الرئيسة \  تقارير  \  5 سنوات على مأساة حلب.. ذكرى التهجير القسري المحفورة في الأذهان

5 سنوات على مأساة حلب.. ذكرى التهجير القسري المحفورة في الأذهان

26.12.2021
عمر يوسف


الجزيرة    
السبت 25/12/2021
شمال سوريا– "كان يوما أسود على مدينة حلب وكأنه يوم الحشر والقيامة"، بهذه الكلمات يصف مدير الدفاع المدني في حلب بيبرس مشعل الساعات الأخيرة المؤلمة التي قضاها هو وآلاف المدنيين المحاصرين بالحديد والنار، وهم ينتظرون في طقس شديد البرودة أسوأ عملية تهجير قسري فرضها النظام السوري على سكان عاصمة الشمال السوري حلب.
ويعود مشعل بذاكرته إلى 5 سنوات انقضت وكأنها البارحة، عندما أجبر الحصار والحملة العسكرية الشرسة التي شنها النظام السوري مدعوما بالطيران الروسي والمليشيات الإيرانية، سكان الأحياء الشرقية من المدينة على النزوح والتجمع في بقعة جغرافية صغيرة دون أدنى مقومات الحياة.
وبصوت حزين وخافت، يقول مشعل إن القصف على هذه البقعة الصغيرة لم يهدأ في الأيام الأخيرة من عام 2016، وجراء اكتظاظ السكان بين الأحياء المدمرة كان القصف يتسبب بخسارة عدد كبير من الأرواح، مما عمق من مأساة السكان وصعّب عمليات الإنقاذ.
طيف الأرواح
ويشير مشعل -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنه لا ينسى تلك اللحظات عندما كانت قوات النظام السوري تتقدم برا في الأحياء على حساب المعارضة السورية، في الوقت الذي كان فيه هناك مدنيون أحياء تحت الأنقاض يئنون من الألم، وجثامين لآخرين على أطراف الشوارع قضوا جوعا وقصفا، وكيف استحالت عمليات انتشالهم، كما حدث في حي قاضي عسكر.
ولا تزال آثار الندبات والجروح في جسد مشعل تذكره بما حدث، فقد كان مسؤولا عن فتح الطريق بإحدى آليات الدفاع المدني، تمهيدا لعبور سيارات الإسعاف والحافلات الخضراء التي سوف تنقل المهجرين المنتظرين في العراء، حيث استهدفه قناص وتسبب له بإصابة خطيرة فقد فيها كليته وجزءا من أمعائه وكبده.
وبينما يستمر اليوم مدير الدفاع المدني بعمله في الإنقاذ بريف حلب الخاضع لسيطرة المعارضة، فإن الحنين يلفه هو والآلاف من المدنيين الذين أجبروا على الرحيل عن مدينتهم، جراء سيطرة النظام على كامل أحيائها، ويؤكد أنهم غادروها بأجسادهم لكن أرواحهم لا تزال تطوف في أحيائها.
توثيق الانتهاكات
ليس بعيدا عن مشعل، كان الناشط الإعلامي عبد الكريم الحلبي ينتظر مع المدنيين ترحيلهم من المدينة، حيث قضى في العراء 3 أيام حتى قدوم الحافلات الخضراء التي أصبحت رمزا للتهجير القسري للسوريين من مدنهم وقراهم.
يروي الحلبي للجزيرة نت كيف كان الخوف والحزن باديا على وجوه الجميع وهم يواجهون الرحيل نحو المجهول، بينما زاد تساقط الثلوج المشهد حزنا وألما، وكان الجوع والعطش يفتك بمن تبقى من السكان جراء حصار خانق فرضه النظام على المدينة لإعلان الاستسلام.
يقول الحلبي إن أصعب لحظات عاشها قبل 5 سنوات، هي مرحلة الخروج من مدينته التي ولد فيها وعاش في أرجائها أجمل سنوات عمره، وشارك لاحقا بثورتها والحراك الشعبي ضد النظام السوري، موثقا بكاميرته الأحداث الدامية التي عاشتها المدينة المنكوبة.
وما زاد في حزن الحلبي قيام عناصر من المليشيات الموالية للنظام السوري بمصادرة كاميرته وأرشيف ضخم قال إنه وثق فيه الانتهاكات التي تعرضت لها مدينة حلب وسكان الأحياء الشرقية، تضمن صورا وفيديوهات ترصد لحظات القصف بالبراميل المتفجرة والطيران الحربي، حيث خضعت حافلات التهجير للتفتيش بحثا عن الإعلاميين ووثائقهم.
ويحاول الحلبي تجاوز المحنة والعمل في الحقل الإعلامي، لتغطية أحداث الثورة السورية ونقل الصورة والحدث إلى العالم، في الوقت الذي يفتقد فيه الشوارع والساحات في حلب التي كانت شاهدا على أهم مراحل حياته وأكثرها ألقا، على حد قوله.
وبعد 5 سنوات من مأساة حلب، ما زال مشهد الدمار طاغيا على الأحياء الشرقية من المدينة، وكأنما هذه الحرب توقفت أمس، بينما يؤكد مدنيون تواصلت معهم الجزيرة نت أن النظام يتعمد إهمال تلك الأحياء عقابا على مشاركة سكانها بالثورة والحراك الشعبي ضده.
يذكر أن قوات النظام سيطرت على كامل مدينة حلب نهاية عام 2016 بدعم عسكري روسي إيراني، وهو ما تسبب في مقتل وجرح الآلاف من المدنيين، ودمار معظم الأحياء الشرقية من المدينة، وتهجير أغلب
سكانها نحو الريف الغربي، ضمن اتفاق دولي شهد انتقادات واسعة من السوريين.

المصدر : الجزيرة