الرئيسة \  واحة اللقاء  \  2013: عام أوباما الأسوأ؟

2013: عام أوباما الأسوأ؟

02.01.2014
د. وحيد عبد المجيد


الاتحاد
الاربعاء 1/1/2014
لم يستطع أوباما، في مؤتمره الصحفي الأخير الذي عقده في العشرين من ديسمبر الماضي، أن يضع حداً للاعتقاد بأن 2013 المنقضي هو أسوأ أعوامه في الرئاسة. فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في الأسابيع الأخيرة تراجعاً ملموساً في شعبيته، بما فيها استطلاع أعلنت نتائجه قبيل مؤتمره الصحفي مباشرة. وأظهر ذلك الاستطلاع، الذي أجرته شبكة "سي. إن. إن"، أن نسبة الرضا عن أداء أوباما انخفضت إلى نحو 41 في المئة، وأن 56 في المئة من المستطلعين قالوا إنهم غير راضين عن هذا الأداء. ويعني ذلك أن شعبيته تراجعت بنسبة 13 في المئة مقارنة بما كانت عليه نهاية عام 2012. فقد كانت نسبة الرضا عن أدائه في ذلك الوقت حوالي 54 في المئة. وكان إقرار أوباما بأنه كانت هناك مصادر إحباط في عام 2013، و حديثه عن أن "نهاية العام تشكل فرصة جيدة للتفكير فيما يمكن فعله بصورة أفضل في العام التالي"، مؤشراً على أنه يتطلع إلى مراجعة أوجه الإخفاق التي شابت أداءه وأثّرت سلباً على دور الولايات المتحدة في العالم، رغم أن هذا الإخفاق لم يكن خارجياً فقط. كما أنه قد لا يكون هو العامل الرئيسي وراء التراجع الكبير الذي حدث في شعبيته. فالأرجح أن القسم الأكبر من هذا التراجع يعود إلى ما بدا لكثير من الأميركيين فوضى عمت في بداية ولاية أوباما الثانية بسبب برنامجه لإصلاح التأمين الصحي (أوباما كير)، سواء من حيث محتوى المرحلة الثانية في هذا البرنامج أو من زاوية آثار الخلاف الذي احتدم حولها بينه وبين الجمهوريين في الكونجرس. فبعد أسابيع سادها القلق بشأن مستقبل الإدارة (الحكومة) الفيدرالية في واشنطن والعاملين فيها، بسبب وقف العمل بالميزانية الجديدة وما أدى إليه من شلل في الجهاز التنفيذي، تبين أن المرحلة الثانية في برنامج "أوباما كير" بعيدة عما كان كثير من الأميركيين ينتظرونه. وبلغت الفجوة بين الواقع وتلك التوقعات الحد الذي دفع جلين كيسلر الصحفي المشهور بتعقب الأكاذيب السياسية ونشرها في صحيفته (واشنطن بوست) إلى اعتبار "أوباما كير" أو بالأحرى ما قاله الرئيس الأميركي عنه هو أكبر كذبة في عام 2013. فإلى جانب تعقيدات اعتبرها البعض "لوغاريتمات" في تطبيق هذا البرنامج، اكتشف غير قليل من الأميركيين أنه يهددهم بفقد تغطيتهم الصحية إذا لم يسددوا رسوم اشتراك أعلى، بخلاف ما وعد به أوباما عام 2009 أو على الأقل ما فهموه هم منه. وهذا فضلا عن الإحباط الذي اقترن باكتشاف الأميركيين المدى الذي بلغه تجسس وكالة الأمن القومي عليهم. فقد بدا الأمر كما لو أنه خيال، رغم واقعيته الشديدة، حين تبين حجم التجسس على هواتف الأميركيين وغيرهم في العالم بمن في ذلك قادة دول حليفة للولايات المتحدة. ورغم أن الوضع الداخلي في الولايات المتحدة لم يخل من إيجابيات عام 2013، وخاصة التحسن الذي حدث في الوضع الاقتصادي وجعله أكثر انتعاشاً وانعكس إيجاباً على سوق العمل، فقد ظلت الإخفاقات غالبة في نظرة الرأي العام إلى أداء أوباما في ذلك العام. لذلك تُعد هذه الإخفاقات الداخلية هي العامل الرئيسي وراء انخفاض شعبيته، رغم أن قسماً يُعتد به من مراكز التفكير الأميركية ترى أن التراجع في نفوذ الولايات المتحدة على المستوى الدولي هو الخطر الأكبر المترتب على سياسة أوباما. غير أن معظم الأميركيين لا يشاطرون فيما يبدو نخبتهم السياسية والاستراتيجية هذا الرأي وفقاً لما يمكن استنتاجه من استطلاعات الرأي العام التي أجريت في الأسابيع الأخيرة. فقد أظهر استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "بيو" للأبحاث، بالتعاون مع مجلس العلاقات الخارجية، أن 52 في المئة من الأميركيين يرفضون تدخل الولايات المتحدة في نزاعات إقليمية أو داخلية ويفضلون ترك كل دولة تختار ما تريد وتحل مشاكلها، وأن 18 في المئة فقط هم الذين يرون أن دعم الديمقراطية في العالم ينبغي أن يكون ضمن أولويات السياسة الخارجية لبلادهم. لكن هذا الاستطلاع نفسه كشف أن أغلبية المستطلعين (53 في المئة) ترى أن أميركا تلعب دوراً أقل أهمية في العالم مما كان عليه الوضع من قبل، بينما كانت هذه النسبة 41 في المئة فقط عام 2009، حيث يُجرى هذا الاستطلاع كل أربع سنوات منذ أربعين عاماً. والمثير للانتباه هنا أن تراجع دور واشنطن ونفوذها لا يبدو أنه يمثل إزعاجاً قوياً للرأي العام مقارنة بالإخفاقات الداخلية. وتظهر هنا ملامح فجوة بين الاتجاه الغالب في الرأي العام وتيار يُعتد به في أوساط النخبة الاستراتيجية والأكاديمية التي يزعجها ما يبدو لها ميلا انعزالياً يحرك أوباما في ولايته الثانية. وكان تراجعه عن خطته للقيام بعمل عسكري محدود لمعاقبة نظام الأسد بسبب جريمة استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، هو أكثر ما أثار الجدل حول ذلك الميل الانعزالي. فلم تمض أيام على كلمة أوباما القوية التي قال فيها ما يفيد بأنه اتخذ قرار العمل العسكري ضد نظام الأسد وأصدر الأوامر لقادة جيشه للاستعداد بانتظار قرار الكونجرس، حتى تراجع والتقط المبادرة الروسية لتدمير السلاح الكيماوي السوري. غير أن الاتجاه الشعبي المؤيد لعدم التدخل الأميركي في النزاعات الإقليمية والداخلية لا يشمل، فيما يبدو، الموقف تجاه إيران ومشروعها النووي والاتهامات الموجهة إليها بدعم الإرهاب. فثمة تباين في نتائج استطلاعات الرأي العام الأميركي بشأن الاتفاق المؤقت في 24 نوفمبر الماضي بين إيران و(5 + 1). فمثلا أسفر استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث وصحيفة "يو اس إيه تو داي" ونُشر في 9 ديسمبر الماضي، أن 43 في المئة يعارضون الاتفاق مقابل 23 في المئة فقط يؤيدونه. وأظهر استطلاع آخر أجرته وكالة رويترز وشركة إيسوس للأبحاث في الوقت نفسه تقريباً نتيجة معاكسة، حيث أيد الاتفاق 44 في المئة وعارضه 22 في المئة. ويبدو أن هذا التباين الواضح يعود إلى تفاوت معرفة المستطلعين بتفاصيل الاتفاق، وبالتالي اختلاف انطباعاتهم عنه. ويعزز هذا التفسير ما يبدو من توافق أكبر في الاستطلاعات على ضرورة التعامل الصارم مع إيران في حالة فشل هذا الاتفاق. فقد أظهرت الاستطلاعات كلها وجود تأييد واضح لفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران في حالة عدم وفائها بالتزاماتها في هذا الاتفاق. وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن الوزن النسبي للعوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى تراجع شعبية أوباما عام 2013، مازالت أمامه فرصة لتدارك الأمر إذا أراد أن يحفظ لنفسه مكاناً بين الرؤساء الأفضل في التاريخ الأميركي. لكن هذه الفرصة قد تفلت إذا لم يبدأ في تصحيح أدائه دون تأخير. وربما يكون خطابه المنتظر (خطاب حالة الاتحاد) أمام مجلسي الكونجرس في 18 يناير الجاري، مؤشراً على البدء في عملية التصحيح.