الرئيسة \  واحة اللقاء  \  4 سنوات من الثورة السورية: الإرهاب ليس كل شيء

4 سنوات من الثورة السورية: الإرهاب ليس كل شيء

21.03.2015
مصطفى الصباغ



القدس العربي
الخميس 19-3-2015
بعد ٤ سنوات عنفٍ كانت هي الأقسى على المجتمع السوري منذ ولادة دولته الوطنية؛ يمكن للمرء أن يقلب صفحات الذاكرة قليلاً مع شيءٍ من المنطق ليعلم أن الاستبداد هو أصلٌ للإرهاب، وأن عنف السلطة الاستبدادية المفرط وغمط الحقوق وغياب العدالة هي من العوامل المحركة والدافعة لأفكار التطرف، كما أن الشعور بالعجز والخوف والعزلة عن المجتمع العالمي سيدعم هذه الأفكار، خصوصاً إذا ما ارتبطت بظلم مفروض على فئة من مجتمع دون غيرها من الفئات. ولكن الأهم من كل هذا، أن التطرف والإرهاب الجماعاتي يبقى شديد الجاذبية وطويل الأمد إذا ما انطوى على حضور دائم ومستمر لإرهاب السلطة.
ولأنها ذكرى رابعة فإنه بات من اللازم التذكير بأمورٍ عدة أثناء التعاطي مع المشهد السوري بعموميته وخصوصيته، أولاها إن الأزمة في بلادنا ليست أزمة إرهاب جماعاتي تتصدره "داعش"، بل هي أزمة منظومة إرهاب يتصدرها نظام الأسد الذي لم يظهر فجأة في عام ٢٠١٣ ليعلن نفسه دولةً في عام ٢٠١٤ كما هو حال "داعش"، بل كان موجوداً على رأس الجرائم المروعة التي ارتكبتها قواته منذ عام ٢٠١١ والتي لا تقل فظاعةً أبداً عن جرائم "داعش"، بل إن التشابه في الأساليب والطرق سيؤكد الفرضية القائلة بأن الأسد والتنظيم المتطرف وجهان لعملة واحدة.
لم يقتصر الأسد على نكب الحضارة في ١٤ محافظة سورية، بل وجاوز ذلك بأن قتل الكثير من أبنائها بجميع مكوناتهم الدينية والعرقية والإثنية ضمن سلاسل من المجازر المروعة، كانت ولا تزال ترتكب باسم الدولة والمؤسسات و"مقاومة الصهاينة"!، بهذا المعنى انهدمت أفران الخبز فوق رؤوس مرتاديها (وجلهم من الأطفال) أواخر عام ٢٠١٢ ومع بدايات عام ٢٠١٣، وبه أيضاً تساقطت الصواريخ الباليستية فوق محافظة الرقة في فترة سيطرة الجيش الحر عليها قبل احتلالها من قبل تنظيم "داعش"، وكذا مجازر الحرق على قيد الحياة والرمي من أعالي المرتفعات والذبح بالسكاكين والإعدام ميدانياً بالرصاص دون محاكمات، والتعذيب الوحشي حتى الموت. ولا يمكن، في الوقت ذاته، نسيان مجزرة الكيميائي التي راح ضحيتها ١٥٠٠ شهيداً جلّهم من النساء والأطفال والتي أعقبها ٧١ هجمة جديدة بغازات سامة ضد ٢٦ منطقة، رغم أنف قرار مجلس الأمن الدولي ٢١١٨ ودون اعتبار لالتزامات السلطة بعد انضمام سوريا إلى معاهدة حظر ومنع انتشار الأسلحة الكيميائية. وهنا لا يمكن الوقوف، فماذا عن البراميل المتفجرة التي أصدر مجلس الأمن قراره ٢١٣٩ لتجريمها ومنع استخدامها؟ ألم يقم النظام بقتل ٥٨١٢ مدنياً سورياً بينهم (١٧٣٣ طفلاً و٩٦٩ امرأة) بهذا السلاح منذ صدور القرار في فبراير/ شباط ٢٠١٤؟
الأمر الثاني الواجب التذكير به، يتلخص في أن إيران ليست طرفاً في النزاع فحسب، بل هي دولة محتلة لأجزاء من سوريا بشكل مباشر وبالاستعانة بوكيلها بشار الأسد الذي لن يتميز عن زميله أبو بكر البغدادي إلّا بالشكل فقط، أما المضمون فواحدٌ، لوحدةِ باعثية الإرهاب من طهران، ولقد قاوم السوريون هذا الإرهاب طويلاً غير أنهم لم يتلقوا سوى الحديد والنار من قبل النظام و"داعش" وميليشيات إيران، وجاء التحالف الدولي ليقوم بواجبه في القضاء على الإرهاب، إلّا أنه نسي أصل الإرهاب وجذره مستفرداً بنموذجه الجماعاتي فقط. وعلى الجانبين، أيضاً، وقف السوريون مستغربين حال ديموقراطية العالم الحر التي تركت الساعين إلى الديموقراطية بين كماشة الاستبداد والاحتلال وكماشة الإرهاب الجماعاتي!
يبلغ عدد السكان المدنيين في المناطق التي يصعب الوصول إليها قرابة الـ ٥ ملايين شخص، ويبلغ عدد السكان المقيمين في مناطق محاصرة قرابة الـ ٢٥٠ ألف شخص، هؤلاء يعيشون ظروفاً صعبة وانتهاكات لأبسط الحقوق منذ عام ٢٠١٢ وليس منذ نشوء تنظيم "داعش" الإرهابي. إن ١٦٧ جندياً من جنود الأسد تُركوا ليلقوا حتفهم على أيدي التنظيم الإرهابي وكأن شيئاً لم يكن!
الأمر الثالث الواجب التذكير به، هو أن الأسد لم يكن قط حامياً للأقليات بقدر ما كان زارعاً لبراثن الفرقة بين مكونات الشعب السوري، والتاريخ يشهد على أن التعايش السلمي بين المكونات السورية كان على درجة عالية من الانسجام إلى أن جاء الأسد وجعل من نظام الحزب الواحد نظاماً طائفياً أيضاً بأن هاجم الأكثرية بسلاح الأقلية وهاجم الأقلية باسم الأكثرية وقضى بذلك على أي تعايش مجتمعي حقيقي وألغى أي شكل من أشكال المواطنة المتساوية، وهذا أمر بدهي، فلا مواطنة متساوية تحت جنح الاستبداد.
الأمر الرابع، ينطوي على كثير من الاستغراب وقليل من السخرية، إذ ينظر المرء إلى الفارق الشاسع في أسلوب التعامل الغربي مع التيارات الدينية المتطرفة في المشرق، ففي الوقت الذي تعطى فيه ميليشيا "حزب الله" الأصولية المتطرفة ومعها بقايا مرتزقة حرس إيران الثوري والميليشيات الشيعية كامل الحرية في الاعتداء على حرية الشعبين السوري والعراقي؛ توضع كل الإمكانات اللازمة لاستهداف التنظيمات المتطرفة على الضفة المقابلة من جبهة الحرب السورية؟ أليس من حق الشعب السوري ألّا يخيّر بين إرهاب فارسي شيعي يساند الاستبداد المحلي ويحارب باسم "القضاء على التكفير" في مواجهة العرب السنة، وبين إرهاب عربي سني أول ما يحارب العرب السنة؟ أليست الأزمة في فكر التنظيم الذي تحمله الميليشيات المساندة لإيران أكثر مما تحمله بعض الفصائل التي تبدو ظاهرياً في الصف المعادي للأسد؟
الأمر الخامس، يحمل بعض اللوم وكثيراً من العدل، فاليوم لا شك بأن تنظيم "داعش" غير عربي، إنه تنظيم عالمي ينضم إليه عشرات الآلاف من المواطنين الأجانب القادمين من غالبية بلدان العالم، وهؤلاء هم الدعامة الأقوى لهذا التنظيم، حتى أنهم حملوا إليه الكثير من الخبرة في مجالات الإعلام الإلكتروني والإخراج السينمائي وعلوم الحاسبات. ولا بدّ أنهم يلعبون أدواراً مهمة أخرى، ولكن المهم أن اللوم يقع على الدول الفارهة التي لم تتمكن من احتواء مواطنيها من جهة، ولم تتعامل بجدية مع تحذيرات المعارضة السورية من أن النظام يمهد لتمكين تنظيم متطرف كـ "داعش" في المنطقة ليحاول استعادة جزء من الشرعية الخارجية من جهة أخرى.
لقد خسر السوريين الكثير (210 آلاف شهيد على أقل تقدير) في سبيل الخلاص من الاستبداد المحلي، ومروا بظروف عصيبٌ على التكرار ذكرُها، ولكنّهم تفاجأوا بأنهم باتوا أمام صراعٍ كبير مع منظومة إرهاب دولتي وجماعاتي يحتل فيها عدوّهم الأول بشار الأسد موقع الرأس من الجسد، هناك وجد الشباب المتحمس أرضه وثقافته تسرقان منه باسم الدين ووسط حشد من الشعارات الموروثة المسلوخة عن زمان ومكان غير زماننا ومكاننا.
يُحكى أن الأسد الأب رفض عرضاً تلقاه من "الخميني" بإرسال ١٠٠ ألف مقاتل من الحرس الثوري لدخول لبنان أثناء وصول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت في ثمانينيات القرن الماضي ليثبت محدودية علاقة نظامه مع إيران، غير أنه قبل بدخول البعض للمشاركة في الحرب التي قتل فيها الأسد عشرات الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين. ويا للمفارقة فقد سلّم الأسد الإبن الأراضي التي تسيطر عليها قواته للاحتلال الإيراني.
إننا اليوم مع السعودية وقطر وتركيا وكل دول العالم المساندة للشعب والمحاربة لنظام الأسد والمشروع الإيراني في المنطقة. وكم يسر المرء حدوث توافق على المستوى الإقليمي بين الجيران مصحوباً بظهير دولي متعاطف مع الثورة السورية، لما في ذلك من انتقال إلى طورٍ جديد من التعامل مع إرهاب الأسد وإرهاب تنظيم "داعش" لإنهائهما معاً وإعادة بناء البلاد وتأهيل مؤسسات الدولة وإقامة الحكم الرشيد.
عامل الزمن أثبت لدى السوريين أن ثورتهم ليست مجرد ثورة على مستبد بقدر ما هي ثورة على منظومة إستبداد وإرهاب، فليست السنوات الأربع الفائتة أقل ألماً من أربعين سنةً قبلها تلك التي حكم فيها حافظ الأسد أرض سوريا رغماً عن الوطن وشعب الوطن. فماذا صنع عامل الزمن لدى الدول المتعاطفة مع الشعب السوري؟ هل باتت القناعة أكثر رسوخاً بأن على الأسد الرحيل بالحل السياسي فقط؟ أم أن تحوّلاً ما قد يصيب المشهد برمته مع إرهاصات محادثات النووي الإيراني؟ رغم أهمية هذا السؤال، إلّا أن الحقيقة الأهم تتجسد في أن استمرار الثورة بكل الوسائل والأدوات والسبل المشروعة حتى تحقيق هدف الشعب في إسقاط نظام الأسد ومحاكمة بشار أمر لا مفرّ منه.
*عضو الائتلاف الوطني السوري