الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من يملأ الفراغ العربي؟

من يملأ الفراغ العربي؟

03.04.2013
خيرالله خيرالله
المستقبل

المستقبل
الاربعاء 3/4/2013
يتغيّر الشرق الاوسط بوتيرة اسرع بكثير مما نعتقد. ما بدأ قبل عشر سنوات بالزلزال العراقي تلاه الزلزال المصري الذي يبدو أنّه سيؤدي الى نتائج كارثية تلحق باكبر دولة عربية نتيجة سقوطها تحت سطوة الاخوان المسلمين. في خلفية المشهد الزلزال السوري الذي نعيش في كلّ يوم فصلا جديدا منه.
انتهى نظام الاسد من دون ان ينتهي. أمّا الاقتصاد المصري، فانّه يقترب اكثر فأكثر من حافة الانهيار في ظلّ لا مبالاة الاخوان الذين يتوهّمون أنّ العالم لا يمكن ان يترك مصر تصل الى الهاوية وسيهبّ لنجدتها في اللحظة الاخيرة.
ما يحصل اليوم هو تفكيك للنظام الاقليمي العربي الذي نشأ بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وانهيار الدولة العثمانية. لم يعد هذا النظام قائما منذ اللحظة التي سقط فيها العراق الذي يحكم من دولة مركزية عاصمتها بغداد. الاكيد ان مسؤولية ما حدث لا تتحملها الولايات المتحدة وحدها التي قررت التخلص من النظام القائم في العراق. المسؤولية هي قبل كلّ شيء مسؤولية انظمة عربية توالت على السلطة من دون امتلاك أي شرعية من أيّ نوع كان، أكان ذلك في مصر أو في العراق أو في سوريا.
إن دولاً عربية ثلاث مهمة في طريق الانهيار. لم يؤد التغيير الذي حصل في العراق سوى الى مزيد من الشرذمة الذي ترافق مع خروج الغرائز المذهبية من القمقم. هل هناك من يستطيع اليوم تحديد هوية العراق، أم أن كلّ ما يمكن قوله أنّ معظم اجزاء القسم العربي من البلد صارت تابعة لايران، فيما يتصرّف الاكراد بما تمليه مصلحتهم في ظلّ الفوضى العارمة التي تسود المناطق غير الخاضعة لسيطرتهم؟
بالنسبة الى مصر، من الواضح أنّ الثورة التي اطاحت الرئيس حسني مبارك وقعت في قبضة الاخوان الذين لا يمتلكون مشروعا حضاريا لدولة تعيش في القرن الواحد والعشرين. هناك تخبّط لا سابق له في مصر. لا يستطيع الحاكم الجديد التجرؤ على طرح أي سؤال من أي نوع كان في شأن كيفية حل المشاكل التي يعاني منها البلد بدءا بالسياحة وانتهاء بالشركات الكبيرة والاستثمارات العربية والاجنبية وصولا الى الزراعة ومياه النيل والتعليم والامن والنمو السكاني العشوائي...
لا تزال سوريا في خضم الثورة الشعبية التي يحاول من خلالها المواطن العادي استرداد كرامته في مواجهة قوى ظلامية اعتبرت أنّ توفير الامن للمواطن السوري المرضي عنه اكثر من كاف كي تتوفّر لها كل الفرص من اجل استغلال ثروات البلد وايداع الارباح في صناديق ومصارف تقع خارجه. لا يزال هناك امل في أن تتجاوز سوريا محنتها وأن يكون البديل من النظام الطائفي القائم نظام آخر منفتح على كلّ سوري بغض النظر عن منطقته أو طائفته. الامل قائم، على الرغم من أن الوقت لا يعمل لمصلحة الشعب السوري ووحدة سوريا، بمقدار ما أنه يلعب لمصلحة قوى خارجية، على رأسها ايران تسعى الى ملء الفراغ الناجم عن الضعف العربي.
ما لا يمكن تجاهله أنّ ايران تعمل حاليا على التقرب من مصر مستخدمة كلّ الوسائل المتاحة، بما في ذلك العناصر المنتمية الى تياري الاخوان المسلمين والسلفيين التي اقامت معها علاقات أقل ما يمكن أن توصف به أنها مريبة. لم يتردد النظام الايراني، منذ مشاركته في الحرب الأميركية على العراق عام 2003، في الاندفاع في اتجاهات مختلفة لتأكيد نيته في ملء الفراغ الناجم عن بدء "اعادة تشكيل المنطقة" حسب تعبير كولن باول وزير الخارجية الأميركي وقتذاك.
أما تركيا، فمن الواضح أنها تعيد النظر في تحالفاتها. تعيد النظر حتى في الموقف من إسرائيل التي اعادت فتح القنوات معها، مثلما أنها تعيد النظر في الموقف من الاكراد الذين في طريقهم الى مصالحة تاريخية معها. لا تقتصر المصالحة التركية مع الاكراد على حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه التركي عبدالله اوجلان القابع في السجن، بل يتجاوز ذلك الى اكراد العراق الذين يجدون مصلحة في الانفتاح على انقرة. مثل هذا الانفتاح يخرجهم من اسر العلاقة المعقدة مع حكومة بغداد التي ترفض الاعتراف بأنّ مشاركة الاكراد في التخلص من صدّام حسين ونظامه في العام 2003 كانت مرتبطة بشكل عضوي باقامة نظام فدرالي في العراق، أي بحكم ذاتي كامل للاكراد.
تبقى إسرائيل التي تتفرّج على ما يدور في المناطق القريبة منها. لا مانع لدى إسرائيل في اطالة الحرب الاهلية في سوريا الى يوم القيامة نظرا الى أنّ ذلك سيمكّنها من تفتيت بلد عربي على حدودها. اكثر من ذلك، انّ الحرب الدائرة في سوريا في ظلّ نظام يرفض الاعتراف بأنّه مرفوض من شعبه، ستزيد حدة التجاذبات المذهبية في المنطقة كلّها. الدليل على ذلك، تورط "حزب الله"، وهو ميليشيا ايرانية، عناصرها لبنانية، اكثر فأكثر في مساندة النظام السوري عسكريا وبكل الوسائل المتاحة.
اصطادت إسرائيل اكثر من عصفور بحجر واحد. لكنّ غيرها ايضا يتطلع الى ملء الفراغ في المنطقة العربية في ضوء ما يجري في العراق ومصر وسوريا. ولذلك، نجد حلفا غير معلن بينها وبين كلّ من ايران وتركيا، أي بين ثلاث قوى تتنافس احياناً، وتبلغ درجة التنافس في ما بينها اطلاق التهديدات. لكنّ القوى الثلاث تدرك في الوقت ذاته أن في المنطقة جديدا، في اساسه الضعف العربي. هذا الضعف، لا يمكن الاّ التعاطي معه واستغلاله الى ابعد حدود.