الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطة تقسيم سوريا كما صنعها بشار الأسد

خطة تقسيم سوريا كما صنعها بشار الأسد

19.04.2013
غازي دحمان

المستقبل
الجمعة 19/4/2013
بدأ بشار الأسد يعلن بكل وضوح عن مشروعه المفضل لسوريا والمنطقة، التقسيم يبدأ من سوريا ثم تنطلق شرارته في المنطقة كلها، وفي ظل هكذا أوضاع يحصل الأسد على شرعية لدولته الطائفية ويتخلص من شبح الملاحقة القانونية عن جرائم الحرب التي إرتكبها، ومن قبله والده، هي عملية غسيل جرائم بطريقة إلتفافية، ثمنها تقطيع سوريا إلى دويلات طائفية وقذف ما تبقى منها في لجة خراب مديد. لم يعد الأمر سراً، ولم يعد بشار الأسد يتحرج من ذلك، وإعلانه للأمر في لقاءه مع قناة"ألو صال" التركية، ليس سوى إخبار متأخر عن حالة يجري تشييدها منذ زمن.
هذا الأمر يؤكد ان النظام، ومنذ بدايات الثورة عليه، يخطط لهذه المرحلة التي بات يعلن عنها صراحة ومن دون مواربة أو شعور بالخجل، فأما سوريا كلها مزرعة خاصة له تحت ظلال شعار" امة عربية واحدة " وإما سوريا مقسمة من دونه مع الإحتفاظ بحقه في حكم دوله خاصة به على أمل ان يصار لاحقاً إلى تقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية على قاعدة " مافي حدا أحسن من حدا".
من دون شك، فإن منظومة التفكير هذه ليست وليدة اللحظة ولا هي إستجابة لوضع سوسيولوجي جغرافي معين فرض هذا النمط من التفكير، بل هي نتاج تخطيط إقليمي عميق إنخرط فيه النظام وحاول أن يجعل له ما يحايثه على أرض الواقع ليحوله إلى معطى طبيعي في واقع المنطقة .الثورة السورية، ورغم كل الفوضى التي إنتابتها لم تنزاح للتفكير وفق هذه الميكانيكية لا أيديولوجياً ولا إستراتيجياً، لا بالتفكير الذي ظل ينظر لسوريا كدولة موحدة ووطن لجميع أبنائه، رغم تضمن قوى الثورة على أجنحة متطرفة أعلنت انها تريد إسقاط نظام الظلم ولم يكن لها أي مطامح سياسية معينة، ولا بالتخطيط العسكري التحرري، رغم بقاء البيئة الجغرافية للنظام بعيدة عن ساحة المعارك الساخنة.
ينتمي هذا النمط التفكيري إلى حقل أوسع من التشابكات الإقليمية والدولية للنظام، كما أن إرهاصاته بدأت في مرحلة مبكرة من حكم بشار الأسد، ثمة وقائع كثيرة تؤيد هذا التحليل. فمن غير الطبيعي أن يقامر الاسد بإعلان الدولة قبل أن يؤمن لها شبكة الأمان الجغرافية من حدود وطرق تواصل وإمتدادا جغرافياً، صناعة الدول تتطلب ذلك وتشترطه، ولابد أن ذلك جرى بترتيب وتأن وتريث مع حلفائه الإقليمين والدوليين، فالأسد لا يفكر بصوت عال في إحتمالات معينة إنما يمهد لإعلان خيار جرى بناؤه وترتيبه ووصل بلغة الإنشاءات إلى مرحلة التشطيب والتشييك النهائي.
ثمة خريطة عمل عليها الأسد وشبكة واسعة تضمنت بداية إقامة المجازر التي إشتملت على القوس الممتد من ريف إدلب وحماة وحمص وهي مناطق سهلية واسعة تقع تحت إشراف جبال العلويين، يميزها مرور نهر العاصي منها، وكان اضحاً وجود إرادة لترحيل سكان هذه المناطق وتهجيرهم إلى ما خلف العاصي، أولأ لترسيم أولى حدود الدولة البرية وثانياً لتحويل هذه المناطق إلى إقليم حيوي يشكل خط الدفاع الأول عن الدولة العلوية .
وإضافة إلى هذا الغرض الإستراتيجي، ثمة غرض إقتصادي يتمثل بضم مناطق خصبة ذات مساحات واسعة تؤمن للدولة الناشئة كفايتها الغذائية من سهول الغاب وحمص وإدلب، وهي منطقة تنتج نصف الإنتاج الزراعي السوري الذي يمكن ان يطعم 24 مليون ويصدر للخارج.
إَََضافة إلى الحاجة لإسكان العلويين العائدين من دمشق وبقية المحافظات الأخرى والمقدر عددهم بنحو 400ألف نسمة.
كذلك فإن هذا النوع من التفكير لابد أن يكون قد درس مخارج ومداخل العبور لهذه الدولة وتأمين حدودها، ولا شك أن الحدود مع لبنان وخاصة الفتحة الغربية لجهة حمص والتي تحاول ميليشيا "حزب الله" السيطرة عليها، ما يعني ان قيادة الحزب قد إنخرطت باكراً بهذا المخطط ما يجعلنا نفهم معنى الجهاد الذي يقصده نصر الله؟
ثم جاء التقسيم الإداري الذي رسمه الاسد في مرسوم تشريعي، والمقصود منه حمص تحديدا بهدف تحويلها إلى نقطة تفاوض ومساومة مستقبلية حيث تصبح حمص السورية هي ريف حمص الشرقي أما الريف الغربي فيصار ضمه إلى طرطوس مع مدينة حمص بكاملها التي تشهد تطهيراً عرقياً على المكشوف.
كذلك لم يكن هذا النمط بعيدا عن دوائر القرار الإيراني فهذه الدولة لا يمكن المغامرة بها من دون معرفة الداعم الإيراني، هذا إن لم يتبرع إستراتيجيوه بتفصيل ماكيتها الأساسي. أليست إيران هي من تجهز حرس حدود الدولة وتدربهم في معسكراتها!.كما أن الروس الذين تشبثوا بالأسد وقتله للسوريين وبدا" لدهاقنة الوحدة الوطنية السورية" أنهم يغامرون بمستقبل العلاقة مع سوريا، إتضح الآن أنهم كانوا يريدون الحزمة التي تهمهم من سوريا، وبالتالي وفق حساباتهم فإن أي شيء آخر عكس ذلك سيكون هو المغامرة بعينها.
منذ مدة، وحتى ما قبل الثورة كشفت تسريبات عن وجود إكتشافات نفطية في الساحل السوري إلا أن النظام تعمد عدم الكشف عنها وإبقى الموضوع سراً، ما يعني أن هناك نوايا مبيتة حتى ما قبل الثورة على الأسد، كما كشفت مصادر لها علاقة بوزارة المياه أن إستنزاف مياه دمشق جرى بوتيرة سريعة منذ مدة وبشكل غير منطقي ومبرر وأن النظام كان يقف وراء ذلك.
إضافة لكل ماسبق، سرت بين أعوام 2005 إلى 2011 حمى بيع الأراضي المحيطة بدمشق لمستثمرين خليجيين، وخاصة بعد الأزمة المالية في الغرب، وكانت لجنة بالقصر الرئاسي منخرطة بهذه الصفقة، مرة بصفة سمسار ومرة بصفة شريك بالباطن، او البيع بالواسطة أو حتى البيع المباشر من خلال إجبار سكان تلك المناطق على بيع أراضيهم بثمن بخس لضباط من الطائفة العلوية وهؤلاء كانوا يبيعونها بأسعار خيالية لمستثمرين خليجيين.
كما كشف موظفون من الدوائر العقارية "مراكز الطابو" أن أملاك الدولة في الجبال المحيطة بدمشق جرى وضع اليد عليها من قبل ضباط من الطائفة لعلوية ثم بيعها، هذا ناهيك عن قيام شركات شاليش بتنقيب الأراضي وإخراج ما فيها من ثروات وكنوز بحجة القيام بشق الطرقات التي لم يكتمل الجزء الأكبر منها.
بمعنى اننا مررنا بمرحلة نهب مكثف للموارد السورية في الفترة المذكورة وتم نقل كل هذه الموارد الضخمة إلى الساحل، تجهيزاً لهذا اليوم. وعند هذه اللحظة يعلن بشار حافظ الأسد نيته تقسيم سوريا بعد أن دمرها ولم يترك لها من الموارد ما يساعد على إعادة إعمارها أو حتى إقاتة شعبها!
وإضافة لما سبق، فإن الحرب التدميرية التي يشنها النظام وحلفاؤه على سوريا تدخل في إطار هذا النمط التفكيري، ذلك ان هذه الحرب لم يعد لها جدوى إلا اللهم لجهة أثرها الإنتقامي، حيث تنذر بتحويل سوريا إلى أرض للخراب على كل المستويات من المستوى العمراني إلى المستوى الإجتماعي، بلاد يعمها الفوضى والخراب لأجيال قادمة، تستطيع خلالها الدولة العلوية تكريس وجودها بعيداً عن مخاطر الإنتقام ما دامت سوريا القديمة ستكون مشغولة من رأسها حتى أخمص قدميها في بحر من المشاكل لا ينتهي، بإختصار إستثمار مستقبلي في الخراب هذا ما توصلت له عقول الشر في موسكو وطهران وطرطوس.