الحملة
الإنسانية من أجل المفقودين في
وطنهم سورية
الأستاذ
" عدنان منلاّ "
دكتور
: عثمان قدري مكانسي
قال
أبو خالد " عدنان شيخوني ":
سأعرفك على شاب لن تنساه طول
حيانك يا أبا قدري .
قلت
: وما ميزاته التي تؤهله أن يبقى
في ذاكرتي ، فلا أنساه ؟!
ضحك
وقال : أظنك ستتنازل له عن رئاسة
" جمعية الفول الجامعية "
أو تجعله نائبك الأول ، فقدراته
في تجهيز " طبق الفول "
اليومي فائقة !!! فضحكنا .... نعم
ضحكنا لأننا أسسنا جمعية
للدراويش من الطلاب الجامعيين
تجعل من صحن الفول شعارها ،
وتتخذه الطعام المفضل ، أو قل
المتاح كل يوم ... وقررت - باعتباري
رئيسها - أن لا يدخلها عضو جديد
إلا بعد اختباره في وجبة "
فولية " طازجة يحضِّرها بيديه
، يحضُرها على الأقل رئيس
الجمعية واثنان من مؤسسيها .....
فيكون الحكم صحيحا
واتخاذ القرار صائبا ..... متى
يا أبا خالد ؟ . قال : في الوقت
الذي تريد .
من هو ياصديقي ؟ قال : سوف
تعرفه حين ندخل بيته
.
كنا في اليوم التالي بعد صلاة
العشاء، أمام بيته في المشهد -
حي الأنصاري - في مدينتنا حلب
الشهباء ، في نيسان من عام
1969واستقبلنا بحفاوة تدل على
اهتمامه بنا ... شاب من مواليد
حلب 1949معتدل القامة ، ممتلىء
الجسم ، رخيم الصوت ، حنطي اللون
، دائم البسمة ، حلو المحيّا ،
عرفنا بنفسه : عدنان منلاّ ،
يدرس الرياضيات في جامعة حلب ،
السنة الثانية .
وحيد أمه التي تعيش في بيت أهلها
من آل " الفتّال " إذ توفي
زوجها وابنها طفل صعير ، فلم تشأ
أن تتزوج بعده ، وتفرغت لتربية
ولدها ورعايته . ولم يكن لإخوتها
وأخواتها أبناء ، فكان عدنان
ولدهم المدلل . ولكنه دلال
الواعين الأتقياء ، فنشأ شابا
خلوقا ذكي الفؤاد ،
أصيل المنبت ، ذا أدب جم ، وحياء واضح
.
ولا تمر أشهر قليلة حتى أراني وثلة
من أبناء دعوة الإخوان المسلمين
كان منهم :عدنان منلا و محمد
أديب صالح ويحيى
حاج يحيى وأحمد الخراط
في دورة توجيهية يديرها
الأستاذ الفاضل فاروق يطل ،
ويساعده فيها الإخوة الأساتذة :
محمد مهتدي كسحة
وأحمد جاموس رحمهما الله
تعالى ، وفاضل خير الله . ... دامت
هذه الدورة سنة ونصف السنة ،
نلتقي في رحابها أسبوعيا أربع
مرات تقريبا ، لندرس التفسير
والسيرة المطهرة والفقه
الميسّر والتلاوة والحديث
والنظام الحركي لجماعة الإخوان
المسلمين .إلى جانب الاهتمام
بالروح والبدن ،
وكنا في الوقت
نفسه موجهي أسر إخوانية
مؤلفة من طلاب الثانوية ،
فنطبق ما نأخذه في الدورة على
هذه الأسر ، فتكون تدريبا عمليا
في هذه الدورة التوجيهية
المباركة .
كان الأخ عدنان منلا - رحمه الله
حيا وميتا - ألمعياً ، نابه
الفؤاد ، حاضر البديهة ، هادىء
الطبع ، لطيف المعشر ، يناقش
بأسلوب حضاريٍّ ، ويحور بأدب
ظاهر ، وهكذا كان الإخوة في هذه
الدورة بالإضافة إلى المحبة
التي جمعتنا ، وألّفت بين
قلوبنا
.
كنت تراه كثيرا
مع الأخ محمد أديب صالح ، وكأن
روحيهما كانتا أشد لصوقا
وتقاربا . لا يفترقان حتى تراهما
معاً على اختلاف في دراستهما ،
فمحمد أديب كان يدرس الأدب
العربي ، إلا أن الكليتين كانتا
متجاورتين مما سهّل لقاءهما
المتجدد
.
ويتخرج عدنان عام
1972فيُعيّنُ في إحدى قرى محافظة
حلب ، فلا يمنعه الذهاب صباحا
والعودة عصرا من تربية أسره
الطلابية العديدة على حب الدين
والتزام آدابه ، فأحبه تلاميذه
والتفوا حوله ، وقبسوا من
أخلاقه العذبة وروحه الخلاّقة
الشيء الكثير .... ولكن يد الغدر الآثمة
تعتقله مع أبناء الدعوة
في حلب من نيسان عام 1979فتزوره
أمه في سجن المزة السيء الذكر ،
مرة بعد أشهر طويلة ، فلما
استصدرت الإذن بزيارته الثانية
بعد وساطات كثيرة لم تجده في
المزة ، فقد نقل إلى معتقل تدمر
الصحراوي الوحشيّ
لتنقطع أخباره هناك بعد
مجزرة تدمر المشؤومة في حزيران
عام 1980
.
تزوج من قريبته ،
وحين اعتقله الوحوش لم يدر أنها
كانت حاملا بابنته ، فرآها حين
زارته وابنتها في معتقله في
المزة مرة هي الوحيدة ... وأدى
الهمّ الكبير الذي ألمّ بزوجته
لما أصابه أن يضعف جسمها وتمرض ،
فتنتقل العدوى إلى ابنته
الرضيعة ، فتصاب بضمور في
تلافيف مخها ، فتنشأ نشأة غير
طبيعية ...... ويحتضن البيت بعد
غياب عميده الطويل أما عجوزا
وزوجة صابرة وبنتا معوقة .......
اللهم ، يا رحمن...
يارحيم .. أنت ولي المؤمنين،
وأنت الملجأ الحاني
... أنزل السكينة على قلوبهن
، وكن لهن ولعبادك المظلومين
الركن الركين ، واكتب لهم الصبر
والجزاء الأوفى .... وأرنا في
الظالمين يوما أسود ، وخذهم أخذ
عزيز مقتدر ، الله آمين يا رب
العالمين .
وأنت يا أخي
الحبيب عدنان كنت الشاب المؤمن
الصافي السريرة ، الراضي بقضاء
الله ، الراغب في فضله ورضاه ،
الساعي لجنته . ولعل الله تعالى
علم صدقك ، فابتلاك ، ثم اختارك
إليه ... فرحمك الله خيا وميتا ،
بل أنت في الحالتين من الأحياء
" ولا تحسبنّ الذين قتلوا في
سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند
ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم
الله من فضله ، ويستبشرون
بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ،
ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون "
|