الحملة
الإنسانية من أجل المفقودين في
وطنهم سورية
سوريون
ـ لبنانيون ـ فلسطينيون ـ
أردنيون
المعتقلون
اللبنانيون
في
سورية
بقلم:
محمد
الحسناوي *
نصائح المعارضة
السورية حول حقوق الإنسان لم
تلق أذناً مصغية حتى الآن، فهل
تلقى
الإصغاء
نصائح الصحفي البريطاني باتريك سيل،
صديق المسئولين السوريين في
مقال له، إذ
يقول "إن الاعتقال التعسفي
لنشطاء حقوق الإنسان المدنية،
وسحق المعارضين
المسالمين،
ومحاولات تطويع الرأي العام بالقوة،
والإجراءات القمعية الأخرى،
هذه كلها
تعطي صورة سلبية وخاطئة عن سورية
إلى العالم الخارجي، كما تسيء
إلى الدبلوماسية السورية ..
وفي مثل هذه المناخات الساخنة
المتوترة التآمرية تتخذ صورة
البلد
المستهدف أبعاداً خاصة، والدولة التي
لها صورة سيئة لسبب من الأسباب،
تصبح أكثر
تعرضاً لعدوان غاشم مستهتر، وإذا
ما هو صمت، فقد لا يتحرك أحد
لنجدتها أو مدّ
يد
العون لها" (جريدة الحياة 21/7/2002).
وبالمناسبة إن الحديث
عن المعتقلين اللبنانيين في
سورية، بسبب الرأي أو الموقف
السياسي
أو بلا سبب (أي التسبب: الارتزاق) هو - بلا
شك - يعني الحديث عن بقية معتقلي
الرأي في سورية، سواء منهم
السوريون (وهم 15 ألف مفقود وألف
على قيد الحياة)،
أو الأردنيون
والفلسطينيون (عُرف منهم 66
معتقلاً، حسب صحيفة اللواء
الأردنية
في 23/1/2002) وبقية الجنسيات الأخرى، لا بسبب
الجغرافية والتاريخ والدم وحسب!
بل بسبب إنساني في الأقل.
تصوّر نفسك -
أيها القارئ - سجين رأي كأي واحد
من هؤلاء في سجون سورية. ما
شعورك
تجاه
التعذيب؟ ما شعورك تجاه المطالبة
بالإفراج عنك، أو الاعتراف
بوجودك مجرد اعتراف؟!
(من قتل نفساً
بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض
فكأنما قتل الناسَ جميعاً، ومن
أحياها
فكأنما أحيا الناسَ جميعاً).
إن الذي أعاد
الاهتمام بقضية المعتقلين
اللبنانيين مجدداً هو تقرير "الفيدرالية
الدولية"
الصادر في 23/7/2002، والذي يقول: إن أكثر من
250 لبنانياً لا يزالون معتقلين في سورية،
لذلك طالبت الفيدرالية السلطات
السورية بحل قضيتهم عبر تحرير
كل
المعتقلين
لديها فوراً، واستقبال أهاليهم لتقديم
إجابات واضحة عنهم.
كما أن
السلطات السورية وافقت - بتاريخ
22/7/2002 - على استقبال 50 شخصاً من
أمهات
المعتقلين اللبنانيين وأقاربهم في دمشق،
حينما حاولوا مقابلة الرئيس
السوري بشار الأسد،
لمعرفة مصير هؤلاء، والتقوا
وزير الداخلية اللواء علي حمود،
بتكليف من
الرئيس
الأسد، الذي طلب مهلة ثلاثة أشهر للتحقق
من مصير الأسماء التي سلمت إليه.
وهذه هي المرة
الأولى التي يطرح فيها هذا
الملف مع مسئول سوري بهذا
المستوى.
وتسلم
اللواء حمود من رئيسة لجنة الأهالي (سونيا
عيد) لائحة بأسماء 172 لبنانياً، لم يكشف عن
مصيرهم، بعدما كانت السلطات
السورية أفرجت في كانون الأول
2000 عن 54
لبنانياً
كانوا معتقلين في سجونها، وأُعلن في حينه
إغلاق الملف.
ومع تنويهنا
بمبادرة السلطات السورية في
الموافقة على استقبال هذا الوفد
-
المظاهرة،
وبارتياح ذوي المعتقلين للحوار الذي دار
مع اللواء حمود؛ نتساءل عن مغزى تحديد
ثلاثة أشهر للتحقق من مصير
الأسماء التي سلّمت إليه:
أولاً:
إن تحديد موعد
للتحقق أقل ما فيه أن هناك
موافقة على فتح الملف الذي
أغلق،
ويعني فيما يعني أن هناك احتمالاً لوجود
معتقلين لم تتم تصفيتهم حتى
الآن - لا سيما - أن
وزير الداخلية السوري تقلد
منصبه حديثاً، في إطار تغييرات
واسعة في
قيادات
الشرطة وإداراتها بالتسريح والنقل
والإيحاء بالإصلاح.
ثانياً:
قبول السلطات
السورية مراجعة مواطنين
لبنانيين لها، لا يخلو من معنى
سلبي
أو إيجابي لن ندخل فيه، لأن الأصل أن تكون
علاقة اللبنانيين بسلطاتهم اللبنانية، حتى لو كان
المعتقلون في سورية، فهذا عُرف
دولي، كما أن الرئيس بشار حرص
على
تكريس هذا التقليد مؤخراً، فما المستجد
المحلي أو الإقليمي أو الدولي
الذي استتبع
ذلك؟
ثالثاً:
هل تحتاج دولة في
القرن العشرين، مستقلة منذ نصف
قرن، السلطات فيها
موزعة
متسلسلة هرمياً، أو يجب أن تكون كذلك،
حسب الدستور .. إلى ثلاثة أشهر،
للتحقق من وجود
معتقلين في سجونها؟ هذا يعني أن
هناك دويلات ضمن الدولة
الواحدة، تحتاج إلى
جهود
خاصة للتواصل والتفاهم، على التحقق من
وجود هؤلاء المعتقلين أو معظمهم
أو بعضهم،
بحسب استجابة كل دويلة على حدة.
والأصل أن يكون المعتقلون تحت
سيطرة واحدة
أو
جهة واحدة، مثل وزارة الداخلية. إذا كان
وزير الداخلية نفسه يحتاج إلى
ثلاثة أشهر، فالأمر
فيه ما فيه من المعوقات
والاستعصاء.
رابعاً:
ما المعوقات
وحالات الاستعصاء التي تعشعش في
13 جهازاً أمنياً تقوم
بالخطف
والاعتقال باسم دولة واحدة، داخل سورية
وخارجها، مما يحوج إلى ثلاثة
أشهر، لاستخلاص بعض
المعتقلين أو المعلومات منها أو
من بعضها؟
فيما يلي نحاول
تقديم أجوبة مقنعة حول
الاحتمالات الواردة في هذا
الباب، من خلال
وقائع
منشورة، ولأباطرة الأمن السوريين أن
يضحكوا في سرهم، إذا لم نُحط
علماً بكل أسرارهم الرهيبة،
التي لن يستمر خفاؤها على كل
الناس، ولكل الأوقات والأزمان:
أ
- من المؤسف أن
النظام السوري يستخدم
المخطوفين والمعتقلين
اللبنانيين وغيرهم
ورقة
للبيع والشراء والمساومة والمقايضة، ككل
السلع العادية، بصرف النظر عن
حقوق الإنسان وكرامته
وعدالة قضيته، مما ميزه عن
الكائنات الأخرى. ففي اليوم
الذي
استُقبل
فيه ذوو المعتقلين اللبنانيين في سورية،
ألغت السلطات الأمنية (الألمانية) دعوى
قضائية ضد سوريين اثنين متهمين
بالتجسس على المعارضة السورية.
وفي سياق
التعليل لهذا الإجراء
الألماني، أشارت مصادر
دبلوماسية مطلعة إلى أن
الموقف
الألماني المفاجئ يعود إلى حدوث تدخل
مباشر من دمشق، لتفادي محاكمة
علنية في مسألة حساسة،
تتعلق بالتجسس، وأن السلطات
السورية وعدت فيما يبدو الجانب
الألماني
بالتعاون
معه أكثر في مجال مكافحة الإرهاب، وتقديم
معلومات عن إسلاميين من أصل سوري،
يعيشون في ألمانيا، وتسهيل الحصول
على معلومات عن الألماني السوري
الأصل "محمد
حيدر زمار"، الذي تستقي
السلطات الأمريكية معلومات عنه
من المحققين السوريين للاشتباه بعلاقته
في أحداث أيلول الأمريكية (الحياة
23/7/2002).
هذه صفقة
واضحة: سجين مقابل سجينين، أو
متهم مقابل جاسوسين، أيهما
البريء وأيها
المذنب؟
لا يهم! الرضى أمريكي، والوسيط ألماني!
هذه المقايضة
بالنسبة إلى مواطن أو مواطنين
سوريين. فما المقايضات المتوقعة
للمخطوفين
والمعتقلين اللبنانيين؟ إن صور
المقايضات هنا متعددة الأشكال
أفقياً بسبب تنوع
أحوال المعتقلين اللبنانيين كل
على حدة، وعمودياً بالنسبة إلى
سلسلة المسئولين
هرمياً
من قمة القرار السوري إلى أدنى مستوى،
كالحارس على زنزانة المعتقل.
فالذين اعتقلوا أو
اختطفوا لقضايا محددة يعرفونها
هم أنفسهم أو ذووهم، تعدّ مدة
ثلاثة أشهر
مهلة
كافية للتفكر والتدبر والقيام بالمطلوب
منهم أو من ذويهم، إما بتنفيذ
المطلوب نفسه، أو تقديم
ضمانات كافية للتنفيذ، مثل
السكوت عن مظلمة، أو الاشتراك
في مهمة
ظالمة،
أو دفع فدية مجزية. مثل السكوت أو التنازل
عن سيارة مسروقة أو عقار مغتصب
أو أثاث نفيس
كالسجاد والإلكترونيات (انظر
تفاصيل اعتقال الرياضي العراقي
في القدس
العربي
13
و14/7/2001).
وبالنسبة إلى تسلسل
طلبات الهرم تبدأ من التدخل في
الترشيح أو التصويت
للانتخابات
اللبنانية، مروراً بالاصطفاف مع الأجهزة
الأمنية السورية العاملة في لبنان
وشبكاتها، ودفع إتاوات دورية أو
موسمية أو عينية، وتسهيل عمليات
تهريب
المخدرات،
واقتطاع سهم أكثر من إنتاج الحشيش،
وانتهاء بالتنازل عن هدايا
الأهل للسجين:
من مال أو لباس أو طعام (انظر تقرير
مراقبة الشرق الأوسط (ميدل إيست
ووتش) عن
انتهاكات حقوق الإنسان في سورية
عام 1990 الطبعة العربية ص 325 و331).
وما دام
الإفراج سوف يتم بقرار من مستوى
عال، فإن ثلاثة أشهر تكفي
للاتصال بذوي
المعتقلين
أو معظمهم للاتفاق على ثمن نقدي للإفراج
المضمون. وقد حدثت عمليات نكول وغدر
في
مثل هذه الاتفاقات السوداء، واستلاب
المال بلا أدنى مقابل، إذ لا يتم إفراج،
ولا ما يحزنون. ويمكن التحقق من
هذه الوقائع ذائعة الصيت
بمساءلة مدير سجن تدمر العسكري
سابقاً فيصل غانم عن مصدر ثروته
الهائلة، وعن صرر الحلي الذهبية
التي
تلقتها
والدته من أهالي المعتقلين، والأهم أن
هذا الضابط هو الذي قام بكل
الترتيبات الأولية لتمكين
عناصر سرايا الدفاع من ارتكاب
مجزرة تدمر عام 1980 واستشهاد
أكثر من
1000 معتقل أعزل من النخبة السورية في واقعة
واحدة (كتاب تدمر المجزرة المستمرة).
ب
- إن وجود القوات
السورية في لبنان لا يرضي
قطاعاً كبيراً من اللبنانيين.
والذين
يرون وجهاً لوجودها لا يرضون بممارساتها
وممارسة الأجهزة الأمنية
المحتمية بها.
ولكي يستمر هذا الوجود، أو أن يسلم من
المنغصات، يحتاج إلى حجم من
الردع والهيبة في نفوس
المعنيين. ولعل الإجراءات
الأمنية المدانة جزء من هذه
الهيبة
المفروضة.
وخلال مدة ثلاثة أشهر قد تحدث متغيرات في
إعادة انتشار القوات السورية، أو
تعديل "فلسفة" التعامل مع
مجموع اللبنانيين الأشقاء أو
بعضهم، حسب المتغيرات
المحلية
والإقليمية والدولية.
ج
- ثمة احتمال آخر
لتعليل اختيار مدة ثلاثة أشهر
للتحقق من مصير المعتقلين
اللبنانيين،
وهو أن قمة القرار السوري تعتقد أنها
خلال هذه المدة سوف تسيطر على الدويلات الأمنية
السورية "المشرشة" كلها أو
معظمها أو بعضها، لدرجة تستطيع
معها أن تخلي
ما تحت هذه القبضة من سراح
معتقليها. هذا التوقع ناشئ عن
الوعود والإجراءات
التي
أطلقها الرئيس السوري منذ سنتين في خطاب
القسم، وما أدلى به لأصحاب
المساعي الحميدة من سوريين
وعرب ورؤساء دول أوروبية حول
قضايا حقوق الإنسان المزمنة،
وما
زال
معظمها معلقاً في سماء الانتظار
والتكهنات، لدرجة الشك بالجدوى.
من أجل مصلحة
القطر السوري العليا شعباً
وحكومة، حاضراً ومستقبلاً، ومن
أجل
مواجهة
التحديات الخارجية بوحدة وطنية وجبهة
داخلية متماسكة، ومن أجل تفهم
وجود القوات
السورية في أرض شقيقة، أو تصحيح
الصورة والتفاهم الطوعي على
مستقبل وجودها؛
نقترح
بكل تواضع مجرد من الأغراض إصدار عفو عام
عن كل المعتقلين السياسيين أو معتقلي
الرأي من سوريين ولبنانيين
وجنسيات أخرى، وفتح الأبواب
للجان دولية محايدة،
للتحقق
من الخطوة السورية التاريخية. وهذا لا
ينفي أو يمنع الاحتكام إلى
القضاء المدني
العادل النزيه.
_______________
*
كاتب
سوري
اللجنة
السورية لحقوق الإنسان ـ 05 / 02 / 2004
|