ملف المهجرين
القسريين
يوم
الخروج
السادة أسرة تحرير مركز
الشرق العربي
أشكركم على مبادراتكم العملية
في اختراق أحشاء المشكلات. كان
نشاطكم في ملف المفقودين
ملحوظاً.. والتفاتتكم اليوم إلى
المغربين أو المهجرين القسريين
تلمس جراحاً كثيرة نازفة.
أحاول أن أحدثكم عن معاناتي،
ولكنها متمادية الشعاب، فيح
المهامه، يقول عمر رضي الله عنه
لولا حب الوطن لخرب موطن السوء.
ولكن بلدنا لم يكن أبداً بلد
سوء، كان دائماً جنة أو جنات،
فكيف نكتم حبنا له؟! بل كيف نعبر
عن هذا الحب؟! أحاول أن أكثف
معاناتي، يوم أخرجني القهر
والخوف من بلدي، وأقول ابتداء
إنني لو وجدت ظل قانون وحكماً
عادلاً لما خرجت لأنني لم أقارب
جناية ولا جنحة ولا حتى مخالفة
سير.
انتشر جراد الوباء في مدينتي
سنة 1980، فما رعيت حرمة، ولا وفرت
كرامة، وساد الهرج والفتك؛ كل
ما سأكتبه عن ذلك اليوم ليس إلا
فتافيت تجربتي المرة، وأنا أخطو
خطواتي خارج عتبات بيتي، بعد أن
ألحقت زوجتي بأهلها ومعها
أولادي، كان كبيرهم في الثالثة.
رتبت مكتبتي، أخفيت تفاسير
القرآن في الصفوف الخلفية، فقد
كانت كتب التفسير مادة الإدانة
الرئيسية. ثم انطلقت أقفل
الأبواب، وحملت مفاتيحي من
يومها لم يفتح لبيتي باب،
ومن يومها ومفاتيحي معلقة
في دار غربتي كمفاتيح الفلسطيني
حذو القذة بالقذة. كنت لا أمل من
الحديث إلى أولادي عن هذه
المفاتيح، هذا مفتاح الباب
الخارجي وذاك مفتاح غرفة النوم
والثالث.. والرابع، مل أولادي
سماع الأحاديث، مع أنني مازلت
أجد لها لوعة، انتقلت اليوم
بالحديث إلى أحفادي. خرجت من
مدينتي لا أعلم إلى أين، ولزمني
منذ ذلك اليوم معنى (الأين) في
طابور الحصول على الإقامة، أو
في طوابير عبور الحدود، أو في
الوقوف حين اضطر وكثيراً ما
اضطر على أبواب المستشفيات، أو
حين ينجح أحد أبنائي أو بناتي في
شهادة الثانوية العامة، ويضع
مصيره بين يدي يطالبني بمقعد
جامعي معتبراً ذلك بعض حقه علي..
في هذه المواقف جميعاً أتذكر
قول البرجمي
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
وقيار في هذا المقام ليس جملي،
فأنا لا ناقة لي فيما يصطرع
القوم حوله ولا جمل، قياري
الخاص هو زوجتي وأولادي الذين
مازالوا مسطرين معي على قائمة
الحرمان الكهنوتي الثوري
التقدمي. كم هو أن تعيش في هذا
العالم بلا هوية ولا وثيقة ولا
جواز سفر ولا انتماء!!
أحب أن أسترسل في الكتابة
إليكم، ولكنني أقع تحت تأثير
هجمة للأفكار السود، أتذكر
الهوة السحيقة التي دفعت إليها
منذ أخرجت من بلدي، ورغم أنني
وجدت في الأرض مراغماً كثيراً
وسعة، إلا أنني ما أزال أتلجلج
في لهوات تلك الهوة، محاولتي
هذه إنما هي بعض التعبير عن
العماء الذي اضطرب فيه.
صالح غريب
جدة
|