الرئيسة \  تقارير  \  واشنطن بوست : الحرب الأوكرانية وضعت بوتين في موقف صعب لموازاة علاقاته مع إيران والسعودية

واشنطن بوست : الحرب الأوكرانية وضعت بوتين في موقف صعب لموازاة علاقاته مع إيران والسعودية

01.11.2022
إبراهيم درويش

Untitled 8

واشنطن بوست : الحرب الأوكرانية وضعت بوتين في موقف صعب لموازاة علاقاته مع إيران والسعودية

إبراهيم درويش

لندن – “القدس العربي”:

الاثنين 31/10/2022

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا من إعداد روبين ديكسون أشارت فيه للتوازن المعقد الذي يواجه الرئيس فلاديمير بوتين في علاقاته مع كل من السعودية وإيران، وهما بلدان متنافسان بشكل دائم حول قضايا المنطقة.

وجاء في التقرير الذي أعدته من ريغا العاصمة اللاتفية أن حادث ميكروفون أثناء حديث ساخن في تلفزيون موال للحكومة الروسية كشف عن دور إيران بتزويد القوات الروسية بمسيرات انتحارية استخدمت لتدمير البنى التحتية الأوكرانية، في وقت ظلت فيه موسكو تنكر استخدام مسيرات إيرانية.

وقال المعلق العسكري رسلان بوخوف المقرب من الكرملين في مداخلة مع المذيع الرئيسي لتلفزيون “أر بي سي”: “كلنا يعرف أن المسيرات هي إيرانية”، والمشكلة أن بوخوف لم يكن يعرف أن الحديث كان على الهواء. وأضاف مثرثرا “لكن الحكومة لم تعترف بهذا”. وقارن الوضع بأجزاء في الجسم التي يعرف كل واحد أنها موجودة ولا أحد يذكرها تأدبا عندما يكون في جلسة.

ويعكس الإنكار الروسي والإيراني رغم الأدلة الكثيرة الأرضية المشتركة بين البلدين “اللذين يجمعهما العداء ضد الغرب والعزلة الاقتصادية والإيمان بنظريات المؤامرة وقمع المواطنين في كلا البلدين وميل المسؤولين للكذب”.

وتزايدت علاقة المصلحة بشكل أصبحت فيه مهمة لروسيا التي تعاني من نكسات كبيرة في الحرب بأوكرانيا وتشكل نوعا من الإهانة لدولة تطمح لأن تكون من القوى العظمى في العالم لكنها تطلب المساعدة من إيران كي تزودها بالصواريخ والمسيرات القتالية وفي خرق محتمل لحظر تصدير السلاح للجمهورية الإسلامية الذي صوتت لصالحه موسكو.

وترى الصحيفة أن العلاقات القريبة مع طهران قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة ولعقود، في وقت يحاول فيه الكرملين موازنة علاقات متضاربة، مع إيران من أجل الأسلحة ودعم الحرب والسعودية للحفاظ على أسعار النفط مرتفعة لكي تظل خزينة الحرب عامرة بالمال.

وترى الصحيفة أن مبيعات الأسلحة الإيرانية لروسيا تعتبر تحولا زلزاليا، وهو أول تدخل إيراني في حرب أوروبية، وهو دور عسكري يمثل تداعيات غير واضحة على الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا والبقية. ويرى هنري روم، المحلل في شؤون إيران بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “هذا بالتأكيد فصل جديد في العلاقات الإيرانية- الروسية” و”هو تحرك حاسم من الإيرانيين حيث أدخلوا أنفسهم وبشكل قوي في حرب على التراب الأوروبي”. وأضاف روم أن “ربط عربتك ببلد مثل روسيا والتي ستكون حتى في ظل أفضل السيناريوهات ضعيفة في سياق هذه الحرب، هو مقترح محفوف بالمخاطر”.

وتضيف الصحيفة أن الحرب في أوكرانيا قلبت النظام الجيوسياسي بطريقة لم تر منذ انهيار جدار برلين. وباتت المخاوف من حرب عالمية جديدة أكبر مما هي في أي وقت مضى وذلك وسط التهديدات باستخدام الأسلحة النووية والاتهامات المتبادلة باستخدام “القنبلة القذرة” والأدلة المتزايدة عن ارتكاب روسيا جرائم حرب. ويحلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظام متعدد الأقطاب يتم من خلاله تجريد الغرب المنهار من تأثيره ويقوم هو وغيره من الديكتاتوريين بإعادة تقسيم العالم إلى محاور تأثير والاستفادة من المصادر لإثراء أنفسهم والحصول على عظمة عملية في وقت يسحقون فيه المعارضة داخل بلادهم. ويقول ريه تاكيه، المحلل في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي “لدى كل من النظام الإيراني والفدرالية الروسية شيء مشترك” و”كلاهما يحدد الأوضاع الإستراتيجية عبر منظور نظريات المؤامرة، وعليه سيزداد مستوى التفاعل بين البلدين في وقت سيجدان نفسيهما في وضع واحد، وفي عداء مع المجتمع الدولي والرأي العام في كل منهما”.

وفي الوقت الذي رمت فيه إيران بثقلها وراء كل من روسيا والصين، تتلاشى الآمال بالعودة للاتفاقية النووية عام 2015 والتي حدت من تخصيب اليورانيوم وخرج منها دونالد ترامب عام 2018. وزاد منظور ميل إيران نحو روسيا، بعد انتشار التظاهرات في كل أنحاء البلاد، فهي بحاجة للدعم الروسي في مجلس الأمن والفيتو حالة قررت المنظمة الدولية شجب الرد الحكومي على المتظاهرين. ويأمل قادة إيران رفع صورة وتأثير إيران من خلال بيع المسيرات لموسكو ودعم الحرب في أوكرانيا، بشكل يزيد من مبيعات الأسلحة والحصول على الموارد المالية التي يحتاجها اقتصاد البلاد.

وتعتقد القيادة الإيرانية أنها قادرة على تجاوز الثمن، في وقت تحضر فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض مزيد من العقوبات على إيران. وقال روم “لو وضعت نفسك في رأس بعض المسؤولين الإيرانيين، فأعتقد أن هناك منطقا استراتيجيا لهذا النهج” و”أعتقد أن هذا المنطق هو: المحادثات النووية ليست منتجة، ولا يمكننا الثقة بالغرب ونستطيع الاعتماد على أنفسنا اقتصاديا ومستقبلنا هو مع الصين وروسيا”. و”من المحتمل أن هناك منافع لأن تكون البلد الذي يقف مع روسيا في وقت الحاجة”.

وتحدث المسؤولون الأمريكيون عن خطط إيرانية لبيع مزيد من المسيرات والصواريخ الباليستية بعد نفاد المخزون الروسي من هذه الصواريخ. وقالوا إن طهران أرسلت مدربين وفنين عسكريين لتدريب القوات الروسية على توجيه المسيرات من قاعدة عسكرية في شبه جزيرة القرم. وقال مركز المقاومة الوطنية الأوكرانية وهو جزء من قوات العمليات الأوكرانية الخاصة، هذا الأسبوع إن المسؤولين الإيرانيين يساعدون القوات الروسية لتنسيق هجمات المسيرات من ميكوليتشي، قرب غوميل في جنوب بيلاروسيا. وسارعت الدول الغربية لإرسال شحنات جديدة ومتقدمة من الدفاعات الجوية، إلا أن وصول المسيرات الإيرانية قد يحرف ميزان الحرب لصالح روسيا ويسهم في تدمير المزيد من البنى التحتية مما سيطيل أمد الحرب، وهو ما يعول عليه بوتين حيث يعتقد أن حلول الشتاء وأزمة الوقود في أوروبا قد تفككان التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا. وقاتلت موسكو وطهران في نفس الجانب بسوريا دعما لنظام بشار الأسد. ولكن العلاقة توسعت وزادت وثوقا وتوجت بسلسلة من اللقاءات هذا العام، حيث زار بوتين إيران والتقى مع المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي والذي دعم الموقف الروسي من الحرب وقال إن موسكو لم يكن لديها أي خيار بل وشنتها للدفاع عن نفسها ضد هجوم محتمل.

وفي لقاء مهم حضره نائب الرئيس محمد مخيبر ومسؤولون أمنيون كبار في موسكو وافقوا على تسليم الأسلحة للروس. وحمل مخيبر الناتو مسؤولية قتل الأوكرانيين واقترح لجنة مشتركة لتقويض العقوبات الغربية على البلدين. وقال إن طهران لديها الكثير لكي تعلم موسكو “نعاني من هذه العقوبات منذ 40 عاما ولم نسمح لهم بتقويض حكومة البلد أو التأثير بشكل خطير علينا”.

وفي أثناء محادثات تموز/يوليو وقعت شركة الغاز الروسية العملاقة “غازبروم” مذكرة تفاهم بـ 40 مليار دولار مع شركة النفط الإيرانية الوطنية. وفي أيلول/سبتمبر زار وفد روسي مكون من 60 رجل أعمال إيران.

ورغم كل الأحاديث الوردية إلا أن ملامح عدم الثقة واضحة بين البلدين، فقد صوتت روسيا إلى جانب العقوبات على إيران فيما يتعلق بملفها النووي ولم ير القادة في إيران دورا مهما لموسكو أثناء المفاوضات على الاتفاقية النووية عام 2015.

وزاد التنافس الروسي- الإيراني في مجال النفط والغاز، حيث تحولت موسكو باتجاه الصين كأهم زبون لها، مما أثر على الصادرات الإيرانية لبيجين وخفض من أسعار النفط والغاز في وقت يواجه فيه الاقتصاد الإيراني مشاكل بطالة وتضخم ونقص في المواد.

ويفاخر بوتين بأنه قادر على التعامل مع كل الأطراف في الشرق الأوسط، إلا أن الحرب في أوكرانيا ساهمت في إحداث اضطرابات عالمية وبخاصة في قطاع الطاقة. كما خلقت صداعا سياسيا يقتضي من بوتين المناورة من أجل بناء توازن حساس بين القوى المتنافسة.

وتوترت العلاقات بين واشنطن والسعودية بسبب قرار الشهر الماضي خفض معدلات إنتاج النفط بالتعاون مع روسيا، في وقت هدد فيه الرئيس بايدن بتداعيات “لما فعلوه مع روسيا”. وكتب أندرو أس ويس وياسمين الكسندر – غرين من وقفية كارنيغي للسلام العالمي أن بوتين يستخدم قوة روسيا النفطية بالترادف مع السعودية وبقية دول الخليج للإضرار بأعدائه الغربيين.

وترى السعودية وبقية دول المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالمنطقة، مما يعني أن بناء علاقات مع روسيا قد يكون مثمرا. وقال بوتين في خطاب السياسة الخارجية، الخميس الماضي، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسعى فقط لتحقيق مصالحه الوطنية بقراره خفض إنتاج النفط. وقال: “إنني أعرف ولي العهد شخصيا جيدا. إنه يريد أن يوازن أسواق الطاقة. وبالنسبة لأسواق الطاقة الدولية، فإن أهم شيء هو القدرة على التنبؤ والاستقرار. هذا كل ما يهم، وولي العهد يسعى لتحقيق ذلك”.

 وباتت إسرائيل تحت ضغوط شديدة لمساعدة أوكرانيا في وقت بات واضحا لها أن بوتين بات يفحص المسيرات الإيرانية وبقية الأسلحة التي قد تحول نحوها. وتأمل إيران أن يؤدي التعاون العسكري مع روسيا لتغيير الأخيرة موقفها من بيع نظام أس-400 الصاروخي ومقاتلات سوخوي المتقدمة وهو أمر سيثير مخاوف السعودية وتركيا.

ولو انتصر بوتين وفكك أوكرانيا فستتوقع إيران منافع في مجال الطاقة واستثمارات ودعم في المؤسسات الدولية. أما في حالة هُزم بوتين وفرضت عليه العقوبات وأضعف، فسيكون قرار إيران ربط نفسها بروسيا مصدرا للعقوبات والضعف الدولي، والإضرار بالاقتصاد.

وقال تاكيه “لو خسرت روسيا -أيا كان يعني هذا- وبقي فلاديمير بوتين في السلطة، فستصبح الفدرالية الروسية “عراق التسعينات” من القرن الماضي، أي لاعبا دوليا لا يمكن تغييره برئيس ارتكب جرائم حرب”، وربما واصلت إيران العلاقات مع موسكو، حيث ستعزز الحرب التي دعمها الناتو في أوكرانيا التحالف الروسي-الإيراني المعادي للغرب.