الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل من تغيير في "حروب" أميركا السياسية؟

هل من تغيير في "حروب" أميركا السياسية؟

01.12.2014
محمد مشموشي



الحياة
الاحد 30-11-2014
لا علاقة مباشرة بين تمديد (أو فشل؟!) المفاوضات بين إيران والدول الست العظمى في العالم، واستقالة (أو إقالة؟!) وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، سوى أنهما حدثا في يوم واحد. ولا علاقة أيضاً بين الحدثين هذين وقرار الرئيس باراك أوباما إبقاء قوات أميركية في أفغانستان حتى نهاية العام المقبل، على رغم تعهده قبل انتخابه الانسحاب الكامل منها ومن العراق. ولا علاقة كذلك بين نتائج الانتخابات النصفية الأميركية وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه، وانفجار أعمال عنف غير مسبوقة في ولاية ميسوري احتجاجاً على تبرئة شرطي أبيض من جريمة قتل مواطن أسود. إلا أنه لا تمكن إقامة جدار عازل بين ذلك كله، وبين ما يقال علناً في واشنطن منذ فترة عن "فشل" إدارة أوباما على أكثر من مستوى محلي ودولي... بخاصة لجهة تراجع دور الولايات المتحدة في العالم.
وقبل أي سؤال آخر، هل من معنى أميركي خاص لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميسوري، البروفيسور بيفيريل سكواير، من أن العنف العنصري الذي اجتاح الولاية وولايات أميركية أخرى سيكون "جزءاً من النقاش في صناديق اقتراع 2016" (الانتخابات الرئاسية)، وأنه يعتقد "أن المرشحين من الحزبين لن يكونوا قادرين على التهرب من الأسئلة التي يطرحها هذا العنف الآن ويتوقع أن يزداد في المستقبل"؟
ومن دون الدخول في المحليات الأميركية، مثل قضية اللاجئين والرعاية الصحية، لم يعد سراً، لا في واشنطن ولا في أي من عواصم العالم، أن أوباما لم يتمكن من تحقيق أي من وعوده عشية انتخابه، بدءاً من إقفال معتقل غوانتانامو، إلى الانسحاب من العراق الذي تبين أنه كان خطأ بدليل عودته إليه وإن جواً وفي صورة خبراء عسكريين الآن، إلى الانسحاب من أفغانستان الذي أرجئ الآن لمدة عام على الأقل. وفي حين أضيف إلى هذه القضايا مأزق أوباما في أوكرانيا وتعثره في التعامل معها، بدا جلياً في الأسابيع القليلة الماضية شلل (وبعض المعلقين يقول تشرذم) فريقه للأمن القومي المكون من وزيري الخارجية جون كيري والدفاع هاغل ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، فضلاً عن الاستخبارات.
بل إن مجلة "فورين بوليسي" ذهبت إلى حد القول إن استقالة (أو إقالة) هاغل كانت محاولة "تجميع لشظايا البنتاغون"، وإن التشرذم في هذه الوزارة سيبقى بعد رحيله كما كان قبله... بل أكثر، إن المسألة في النهاية تتعلق بـ "البدايات الخاطئة، ونصف الإجراءات، وإدارة البيت الأبيض الفوقية، لحملات الإدارة في كل من العراق وسورية في مواجهة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ولكن قبل ذلك في الأدلة التي أعطتها على وجود مشكلات أعمق سواء داخل الإدارة أو في طريقة عمل الرئيس نفسه ومجلسه للأمن القومي".
هكذا، تقول المجلة في تقرير آخر لها، أن أحداً كما يبدو "لا يريد أن يحل محل هاغل في وزارة الدفاع" ما دامت الحال على ما هي عليه (رفض ميشال فلورنوي تولي المنصب).
وحتى في مسألة المفاوضات النووية مع إيران، ورغبة أوباما في تحقيق "إنجاز" فيها يتوج الفترة الثانية من ولايته، لا تكتم التعليقات الأميركية القول إن ما حدث لجهة تمديد التفاوض كان "مأزقاً" جديداً (Impass) له ولإدارته، وحتى لحلفائه الأوروبيين وفي العالم والمنطقة العربية، وإن عليه إذا كان يريد فعلاً مثل هذا "الإنجاز" أن يبدأ بداية جديدة ومختلفة تماماً هذه المرة. فقرار التمديد هو "حكم بالموت" على المفاوضات، يقول مدير برنامج وقف الانتشار النووي شرق آسيا جيفري لويس، ولا يمكن الولايات المتحدة أن تنتظر شهوراً أخرى تتمكن إيران خلالها من أن تنتج المزيد من اليورانيوم.
هل يعني ما سبق أن تغييراً ما في مقاربات أوباما الخارجية، وربما الداخلية أيضاً، سيحدث خلال الشهور القليلة المقبلة؟
في التسريبات الإعلامية أن أوباما، وتحديداً الحزب الديموقراطي الذي ينظر من الآن إلى المعركة الانتخابية بعد عامين، اكتشف أن "حروبه" السياسية في العالم باءت بفشل لم يعد أحد يتجاهله، وأن مقاربة جديدة هي قيد الإعداد في المرحلة الحالية استعداداً للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.
جانب من هذه المقاربة تمثل في قراره قبل أسبوعين دعوة مستشاريه وفريقه للأمن القومي إلى إعادة النظر في استراتيجيته لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، وكذلك بدء جولة محادثات مع تركيا حول موقف الأخيرة من نظام بشار الأسد وإقامة منطقة حظر جوي داخل الأراضي السورية.
ومع أن ذلك لا يعني تغييراً في نظرية أوباما حول "الحروب" السياسية، ولا حتى في طبيعتها على الأرض، إلا أنه لا يعني في الوقت ذاته بقاء مقارباته على حالها كما كانت خلال أعوام ولايته الستة السابقة... لا بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، ولا في ما يتعلق بالوضع في سورية والعراق، ولا قبل ذلك وبعده في مواجهة روسيا فلاديمير بوتين ومواقفها في المنطقة العربية وفي أوكرانيا.
وفي هذه التسريبات، أنه لن يكون مفاجئاً أن يستغل أوباما تهديد الجمهوريين بزيادة العقوبات على إيران ليضغط به عليها، وأن يكون التدني المضطرد في أسعار النفط جزءاً من حربه عليها وعلى روسيا في الوقت ذاته، وحتى أن يتحول الخبراء والمستشارون العسكريون الأميركيون في العراق نواة لقوات دعم من وراء خطوط القتال المباشرة.
هل تصدق مثل هذه المعلومات، وإن بحدودها الدنيا؟
لا جدال في أن أوباما وحزبه يمران بمأزق كبير حالياً، داخل بلادهما كما في ما يخصّ صورتها ودورها في العالم. كذلك لا جدال أيضاً في أنهما يحاولان الآن وسيحاولان في المستقبل الخروج من المأزق، وإن بأقل خسائر ممكنة.
والأسابيع القليلة المقبلة، وربما الأيام فقط، ستكون كفيلة بإعطاء الجواب.