الرئيسة \  واحة اللقاء  \  2014: العرب ومعاكسة عقارب الساعة

2014: العرب ومعاكسة عقارب الساعة

31.12.2013
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
30/12/2013
تنتاب المواطن العربي، حين يسترجع أحداث العام 2013، مشاعر عديدة يغلب عليها الخوف والقلق على بلاده وعائلته وحتى حياته.
تكاد كلّ مسلّمات الواقع الاعتيادي كما عرفتها أجيال عديدة من سكان ‘العالم العربي’ تتهاوى، فحدود البلدان التي تم التعارف عليها مع نهاية الحرب العالمية الثانية تتعرّض للانهيار بفعل ضغوط عقربي الساعة المتعارضين: الثورات العربية وردود الفعل عليها، من جهة، وحدود سايكس بيكو ومفرزاتها (بما فيها اسرائيل) من جهة أخرى.
وليس دون مغزى أن مرجل الحراك الكبير يغتلي في سوريا، وهي المنطقة الوسطى جغرافياً وسياسياً بين العراق وما وراءه من بلدان الخليج على ضفتيه العربية والايرانية، ومصر وما خلفها من جهة أخرى.
تتجمّع في سوريا مفاعيل التاريخ والجغرافيا والسياسة جميعاً، بحيث تبدو مضطرّة للاجابة على أسئلة يصعب على بلد واحد الاجابة عنها.
يستطيع السوريون مثلاً أن يحلّوا بعض أسئلة الجغرافيا السياسية للمنطقة فيربطون بين نضالهم ضد الاستبداد في سوريا مع نضال الفلسطينيين ضد ‘اسرائيل’، فسوريا الحديثة مهيضة الجناح بعد 1948 جاهدت لتغيير هذا الواقع الاستعماري المجحف ودفعت ثمن معارضتها لهذا المشروع من لحم شعبها الحيّ بترويضها التدريجي من انقلاب الى انقلاب وصولاً الى محاولة دفنها ‘للأبد’ في سجن الاستبداد.
لكن من الصعب على الطفل والشيخ والمرأة السوريين الذين ثاروا بسبب مطلب بسيط: الكرامة وحقوقهم المهدورة كبشر، أن يحلّوا ألغاز تشابكات نزاع ديني تغيّرت أقنعته وحكاياته على مدى أكثر من 1400 عام، ويتراكب اليوم على مصالح دول واتجاهات وأحزاب.
فلسطين في صلب الإجابة على هذه الأسئلة التاريخية، ولذلك نفهم الموقف الاسرائيلي ‘الممانع و’المقاوم’ لإزاحة بشار الأسد، ولكنّ تراكبه مع الموقف الايراني ‘المقاوم’ والممانع لإزاحة الأسد نفسه يخلط أوراق الايديولوجيا والتاريخ بالدين والسياسة، وخطط الاستعمار العالمية بخطط الامبراطورية الفارسية الجديدة، ويفيض، مع ارتفاع مدّ مظلوميّة الأكثريات، قتلى بعشرات الآلاف، وجرحى بمئات الآلاف، ولاجئين بالملايين، ومتطوّعين للجهاد المزوّر، ‘ثأراً للحسين’ و’دفاعاً عن العقيلة زينب’، من جهة، أو قتالاً ضد ‘النصيريين’ و’الصليبيين’ من جهة ثانية.
بعد تمكينه اسرائيل وجعلها قطباً فاعلاً في خراب العالم العربي، ما كان لهذا السيناريو أن يظهر بهذه الطريقة الفجائعية لولا التحطيم الذي تعرّض له العراق بعد احتلاله، وسنكون مغرضين وغير موضوعيين لو أننا حملنا اسرائيل والغرب وحدهما مسؤولية ذلك، فتحطيم العراق ساهمت فيه عوامل ثلاثة فاعلة: الاستبداد المحلّي ممثلاً بحزب البعث وأجهزته الأمنية وتبنّيه لشكل الحداثة (التقنية والعسكرية) دون روحها (فصل السلطات والديمقراطية وحقوق الانسان)، والمحيط العربي الذي عزز نظام الاستبداد ثم تآمر عليه حين حاول أن يخرج عن حدوده، وأخيراً لا آخراً الغرب واسرائيل اللذين أجهزا على المشروع وسلّما العراق بالنتيجة إلى ايران.
بعد العراق وسوريا جاء الدور على مصر لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، ليس إلى ما قبل ثورة 25 كانون الأول/يناير فحسب، بل إن جزءاً من ‘النخبة المصرية’ يحلم باعادتها الى عام 1952 ويزيّن لوزير الدفاع الحالي، عبد الفتاح السيسي، أنه جمال عبد الناصر الجديد.
يعيد هؤلاء، تكييف التاريخ ليتشابه مع ‘الماضي الجميل’: من الحلف مع روسيا (التي كانت سوفياتية تلك الأيام)، مروراً بحظر الإخوان المسلمين وقمعهم وتشتيتهم، وصولاً الى تشديد القبضة الأمنية والعسكرية على مصر.
يتجاهل هؤلاء ان روسيا الجديدة ليست هي روسيا القديمة، وأن حظر الإخوان وإعلانهم ‘تنظيماً إرهابيا’ هو كسر للسياسة ومعاكسة انتحارية للعصر، وأن عودة العسكر للتحكم بمقاليد السياسة والأمن والاقتصاد معادلة غير قابلة للحياة.
كان الأمل، في العالم العربي، معلّقاً بالنخبة المصرية إياها للخروج من عنق الزجاجة بين العلمانيين والاسلاميين، وبين ارادات العسكر والشعوب، لكنها اختارت الجانب الرجعيّ من التاريخ، وعلينا جميعاً أن ندفع الثمن.
يبدو المغرب العربي في هذا المشهد الأكثر عقلانيّة وقابلية للتطوّر السلميّ، غير أن بعده عن مركز الصراع الأساسي وافتقاده عاملي الوزن السكاني الكبير (مصر) والملاءة المالية الكبيرة (دول الخليج العربي) يخففان تأثيره، أما بلدان الجزيرة العربية فتتّخذ بعضها (السعودية والامارات) دوراً معاكساً للتاريخ ومؤيداً لاستمرار الاستبداد.
بقي الصراع قائماً في سوريا وستحدد نتائجه معالم خريطة المنطقة القادمة: جغرافيا وسياسيا… أما صراعات الفاطميين والعباسيين والأمويين فقضية أكبر من سوريا بكثير.