حقوق
الإنسان
المعنى
و الرهان*
ثمة مبدأ معرفي ، علينا أن نرفع
لواءه على الدوام ، إن المفاهيم
و المصطلحات هي بنت التاريخ ، أي
إنها لا تنتج مرة واحدة و إلى
الأبد ، بل إنها تبدأ بالنضج و
التبلور في سياق التجربة
البشرية ، حيث تكتسب دلالات
جديدة في مسار نضجها و تبلورها ،
وهذا ما ينطبق تماما على مقولة
حقوق الإنسان و مسارها
التاريخي المتعرج ، التي لا
يمكن المسك بها إلا بعلاقتها
العضوية بمفهوم الدولة و
المجتمع المدني ، وهنا يمكن أن
ندرج كثير من المفاهيم التي
ترتبط بهذا النسق المعرفي مثل :
الديمقراطية ، القانون ، الحرية
، الملكية ، العمل ، المواطنة ،
الفردية ، السياسة .....إلخ .
مما يعني أن حقوق الإنسان تكتسب
دلالاتها و تبلورها بعلاقتها
بالدولة و المجتمع المدني ،
مثلما لا
يستقيم مفهوم المجتمع المدني
إلا بمفهوم الدولة أي الشكل
السياسي للكلية الاجتماعية .
مما يعني أن مسار حقوق الإنسان
هو مسار ماهية العلاقة القائمة
بين الدولة و المجتمع المدني ،
وعلاقة الفرد بالمجتمع ، فغياب
الدولة هو ضبطا غيابا للحرية
وغياب للمجتمع المدني
. فيشكل انتهاك الحقوق هو
السمة الأبرز في علاقة السلطة
بالمجتمع .
فإذا
كان المجتمع المدني هو مملكة
الحرية ( حسب تعبير هيكل ) فإن
الدولة هي مملكة القانون ، ومن
البديهي أن تكون الحرية مشروطة
بالقانون ، مثلما المجتمع
المدني مشروط بالدولة الوطنية .
و بحكم الجدلية القائمة بين
الحرية و القانون ، يغدو
القانون ضامنا رئيسا للحرية ،
وتغدو الحرية مضمون القانون ،
وتغدو الدولة من ثم مملكة
الحرية . فتشكل المواطنة تحقيقا
لفردية الإنسان و في القانون
هذا ضامنا وحيدا لحقوقه و
مصالحه . وبالتالي تشكل سيادة
الشعب و حقوق الإنسان وجهي
الديمقراطية
مما يدلل على أبعاد حقوق
الإنسان السياسية و الاجتماعية
و الاقتصادية و الثقافية . عند
ذلك تكون الدولة
دولة جميع مواطنيه! ا بغض
النظر عن محمولاتهم الاجتماعية
المختلفة ( السياسية و الحزبية و
الإيديولوجية و الدينية و
المذهبية و القومية و
الاقتصادية و الجنسية و العرقية
......) وتغدو الوحدة الوطنية
من القوة و المتانة و الثقة
لتعترف و تحترم التعدد و التنوع
و الاختلاف داخلها وتدافع عنهم
، عندئذ يكون مسار الديمقراطية
و احترام حقوق الإنسان
الدينامية الأساسية لمسار تقدم
الوطن و حريته و استقلاله و قوته
.
أما في الساحة العربية فقد خفض
مفهوم المواطنة إلى مستوى
الولاء الحزبي أو الشخصي ، و إلى
مستوى الرعوية ، و مفهوم الشعب
خفض إلى مستوى " الجماهير "
أي إلى كتلة سديمية و جموع غير
منسجمة ، و ما رافق هذا التخفيض
من نمو سمات الدولة التسلطية
الشمولية التي احتكرت مصادر
الثروة و القوة و السلطة في
المجتمع بحسب " خلدون حسن
النقيب " . مما انتج مناخا هو
الأخصب لإنتاج ظاهرة الاحتقان و
التكورات الاجتماعية التي
يستغرق فيها الإنسان في أحد
انتماءاته ( المذهبية و
الطائفية و العشائرية و.........)
مما يدخلنا في دوامة إعادة
الإنتاج المتبادلة بين نمو
السمات التسلطية في الدولة و
الاحتقانات الاجتماعية ، فتغيب
الدولة و الوطن و الإنسان ،
ويكون الفرد في مجتمعاتنا هدف
لكل أشكال الانتهاك بمصادره
المختلفة . وكل ذلك ترافق مع
انفلات القوة العسكرية
الأمريكية من ضوابط القانون
الدولي و الشرعية الدولية لتك!
ريس هيمنتها بما يخدم مصالحها ،
وما يشكله هذا من تهديد جدي على
بلادنا ، وذلك مهما غلفت
استراتيجياتها بخطاب
الديمقراطية و حقوق الإنسان .
بكل ما تقدم يدلل على أن الدفاع عن
الحريات الديمقراطية و حقوق
الإنسان ليس وليد الترف الفكري
و المعرفي و النخبوي ، بل هو
وليد الحاجة التي تفرضها
التحديات الداخلية بمجالاتها
المختلفة الاقتصادية و
الاجتماعية و السياسية و
الثقافية . و في نفس الوقت هو
ضبطا مسار
التنمية الاجتماعية و الاندماج
الوطني و
تقدم الوطن و استقلاله وازدهاره
. مما يضعنا أمام تحد مهم –
باعتقادنا – وهو ضرورة
الالتفات إلى ثلاث اتجاهات
تتقاطع في إعاقة حركة حقوق
الإنسان في سوريا :
الاتجاه الأول : أساليب التلاعب من
جانب الحكومة بالعواطف الوطنية
و القومية و مبدأ السيادة ،
للتحلل من الالتزام بالمعايير
الدولية لحقوق الإنسان و
الاتفاقيات التي صادقت عليها
سورية ، وما ينتجه هذا الاتجاه
من خطاب أيديولوجي تبريري يسوغ
انتهاكات حقوق الإنسان التي
تمارسها السلطة تحت غطاء
التحديات الخارجية.
الاتجاه الثاني : تغليف الأهداف
الخاصة بالسياسات الخارجية
لبعض الدول الكبرى بخطاب
الديمقراطية و حقوق الإنسان و
ما تعانيه شعوبنا من جراء هذا
التوظيف النفعي السياسي و
الدعائي ، مما يضع أيضا حركة
حقوق الإنسان و منظومة حقوق
الإنسان في خانة الاتهام ، مما
يشكل عاملا إضافيا في التضييق
على حركة حقوق الإنسان ، و مسوغا
إضافيا في انتهاك حقوق الإنسان
و الحريات الأساسية
.
الاتجاه الثالث : الذي يستخدم
الخصوصية الحضارية و الدينية و
"النقاء الثقافي "
للطعن بمبدأ عالمية حقوق
الإنسان ، وإن هذه المنظومة لا
تنتمي إلى الحاضنة الثقافية
لمجتمعاتنا ، مع تأكيدنا على أن
الخصوصية التي ينبغي الاحتفاء
بها هي تلك التي ترسخ شعور
المواطن بالكرامة و المساواة و
تثري ثقافته وتحقق مشاركته
بإدارة شئون البلاد .
ومساحة التقاطع بين الاتجاهات
الثلاثة ، تكرس لدينا مبدأ
عالمية حقوق الإنسان الذي كان
الخيار الواضح لـ ( ل د ح ) في
الجمعية العمومية التي انعقدت
في القاهرة في تشرين الأول سنة
2003 ، الوعي بهذا المبدأ في مسار
عملنا هو عمل يأخذ بالحسبان
الأبعاد الثقافية و السياسية و
الاجتماعية والاقتصادية في
بلادنا ، ويحدد أولوياتنا في كل
مرحلة ، هذه الأولويات التي
تندرج في تصور استراتيجي
بأبعاده المختلفة التي تكون
فيها حقوق الإنسان مصانة وفق
المعايير الدولية المتفق عليها
و التي صادقت عليها سورية و التي
تفرض على العضو الطرف في هذه
الاتفاقيات أن تنزل هذه
الاتفاقيات نزول القانون ، وأن
تجري التعديلات القانونية وفق
هذه الاتفاقيات ، مما يعني في
هذا السياق إن العهود و
الاتفاقيات التي تشكل
مرجعية اللجان الأساسية ،
هي نفسها العهود و الاتفاقيات
التي صادقت عليها سورية
.
وانسجاما مع هذا التصور بأبعاده
المختلفة، غيرت اللجان اسمها في
الجمعية العمومية سابقة الذكر ،
من لجان الدفاع عن حقوق الإنسان
، إلى لجان الدفاع عن الحريات
الديمقراطية و حقوق الإنسان
، مع تأكيدها المبدئي و
النهائي على استقلاليتها إزاء
جميع القوى الحزبية في البلاد ،
واختلافها في مجال العمل و
الخيارات عن هذه الأحزاب ، إن
كانت ضمن تحالف السلطة أو
المعارضة بمختلف مرجعياتها
الأيديولوجية
، فالبعد السياسي في عمل
اللجان هو بعد متمحور حول
منظومة حقوق الإنسان . وهذا ما
يجعلنا على مسافة واحدة من كل
هذه القوى السياسية و
الأيديولوجية ، أي على علاقة
معها ، بما فيها السلطة ،
موضوعها قضية الحريات
الديمقراطية و احترام حقوق
الإنسان .
وفي هذا السياق
، نؤكد ، إن أولويات عمل
اللجان ،تتحدد
من خلال مقاربتها للواقع
وتحدياته المختلفة من جهة ، و
بما ينسجم مع منظومة حقوق
الإنسان من جهة ثانية ، مما يعني
بأن حركة حقوق الإنسان هي حركة
إصلاحية في الجوهر ،
الحرية للزميل أكثم نعيسة
رئيس لجان الدفاع عن الحريات
الديمقراطية و حقوق الإنسان
الحرية للزميل عبد الكريم ضعون
عضو مجلس الأمناء
الحرية للزميل خالد علي
المركز
الإعلامي
لجان
الدفاع عن الحريات الديمقراطية
و حقوق الإنسان في سوريا
www.cdf-syria.org
info@cdf-syria.org
ـــــــــ
*افتتاحية
نشرة الصوت العدد 19 الصادرة عن
لجان الدفاع عن الحريات
الديمقراطية وحقوق الإنسان في
سوريا
|