الرئيسة \  من الصحافة العالمية  \  (آخر) ملوك سوريا: تحول حكم أسد إلى نظام الإقطاع

(آخر) ملوك سوريا: تحول حكم أسد إلى نظام الإقطاع

27.11.2017
نيك غرينستيد


ترجمة معين آل حمصي 
المصدر : War On The Rocks
22 نوفمبر 2017
فقدان السيطرة على 78% من الارض السورية وخسارة 226 بليون دولار أمريكي من الناتج المحلي الاجمالي للبلد (عداك عن التكلفة البشرية التي توصف) لا يعني هزيمة نظام بشار الأسد. لأجل أن يمنع الثوار من التقدم نحو دمشق، احتاج الاسد إلى تدخل روسيا وإيران وحزب الله. في الوقت ذاته، توجب على النظام أن يضحي ببعض سيادته لصالح مليشيات موالية ليعزز من قدرته القتالية وليبقى آمنا بعيدا عن الجبهات الأمامية.  بما أن التهديدات الوجودية للنظام التي شكلها تنظيم الدولة الاسلامية ومختلف قوى الثوار تتلاشى، من الضروري فهم ميزان القوى بين الاسد وهذه الميليشيات. سوريا التي يسيطر عليها النظام تتحول أكثر نحو نظام إقطاعي يسمح فيه الاسد للمليشيات الموالية أن تحافظ على الأمن أو أن تقاتل في الخطوط الامامية مقابل ميزات محددة ودرجة من الاستقلالية.  
الشىء المؤكد هو أن اضطرار النظام الحقيقي إلى أن يلجأ، وفي بعض الاحيان ان يوجد، مليشيات لدعم قدراته العسكرية والبوليسية كان إشارة ضعف. تلازم هذا مع حوادث عنف غير مصرح بها مارستها هذه الميليشيات الموالية فُهم على أنه دلالات على نهاية النظام الوشيكة. وجدت نزعة نحو الاشارة إلى أمثلة معزولة عن العنف غير المصرح به، كما في حال أن تقاتلت  ميليشيا موالية مع ميليشيا موالية ثانية، على أنها انحدار نحو موت النظام. لن تستطيع أي مساعدة من روسيا أو إيران أن تنقذ النظام من نفسه- أو هذا ما يقود إليه التبصر. لكن هذا المنطق لا يتفق مع مطواعية نظام الاسد البعثي الذي يبرهن على أنه مستعد لأن يستخدم أي وسيلة وأن يجري الكثير من المساومات الشيطانية ليضمن بقاءه. رغم أن الاسد قد ضحى ولا شك بدرجة من سلطته إلى الميليشيات الموالية، لكن استقلالية عمل هذه المجموعات لا يزال يعتمد على إذن النظام.  
لأجل أن يبقى، عسكرَ النظام مكوناته، وهو ما عزز من السمات الاقطاعية القائمة أصلا  للموالاة الشخصية والاستقلال المحلي لمجموعات الخدمات الأمنية. حتى اليوم، لم يقع الاسد ضحية قادة هذه الميليشيات القوية- الذين يشبهون احيانا أمراء الحرب- جزئيا بسبب اعتماده على الدعم الخارجي من روسيا وإيران. باختصار، الاسد لايزال ملكا. لكن لا بد أن يبقى صناع السياسات والذين يراقبون سوريا على حذر ذلك أن أي اشتغال دولي في تعافي سوريا وإعادة بناءها سيكون عرضة للوقوع في فخ المفاوضات المبهمة والفضفاضة بين النظام والميليشيات الموالية.   
 
استقطاعات وقت الحرب
تقاتل في صف نظام الاسد اليوم عشرات الميليشيات. تختلف هذه المجموعات في معتقداتها والمناطق التي تعمل فيها وفي قدراتها القتالية. هذه المجموعات أكثر تجذرا محليا من الجيش السوري الذي يجند أفراده من غير تمييز من مختلف مناطق البلد. تتنوع هذه المليشيات في الايديولوجيا والطائفة والدافع من البعثية (لواء البعث)، إلى القومية السورية (نسور الزوبعة)، إلى القوميين/ الخمينيين (لواء الامام المهدي)، إلى مهربين تحولوا إلى وطنيين (صقور الصحراء).
قدم نظام الاسد عددا من التنازلات لتعويض هذه الميليشيات الموالية عن تضحياتها في زمن الحرب. تحمل النظام نهب الميليشيات الموالية للمناطق التي تم استعادتها (أو تحريرها) مجددا، مع أكبر عملية سلب انتقامية قد تحدث بعد معارك طويلة وضارية، مثل إعادة السيطرة على حلب. كما سمح للميليشيات الموالية أن تشكل وتبقي على نقاط تفتيش تؤمن وسيلة لنزع المداخيل من السوريين الآخرين باسم تأمين السلم.
كان الخوف بطبيعة الحال أن تتحول هذه الاستقطاعات في زمن الحرب إلى معالم ثابتة في المشهد السوري. تشير التقارير إلى مشكلة سلب الميليشيات لمناطق شرق حلب المستعادة وإقامتهم لمجموعة معقدة من نقاط التفتيش في مختلف مناطق المدينة. تثير الميليشيات الموالية التي عهد إليها بالابقاء على محاصرة البلدات التي اتهمت بتعطيل مفاوضات وقف النار، العنف لأجل المحافظة على عوائد التهريب التي يحصلون عليها من عمليات الحصار. الأمر المقلق هو أن بعض هذه الميليشيات بدأت تظهر وتتصرف مثل أمراء الحرب الصغار.
 
مخاوف المواطنين
يعي الأسد أن شرعيته الشعبية قد تتقوض إذا ما سمح لهذه الميليشيات للانغماس في سلوك عدائي غير مقيد أبدا. حاولت دائما عائلة الأسد أن تحكم دون منازع مع دعم شعبي لسياساتها في آن معا. تحمل السوريون الذين يعيشون تحت حكم النظام الكثير باسم الانتصار في الحرب، لكن هناك حدود. طريقة تعامل الأسد مع جنوح الميليشيات الموالية نحو نزعات أمراء الحرب ينبئ الكثير عن ميزان القوة داخل النظام.
 
الواقع هو أن نقاط التفتيش والسرقات والحصارات أصبحت مرهقة جدا بحيث اضطر الاسد إلى أن يرد علنا على سلوك الميلشيات الموالية، وإن بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، أشار الاسد إلى القضية في خطاب إلى وزارته في شهر يونيو عندما تحدث عن "مظاهر مؤذية برزت في السنوات الأخيرة، والتي تسئ إلى حقوق المواطنين بشكل مباشر.. بما في ذلك مظاهر من قبل بعض الرسميين." في اليوم التالي بعد الخطاب، بدأت دائرة المرور التابعة لوزارة الداخلية بتسيير دوريات بهدف منع الاستخدام غير المرخص للأسلحة داخل المدينة. في الوقت ذاته تقريبا، شنت الحكومة حملة في حلب للقبض على المقاتلين المسلحين من المجموعات الموالية في أحياء الأعظمية والأكرمية وسيف الدولة الحلبية. في ربيع 2017، ألغت الحكومة حق هذه الميليشيات في حمل بطاقات الهوية العسكرية التي كانت تسمح لهم بأن يتجاوزوا بسرعة نقاط التفتيش التي يجبر السوريون العاديون على الوقوف والانتظار عندها. يتعلق بعض من أسباب الغاء هذا الامتياز بالأمن- كان من السهل جدا على الثوار أن يحصلوا على بطاقات الهوية العسكرية وأن يستخدموها بالتالي للتسلل عبر نقاط التفتيش وشن الهجمات. لكن وفقا لمحادثاتي مع مصادر محلية فقد تم الغاء هذا الامتياز أيضا لأنه كان هناك شعور متزايد لدى السوريين في المناطق الخاضعة للنظام بأن مقاتلي الميليشيات قد صاروا مغرورين ومتكبرين. تثبت خطوة الاسد أن تصرفات الميليشيات كانت وازنة في الشرعية الشعبية للحكومة.  لم يكن الاسد ليتجاهل قلق هؤلاء السوريين الموالين ظاهريا إلا على مسؤوليته الشخصية.
 
"اسمي هو رأس مالي"
إضافة إلى المخاطر التي تلحق بشرعيته الشعبية، كان على الاسد أن يخشى بالدرجة ذاتها احتمال فقدان نظامه احتكار القوى القسرية على حساب حلفاءه المحليين. لكن، تحليل سوريا الخاضعة لسيطرة النظام غير قادر على تقديم دليل على استطاعة أي ميليشيا واحدة أو مجموعة ميليشيات أن تبدو بشكل دائم قوة قسرية كبرى مقابل النظام. مثل هذه النزعة قد تبين ضعف سيطرة النظام وتنذر بفوضى من نوع الفوضى في الصومال. لكن تحليلي الكمي للصراع الذي قامت به مصادر مراقبة ومطلعة مثل المرصد السوري لحقوق الإنسان، تبين أن مثل هذا الشيء لا يحدث.
على العكس، بينت حوادث عديدة على قدرة النظام على فرض إرادته ضد الميليشيات الموالية سيئة التصرف. خذ على سبيل المثال حلَّ النظام لصقور الصحراء مبكرا هذا العام، وهي التي كانت يوما ما الميليشيا الموالية للنظام الأكثر تأثيرا وظهورا. في وقت ما من بداية عام 2017، كان الاسد في موكب صغير من السيارات متوجها نحو مسقط رأسه في القرداحة لزيارة قبر أمه وحدث أن قابلته مجموعة رجال مسلحين يقودهم إبراهيم جابر، الأخ الاصغر لقائد صقور الصحراء محمد جابر. صوب حراس ابراهيم بنادقهم نحو الاسد وموكبه، غير عارفين من بداخل السيارة. كان رد فعل الأسد أن رمى بإبراهيم في السجن، والأمر الآخر الذي له الاهمية ذاتها، حجّم الاسد من صقور الصحراء التابعة لمحمد جابر بأن حدّ من تحركاتهم وفي نهاية الأمر حلَّ هذه المجموعة.  
لا يمكن التقليل من القدرة القتالية لصقور الصحراء، فقد كانت واحدة من الميليشيات الموالية القليلة التي يعتمد عليها في الأعمال الهجومية. غالبا ما كانت هذه المجموعة تهرع عبر مختلف مناطق سوريا لمساعدة وحدات الجيش العربي السوري الأضعف عندما تتعرض لهجوم؛ كما حدث مثلا في اللاذقية، معقل النظام. 
إذن لم رغب الأسد في حلَّ واحدة من وحداته المقاتلة الأكثر فعالية؟ على المستوى الشخصي، كان الأمر ثأرا من مجموعة صوبت أسلحتها نحوه. لكن في الوقت ذاته، يبعث هذا الإجراء رسالة مهمة إلى الميليشيات الموالية الأخرى: لا يمكن التسامح مع حوداث العنف الهوجاء؛ والأهم أن الاسد لايزال قادرا على فعل شيء ما حيالها. عدم الرد الحاسم قد يشكل علامة ضعف. وفقا لاستقصائي، لم تثر أي ميليشيا أخرى مثل هذا رد الفعل من النظام، وهذا ما يفترض أن الاسد ببساطة لم يحتج لأن يتحرك ضد أي ميليشيا بهذه الطريقة الدرامية المثيرة.
آل الجابر مهربون مشهورون وهم بلا شك معروفون لدى النظام وعليهم اعتمد في العديد من الجبهات. ربما عنت شوكة صقور الصحراء المتزايدة أن قدرهم أن يقضي عليهم الاسد يوما ما؛ وجاء اعتداء ابراهيم الجابر سببا ملائما. يبقى، في نهاية المطاف أثبت الاسد أن لديه الإرادة والقدرة على حلَّ الميليشيا عندما أحس أن ذلك ضروريا.
 
الصراع حقيقي
تبين قدرة الاسد على التصرف ضد الميليشيات الموالية عندما يرى ذلك مناسبا أن ميزان القوى لا يزال لصالح النظام. لكن هذه لا يعني أن الميليشيات لا تشكل معضلة:  قد ينتهي الأمر بالأسد إلى أن يلعب لبعض الوقت "لعبة ضرب حيوان الخلد" مع ميليشيات ضارية أو كبيرة الحجم. لكن الاسد يستطيع أن ينهي امتيازات واستقلالية المجموعات في اي وقت من خلال استخدام قوته القسرية الغالبة. لا تزال القوة والسلطة في سوريا الخاضعة لسيطرة النظام، رغم تبعثرها وتسلحها، تمارس اليوم عبر الأسد. وفقا لمسار الحرب الحالي، يتوقع أن يستمر تحرك الموازين لصالحه. 
لكن بينما الحرب السورية تقترب إلى النهاية وتفسح مجالا لمدة طويلة ومزعجة من الصراع، فان الاسد لا يقاتل فقط القوات المتمردة المدفوعة للقتال ضده. هو كذلك يبحث في ويراجع نظاما بني دائما على الحظوة وحكم الفرد والفساد والمؤسسات الامنية المتداخلة. هذا النوع من الاقتصاد السياسي يواجه تكاليف انتقالية عالية وسيحاول الاسد بشأنها أن يستخدم أي مساهمات مالية عالمية لإعادة بناء سوريا، من أجل أن يسهل حركة عجلات الماكينة.
المانحون الغربيون الذين يعرفون ويدركون هذه الأشياء؛ عليهم الامتناع عن تمويل استرداد العافية وإعادة البناء في سوريا، أقله في هذه المرحلة المفصلية. نظام الاسد غير معني بالشروط السياسية التي قد يأتي في إطارها التمويل الغربي. أي أموال لإعادة البناء سيتم بكل تأكيد الاستئثار بها وتخصيصها لتسهيل عجلات الماكينة المشار إليها من قبل، تماما مثلما تأكد الأسد أن الأفراد القريبين من النظام استفادوا من عقود الأمم المتحدة بخصوص توريد المساعدات الإنسانية. أكثر من هذا، أي تدخل قد يؤدي من غير قصد إلى تقوية الميليشيات الموالية، ويسبب بالتالي مزيدا من عدم الاستقرار.
كل ما على اللاعبين الغربيين فعله هو أن يخصصوا موارد أكثر للبحث واستقصاء المعلومات عن هذه الميليشيات الموالية ومراقبة حالة اللعب بينها وبين النظام. تم التقليل من مطواعية الاسد وقوته ومن المحتمل أن يقاوم في سوريا ما بعد الأزمة، لكن لا ينبغي القبول بهذا على أنه من المسلمات.
_____________
رابط المقال:
 https://warontherocks.com/2017/11/the-last-king-of-syria-the-feudalization-of-assads-rule