ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 30/09/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

ملف المهجرين القسريين

نفي الآخر:

السياسة التي سلكها البعثيون لتخلو الساحة السورية لرموزهم

الطاهر إبراهيم*

يحرص الكثير من البعثيين في سورية على المبالغة بإلصاق الألقاب الضخمة بالرئيس الراحل حافظ الأسد، من مثل القائد الخالد.. مع الأسد إلى الأبد.. وبالحركة التصحيحية التي يعتبرونها حركة مجيدة وبداية تاريخ مشرق وزاهر في سورية.

ابتداء لا اعتراض عندنا على أن يمجد البعثيون الحركة التصحيحية، أو أن يخلدوا اسم الرئيس "حافظ الأسد"، لأن الحب والكره –خصوصا إذا كانا عن صدق- عاطفتان غلابتان لا يجوز أن يلام عليهما من غلبتاه على إرادته.

ولكن! وفي نفس الوقت الذي لا نلوم من غلبه حب الرئيس حافظ الأسد، وبهرت نظره منجزات الحركة التصحيحية، فإننا بالتأكيد لا نسامح أبدا الذين حاولوا أن يطمسوا تاريخ سورية قبل 16 تشرين الثاني عام 1970 ،بأحداثه وأشخاصه.

لقد تفتحت عيناي منذ كنت في عامي الأول على الاحتفالات بالذكرى الأولى لرحيل المستعمر الفرنسي عن سورية في 17 نيسان عام 1946 . فقد كان الناس يتوافدون طواعية إلى الساحات العامة في مراكز المحافظات والأقضية والنواحي، وكأنهم ذاهبون إلى عرس، بل إنه عرس حقيقي لشعب رفض أن يدع المستعمر ينعم بليلة هدوء واحدة على مدى ربع قرن .

لقد غدت الذكرى السنوية ليوم الجلاء في 17 نيسان من كل عام، لا تكاد تختلف حاليا عن باقي أيام العام.فقط يتم فيه تعطيل الدوائر الرسمية ويذهب العماد "مصطفى طلاس" بأوسمته ونياشينه ،التي تملأ صدر بزته العسكرية،ليضع باقة زهو لا يتجاوز ثمنها مئة دولار على نصب الجندي المجهول وتنتهي القضية.

أما يوم 16 تشرين الثاني فحدث ولاحرج، الدنيا كلها مستنفرة،السيارات الحكومية تملأ شوارع المدن، الدوائر الرسمية تتدلى منها حبال المصابيح بأشكال وألوان مختلفة، اليافطات علقت في الشوارع وعلى واجهات الأبنية الحكومية،المدارس ألغيت فيها الدروس وبدأ المرشدون البعثيون بعمل الاستعراضات في باحاتها أو في الشوارع الجانبية، والويل كل الويل لسيارات الأجرة إن لم تلصق صور الرئيسين السابق واللاحق والمأسوف على شبابه باسل الأسد. 

ولكن لماذا كل هذه المقدمة؟

قدمت بهذه المقدمة لأشير إلى أمر هام حرص البعثيون عليه أشد الحرص، ألا وهو شطب كل ما يمت بصلة إلى تاريخ الأشخاص والأحداث قبل الرئيس حافظ الأسدوقبل الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني من عام 1970 .

 وإذا علمنا أن الشعب السوري يعتبر من الشعوب الفتية، (وهو تعبير مهذب عن قصر أعمار أفراده، لأن الموت يحصدهم باكرا وقل أن يتجاوز أحدهم سن الستين أو السبعين) فإن حوالي 75% من هذا الشعب ممن هم دون سن ال 35 عاما، ما يعني أنهم لا يكادون يعرفون شيئا عن أبطال التحرير الذين حاربوا فرنسا مثل "إبراهيم هنانو"و"صالح العلي" و"عبد الرحمن الشهبندر" و"حسن الخراط" و"أحمد مريود" و"سلطان باشا الأطرش" و..و... بل ولا يعرفون تاريخ الحركة الوطنية وأشخاصها من مثل "هاشم الأتاسي" والأستاذ "فارس الخوري" و"إحسان الجابري" و"رشدي الكيخيا".

ولا يكاد الشعب السوري الفتي يعرف شيئا عن الشهيد "يوسف العظمة"، لولا النصب المقام له، مع أنه وزير الدفاع في أول حكومة وطنية تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، بل وزير الدفاع الوحيد في سورية الحديثة الذي تقدم جنوده إلى ساحة الوغى، (كان من جاء من وزراء الدفاع بعد الاستقلال يكتفون بقيادة المعارك من مكاتبهم الوثيرة، وربما أعلنوا عن سقوط المدن في يد  الأعداء قبل دخول جيش العدو إليها) وقاتل جيش "غورو" الفرنسي الذي زحف لاحتلال سورية. ومع إدراك البطل "يوسف العظمة" بالفارق الهائل بين أعداد وتسليح جيش "غور" الفرنسي وأعداد وسلاح جنود ه، حيث كان سلاحهم "بواريد" قديمة ومدفعية عتيقة، ومع ذلك أصر على أن لا يدع الفرنسيين يدخلون دمشق دون حرب. ولم تغرب شمس يوم المعركة حتى كان قد استشهد هو ومعظم جنوده في سهل "ميسلون" غرب دمشق، وعبر الجيش الفرنسي من فوق أشلائهم واحتلوا دمشق عاصمة الأمويين.

ولقد طالت يد التغيير البعثية أشياء كثيرة في سورية: الاقتصاد والثقافة ومناهج التعليم وأخلاق المجتمع والتاريخ والجغرافية (خسرت سورية في عهد البعث هضبة الجولان)، وحتى عَلَمُ سورية، الرمز الوطني لتاريخها وثورتها واستقلاها، طالته يد البعثيين بالتغيير. حتى أن ابني الصغير "محمد" ،وكان يتابع أحداث مسلسل يحكي قصة أحد أحياء مدينة دمشق في ثورتها ضد الفرنسيين، لفت انتباهي إلى ألوان "علم سورية عند الاستقلال" قائلا: "أبي هذا ليس علم سورية" فقلت له:بل هذا هو ،يابني، علم سورية الحقيقي ، الذي يرمز اللون الأخضر في أعلاه إلى دولة الخلفاء الراشدين، ويرمز اللون الأبيض في الوسط إلى دولة الأمويين، ويرمز اللون الأسود في الأسفل إلى دولة العباسيين، أما النجوم الثلاثة الحمراء في الوسط فترمز إلى دم شهداء الثورات السورية. وكم كان محرجا لي عندما سألني عما ترمز إليه إذن ألوان ونجوم العلم الحالي؟ فقلت له: ذلك علمه عند الراسخين من أعضاء حزب البعث في سورية. 

واستطرادا فإنك أيها القارئ الكريم، لا تكاد تجد واحدا ،يعيش في سورية، حاليا من الزعماء السياسيين الذين تناوبوا على السلطة خلال أكثر من نصف قرن ،من خارج حزب البعث (جناح الحركة التصحيحية إذا صح التعبير). ولقد كان الاستثناء الوحيد لما أوردناه هو السماح للفريق "أمين الحافظ"،أول رئيس دولة بعثي في سورية، حيث بقي ،بضعة عشر يوما،عالقا على الحدود العراقية السورية بعد احتلال العراق من قبل أمريكا، ما اضطره للعودة إلى بغداد والبقاء فيها تحت تهديد السفهاء ممن عادوا على ظهور الدبابات الأمريكية. ولم يشفع له كبر سنه ،حيث قارب التسعين، ولا كونه رئيسا للدولة السورية في أول عهد حزب البعث، قبل أن ينقلب عليه رفاقه البعثيون في انقلاب 23 شباط 1966. وقد سمح له مؤخرا، فعاد قبل ستة أشهر، بعد نفي دام أربعة عقود، إلى سورية حيث استقر في مسقط رأسه في مدينة "حلب" عاصمة الشمال السوري.

ويحضرني بمناسبة ذكر تلكؤ الأجهزة الأمنية بالسماح للفريق "أمين الحافظ" بالعودة إلى وطنه سورية، (مع التنويه أن هذا التلكؤ قد لا يكون بسبب الأجهزة الأمنية فقط، إذ لا يعقل أن يكون أمر كهذا بعيدا عن علم القيادة السياسية العليا) مثالان هامان ما كنت أتمنى أن يحصلا في بلد مثل "سورية" البلد المضياف للغريب فكيف لأبنائه الأخيار:

المثال الأول : تمثل باعتراض نظام الحكم السوري على دخول جثمان الرئيس "شكري القوتلي" ،الذي كان أول رئيس لجمهورية سورية المستقلة، ورئيسا لثلاث فترات رئاسية فيها. فقد رفض النظام السوري البعثي في عام 1968 -وكانت السلطة يتقاسمها اللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد- السماح بعودة جثمان "القوتلي. وخوفا من أن يتسبب هذا الرفض بفضيحة سياسية للنظام، سمح بدخول الجثمان الذي شيع إلى مثواه الأخير بجنازة حافلة ،قدر المراقبون عدد من حضرها بأكثر من نصف مليون مشيع، من دون تحشيد حكومي أوحشد حزبي، بل بغياب كامل لأجهزة الدولة وسياراتها.

المثال الثاني: لم تترك جماعة الإخوان المسلمين في سورية فرصة منذ عام 1984 ،لإجراء مصالحة وطنية، تتم على أساس "لا غالب ولا مغلوب" إلا وحاولت أن تغتنمها. وكانت الفرصة قبل الأخيرة حين سعت شخصيات عربية إسلامية من بلد عربي مجاور لتحقيق مصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين النظام السوري. ونظرا للمكانة المرموقة ،على مستوى العالم الإسلامي، التي كان يتمتع بها الشيخ "عبد الفتاح أبو غدة" المراقب الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، فقد قامت تلك الشخصية العربية بجس نبض القيادة السورية على أعلى المستويات،  (قبل ذلك بسنتين كان قد منح سلطان "بروناي" الشيخ جائزة "الحديث النبوي الشريف"، وقد حضر سفير سورية في لندن احتفال تسليم الشيخ "أبو غدة" الجائزة ولابد أن يكون ذلك بعلم من القيادة السورية). وحصل على ضوء أخضر بأن يعود الشيخ إلى سورية لمقابلة الرئيس الراحل حافظ الأسد ،وتمت الموافقة ونزل الشيخ في شتاء عام 1996.

وبقي الشيخ في بيته في حلب لأكثر من ثلاثة أشهر، انتظارا لمقابلة الرئيس حافظ الأسد وبحث المصالحة الوطنية معه. غير أن أجهزة الأمن كان لها رأي آخر، فقد عرضت عليه مقابلة "علي دوبا" رئيس إدارة الأمن العسكري، فكان رد الشيخ: إني جئت لمقابلة الرئيس، وإلا فلا. وهكذا فوّت الأمنيون على الشعب السوري فرصة قد لا تتكرر في الأمد المنظور.

نفي الآخر سياسة بعثية بامتياز.

وسأستعرض فيما يلي أسماء زعامات سورية شاركت في صنع تاريخ سورية قبل الاستقلال وأثناء الحكم الوطني، عاشوا وماتوا خارج الوطن سورية، لأن النظام لم يسمح لهم بالعيش فوق تراب وطنهم ما تبقى لهم من أيام.

ولكن قبل ذلك، أورد خبرا نقل عن زوجة الأستاذ "أكرم الحوراني"، التي سعت لمقابلة الرئيس حافظ الأسد ونقلت له رغبة الأستاذ الحوراني بالعيش ما تبقى له من أيام في بيته في دمشق. عندها نهض الرئيس إيذانا بانتهاء المقابلة، قائلا لها: سآمر ديوان رئاسة الجمهورية بصرف راتب شهري لك، فقالت له: قد قلت ما جئت من أجله، وأنا لم آتي من أجل المال.

لم يكن "القوتلي" الرئيس السوري الوحيد الذي مات في المنفى. فقد عاش الدكتور ناظم القدسي -الذي رأس الجمهورية في عهد الانفصال- ومات عام 1998 في عمّان ودفن فيها، منفيا من قبل سلطات حزب البعث.

ولم تكن هذه المعاملة محصورة فقط في رؤساء الدولة، فقد شاركهم فيها زعماء سوريون وقادة أحزاب قاتلوا المستعمر الفرنسي وعلماء أفاضل أعلام كان يشار لهم بالبنان، وأدباء أفذاذ، نذكر منهم على سبيل المثال:

- الشيخ عبد الفتاح أبوغدة المحدث المشهور وزعيم جماعة الإخوان المسلمين في سورية ، توفي في الرياض عام 1997 ،ودفن في المدينة المنورة.

- رشدي الكيخيا زعيم حزب الشعب، رئيس وزراء سابق شارك في القتال ضد الفرنسيين ، توفي ودفن في لبنان عام 1984 .

- الشيخ علي الطنطاوي، أديب سورية وعالمها المشهور ، عاش في السعودية وقد كان دائما يذكر سورية، ويحن للعودة إلى مسقط رأسه دمشق. توفي في جدة عام 1999، ودفن في مكة المكرمة.

- الشيخ مصطفى الزرقا، فقيه سورية غير المنازَع، وصاحب النظريات المشهورة في الاقتصاد الإسلامي، توفي ودفن في الرياض عام 1999 .

- أكرم الحوراني، علم من أعلام سورية، رئيس الحزب العربي الاشتراكي، ثم رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي حتى آذار 1963، وزير دفاع في عهد الشيشكلي،رئيس أسبق لمجلس النواب، نائب رئيس الجمهورية في عهد الوحدة، توفي ودفن في عمّان في عام 1996 .

- الشيخ سعيد حوى، العالم الفقيه ، والداعية الرباني، صاحب تفسير الأساس، توفي في عمّان ودفن فيها عام 1989 .

- الشيخ عبد الله ناصح علوان الداعية الأريب، صاحب المؤلفات المشهورة، عالم حلب الرباني ، توفي في جدة عام 1987، ودفن في مكة المكرمة في مقبرة المعلاة.

-الشيخ أبو النصر البيانوني، عالم من علماء حلب ،أصبح الموجه الروحي لجماعة "أبي ذر" خلفا لوالده العالم الرباني "أحمد عز الدين البيانوني" ،توفي الشيخ أبو النصر في عمان ودفن فيها.

-الشيخ "عبد القادر عيسى"، شيخ طريقة العادلية الصوفية، عاش منفيا في السعودية، وألح عليه المرض، فحاول العودة إلى مدينته حلب، فرفضت الأجهزة الأمنية، فغادر إلى تركيا، حيث مات ودفن فيها.    

- ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث،ورئيسه بعد آذار 1963،عاش منفيا بعد انقلاب الشباطيين في شباط 1966 على القيادة القومية لحزب البعث،توفي ودفن في بغداد.

- صلاح البيطار، رفيق ميشيل عفلق في تأسيس حزب البعث، أول رئيس وزراء بعد انقلاب حزب البعث آذار 1963 ،أطاح "الشباطيون بوزارته، وسجن ثم أطلق سراحه،عاش في باريس ،كتب مقالا هاجم فيه القمع البعثي في أحداث 79- 80 ،فأرسلوا له من اغتاله عام 1980 .

- محمد عمران ،ضابط بعثي ، كان عضوا في مجلس قيادة الثورة،ووزيرا للدفاع عندما أطاح به الشباطيون، عاش في بيروت وتم اغتياله فيها.

-معروف الدواليبي من كبار قادة حركة التحرير في سورية، عضو مؤسس في حزب الشعب، رأس الوزارة مرتين، غادر إلى السعودية بعد انقلاب آذار 1963 ،ومات فيها عام 2003 . 

-منير العجلاني، أستاذ في كلية الحقوق، وزير سابق ، عضو مجلس نواب، عاش منفيا ومات في المنفى.     

هذا غيض من فيض ،ومن لم أذكرهم أكثر بكثير، وإنها لمأساة أن لا يجد الزعيم مكانا له في وطنه يدفن فيه. 

*كاتب سوري / عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

 

 

أعلى الصفحةالصفحة الرئيسة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ