الرئيسة \  واحة اللقاء  \  (الهولوكوست) السوري

(الهولوكوست) السوري

11.09.2017
د. يحيى العريضي


 كلنا شركاء
الاحد 10/9/2017
تصرُّ الصهيونية أن هناك نسخة واحدة من “الهولوكوست” على يد النازية؛ ويصعب – بل ربما يستحيل – أن يتشبّه بهم اويشاركهم أحد ذلك الحدث الأبشع في تاريخ البشرية؛ كي لا يحظى أحد بتميّز وتفرد، وربما  انسجاماً مع “المنحة الإلهية” بأن /اليهود شعب الله المختار/
    في استطلاع بسيط وسريع لمقاربة الغرب للمآسي التي لحقت بالشعب السوري لست سنوات ونيف، لا يلاحظ المرء ورود أو اعتماد هذا المصطلح للإشارة إلى أيٍّ من الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين على أنها ذات قُربى أو صلة بـ “الهولوكوست” رغم التشابه الكبير الذي يصل إلى حدِّ التطابق بين ما تعرض له اليهود وما تعرض له السوريون على يد سلطة هي ذاتها استخدمت مفردة “الحرق” كوعيد إذا هُدِّدَت سلطتها: “الأسد أو نحرق البلد”. حقيقة؛ إن هذه السلطة الأسدية هدَّدَت، ونفذت. وهناك تقارير تتحدث عن إحراق المساجين يومياً في أفران أُقيمت في سجن صيدنايا وغيره من مراكز الاعتقال التي تكاد لا تحصى لكثرتها.
    مناسبة الحديث حول هذا الموضوع هي ذلك التقرير الذي طال انتظاره من لجنة التحقيق في استخدام السلاح الكيماوي في سورية والذي يشير بما لا يدع مجالاً للشك أن نظام الأسد هو الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنين سوريين أكثر من عشرين مرة.
    القتل هو القتل؛ إن كان بسلاح كيماوي أو حرقاً في فرن أم بقنابل فوسفورية روسية أم قهراً على ابنة أو أخت يغتصبها ممثل للسلطة الحاكمة يرتدي اللباس العسكري المُمَوَّه، ويضع صورة الأسد على صدره؛ أو كان التعذيب حتى الموت في المعتقل؛ أو التجويع حتى الموت؛ أو الاستسلام في بلدة بالقرب من القصر الجمهوري؛ أو التطهير العرقي بناء على طلب المحتل الإيراني إشباعاً لعُقَد  رأس الملالي الذي يريد إعادة أمجاد إمبراطورية فارس… أو … أو…  .
    المصيبة أن أياً من الأحداث الدموية لهذا المسلسل الذي تمتد حلقاته أكثر من ست سنوات لم تُوقف رقابياً وليس هناك نيّة واضحة بوقفها أو حتى السماح بإدانتها. ومن هنا تأتي أهمية تقرير لجنة الكيماوي الأخير، علماً أن روسيا حالت دون أي إدانة أو عقاب لجرائم الحرب تلك بحكم امتلاكها الفيتو الذي تحوّل إلى أداة لحماية الإجرام باليد الروسية.
    هل هذا التقرير صحوة ضمير عالمية أم ماذا؟  ليست العبرة بنيل صفة “الهولوكوست” المُحتَكَرة يهودياً، بل على الأقل ربما يكون صرخة في وجه أولئك الذين يروجون لإعادة تكرير مرتكب تلك الجرائم وتأهيله مجدداً. الدول التي تقبل ببقاء منظومة الأسد رغم جرائم الحرب التي ارتكبتها تفرض على نفسها إيجاد الإخراج المناسب لذلك؛ وإلا ستكون شريكة بجرائم الحرب إياها.
   هل صدور التقرير إذن عمل بمبدأ أن “المتستر على الجريمة كمرتكبها؟” بعد أن تم تجاوز ملف البراميل، وملف تشريد الملايين، وملف تدمير أكثر من نصف سورية، وملف تشويه الإنسان السوري وتصويره كإرهابي؟
    هل وصل العالم أخيراً إلى قناعة بان منظومة الأسد التي هيأت الوضع الأمثل لإجرام داعش كي توازن إجرامها والإبقاء على منظومة الأسد الاستبدادية في دمشق يعني الإبقاء على منظومة داعش؟
   هل استشعر هذا العالم الذي لم يعترف بـ “الهولوكوست” السوري أن السوريين سيبدؤون بحملة لدفعه إلى مراجعة لـ “الهولوكوست” اليهودي الذي ما زال هذا العالم يندب ويلطم عليه لمجرد ذكره؟
بعد يوم على صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية وإثباتها بأن نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي أكثر من عشرين مرة؛ يأتي القصف الإسرائيلي لمنشأة قيل إنها تصنّع المواد الكيماوية والبراميل؛ وكأننا بإسرائيل- إضافة لجملة من الرسائل التي تبعثها لإيران وأمريكا وروسيا وأمريكا- تريد أن تقول للعالم إن إسرائيل- التي تعرض “شعبها” للمحرقة- هي الوحيدة القادرة على معاقبة من يستخدم الكيماوي ضد آمنين. وكأنها بهذا الفعل تُسَلِّف العالم ديناً أخلاقياً؛ وكأن السوريين لا يدركون أن إسرائيل ذاتها أحد أسباب استمرار مأساتهم كل هذه السنوات. فعل إسرائيل هذا لن يشفع لها؛ وما بإمكانها أن تحتكر “الهولوكوست” لذاتها، وتمنع استخدام العبارة لتوصيف أي جرائم مهما كانت فداحتها. وكأن حق الظلم والمظلوميات حكرٌ تاريخيٌ لها. السوريون حتى الآن مروّا بكذا “هولوكوست” وعلى يد حاكم من طينة إسرائيل.
استمرار منظومة الأسد والتراخي بمحاسبتها القانونية على جرائمها تدمير للمبادئ والأسس الناظمة لحقوق الإنسان وهدم لأسس السلام والأمن العالميين. إذا تم هذا، ليبشر هذا العالم بهتلرية جديدة. “هل تذكرون اتفاق /ميونخ/ مع هتلر عام 1938
هذا العالم الذي يسعى للتأسيس للقبول بالإجرام وتدمير حياة السوريين دون حساب ويزيد على ذلك تفكيره بإعادة تكرار أو تأهيل مرتكبي الجرائم سيولّد غضباً وإحباطاً يأتي على الأخضر واليابس في أكثر المناطق أمناً وأماناً في عالمنا. دهس البشر في الطرقات الآمنة في أوربا الذي يُستَخدَم فزاعة ووراءه إيران وميليشياتها ومنظومة الإجرام في دمشق قد تتحوّل إلى منهج إجرامي حقيقي يتجاوز مَن يستخدمونه الآن كفزاعة؛ إن لم يتم وضع حد للمشغلين الأساسيين. للعلم، حتى عبارة {إرهاب الدولة}، التي يستخدمها الإعلام لوصف عمل أي دولة تمارس الإرهاب رسمياً؛ لم تُسْتَخْدَم قط في الإشارة إلى إرهاب وإجرام منظومة الأسد تجاه سورية والسوريين. لا بد لهذا العالم أن يفتح ضميره قبل عيونه، فالحرائق ستصله حتماً إن استمر في المشي على رأسه..