الرئيسة \  واحة اللقاء  \  (كنا عايشين2)..ما حدث، كان لا بد أن يحدث

(كنا عايشين2)..ما حدث، كان لا بد أن يحدث

21.07.2016
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاربعاء 20-7-2016
ما حدث في سورية عام 2011، كان لا بد أن يحدث؛ وما صار كان لا بد أن يصير- أكان ذلك بحسابات القدريين أم بعدادات العلمانيين أم بشطحات الفلاسفة أو بحسب إيديولوجيات الساسة أو تقديرات مراكز البحوث. سيحدث، أكان ذلك بحسابات ومشيئة الخارج ( متآمراً كان أم داعماً) وبحسب تفكير الداخل (كتصورات او أحلام أو نزوات تجريبية أو عبثية). سيحدث حسب آمال وطموحات”المشاغبين” اللذين بقيوا خارج أسوار القبور او السجون في الداخل أو في المنافي.
لقد بنت منظومة الأسد كل سياساتها ومواقفها وتصرفاتها وقراراتها استعداداً للحظة المواجهة هذه؛ والكلمة المفتاحية هاهنا هي “المواجهة”. أما الإنسان السوري – ككل مخلوق إنساني طبيعي ميّال الى الاستقرار والأمان والعيش الطبيعي- فلم يبنِ حياته على أساس المواجهة، بل على حقّه المشروع في العيش والأمان والاستقرار والنمو بقدر ما استطاع إلى ذلك سبيلا. شمل ذلك حتى اللذين رأوا في النظام عدوا؛ فكانوا أميل إلى التغييردون أية مواجهة دموية صفرية.
حيثما كان اصطفاف السوري، لا بد أن التغيير قد راود خلاياه الدماغية بطريقة أو أخرى، حتى ولو متماهياً مع المنظومة الحاكمة. سعى السوري باستمرار كي يغيّر في واقعه: سافر، هاجر، عاد، بنى، استثمر، زرع. جرب السوري حتى الاحتيال على واقعه؛ حاول التمرد عليه؛  خدع نفسه أحياناً. كانت ميزة عيشه او وجوده أو حياته عامّة مضطربة، ولكن دون الكثير من الصخب بسبب الخوف. بالمختصر، كان الاستقرار الذي ينشده قلقاً؛ كانت لحظة المواجهة آتية لا محالة؛ فلو لم تكن عام 2011 لكانت 2013 او 14 أو 2005 أو أو…. لقد كانت المسألة تأجيلاً للمواجهة فقط.
كان البلد مركباً على واقع معيب: منظومة حاكمة تجهّز نفسها للمواجهة في كل موقف او مسلك لها، ومواطن ينشد العيش المستقر الآمن الكريم؛ وهكذا واقع لا تستقيم فيه حياة طبيعية. كان تنفيس حالة اللااستقرار مطلباً لكثير من السوريين، سرَّ فيه البعض لأصحاب القرار، ولكن دون جدوى؛ لقد طلبوا ضامناً للاستقرار وإجراءات لتنفيس الاحتقان، طلبوا مشاركة الناس، طلبوا تفاهماً على وضعية معينة يكون فيها الناس شركاء في أي خط أو نهج أو وجهة سياسية واقتصادية يُتَّفَقُ عليها، لإن إيمانهم هو أن الوجهة الصح هي ما يُتَّفق عليه لا ما يُفْرَض من جانب واحد كحال النظام الأسدي ( هاهم الأتراك وقد تصرفوا كمسؤولين عن بلدهم وبيتهم بما في ذلك سائق الدبابة الذي لم يسمح لنفسه استخدام قوته ليقتل أخيه). أي اتفاق شراكة بين السوريين كانت أضراره أقل بمليون مرة من حالة قسرية لا شبيه لها إلا القنبلة الموقوتة التي ستثور بأي لحظة.
عندما اختار النظام الأسدي بكل غطرسة وعناد واستبداد هذه الحالة القسرية، الأحادية الاحتكارية لوجهة الأمور في سورية، فانه يتحمّل بالمطلق ما حصل خلال الخمسة أعوام الماضية في سورية. وإن كان هذا ديدنه ونهجه؛ فما الضامن ان يعود، وينهج الخط ذاته، ويدمي سورية أكثر في سنوات قادمة؛ إنْ هو أُعطي فرصة في البقاء الآن؟
إن مبدأ “كنّا عايشين” ليس أكثر من فخ، يقول للنظام إنك كنت على حق، وهو ليس على حق ويعرف ذلك، ولا يستطيع إلا ان ينهج النهج ذاته وسيتكرر ما حدث خلال الخمس سنوات الماضية بشكل افضع حتى تجاه الموالين له، لأنه يحاسب حتى على النية أو التفكير الخفي ولو كان صامتاً، حيث أن الموالين لا بد وأن يجول بخاطرهم إحتمال مسؤوليته عن الدم والدمار؛ وهذا بحد ذاته مدعاة لسحقهم بشرعته.
نحن امام منظومة حكم قائم على المواجهة لا المشاركة والأمان والعيش الكريم. إذا فرضنا جدلاً ان الموالين والصامتين والرماديين في الداخل السوري وحتى الراغبين في العودة إلى “حضن الوطن”، وخاصة اولئك المطلقين لعبارة /كنّا عايشين/ قد اختاروا العيش في كنف هذا النظام، فإن عليهم انتظار تكرر تلك التجربة السابقة نفسها؛ لأنه حتى لو حدث هزة أرضية واضطر المجموع إلى مواجهتها، أو أنهم اختلفوا حتى على “ربطة خبز”، أو أن طفل كتَبَ على جدار؛ فإن سورية عائدة إلى المواجهة لا محالة؛ ومن هنا لا بد من التغيير.
من هنا، وهذا ربما الأخطر؛ ستظل سورية وجهة للارهاب وانتاجه؛ ستظل في كنف هكذا نظام معتقلاً ضخماً فيه تُكْسَرُ إرادة الناس، أو يتحولوا إلى مخاليق طيّعة أو تخرج من الحياة في واقع المواجهة التي يولّدها نظام قائم على الاستنفار تجاه محيطه. من هنا ستبقى سورية في ظل هكذا نظام وجهة ومصنعاً لتجارة الارهاب الرائجة دولياً حيث يستمر بوتين وأوباما وأوربا بتواطؤهم على تكريس سورية معتقلاً وسوقاً لتجارتهم العابرة للقارات هذه.
نحن أمام نظام ليس أكثر من سجّان تافه مشرف على ثقافة الموت؛ أجير مميّز في مصنع قتل؛ خادم أمين للاستبداد العالمي؛ وصورة كاريكاتورية للتشوّه؛ نظام يصعب الانتصار عليه إلا بتوليد ثقافة الحياة. من هنا على كل سوري أن ينتصر بنفسه، ويصنع نمط حياة ليعيش بجد. لا بد من إيجاد صيغة لإيقاف المعركة التي تخدم في استمرارها هذه الحالة المرضيّة المسماة “نظام الأسد”، فبالخلاص منه يتم الخلاص من فزّاعة داعش، بالخلاص منه يتوقف هذا التناقض مع العالم؛ فهناك حالة من الاستغراق بالعداء للعالم. لا بد من التوقف عن هذه الصرخات العبثية: (العالم خذلنا)/ (العالم يتآمر علينا)/ (العالم يكرهنا). إن من يُسعد بترويج هكذا مقولات بكل خبث ومن يهمه إقناعنا بها ليس إلا منظومة الأسد. هذه المنظومة تريدنا ان نستمر بالمترسة وراء مقولات ترممه وتسحقنا مثل: (العالم يكره العرب)( العالم تعب من السوريين وأصبح يكرههم)و(العالم لا يكترث بالسوريين). النظام يسعى إلى تكريس ذلك، وفي الوقت ذاته يتفاخر بعلاقات سرية وعلنية مع مخابرات العالم؛ إنه يسعى إلى تقديم نفسه كصديق للعالم العلماني المتحضر الذي يحارب الإرهاب، وفي الوقت ذاته لا يضيره، وربما يعمل على تصوير هذا الشعب السوري كإرهابيين يمارسون ويحتضنون الارهاب، وهو بدوره يقاوم هذه التوجهات؛ وهنا يقدم مقولته وضربته القاضية بالقول إنه الوحيد القادر على إعادة السوريين الى “القمقم”.
العالم بدوره ينتظر من السوريين أن يتفاهموا معه. هذا العالم ليس كتلة واحدة مصمم ومبرمج على عدائنا وكرهنا وتركنا نُذبَح، والقبول المطلق بأكاذيب النظام. هذا العالم ربما يريدنا أن نمد له أيدينا لنجده مليئاً بأصدقاء الحياة.