الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما لكم غير الله ... يا أطفال الغوطة!

ما لكم غير الله ... يا أطفال الغوطة!

26.08.2013
د. حمد العصيدان

الرأي العام
الاثنين 26/8/2013
في لحظة تعجز كل قواميس العالم ولغاته، أن تنقل ما بداخله من خلجات ومشاعر، وقف رجل مسن بين أكداس الجثث، في أحد السراديب التي حولت إلى مشفى ميداني في الغوطة الشرقية بريف دمشق، يقول: جئت أبحث عن عائلتي، لقيت زوجتي ميتة وأبحث الآن عن اولادي وأولاد أولادي. ثم يغوص بين الجثث المسجاة باحثا عن عائلته، فيما على الجانب ركعت امرأة على جثة طفل صغير تلمه إلى صدرها تارة، وتبعده عن الصدر وتتأمل تارة أخرى وهي تنتحب. وفي مشهد ثالث يقف شاب أمام مراسل تلفزيوني، في حالة ذهول جعله ينفصل عن الواقع ليقول: أبي وأمي وإخوتي كلهم ماتوا.
هذه المواقف غيض من فيض المشاهد التي تابعها العالم لمجزرة الغوطة الشرقية بريف دمشق بعدما قصف نظام المجرم بشار الأسد المناطق السكنية المكتظة بالأسلحة الكيماوية فجر الأربعاء الماضي، مخلفا أكثر من 1466 شهيدا حسب آخر إحصائية أغلبهم من الأطفال، إضافة إلى إصابة أكثر من 2000 شخص.
هذه الجريمة التي تجاوزت ما قام به صدام حسين في حلبجة الكردية، لم تهز العالم كما هزه تصرف صدام، بل بلغ «العهر السياسي» لدى رعاة هذا النظام المجرم في موسكو أن اتهموا المعارضة بضرب الكيماوي «لتوريط النظام» كما جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما اكتفى بقية العالم بالإدانة والشجب، ولم يستطع مجلس الأمن حتى إصدار بيان يدين هذا الإجرام، ولم يستطع حتى إلزام حكومة بشار بالسماح للمفتشين الدوليين بالذهاب إلى موقع القصف الذي لا يبعد عن مقر إقامتهم سوى ثمانية كيلومترات.
أما العرب، فكالعادة استلوا سيوف التصريحات والشجب واختاروا أقوى العبارات للتعبير عن الغضبة العربية، فاستنكروا وأدانوا وطالبوا المجتمع الدولي بالضغط على نظام بشار لوقف الحرب على شعبه! وهو كل ما يملكونه في جعبتهم، وها هي الجريمة تختفي أثرها رويدا رويدا، فيما طار أطفال الغوطة إلى السماء مغردين في جنات الله، ويعالج المصابون بالماء فقط، والمجرم يزداد إجراما والعالم يتفرج عاجزا عن كبح جماحه بعدما ضمن أن له حماة يحمونه من أي تداعيات لهذا الإجرام.
وما يزيد من اللوعة والأسى أن ذلك المجرم لم يكتف بجريمته ونفي القيام بها، بل قام طيرانه في اليوم التالي بقصف المناطق نفسها التي قصفها بالكيماوي، ولسان حاله يقول «أعمل ما أشاء ولا أحد يستطيع أن يفعل لي شيئا». وبالتأكيد لن يستطيع أحد أن يعمل له شيئا، فالصورة لم تكتمل بعد في السيناريو الإسرائيلي الذي يريد سورية مدمرة لا تسترد عافيتها في 100 سنة لتضمن أمنها، لذلك لا تريد لبشار أن يسقط حتى يكمل تدمير سورية كاملة. أما الموقف العربي فلا يعدو أن يكون صرخة في واد لا صدى لها ولا تأثير.. ومع بقاء الوضع على حاله يستمر أطفال سورية بالغناء (يا الله ما لنا غيرك يا الله) وقد أثبت الواقع فعلا أن ليس لهم إلا الله.