الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف يمكن للولايات المتحدة ان تخرج من الحرج الاستراتيجي في سورية

كيف يمكن للولايات المتحدة ان تخرج من الحرج الاستراتيجي في سورية

18.07.2013
صحف العبرية

القدس العربي
الخميس 18/7/2013
تقف الولايات المتحدة أمام حرج استراتيجي في مواجهة التحديات التي يمثلها استمرار الحرب في سورية التي بدأت كانتفاضة داخلية ضد نظام بشار الاسد، تحولت الى حرب أهلية طائفية وتطورت الى نزاع اقليمي بين السنة والشيعة. ويوصف الوضع في الولايات المتحدة ‘بلغة رقيقة’ كأزمة انسانية خطيرة للغاية، حيث قتل أكثر من مئة الف نسمة معظمهم مدنيون غير مشاركين، وتشرد اكثر من 2 مليون شخص واضطر نحو 2.5 مليون مواطن الى النزوح عن اماكن سكناهم.
للولايات المتحدة وشركائها في الغرب أدوات وروافع محدودة للتأثير على ما يجري في سورية، من دون استخدام القوة العسكرية، ولكن الولايات المتحدة واوروبا غير معنيتين بتدخل عسكري اضافي في المنطقة، بعد التجربة في العراق وفي افغانستان، اضافة الى ذلك فان الساحة الدولية مشلولة وغير قادرة على اتخاذ القرارات، بسبب الفيتو المتوقع من مجلس الامن من جانب روسيا والصين. ويعتقد تقويم الوضع الامريكي للتدخل العسكرية، المستند الى استخدام القوة الجوية فقط، باحتمالية عالية لفقدان السيطرة على الاحداث، والتدهور لدرجة ارسال قوات برية الى سورية، وهذا ما تخشاه واشنطن للغاية. ظاهرا، يمكن تأجيل القرار الصعب بالتدخل العسكري بناء على النهج القائل انه يوجد تآكل متبادل للعناصر المتطرفة التي تقاتل الواحدة الاخرى في سورية، ايران وحزب الله مقابل محافل الجهاد السني السلفي (مثل جبهة النصرة، فرع القاعدة)، من دون قدرة على الحسم بينهما. المشكلة التي يقف امامها الرئيس اوباما، الذي يحاول الابتعاد عن مشاكل الشرق الاوسط، أو في اقصى الاحوال ‘القيادة من الخلف’، هي انه لا يستطيع الوقوف جانبا أمام مقتل المدنيين، نشوء مواجهة شيعية ـ سنية اقليمية ووضع تتعزز فيه العناصر المتطرفة وتركب موجة شبه النصر. وكلما استمر القتال لا يلوح في الافق لاعب مسيطر وجدير (في نظر الولايات المتحدة) يقود الصراع ويحكم في سورية لاحقا ويحافظ على وحدتها واستقرارها. وبالتالي، فان السيناريو الاكثر معقولية هو الفوضى، تعزيز ميل التفكك الطائفي، مع صلات واثار سلبية على الدول المجاورة لسورية. وهذه تشكل عاملا آخر للحرج في واشنطن وفي العواصم الاوروبية وللقرار بالامتناع عن خطوات توجه اليها اصابع الاتهام والمسؤولية عن الفوضى ‘في اليوم التالي’.
لقد برز عجز الولايات المتحدة اساسا بعد ان اختار الرئيس اوباما الا يرد على تجاوز الخط الاحمر، الذي شكله استخدام حكم بشار الاسد للسلاح الكيميائي. كما أن القرار بتدريب وتسليح جماعات المعارضة السورية بصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ كتف مضادة للطائرات، اتخذ بعد ترددات عديدة ولا يكفي لتغيير ميزان القوى داخل سورية. ولتدفق السلاح بالذات آثار سلبية من حيث اطالة الصراع، تصعيده وتشديده، تعزيز ميول الانقسام بين قوى المعارضة، وانتقال السلاح المتطور الى الجهاديين المتطرفين. كل هذا سيؤدي الى الفوضى وانعدام الاستقرار، حتى لو سقط نظام الاسد. في ضوء كل هذا، يبدو أنه لا توجد استراتيجية امريكية مبلورة لاحلال تغيير في سياق الحرب، ولم تستوعب الاثار السلبية لانتصار المعسكر المتطرف او لترسخ عناصر الجهاد المتطرفة في سورية. كما أن قرار الولايات المتحدة التوجه الى مؤتمر جنيف 2 في روسيا، من دون مشاورات جدية مع حلفائها الاوروبيين، هو مؤشر آخر على ادارة الازمة انطلاقا من موقف ضعف ومن دون بدائل حقيقية للعمل.
المعاني الاستراتيجية لامتناع الولايات المتحدة عن التدخل العسكري في سورية: ان الكشف عن الجدال الداخلي في المؤسسة الامريكية الرسمية، بين وزير الخارجية كيري، الذي أيد عملية جوية في سورية ورئيس الاركان دمباسي الذي يخشى من آثار العملية العسكرية، ولا سيما التدهور الى تدخل عسكري أعمق مع الخسائر الكبيرة وتآكل القوات، يضيف الى الضرر اللاحق بصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى. في ضوء فهم المعسكر الراديكالي بان الخيار العسكري الامريكي ليس على الطاولة ترتفع دافعيته لمواصلة المواجهة وابداء التصميم في ميدان المعركة في سورية. والى جانب ذلك، يتعزز الموقف الروسي الذي يطرح شروطا ابتدائية صعبة للخطوة السياسية المتمثلة في مؤتمر جنيف 2 لوقف الحرب في سورية.
اذا فحصنا الازمة في السياق الايراني الواسع، فان المعارضين للهجوم في سورية يعتقدون بانه من الافضل أن تعد الولايات المتحدة وتحتفظ بالخيار العسكري لعملية في ايران، اذا ما فشلت المحادثات في موضوع النووي واخترقت ايران السبيل لتحقيق قدرة نووية عسكرية. بالمقابل، فان اولئك المؤيدين لهجوم امريكي في سورية يقدرون بان عدم اظهار تصميم امريكي في سورية، مقابل التصميم الذي تبديه ايران وحزب الله، معناه تعزيز التقدير الايراني بالاحتمالية المتدنية للخيار العسكري الامريكي بالهجوم على البنية التحتية النووية فيها، الامر الذي يجعل الولايات المتحدة تفقد رافعة ضغط مهمة لاقناع ايران.
اما المعارضون للهجوم في سورية فيطرحون ايضا موضوع الشرعية الدولية. فحتى لو كان مجلس الامن مشلولا بسبب الخوف من الفيتو الروسي والصيني، فان الولايات المتحدة يمكنها أن تعمل على اساس قانوني، بناء على طلب المساعدة من جانب المعارضة، التي تسيطر على اكثر من نصف الاراضي في سورية. امكانية اخرى هي الاستناد الى عقيدة التدخل بفعل المسؤولية عن الحماية للسكان غير المشتركين، الذين يعانون من اضرار جسيمة. عملية في اطار ائتلاف يعزز مفعول عقيدة المسؤول عن الحماية مقارنة بخطوة امريكية احادية الجانب.
ما هو الخيار العسكري المعقول؟ عملية عسكرية، مع احتمال باسناد دولي واقليمي واسع، يفترض أن تخلق منطقة حظر طيران في سماء سورية، لمنع استخدام قوات بشار الاسد للطائرات والمروحيات القتالية ضد قوات المعارضة والمواطنين، وتقليص قدرات نثر مواد القتال الكيميائي. ولغرض تحقيق غاية منطقة الحظر الجوي، يوجد تحت تصرف الولايات المتحدة نهجان عمليان. الاول يقوم على اساس فكرة تحقيق تفوق جوي فوق سماء سورية، حسب فكرة رئيس الاركان الجنرال دمبسي. ولهذا الغرض، مطلوب مئات الطلعات لهجمات مسبقة على بطاريات أرض جو ورادارات الكشف. ويسمح التفوق الجوي للولايات المتحدة بشل فعالية المطارات في سورية واجراء دوريات جوية فوق سمائها، اعتراض كل طائرة ومروحية من قوات الاسد بل ومنع المساعدة من الخارج لقوات الاسد (ولا سيما من ايران). النهج الثاني يقوم على أساس هجوم مضاد لشل المطارات، التي تعمل منها الطائرات والمروحيات السورية، من دون الدخول الى سماء سورية، بل بواسطة السلاح الموجه الدقيق، المطلق من مسافة بعيدة. بالتوازي، يمكن تنفيذ دوريات جوية فوق البحر المتوسط مع صواريخ جو جو بعيدة المدى لاعتراض طائرات تدخل مناطق الحظر الجوي.
وفي النهجين ليست الولايات المتحدة ملزمة بالعمل من الدول المجاورة، بل من البحر المتوسط، من حاملة الطائرات بل وبالطيران المباشر مع تزويد بالوقود جوي، من قواعد امريكية في اوروبا. ويمكن للعملية الجوية أن تتم في ظل تقليص المخاطر والتهديد على الطائرات الامريكية.
التوصية لبلورة ائتلاف منطقة حظر جوي من الدول المجاورة لسورية بقيادة الولايات المتحدة: فكرة منطقة الحظر الجوي يمكن للولايات المتحدة أن تطورها الى مفهوم استراتيجي لتحالف اقليمي مقابل المعسكر الراديكالي وفي سياق فوري لما يجري في سورية. اساس المفهوم هو بلورة ائتلاف (من غير الملزم أن يكون رسميا) للولايات المتحدة الى جانب الدول المجاورة لسورية، تلك التي تخاف من الصلات السلبية للاحداث في سورية الى اراضيها وتتوقع عملية امريكية ناجعة وبالقوة ضد قوات الاسد المؤيدة له. الفكرة هي أن تقود الولايات المتحدة مجموعة دول الاردن، تركيا واسرائيل (مع البقاء في الظل وبدون اعلان)، تشارك الى جانبها في اقامة منطقة حظر الطيران، كل واحدة بجوار حدودها مع سورية، ان لم يكن عمليا فعلى الاقل بدعم سياسي وعملياتي، وكذا في انتشار بطاريات باتريوت في نطاقها (الامر الذي تم فعلا). ويذكر أنه كانت دلائل على تنسيق بين الدول الاربع في بلورة الرد على سيناريو التدهور في استخدام السلاح الكيميائي في سورية. وبدرجة اخرى، يمكن توسيع الجهد الانساني والتعاون في حماية السكان المدنيين في سورية، من خلال خلق حزام اقليمي فاصل على طول الحدود السورية مع الاردن، اسرائيل، تركيا بل ولبنان. ويمكن أن يفر لهذه المناطق مواطنون سوريون ويكون ممكنا اقامة بنية تحتية للمساعدة الانسانية. الحزام الفاصل يستخدم ايضا لمنع انتقال عناصر متطرفة من المعسكرين الى الدول المجاورة، ولا سيما الى اراضي الاردن.
وبالتالي ستنشأ العلاقة المشتركة بين الدول المشاركة في منع انتقال الاحداث الى اراضيها وبين المسؤولية لحماية المدنيين السوريين. معقول الافتراض بان هذا الائتلاف سيحظى بدعم السعودية والامارات السنية، وبهذه الطريقة يتكون ائتلاف من الولايات المتحدة والمعسكر السني ‘المعتدل’ ضد المعسكر الراديكالي الشيعي. ويسمح هذا الائتلاف ايضا بالمشاركة في مبادرات سياسية، ويبني امكانية كامنة ليس فقط لتغيير ميزان القوى القتالي داخل سورية، بل وتغيير اوسع اساسه عزل ايران وحزب الله لدرجة ردع ايران من خلال بلورة ائتلاف مشابه في الموضوع النووي.
أودي ديكل
نظرة عليا 17/7/2013