الرئيسة \  واحة اللقاء  \  2013... أية حصيلة؟

2013... أية حصيلة؟

04.01.2014
باسكال بونيفاس


الاتحاد
الخميس 2/1/2014
مع انتهاء العام 2013 واستقبالنا سنة جديدة من المهم والمفيد إجراء تقييم لحصيلة السنة المنتهية والوقوف عند أبرز الأحداث التي ميزتها، وفي هذا الإطار لا يمكن الحديث عن 2013 دون التطرق إلى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الخمس زائد واحد مع إيران حول برنامجها النووي. ومع أن الاتفاق يبقى مرحلياً ولا يغطي جميع القضايا الخلافية التي ينتظر أن تحسم فيها المفاوضات اللاحقة بين الجانبين والمباحثات التقنية بين الخبراء، إلا أنه مع ذلك يظل حدثاً إيجابياً في بيئة عالمية طغى عليها التشاؤم باعتباره تقدماً ولو طفيفاً على الساحة الدبلوماسية، فبفضل هذا الاتفاق المؤقت تراجع شبح الحرب المخيم على الشرق الأوسط، وقلت فرص التدخل العسكري ضد إيران الذي كان سيؤدي إلى عواقب وخيمة لا يعلمها إلا الله، بل إن الاتفاق أيضاً أبعد إمكانية امتلاك إيران للسلاح النووي في ظل القيود المشددة والمراقبة الصارمة التي يخضع لها البرنامج النووي بموجب الاتفاق، فضلا عن تخفيف نسبة تخصيب اليورانيوم الذي وافقت عليه إيران. وبدلاً من طبول الحرب التي قرعت بقوة في مرحلة ما عادت لغة الحوار لتتسيد الساحة السياسية مع استئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، هذا التطور الذي شهدته السنة المنتهية وتوج بالاتفاق النووي الإيراني جاء لينهي عشر سنوات من المفاوضات المتعثرة بين الغرب وطهر
 
ان التي ظلت طيلة هذه السنوات تراوح مكانها دون تقدم، كما سيفتح الاتفاق الطريق، إن كتب له النجاح، إمكانية إنهاء 34 سنة من العداء المستحكم بين أميركا وإيران. بيد أن المفارقة التي ميزت العام المنتهي أيضاً هي التعامل مع مسألة التدخل العسكري الأميركي، فعندما تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً في الخارج وجهت لها سهام النقد بكونها إمبريالية ومتعجرفة تسعى إلى فرض إرادتها على الدول وتغيير أنظمتها دون فهم دقيق لطبيعة التفاعلات الداخلية. أما اليوم فإن ما نشهده هو العكس تماماً، حيث تلام إدارة أوباما على ترددها وعدم حسمها للأمور سواء تعلق الأمر بالخطوط الحمراء التي وضعتها دون احترامها مثل استخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام السوري وعجز الإدارة الأميركية عن ترجمة تهديداتها إلى أفعال ملموسة، أو تعلق الأمر أيضاً بعدم حضور قمة دول "آسيان" بسبب الانشغالات الداخلية للرئيس أوباما التي حالت دون مشاركته فيها، أو حتى ما يطلق عليه بـ"الاستدارة" الأميركية نحو آسيا التي ظلت مجرد حبر على ورق دون أن ترقى إلى استراتيجية واضحة المعالم. هذا الجو المفعم بالتردد الذي تعيشه أميركا، ولّد انطباعاً لدى حلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين أن أميركا بدأت في التراجع والانكفاء على نفسها، علماً أنه في مقابل الانسحاب الأميركي يواصل بوتين و"تشي جيبينج" صعودهما على الساحة الدولية، وإن كان البلدان لا يخلوان من مشاكلهما الخاصة، فالزعيم الصيني مطالب بالتصدي لآفة الفساد التي تنخر الاقتصاد الصيني وتهز مصداقية المؤسسة الحاكمة، كما يتعين على الصين معالجة إشكالية التلوث الناتج عن النمو الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى حساسية الدول المجاورة للصين من مطالبها في الجوار وقوتها العسكرية المتزايدة، الأمر الذي يستدعي من القيادة بكين بعث رسائل لطمأنة الدول القريبة منها وتبديد مخاوفها. فدول "آسيان" تخشى من مواجهة أميركية صينية في المحيط الهادي، بحيث سيكون عليهم وقتها اختيار معسكرهم بين الاثنين، في حين تحرص تلك الدول على نسج علاقات جيدة مع القوتين، كما تخشى أيضاً تنافس آخر إقليمي متزايد بين الصين واليابان وما قد ينجم عنها من صراعات. وفي روسيا يبدو أن بوتين كسب نقاطاً مهمة في أوكرانيا وسوريا، وهو يستعد حالياً لاستضافة الألعاب الأولمبية، وإن كان لا يعتبر إنجازاً دبلوماسياً بالنظر إلى عدم حضور عدد من قادة الدول إلى التظاهرة الرياضية، غير أن روسيا تواجه تحديات أمنية لا يمكن الاستهانة بها ظهرت مع التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي قد تهدد السير العادي للألعاب الأولمبية، يضاف إلى ذلك خطورة أن تسقط موسكو في فخ الاتحاد السوفييتي السابق عندما شكلت الدول المنضوية تحته عبئاً اقتصادياً ثقيلاً، حيث تسعى روسيا اليوم إلى تكرار تمددها عبر فرض التقارب على أوكرانيا ومحيطها القريب ومنع الدول القريبة من توقيع اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي كما جرى مؤخراً مع كييف. والمشكلة أنه لكي تحافظ موسكو على توازنها المالي يجب ألا ينزل سعر برميل النفط عن 120 دولار، كما أن إطلاق سراح بعض المعتقلين في الأيام القليلة الماضية التي سبقت انتهاء 2013 وتمتيع البعض الآخر بالعفو الرئاسي لن يكفي لتدفق الاستثمارات على روسيا في ظل الضبابية القانونية التي يخشى منها المستثمرون. ولا ننسى أن أبرز ما ميز 2013 على صعيد السياسة الخارجية الفرنسية التدخلات العسكرية في أفريقيا التي انطلقت من مالي، وانتهت في جمهورية أفريقيا الوسطى. فبعيداً عن أية ميول يمينية، أو محافظة، في السياسة الخارجية الفرنسية جاء التدخل العسكري في أفريقيا منسجماً مع القانون الدولي، حيث صدرت قرارات واضحة من مجلس الأمن الدولي، فضلا عن إبداء الدول المعنية رغبتها في التدخل الفرنسي لإعادة الأمن والاستقرار. ومع أن التدخلات العسكرية ليست كبيرة، إلا أنها أثبت قدرة فرنسا على الانتشار السريع والقيام بعمليات تنطوي على قدر كبير من الفاعلية، وهي صورة تختلف عن تلك التي ترسمها الولايات المتحدة، حيث تحتاج لقوات أكبر وعمليات نقل معقدة، إضافة إلى الموافقات السياسية الصعبة في واشنطن التي يتدخل فيها الكونجرس إلى جانب البيت الأبيض، فيما أبانت فرنسا على إصرارها وقدرتها على التدخل كلما تعرضت دول إفريقية لمخاطر العنف والفوضى، ويبقى العام 2013 سيئاً للغاية بالنسبة للشعب السوري الذي استمرت معاناته تحت نظام وحشي وعجز دولي بعدما تحولت انتفاضته السلمية إلى حرب أهلية تسببت في تهجير ستة ملايين سوري في الداخل وإخراج ثلاثة ملايين من البلد بحثاً عن ملاذ آمن في الدول المجاورة.