الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفجير سوريا بعد تفجير العراق...

تفجير سوريا بعد تفجير العراق...

01.05.2013
خيرالله خيرالله
المستقبل

المستقبل
الاربعاء 1/5/2013
هل هناك حدث استثنائي في العراق حيث طفت على السطح مرّة اخرى الغرائز الطائفية والمذهبية بابشع طريقة يمكن أن تطفو بها؟ الجواب أن ما نشهده في العراق حاليا اكثر من طبيعي. فجّر الاميركيون البلد بطريقة يصعب معها إعادة تركيبه. يسهل تفجير البلد، أي بلد، ولكن من الصعب إعادة الحياة اليه بطريقة تحافظ على الكيان السياسي الذي كان قائما قبل عملية التفجير.
الخوف كلّ الخوف أن يكون الهدف من اطالة الازمة السورية يصبّ في عملية تكرار السيناريو العراقي، أي تفجير سوريا بعد تفجير العراق. يبدو أن ذلك قد تحقق بالفعل وصار واقعا.
لا يمكن القاء كلّ اللوم على الولايات المتحدة او القوى الغربية عند الحديث عمّا آلت اليه اوضاع العراق او ما تبدو سوريا مقبلة عليه. فالنظامان البعثيان اللذان قاما في البلدين ساهما الى حدّ كبير، ابتداء من العام 1979 في العراق و1970 في سوريا، في تهيئة الارض لما نمرّ به في ايامنا هذه.
فالبعث العراقي الذي راح في العام 1968، اثر الانقلاب الناجح على عبدالرحمن عارف، يأخذ بشكل تدريجي اتجاها ذا نزعة مناطقية (تكريتية)، دخل في العام 1979 مرحلة البعث- العائلي وذلك بعد ازاحة صدّام حسين لـ أحمد حسن البكر.
وفي سوريا، بدأ البعث الذي وصل الى السلطة اثر انقلاب الثامن من آذار- مارس 1963، يأخذ منحى طائفيا في 1966 وما لبث، مع احتكار حافظ الاسد للسلطة في 1970، أن بدأ يتجه الى حكم العائلة والطائفة، ثم الى حكم العائلة وحدها مع خلافة بشّار الاسد لوالده في السنة 2000.

لعبت التركيبتان العراقية والسورية، وهما بعثيتان في الظاهر فقط، دورا اساسيا في القضاء على النسيج الاجتماعي في كلّ من البلدين، علما أن نقطة التحوّل فيهما بدأت في العام 1958، أي لدى قيام الوحدة المصرية- السورية ولدى الانقلاب على الهاشميين في العراق.
أسست الوحدة المصرية- السورية لقيام نظام الاجهزة الامنية في سوريا وأسس الانقلاب الدموي على الهاشميين في العراق لمزيد من الممارسات ذات الطابع الدموي معروف كيف بدأت وليس معروفا ما اذا كانت ستنتهي يوما.
لعب الاميركيون، الذين ساهموا مع الايرانيين، في الاعداد للحرب على العراق في متابعة عملية القضاء على النسيج الاجتماعي للبلد. ليس معروفا،الى الآن، لماذا كان ذلك الاصرار في مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في كانون الاوّل- ديسمبر 2002 في لندن، أي قبل اربعة اشهر من بدء العمليات العسكرية، على تضمين البيان الختامي عبارة "الاكثرية الشيعية في العراق". كذلك، ليس معروفا لماذا الاصرار بعد سقوط بغداد على اتخاذ قرار بحل الجيش العراقي، مع كلّ ما يتضمنه ذلك من مخاطر ناتجة عن تسريح عشرات آلاف الجنود والضباط لديهم عائلات يعيلونها؟ الى اين سيذهب هؤلاء المسرّحون؟ ألم يوجد من يفكّر في ان التطرف المجبول بالحقد سيستهويهم؟ ألم يوجد من يفكّر في أن مثل هذا القرار العشوائي الظالم لا يمكن إلا أن يولد الحقد؟
هناك عشرات الاسئلة التي يمكن طرحها في شأن مرحلة ما بعد الغزو الاميركي للعراق بدءا بطريقة تشكيل مجلس الحكم المحلي على أساس المحاصصة الطائفية، مع إصرار على إذلال السنّة العرب...وصولا الى إجبار إيران العراقيين على القبول بنوري المالكي رئيسًا للوزراء على الرغم من حلوله ثانيا على رأس قائمته في انتخابات السابع من مارس 2010.
لا يولد الاحتقان الطائفي والمذهبي سوى انفجارات. حسنا يفعل أكراد العراق في التعاطي بحذر مع ما يجري على الارض. يبدو أنهم الطرف الوحيد في البلد الذي تعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب. من الطبيعي أن يفكّر الاكراد في هذه الايام في كيفية المحافظة على منطقتهم وجعلها في منأى عن العواصف التي تهزّ العراق وتجعل مستقبله في مهبّ الريح.
اما بالنسبة الى سوريا، فمن الواضح أن هناك نيّة لزيادة الاحتقان الطائفي والمذهبي عن طريق اطالة الحرب وترك النظام يفتك بالسوريين بكل الاسلحة الايرانية والروسية المتوافرة، بما في ذلك السلاح الكيمياوي.
لا وجود لنية لوضع حدّ للنظام السوري الذي لم تعد لديه سوى مهمة واحدة من شقين. يتضمن الشق الاوّل تدمير البلد على رؤوس أهله ويتمثّل الآخر في زيادة الانقسام الطائفي والمذهبي وتكريسه.
لم يكن ينقص الوضع السوري غير دخول "حزب الله" على خط الحرب التي يشنها النظام على شعبه كي يتكرّس أكثر الطابع المذهبي للصراع. من يعرف القليل عما يدور في الداخل السوري، يعي أن هناك نتائج كارثية للإصرار الايراني على زجّ "حزب الله" في صلب الحرب السورية وعلى تحويل الحزب الشيعي جيشا في تصرّف النظام السوري الذي ادّعى دائما أنه نظام علماني تهمّه المحافظة على الاقلّيات. من الواضح أن هناك نيّة لجعل سوريا غير قابلة للحياة ككيان سياسي موحّد.
هناك بكلّ بساطة نيّة لتكرار السيناريو العراقي. فمن يستمع الى خطاب نوري المالكي هذه الايّام يتأكد من أن لا شيء سيتغيّر في العراق وأن الدم سيبقى يسيل الى ما لا نهاية. ومن يستمع الى بشّار الاسد تعود به الذاكرة الى الايّام التي كان صدّام حسين يطمئن زوّاره الى أنه قادر على هزيمة جيوش العالم كلّه. كان هذا الخطاب ضروريا لتفكيك العراق. ويبدو خطاب بشّار هذه الايّام اكثر من ضروري كي يكون مصير سوريا شبيها بمصير العراق. السؤال لماذا يصرّ "حزب الله" على أن يكون طرفا في هذا المخطط؟ قد يكون السؤال ساذجا الى حد بعيد نظرا إلى أنه يتأكّد يوميا أن لا خيار آخر امام الحزب سوى الخيار الايراني...