الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل الثورة بلا أخطاء؟!

هل الثورة بلا أخطاء؟!

08.04.2013
ثائر الزعزوع

المستقبل
الاثنين 8/4/2013
ترتقي فكرة الثورة بمفهوميها الاجتماعي والسياسي، إلى حدٍّ يكاد معه من الصعب تصديق العثور على أخطاء أو عثرات يمكن أن تؤخذ عليها، ولعلّ هذا ما دفع بالثورة السورية إلى حالة من القدسية جعلت من الصعب التعامل مع مشكلاتها إلا وفق مفهوم ممالئ، مشفوعٍ بالكمّ الكبير من التضحيات التي يقدمها الثوار على الأرض، وكذا وقوفها ، أي الثورة، في مواجهة نظام يمكن، بسهولة، ترتيب قوائم وسجلات لا تنتهي من الأخطاء والجرائم التي ارتكبها وما زال يرتكبها، دون أي رادع أخلاقي أو إنساني.
ولعل العزوف عن رصد الأخطاء التي يقع فيها بعض الثوار، سيحوّل الأمر إلى مشكلة حقيقية غداة سقوط النظام، لأن تلك الأخطاء ستتحول إلى عادات ثورية، وحقٍّ مكتسبٍ بحكم السكوت عليه، وعدم الإشارة إليه وقت حدوثه.
لكن، وعلى الطرف الآخر، تقف المعارضة السياسية، أو الجناح السياسي للثورة، مسربلةً بأخطائها، من وجهة نظر المنتقدين، فلا يكاد يتبلور موقف أو تصور لمرحلة أو لخطوة تعتزم تلك المعارضة القيام بها، حتى تنقضّ عليها سهام الانتقادات لا من جهة بعينها، بل من جهات، وقد يأتيها الطعن من ظهرانيها، كما حدث مرات ومرات مع المجلس الوطني، ثم تكررت التجربة بحذافيرها مع الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة، والذي وقبل أن يلوح دخانه الأبيض، بل وقبل أن يخطو خطوة واحدة تعرض للانتقاد بسبب الطريقة التي تم اختيار أعضائه فيها، وللآلية التي وضعها لبناء مخططه السياسي لحل الأزمة التي دخلت عامها الثالث، ولم يتسنّ الوقت الكافي لأعضاء الائتلاف الذين اختلط حابلهم بنابل المجلس الوطني، فحملوا الكثير من أعباء أخطائه، وتعثره السياسي الملحوظ، كي يرتبوا أوراقهم كما ينبغي، وبما يتناسب مع الحالة الحرجة التي وصلت إليها الأمور.
وقد مثّلت حوادثُ بعينها ارتكبها الثوار على الأرض مصدرَ إحراجٍ كبير للمدافعين عن الثورة، يأتي في مقدمتها مشاهدُ قطع الرؤوس التي يتم تسريبها، والتي يقوم بتنفيذها "متسلقون" على الثورة، كما يرى المراقبون الذين لا يريدون أن يصدّقوا أن الثورة ترتكب أخطاء، وهي حوادث فردية لا تعبر عن المعنى الجوهري للثورة، وسيبادر طرف أو أكثر لنفي أنها تمثل انحناءة خطيرة في الثورة، قد تقودها إلى فقدان قيمتها الجوهرية لتتحول من ثورة إلى حرب أهلية، كما تنبأ بذلك المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، ومؤخراً ظهر مشهد موازٍ لما يقوم به عناصر الشبيحة والأمن بحق المعتقلين، وهو قيام بعض "الثوار" في مدينة حلب بالإساءة لمن يعرف بالرجل الأصفر، وهو كما ورد في تعريفه "مخبر" و"جاسوس" للنظام، وقد تمت إهانته، ونتف شاربيه من قبل أولئك الشباب، الذين تبرأت الكتائب العاملة في حلب منهم، وتعهّد متحدث باسم الجيش الحر بأن تتم معاقبتهم فور التعرف عليهم، وسيخضعون للمحاكمة.
ومع تكرار الحوادث الفردية، يبدو المدافعون عن طهرانية الثورة في موقف محرج، من تبرير أخطائها، حتى لا يكاد يخلو يوم واحد من الوقوف عند خطأ يصدر عن أحد الفصائل المسلحة، وقد فاق عددها جميع التوقعات، وباتت ثمة تقارير أممية توجه أصابع الاتهام إلى "الجيش الحر" لارتكابه جرائم ترقى لأن تصنف على أنها جرائم حرب، ولعل فيديو تعذيب وقتل "شبيحة آل بري" خلال شهر أغسطس آب من العام الماضي في مدينة حلب حمل الكثير من الاتهامات لمنفذيه، وقد تبرأ منه الجميع وقتها، ونسب الأمر إلى حوادث فردية كالعادة.
خلال الفترة المنصرمة بدأت المجالس المحلية في المناطق المحررة بتشكيل هيئات شرعية، هي نواة لقضاء ثوري يتوخى الحفاظ على صورة الثورة الطاهرة غير ملوثة، كي لا تفقد بريقها وصدقيتها، وأقيمت فعلاً محاكمات لجناة ومرتكبي جرائم بحق "الشعب" وخونة للثورة، إلا أن تلك المحاكمات تفتقر بالدرجة الأولى إلى شكل المحاكمة المطلوبة، وهي محاكم ثورية بلا محامي دفاع، وقد وقعت أخطاء تم السكوت عليها كذلك، وهذا السكوت يندرج كذلك تحت بند عدم الإساءة للثورة.
الثورة بلا أخطاء، هكذا يرغب الجميع أن يعتقدوا، وأن تكون تلك الحقيقة راسخة في أذهان الجميع، ويعمد ناشطو الثورة سواء في الداخل أم في الخارج إلى لعب دور المدافع، مكررين بذلك ما يفعله النظام من دفاعه المستميت عن قواته المسلحة مكذباً وبكل شراسة احتمال ارتكابها أخطاء، لأن "المعركة" بين الطرفين هي معركة قديسيين في مواجهة قديسيين، وليست معركة بشرية تؤمن باحتمال وقوع الخطأ.
فهل تستطيع الثورة ألا تخطئ؟