الرئيسة \  واحة اللقاء  \  5 حزيران خمسون عاما من سؤال الهزيمة

5 حزيران خمسون عاما من سؤال الهزيمة

08.06.2017
إبراهيم غرايبة


الغد الاردنية
الاربعاء 7/6/2017
في وصفه للسياق والبيئة المحيطة بحرب حزيران 1967 يقدم المؤرخ والسفير الإسرائيلي في واشنطن ميشيل ب. أورين (كتاب ستة أيام من الحرب، حزيران 1967 وصناعة شرق أوسط جديد) أحداثا ومعلومات كثيرة في الأحداث والبيئة التي أحاطت بحرب حزيران قبل وأثناء وقوعها، وتؤشر بوضوح أن القادة العرب وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانوا يدركون أن الحرب مع إسرائيل هزيمة مؤكدة، وعلى الرغم من ذلك فقد تورطوا فيها، وينقل من كلمة لعبد الناصر عشية قمة الاسكندرية 1964 قوله "لا نستطيع استخدام القوة اليوم لأن الظروف لا تسمح لنا بذلك، فاصبروا معنا، معركة فلسطين يمكن أن تستمر، إنني أقودكم إلى كارثة إذا ادعيت بأني سأحارب في وقت أنا عاجز عن خوض الحرب. لن أقود بلدي إلى كارثة ولن أقامر بمصيرها".
كان عبد الناصر يعيش هاجس الخروج من اليمن وتلافي حرب مع إسرائيل، وقد بذل جهده لأجل ذلك، ومدّ يده للتحالف مع من كان يعتبرهم ملوكا محافظين، لكن الاتجاه الغالب جاء وعلى نحو محير نحو التصعيد والحرب، فأنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، وتقرر تشكيل جيش التحرير العربي، ومضت سورية في تصعيد محير مع إسرائيل على نحو يراه بعض المحللين سلوكا متعمدا لتوريط عبد الناصر ودفعه الى الحرب غصبا عنه، كما تعرض ناصر لانتقاد إعلامي عربي واسع وساخر ذلك أن جيشه كان غارقا في المستنقع اليمني، ولا مجال ليخوض حربا مع إسرائيل؛ وربما دفع ذلك ناصر إلى مواقف راديكالية يعلم أنها تدفع به إلى مزيد من الخسائر.
لم تنتهِ حرب اليمن ولا تشكلت جبهة عربية موحدة ضد إسرائيل، لم يكن كما يقول أورين سوى التصعيد السياسي والإعلامي وإثارة إسرائيل واستفزازها، وحتى منظمة التحرير الفلسطينية اعتبرتها سبع منظمات فلسطينية فدائية بأنها عاجزة، ثم اتجه العداء والتصعيد الناصري نحو الولايات المتحدة فتورطت مصر في عداء مع الولايات المتحدة، وفقدت المساعدات والمنح الأميركية ومنها حوالي 60 في المائة احتياجات مصر من القمح، وفي الوقت الذي كانت إسرائيل تشهد نموا اقتصاديا وتعليميا سريعا وكبيرا، فقد كانت مصر تتراجع نحو الفقر والمرض والأمية. ومثل مصر كانت معظم الدول العربية تعيش مستويات مفرطة في النمو السكاني يصحبها مستويات متدنية للتعليم والرعاية الصحية والدخل ومتوسط العمر، وانتشار واسع للأمراض.
لقد تكرست في منتصف الخمسينيات حقيقة كان عبدالناصر أفضل من يدركها على رغم سياساته الراديكالية. فقد تعاون مع قوات الطوارئ الدولية، وأبقى قوة رمزية في سيناء، وصارت السفن الإسرائيلية تعبر مضايق تيران من دون مضايقات، وعادت القضية الفلسطينية إلى الثلاجة. لكن وكما يقول أورين، فإن كل محاولات إقناع ناصر بالتحول من الميكروفون إلى التراكتور (الجرار الزراعي) باءت بالفشل. فقد ظل يستدرج نفسه إلى الإنهاك والفشل فيعوض الفشل الاقتصادي والتنموي بالمغامرات، لكن العامل المهم  في تطوير الصراع كان مصدره الاتحاد السوفياتي الذي بدأ منذ منتصف الخمسينيات يعادي إسرائيل بعدما كان داعماً رئيسياً لها، بل إن خروتشوف كان يضغط على ناصر لأجل مزيد من السياسات والمواقف الأكثر راديكالية. والحال أن عبد الناصر دفع رغماً عنه إلى البطولة وكان يدرك تماماً أنه يمضي إلى نهايته.
تكاد تكون حرب 67 في روايتها الحقيقية المنشئة صراعاً عربياً– عربياً وصراعاً أميركياً سوفياتياً وأزمات داخلية في الدول العربية نفسها أكثر مما هي صراع عربي- إسرائيلي، لكنها بالتأكيد تحولت وفي سرعة كبيرة إلى أسطورة إسرائيلية وجرح عربي نرجسي دائم النزف والإهانة، .. تاريخ لم يكن سوى التيه والكراهية!