الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية والخطوط الحمراء!

الثورة السورية والخطوط الحمراء!

01.05.2013
علي الرشيد

علي الرشيد
الشرق القطرية
الاربعاء 1/5/2013
منذ الصغر ارتبط اللون الأحمر في أذهاننا بالتحذير والأمور الجدية والتضحية والفداء، فاللون الأحمر في إشارات المرور، كي تقف السيارات عند تقاطعات الطرق، ولون سيارات الإسعاف، أو لون ضوئها على الأقل أحمر، كي يتم فسح الطريق لها لتعبر بسرعة، من أجل إنقاذ حياة أشخاص تحملهم، وهو إشارة أيضا إلى لون الدم الذي يراق سواء في المعارك أو الحوادث.
واستخدم هذا اللون في الشعر العربي عند الفخر والحماسة وتهديد الأعداء، ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم متحديا عمرو بن هند:
أبا هند فلا تعجل علينا وانظرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضاً ونصدرهنَّ حمراً قد روينا
وفي مفردات السياسة والإعلام صار مصطلح "الخط الأحمر"، متداولاً للإشارة إلى أمر ينبغي على الأشخاص أو الجماعات أو الدول أو الهيئات عدم تجاوزه، وإلا تعرضوا للعقوبات والأذى، بما في ذلك شن الحرب عليهم، من قبل الأغلبية (المجتمع الدولي) أو طرف قوي.
لكن هذا الخط في عهد الثورة السورية التي يمتد عمرها لأكثر من سنتين امتهن كثيرا على ما يبدو، وصار مائعاً هزيلا، على لسان من يقومون بالتنويه إليه في خطاباتهم من الزعماء والقادة و، لأنه لم يعد يثير في نفوس من يتوجه إليه خوفا أو رهبة، كما يتضح، رغم ما يقوم به النظام المجرم في دمشق من فظائع دموية ومجازر وحشية، تقشعر لها الأبدان، وتدمير ممنهج للبشر والحجر والبنى التحتية.
الشعب السوري منذ بداية الثورة يراق دمه على مذابح الحرية، بدءا من المظاهرات السلمية ومرورا بالقصف الجوي لبيوته وأحيائه وقراه ومدنه، ورغم ذلك لم يجر الحديث عن الخط الأحمر لدى البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي إلا عندما تحدث الثوار والنشطاء عن قيام النظام السوري باستخدام الغازات والسلاح الكيماوي وما شابهه، وكأن دم السوريين الذي سفك لأكثر من عامين بلا لون، أليس هذا عمى الألوان وزيف الخطوط بآن معا؟!
أول من تحدث عن الخط الأحمر كان رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان، كما أذكر، إذ اعتبر أن اجتياح مدينة حماة من قبل النظام السوري خطا أحمر، ثم ما لبث النظام أن اجتاح المدينة التي سبق لها أن تعرضت لمجزرة عام 1982، ولم يفعل أردوغان ولا المجتمع الدولي شيئا، ثم توالى حديث المجتمع الدولي والأمم المتحدة وتصريحات قادة الدول عن الخط الأحمر، لكن ما لبث أن تبين أن هذه التهديدات والخطوط غير جدية أبدا، بل إنها كانت ذات مفعول عكسي على النظام إذ دفعته لارتكاب مزيد من الجرائم، وقتل عدد أكبر من الأبرياء والمدنيين العزل، ومنحته فرصة إضافية للقتل من دون حسيب ولا رقيب.
الإدارة الأمريكية ربما تكون ذات المسؤولية والحرج الأكبرين في تمادي الأسد، فبعد أن استخدم الطائرات والصواريخ وكافة صنوف الأسلحة في قصف واستهداف شعبه، دون أن يثني ذلك الشعب عن مواصلة حراكه الثوري، وتوقع المراقبون أن يستخدم الأسد الورقة المتبقية في يده وهي السلاح الكيماوي، أعلنت الإدارة الأميركية أن الكيماوي خط أحمر، ربما لتداري عن نفسها تباطؤها في حماية المدنيين من حلال توفير الغطاء الجوي، أو المناطق الآمنة، أو تقصيرها في دعم الثوار بالسلاح النوعي.
لكن عندما تواردت الشهادات والتأكيدات المحلية والدولية سواء شهادات السوريين التي خرجت من حمص ومن ريف دمشق مدعمة بالأدلة والصور وموثقة بتقارير الأطباء والمختصين، أو التحقيقات العلمية البريطانية، التي استطاعت أن تحصل على عينات من تربة (خان العسل) وتأكيد استخدام غاز السارين السام والقاتل، أو التي وردت عن طريق الاستخبارات الإسرائيلية، حول استخدام النظام للغازات والكيماوي، وتأكيد انتهاك الخط الأحمر الأمريكي، صرنا نسمع من الإدارة الأمريكية عن أدلة غير كافية عن هذا الاستخدام، وضرورة إجراء مزيد من التحقيقات للتثبت من تورط النظام السوري، قبل اتخاذ أي إجراءات ضده، في حالة أقرب إلى الإنكار، لمداراة الإحراج، والسبب أنها لا تزال تبقي الخط أحمر، وبالوقت نفسه تترك الجاني يسرح ويمرح، مع غمس رأسها في الرمال.
الخط الأحمر المزيف لإدارة أوباما والغرب فيما يتعلق بمواجهة استخدام الأسد للأسلحة الكيمائية، يشبه حديثهم المذبذب عن تسليح الجيش الحر، الذي لم يتم رغم وعود بعضهم بذلك، ثم تراجعهم تحت أعذار واهية.
لا يبدو أن إدارة أوباما ستتخذ إجراء ما ضد كيماوي الأسد، وإذا اتخذت إجراء ما، فهو لن يكون من باب الحرص على أرواح السوريين، الذين يبادون به الآن ـ وإن كان في مناطق محدودة ـ دون أن تحرك ساكنا، وإنما للحفاظ على أمن إسرائيل والخوف من وقوعه في أيد غير أيادي الأسد، لأن الأخير كان ومازال حارسا أمينا هو ومن قبله أبوه لأمن جارتهم ومنع أي اختراق لها.
إن على الثورة السورية أن تعوّل بعد الله على جهود أحرارها وثوارها فقط، لتحقيق الانتصار على طاغية دمشق، وألا تلقي بالا للخطوط الحمراء لأوباما، أو لوعود تسليحها بالأسلحة النوعية، فقد ثبت مراوغة الإدارة الأمريكية والغرب في الأولى والأخرى، لأسباب كثيرة ليس من بينها مصلحة الشعب السوري طبعاً.