الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دمشق شرقية وغربية..قبل السقوط النهائي

دمشق شرقية وغربية..قبل السقوط النهائي

09.04.2013
غازي دحمان

المستقبل
الثلاثاء 9/4/2013
تقف دمشق في هذه اللحظات على أبواب المعركة الكبرى، ويمكن القول أن الأمر تجاوز كثيراً تقدير وقوعها إلى البدء بالحديث عن تفاصيلها وطبيعتها، بل وخريطة طريقها ومسارح معاركها الأساسية.
والواقع تختلف معركة دمشق الحالية، عن سابقتها التي حصلت في منتصف الشهر السابع من هذا العام، بل هي نقيض لها تماماً، في هذه المعركة ثمة نمط عسكري مختلف لم يسبق ان تم تطبيقه في أي من المعارك التي جرت على الارض السورية منذ بداية الأزمة، سواء في طبيعة التكتيكات او في التجهيز أو حتى في طرق الرصد والإستكشاف، وفي هذا مؤشر واضح على الخبرة التي إكتسبها الجيش الحر في الفترة الماضية.
ولفهم هذا الإختلاف والولوج تاليا إلى معرفة طبيعة هذه المعركة، لا بد من التأكيد على حقيقة أن هذه المعركة قد تم تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى بدأت منذ حوالي شهرين عبرالهجوم على النطاق الإستراتيجي الحامي للعاصمة وخاصة من جهتيه الشرقية والجنوبية وخلق بعض الثغرات العسكرية في المنطقة الغربية، عبر تدمير البنية العسكرية الضخمة والمؤلفة في أغلبها من مطارات عسكرية ودفاعات جوية ومواقع للإشارة والرصد والتجسس، وقد سهلت طبيعة المنطقة المتكونة من بساتين وغوطات عمل الثوار في هذه المنطقة.
وقد عمل الجيش الحر على تنظيف هذه المناطق بشكل كامل من قوات النظام وطردها، حيث لا ينتقل إلى منطقة أخرى قبل أن يعمل على تطهير المنطقة من كل تواجد نظامي، كما يقوم بإقفال كافة الطرق والممرات المؤدية لها بحيث يجعل من إمكانية عودة القوات النظامية إليها أمراً مستحيلاً. فقد دلّت الانجازات العسكرية الأخيرة التي حققتها المعارضة، من اجتياح العديد من القواعد العسكرية المهمة والاستراتيجية في الشمال والشرق.
وبتدمير البنية العسكرية في هذه المناطق، جرى إلغاء هوامش الحركة والمناورة للقوات النظامية، فقد جرى حصر عملها في المنطقة الغربية من دمشق وهي مناطق جبلية لايمكن القتال فيها إلا من خلال المدفعية وراجمات الصواريخ، كما تتواجد في هذه المناطق وبشكل حصري قوات الحرس الجمهوري، وهي من الناحية العملاتية قوات مؤهلة لأنواع محددة من القتال كما ان طبيعة تجهيزاتها تشكل عبئاً ثقيلا عليها.
تعتمد إستراتيجية الجيش الحر في معركتها الدمشقية على عنصرين: الأول إنهاك النظام إلى أقصى درجة ممكنة، وذلك من خلال إستنزافه على مساحة واسعة شرقي دمشق عبر محاصرة مواقعه الإستراتيجية وقطعاته العسكرية المهمة ودفعه إلى محاولة فك الحصار عنها بإرسال المزيد من التعزيزات والقوات التي يتم إصطيادها وتدميرها، أو إيقاعها في الحصار بدورها ليقع معها النظام يدوامة مفرغة من فك الحصار وإسناد القوات المحاصرة. وهو الأمر الذي تنبه له النظام في حلب وترك مدرسة المشاة وكلية الشؤون الإدارية لمصيرهما دون أن يرسل لهما أية تعزيزات.
وأما العنصر الثاني في هذه الإستراتيجية فهو يقوم على مبدأ القضم المتواصل للأراضي والمناطق بحيث يجري إسقاط المناطق منطقة تلو الأخرى، ويقوم الجيش الحر بتثبيت مواقعه في هذه المناطق ويبدأ في تعزيزاته والتجهيز لقضم المنطقة التالية من خلال إرسال الخلايا النائمة ومناوشة القوات النظامية وإشغاله الدائم عبر عمليات صغيرة لا تحتاج إلى عدد كبير من العناصر اليشرية كما ان المخاطرة فيها بالعنصر البشري تكون محدودة ومحسوبة.
وفق هذا المسار تشير التقديرات إلى أن المرحلة الأولى من معركة دمشق قد تم إنجازها وبنجاح كبير لصالح الجيش الحر ونحن ندخل المرحلة الثانية من معركة دمشق الكبرى، وهي مرحلة تعتمد على مبدأ الهجوم الواسع من الأحياء الجنوبية والشرقية للعاصمة وتشير أغلب التقديرات في هذا الصدد إلى ان دمشق ستشهد تقسيما جغرافيا باتت ملامحه شبه واضحة بحيث تكون هناك دمشق شرقية جنوبية يحتلها الثوار وتشكل قاعدة إنطلاق وتموين وإمداد، ودمشق غربية حيث تتجمع هناك قوات النظام ومؤيديه، وهذه المعركة من المتوقع أن تدوم لأيام قبل أن يفكر النظام بالهرب من دمشق عبر النافذة الشمالية إلى الطريق الدولية بإتجاه حمص.
تقوم قوات النظام بقصف عنيف على كافة الضواحي التي ينطلق منها الثوار بهدف شلّ حركتهم فيها، وإعطاء الجيش النظامي الفرصة لخلق منطقة عازلة بين العاصمة وضواحيها، غير أن ثمة أمراً بات يلحظه سكان دمشق، وخاصة في تلك الضواحي التي خرجت منها القوات النظامية، وهو فقدان النظام بالفعل المبادرة القتالية وإنحدار مستوى معنويات جنوده إلى أدنى درجة جراء الإنهاك المتواصل منذ أكثر من عام من القتال فضلاً عن تزتزع قناعتهم بجدوى الحرب وأحقيتها. وبتزامن ذلك مع الأخبار التي تتحدث عن قيام النظام بإرسال نخبة من ضباطه المخلصين إلى طرطوس على الساحل السوري لتجهيز المنطقة دفاعيا كي تستطيع الصمود في الهجمات المتوقعة على هذه المناطق بعد الفرار إليها وحماية رجال الأسد الذين لا مستقبل لهم.
هل يلجأ النظام إلى إستخدام أسلحته الفتاكة في معركة الحفاظ على دمشق في حال إقتراب مصير السقوط؟، ثمة رأيان في ذلك، الأول يعتقد أن هذه المرحلة من عمر النظام يقودها ضباط متشددون ومتهورون ومستقبلهم بات وراءهم، وبالتالي لايستبعد أن يقدموا على عمل إنتحاري لإعتقادهم أنهم ميتون في كل الحالات. الرأي الثاني يرى ان النظام ربما يعمل على تدمير دمشق بالأسلحة التقليدية ويرتكب مجازر كبيرة دون الإقدام على إستخدام الاسلحة المحرمة بإعتبار أنه يستطيع تبرير القتل العادي الذي يجري في إطار عمليات القتال وبالتالي فإن المسؤولية يمكن توزيعها على مختلف الاطراف، في حين أن إستخدام الأسلحة المحرمة لن يفيده حتى في حال قرر اللجوء والهرب إلى المناطق الساحلية وأن روسيا وإيران قد تمنعه من ذلك لأنهما لن يستطيعا حمايته في حال ارتكب مجازر بإستخدام الأسلحة المحرمة.