرهاب وقتّله وشرّد أكثريته ثم استعدى الأمم عليه أن يبقى في سدة الحكم حتى لو غيّر رأسه الفاسد! سينتصر شعب سوريا النبيل والشجاع والمعادي بطبيعته للإرهاب وللتعصبات الطائفية والمذهبية، الشعب الذي يملك أكثر من خمسة آلاف سنة من الحضارة، سينتصر بكل طوائفه ومذاهبه، رغم أن ثمن حريته قد ارتفع، بسبب اشتعال سوق السعار والتكالب الدولي الصهيوني الروسي الأمريكي الأوروبي العربي عليه
 
٭ كاتب فلسطيني