الرئيسة \  تقارير  \  كاونتربنش : الصحفيون، إسرائيل، وجرائم الحرب‏

كاونتربنش : الصحفيون، إسرائيل، وجرائم الحرب‏

22.09.2022
روبرت فانتينا


روبرت فانتينا*‏ – (كاونتربنش) 9/9/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الثلاثاء 21/9/2022
في أعقاب اغتيال الصحفية الفلسطينية-الأميركية شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية في أيار (مايو)، حاولت الحكومة الإسرائيلية تعكير صفو المياه المحيطة بوفاتها، فزعمت أنها ‏‏ربما قتلت عن طريق الخطأ برصاص مسلح فلسطيني.
 لكن هذه القصة الخيالية سرعان ما تقوضت عندما أجرت العديد من وسائل الإعلام تحقيقات شاملة في الجريمة.
على سبيل المثال، قامت شبكة “سي. إن. إن”، التي لم تكن في أي وقت منارة ضوء عندما يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية، بإجراء مثل هذا التحقيق، وجاء في تقريرها، في جزء منه، ما يلي:‏
"لكنَّ تحقيقا أجرته شبكة ’سي إن إن‘‏‏ يقدم أدلة جديدة -تشمل مقطعيّ فيديو لموقع إطلاق النار- على أنه لم يكن هناك قتال نشط، ولا أي مسلحين فلسطينيين بالقرب من أبو عاقلة في اللحظات التي سبقت وفاتها.
وتشير مقاطع الفيديو التي حصلت عليها ’سي. إن. إن‘، والتي تؤكدها شهادات ثمانية شهود عيان، ومحلل في الطب الشرعي السَّمعي، وخبير في الأسلحة المتفجرة، إلى أن أبو عاقلة قتلت بالرصاص في هجوم مستهدف نفذته القوات الإسرائيلية".‏
‏ولم تكن “سي. إن. إن” هي المنظمة المستقلة الوحيدة التي حققت في الأمر؛ فقد “قال ‏‏الشهود‏‏، بمن فيهم صحفيو قناة الجزيرة، على الفور، إن القوات الإسرائيلية هي التي قامت بإطلاق النار في جنين، وهو ادعاء دعمته العديد من التحقيقات التي أجرتها وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة”.‏
‏وهكذا، أصبح ‏من الصعب بشكل متزايد على الحكومة الإسرائيلية تحويل اللوم بعيدًا عن جنودها. كانت السيدة أبو عاقلة، شأنها شأن الصحفيين الآخرين الذين رافقوها، ترتدي خوذة وسترة صفراء تشير بوضوح إلى أنها عضو في الصحافة.
ويتخذ الصحفيون العاملون في الضفة الغربية خطوات إضافية خاصة لمحاولة ضمان سلامتهم.
وقالت شذى حنايشة، وهي زميلة للسيدة أبو عاقلة أجريت معها مقابلة بعد الاغتيال: “‏‏وقفنا أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية لمدة‏‏ خمس إلى عشر دقائق تقريبًا قبل أن نقوم بتحركات لضمان رؤيتهم لنا.
وهذه عادة نتبعها كصحفيين، حيث نتحرك كمجموعة ونقف أمامهم حتى يعرفوا أننا صحفيون، ثم نبدأ في التحرك”.‏
مع انهيار الرواية الإسرائيلية في مواجهة أدلة لا تقبل الجدل، قررت الحكومة اتباع نهج مختلف.
وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، “‏‏خلص الجيش الإسرائيلي‏‏ إلى أن شيرين أبو عاقلة، وهي مذيعة فلسطينية-أميركية، ربما قتلت على يد أحد جنوده- لكنه لم يصل إلى حد القبول النهائي باللوم”.
ومن الصعب أن نفهم كيف يمكن لجندي أن يستهدف بعناية “عن غير قصد” ويقتل صحفية تميزها ملابسها بوضوح على هذا النحو، ولكن ها نحن ذا. إن الحكومة الإسرائيلية لا تتحمل أبدًا المسؤولية عن جرائم الحرب وجرائمها ضد الإنسانية.‏
‏‏من جهتها، أشارت الولايات المتحدة، التي تدعم جميع جرائم إسرائيل، بحيث تكون بالتالي متواطئة فيها، على استحياء إلى أن الموقف الإسرائيلي لم يكن كافياً.
وكدليل على تردد الولايات المتحدة في التعامل بفعالية مع إسرائيل، ذكرت شبكة “إيه. بي. سي. نيوز” ما يلي: “‏‏قالت وزارة الخارجية‏‏ إنها ستضغط على إسرائيل لمراجعة سياساتها بعد وفاة صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة في أيار (مايو)‏‏، على الرغم من لقطات الفيديو التي تظهر عدم وجود مسلحين أو اشتباكات في محيطها المباشر في ذلك الوقت‏‏”.
‏وهكذا، تقول الولايات المتحدة إن كل ذلك كان حادثًا، وإن الجنود الإسرائيليين شعروا بخطر مميت من “مسلحين” فلسطينيين لم يكونوا في الحقيقة في أي مكان يمكن رؤيته أو سماعه، ثم أطلقوا النار “عن طريق الخطأ” على صحفية كانت عليها علامات تميزها بوضوح على أنها عضو في الصحافة.‏
بالنسبة لرئيس الوزراء المؤقت الحالي، يائير لابيد، الذي سيسعى إلى تحقيق ولايته الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد أن تم تعيينه في المنصب فقط عندما انهارت الحكومة الأخيرة، لم يكن هناك سبب للاستماع إلى التصريحات المتخبطة الفارغة للحكومة الأميركية: سوف تفعل إسرائيل ما يحلو لها وستحصل على 4 مليارات دولار من المساعدات من الولايات المتحدة سنويًا؛ ولا يرتبط أي شيء بهذه المساعدات أو يمكن أن يوقفها.
وقال لابيد: “‏‏لن أسمح بمحاكمة جندي إسرائيلي‏‏ كان يحمي نفسه من نيران الإرهابيين لمجرد تلقي التصفيق من الخارج”.‏
‏يستحق هذا البيان القصير بعض التحليل، وسوف نستكشفه نقطة بنقطة:‏
‏”… يحمي نفسه من نيران الإرهابيين”.‏
ثمة الكثير في هذه الكلمات الخمس! أولاً، كما تبين آنفاً، لم تكن هناك “نيران” فلسطينية. ولم يكن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، وفقًا لشهود عيان وشريط فيديو لمكان الحادث، يواجهون أي خطر على الإطلاق.
وبعد اغتيال السيدة أبو عاقلة مباشرة، ‏‏نشرت إسرائيل أشرطة فيديو‏‏ فيها إطلاق للنار، لكنَّ نظرة سريعة من الخبراء أثبتت أن تلك المشاهد كانت قد التُقطت في منطقة مختلفة تمامًا من المدينة.‏
وماذا عن مصطلح “إرهابي” في هذا البيان؟ إن إسرائيل هي التي تحتل الضفة الغربية.
ووفقًا للقانون الدولي، يحق لأي شعب محتل أن يقاوم الاحتلال بأي طريقة ممكنة، ‏‏بما في ذلك الكفاح المسلح.‏‏
إن الفرق بين “الإرهابي” و”المناضل من أجل الحرية” هو شيء في عين الناظر؛ في هذه الحالة، يرى المحتل صاحب نظام الفصل العنصري ضحاياه على أنهم “إرهابيون”، لكنً شعب فلسطين، والمدافعين عنه في جميع أنحاء العالم، ينظرون إليهم على أنهم مقاتلون من أجل الحرية.‏
‏”… محاكمة جندي لمجرد تلقي التصفيق من الخارج
لا، لا ينبغي محاكمة الجندي المذنب بهذه الجريمة من أجل تلقي التصفيق من الخارج. ينبغي محاكمته لأنه ارتكب جريمة حرب، ولا ينبغي أن يكون أحد فوق القانون. ولكن بطبيعة الحال، وبفضل الولايات المتحدة في الأساس، أصبحت إسرائيل وقواتها الإرهابية فوق القانون.‏
ينظر المرء بأسف إلى الاحتجاج الدولي الذي جاء رداً على هذا الاغتيال. كانت هناك استجابة قوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تعزى في جزء منها، على الأقل، إلى الشعبية الشخصية للسيدة أبو عاقلة، لكنَّ ذلك التعاطف سرعان ما تلاشى تمامًا.
فبعد كل شيء، قامت دول عربية عدة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ويأتي هذا التطبيع بضغط من الولايات المتحدة من أجل السماح لإسرائيل بالتصرف بحصانة وتفويض كاملين على المسرح العالمي: إدامة احتلال دام عقودًا؛ وضم أراض، وشن حملات إبادة جماعية بالقذائف؛ وتطبيق سياسات الفصل العنصري؛ وممارسة الإرهاب، واعتقال الرجال والنساء والأطفال واحتجازهم لأشهر أو سنوات من دون تهمة.
إن إسرائيل مذنبة بكل هذه الجرائم، والعالم يسمح لها بأن ترتكبها.‏
خلال إحدى حملات قصف الإبادة الجماعية التي ارتكبتها، تلقت إسرائيل في أيار (مايو) من العام 2021، صفعة قوية ودعوة إلى الاستيقاظ: في جميع أنحاء العالم، خرج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على هذا العمل البغيض.
وفي الضفة الغربية، في استعراض نادر للوحدة، أغلق الفلسطينيون متاجرهم وأضربوا عن العمل.
ولم يكن لدى قادة الحكومات العالمية الكثير ليقولوه، لكن الناس العاديين رفعوا أصواتهم، وتوقف القصف بعد وقت قصير -ولو أنه كان وقتاً قاتلاً.‏
يجب على الناس في جميع أنحاء العالم الذين يدعمون حقوق الإنسان والقانون الدولي أن يعملوا، كما فعلوا في ذلك الوقت.
يجب عليهم أن ينظموا المسيرات وأن يتظاهروا ويكتبوا ويصوِّتوا لدعم نضالات الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الإنسانية، ولمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب والجرائم العديدة الأخرى التي ترتكبها ضد الإنسانية.
إن الكثير من الحكومات هي رهينة لحكومة الولايات المتحدة الفاسدة والقوية، وهذا لن يتغير حتى يطالب الناس بتغييره. ويجب أن يفعلوا، عاجلاً وليس آجلاً.‏
*روبرت فانتينا Robert Fantina: مؤلف وناشط وصحفي يعمل من أجل السلام والعدالة الاجتماعية. و
هو مواطن أميركي انتقل إلى كندا بعد فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية للعام 2004، ويحمل الآن جنسية مزدوجة. وهو عضو في مجالس إدارة منظمات “أصوات كندية لدعم الحقوق الفلسطينية”؛ “عالم ما بعد الحرب”؛ و”كنديون من أجل السلام والعدالة في كشمير”.
له كتب عدة منها: “الاستعمار الاستيطاني في فلسطين وكشمير”؛ “الإمبراطورية والعنصرية والإبادة الجماعية: تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة”؛ “دعاية وأكاذيب وأحداث مفتعلة: كيف تبرر الولايات المتحدة حروبها”. تم نشر مجموعة من كتاباته عن فلسطين في كتاب بعنوان “فلسطين المحتلة: إسرائيل والولايات المتحدة والقانون الدولي”. وهو مراجع كتب في “نيويورك جورنال أوف بوكس”.