معتقلي
ربيع دمشق
د.كمال
اللبواني
نص
المحاضرة التي قدمها الكاتب في
منتدى جمال الأتاسي
أشكر منتدى د. جمال الأتاسي على
دعوتي ، وأشكركم جميعاً على
حضوركم ، وآمل ألا أثقل عليكم ،
وأن تتسع صدوركم لما أن قادم على
ذكره .
ابدأ من أعماق التاريخ والتراث ،
من أسطورة قديمة تحكي قصة
الصراع من أجل الربيع بين
إينانا ربة الأرض والحياة (الأم
والأخت والعاشقة ) وبين ربة
الموت و العالم الأسفل على
ملكية آلهة الخصب والربيع دموزي
.. هذه إينانا العاشقة تحضر
نفسها للقاء حبيبها
:
من أجل دموزي اغتسلت
جدلت مع الغار شعري
صبغت بالكحل عيني
زينت بالقلادة عنقي
وبالعنبر طيبت ثغري
دموزي ضم خاصرتي براحتيه
الواسعتين
وراح يداعبني
قبلته في شفتيه
وقدراً حلواً تمنيت له
إن موت الربيع وانبعاثه ليس
جديداً على الثقافة والتراث
السوريين ، وهو قصة شعرية
أسطورية تاريخية قديمة ، كما أن
النواح على الربيع المقتول
المتجسد رمزاً في إله يمنح
الخصب ، ربما كان أقدم ألحاننا
وأغانينا ، و اللطم عليه ما يزال
قائماً بأشكال وصور مختلفة ،
أما عودته وإعادة بعثه فكان
يتطلب صوماً وتضرعاً وتضحية
وقرابين , تلك التي إذا لم تقدم
توقفت دورة الحياة . في حين
تترافق عودته بالرقص والفرح
والمجون الجماعي
.
فالأعياد والاحتفالات المحلية
تعيد وتكرر تلك القصة الحزينة
الحالمة بسعادة لا تدوم ، وحلم
لا يعمر طويلاً ، وربيع سرعان ما
يقتل ، وتضحية وقرابين كثيرة من
أجل عودته .. نعود للأسطورة
:
انشقت الأرض فجأة
..
و ظهرت العفاريت
أما الذي قبل الشفاه المقدسة
فقد وجل قلبه
أوجس خيفه
فر للبعيد
اختبأ بين الأخاديد
كان فؤاده مفعماً بالدمع
صفق العفاريت بأيديهم
وراحوا يبحثون عنه
عفريت لحق بعفريت
فتلوا حبلاً من أجله
نجروا له عصاً
أحاطوا به من كل جانب
أمسكوه , قيدوه
عصبوا عينيه
ثبتوا بالمسامير كفيه
واقتادوه
إن مشى أمامهم
ضربوه
وإن سار خلفهم
اقتلعوه
غيلان متوحشون
ينتزعون الزوجة .. من فراش زوجها
والطفل الرضيع ... عن صدر أمه
سريعاً
وصلوا به إلى المذبح
راحوا يدورون حوله
رقصوا رقصة الدماء
نطقوا بكلمات الغضب
صاحوا صيحة التأثيم
حدقوا بعيونهم
..
عيون الموت
ترنح دموزي وتهاوى
خر على الأرض صريعاً
صار جثة هامدة
على جسده المقدس
لم يمد القماش
الأخت تأملت في جثة أخيها
تفجر الدمع من عينيها
خدشت وجنتيها
شقت ثوبها
مزقت فمها
صدر عنها نواح
..
مر فوق السيد المسجى
أواه
..
أواه يا أخي
أواه يا أخي
الذي لم تكن أيامه طويله
أواه يا أخي الذي جلب الحزن لأمه
أن تنام نومة قلقه
..
أن تنام نومة أخيره
ولا تنهض
السماء ! مزقيها أيتها العاصفة
أقيمي مأتماً أيتها الصحراء
أيتها الرمال
أقيمي مأتماً
أقيموا مناحة
يا سراطين النهر
كلكم جميعاً أقيموا مأتماً دائماً
ولتنطلق من أمي
التي ليس عندها عشرة أرغفة
صرخة عويل
يراعة نبتت وحدها
تحني رأسها إليه
على مثواه الطاهر
لا ينسكب الماء
عند قبره
ما من لبن يسكب للفقراء
لم يبق ثمة لبن
..
فاللبن كله قد شفطوه
أغنام الحظيرة
:
تدب على الأرض بأقدام ملتوية
غيلان حيتان
سفاحون
ينقضون على كل شيء
و سرعان ما يبددون جثث ضحاياهم
المذبوحة
كنت آمل أن تنهي هذه الأسطورة إلى
مجرد مسرحية شعرية تراثية تؤدى
على خشبات المسارح ، لا أن تستمر
تجربة حياتية دائمة التجدد ،
تطبع حياة الشعب السوري بما
تحمله من أسى وتفجع
.
في عامي 1978 - 79 انطلقت نسمات ربيعية
من جراء حراك غير مسبوق في
مؤسسات المجتمع المدني ، سرعان
ما سحقت بقسوة , ومر بعدها عقد
قاتم كئيب على سوريا هو عقد
الثمانينات ، ثم بدأت بوادر
انفراج بتأثير انهيار منظومة
الدول الاشتراكية الفاشية
الشمولية . مع تلك النسمات تشكلت
لجان الدفاع عن حقوق الإنسان
والديمقراطية . لكن القمع أحبط
أي عدوى لرياح التغيير ، ومع
تفاقم الأزمة الاقتصادية
البنيوية الخانقة في نهاية
التسعينات علا صوت الشارع في
انتقاد الأوضاع القائمة
والاستبداد والفساد المستشريين
.. ومع خطاب القسم الذي حمل معه
التفاؤل والأمل في إصلاح سلمي
متدرج ، ووجه دعوة لكل مواطن من
أجل المشاركة في مسيرة الإصلاح
، ودعا إلى احترام الرأي الآخر ،
والتحلي بالروح الديمقراطية .
تنادى عدد من المثقفين الشجعان
مع عدد من السياسيين أو
المهتمين بالشأن العام لتوقيع
أول وثيقة رسمية مدنية تطالب
بالإصلاح أقصد وثيقة الـ 99 .
ولما لم تبادر السلطة لقمع هذه
الوثيقة ولا الموقعين عليها ،
تشجع أعداد أكبر للنشاط وانتهوا
إلى وثيقة الـ 1000 وما تبعها من
تشكيل ما سمي في النهاية بلجان
إحياء المجتمع المدني ، وبروز
ظاهرة المنتديات التي بدأت
بمنتدى الحوار الوطني في منزل
النائب رياض سيف ، وبعده منتدى
المرحوم الدكتور جمال الأتاسي ،
ثم منتديات أخرى مثل منتدى
اليسار ومنتدى حقوق الإنسان
ومنتدى الكواكبي وغيرها في أكثر
من مكان ، كما تأسست جمعية حقوق
الإنسان و ازداد نشاط مجموعات
وهيئات أخرى ، وبدا وكأن قوى
المجتمع قد
بدأت تدب فيها الروح ،
أو كأن المجتمع قدر يقرر الخروج
من صمته و يترك مقعد المتفرج على
مسرح السياسة ويصعد للخشبة ، أو
كأن الرموز الثقافية والسياسية
قد بدأت تسير نحو تأطير الرأي
العام وتشجيعه على المشاركة
السياسية ، عبر فتح أوسع شكل من
أشكال الحوار الوطني
الديمقراطي ، للوصول إلى
توافقات جديدة ، وعقد وطني جديد
، يلغي مرحلة من الاستبداد
والتعسف طالت وطالت وأحبطت كل
تطور وتقدم ، بل كانت هي
المسؤولة عن تأخر سوريا وتخلفها .
وفجأة ومن غير مقدمات ولا مبررات
وكأن انقلاباً قد حدث ، بدأت
حملة قمع الربيع في آذار 2001 في
الضغط لإغلاق المنتديات ، وتم
إغلاقها جميعاً بالضغط
والتهديد ، ما عدا واحد ، وذلك
تحت ذريعة التنظيم ، لكن رفض
طلبات الترخيص التي قدمناها ،
كشف أن المسألة هي مسألة قمع
وليس تنظيم ، وفي نهاية الصيف
كان الوقت قد حان لانكشاف حقيقة
وعود الإصلاح ، وهكذا وفي تنكر
تام لخطاب القسم و للدستور
والقانون ، ولحصانة نواب مجلس
الشعب ، تم اعتقال النائب مأمون
الحمصي ، ثم جرى اعتقال المحامي
رياض الترك الأمين العام للحزب
الشيوعي السوري ، و الذي كان قد
قضى عقدين في السجون من دون
محاكمة ، ثم وبعد عودة افتتاح
منتدى الحوار الوطني بيوم واحد
اعتقل النائب رياض سيف بشكل
تعسفي ودون اعتبار لحصانته
البرلمانية ، وبعده بيومين تم
اعتقالي مع الدكتور وليد البني
وفي اليوم التالي اعتقل الدكتور
عارف دليلة عميد كلية الاقتصاد
في كل من حلب ودمشق ومؤسس جمعية
العلوم الاقتصادية ، كما اعتقل
آخرين ، وبعد أيام اعتقل
المحامي حبيب عيسى أحد مؤسسي
منتدى د. جمال الأتاسي والناطق
الرسمي باسمه والمهندس فواز
تللو عضو لجنة منتدى الحوار
الوطني .. واستغلت السلطة انشغال
العالم بأحداث 11 أيلول للتغطية
على اعتقالنا ومحاكمتنا
ومعاملتنا السيئة ، وتوهمت أنها
حصلت على الدعم الخارجي بدخولها
الحلف المضاد للإرهاب ، فهي كما
تدعي : تملك الخبرة الكبيرة في
هذا المجال ، مشيرة إلى الهمجية
التي مورست في الثمانينيات ،
واستغلت ذلك من ثم في ترهيب
الباقين للجم كل نشاط فعال ،
وتتابعت حملات الضغط ، وشملت
إحالة الناشطين للمحاكمات..
ومنهم المحامي هيثم المالح رئيس
جمعية حقوق الإنسان ، ثم اعتقل
ناشطين أكراد في اعتصام بيوم
الطفل العالمي ، ثم أحيل للقضاء
14 ناشط في حلب ، و اعتقل طلاب ،
واعتقل أيضاً مستخدمين
للانترنت ، وأخيراً أعقبت أحداث
القامشلي حملات اعتقال عشوائية
وتعسفية طالت الآلاف .. ثم اعتقل
المحامي أكثم نعيسة رئيس لجان
الدفاع عن حقوق الإنسان ، وما
يزال التضييق على النشاطات
والحريات والضغط على الناشطين
يجري على قدم وساق بأشكال
ووسائل مختلفة ، وما يزال
الربيع يقاوم الموت ويقاتل عبر
منابره الحرة وناشطيه الأحرار .
وما تزال السلطة تمارس القمع
والتعذيب بكل أشكاله ، بهدف
إعادة الشعب إلى داخل دائرة
الرعب ، لتأبيد سلطان الخوف
حارساً لحالة الإذعان التي تسهل
استباحة عرق المواطن وثروات
الوطن
.
كل ما جرى لنا كان تعسفياً ،
وأحيانا مزاجياً ، والقانون لم
يراع أبداً ، لا في طريقة
توقيفنا ، ولا في حيثياته ، ولا
في المكان الذي أوقفنا فيه ، ولا
شروط التوقيف ، ولا في المحكمة
التي حولنا إليها ، ولا في أصول
المحاكمات ، ولا في توصيف التهم
والأدلة ، ولا في إصدار الأحكام
. كما جرى انتهاك واضح وصريح لكل
حقوقنا كسجناء ووضعنا في
منفردات معزولة طيلة مدة سجننا
، وحرمنا لفترات طويلة من
الزيارات ومن الخروج للتنفس ومن
كل وسائل الإعلام وحتى من الكتب
، وعبثاً طالبنا أن يطبق علينا
قانون السجون ، فكان الجواب
الوحيد الذي نسمعه هكذا هي
التعليمات , وفي نهاية المطاف
كانوا يقولون نحن القانون هنا .
السلطة تعلم أننا ضحايا تعسفها ،
لذلك أصرت على عزلنا في سجون
مغلقة ، ثم محاكمتنا في محاكم
سرية تعمل بالتعليمات ، ومنعتنا
من حقنا في الدفاع عن النفس ،
وفي استجواب شهود الادعاء أو
تقديم شهود الدفاع ، ومن ثم في
نقض الأحكام الجائرة الصادر
بحقنا ، من محكمة سرية غير
دستورية غير شرعية ، محكمة
مستقلة عن الشعب وتحكم باسم
أجهزة الأمن وتوجيهاتها
..
و السلطة تعلم أيضاً أننا مارسنا
حقنا الطبيعي في التعبير عن
الرأي الذي كفلته كافة الشرائع
السماوية والأرضية ، وهي ما
تزال إلى اليوم ترفض إعطاء
زملائي الذين تركتهم في السجن
أبسط حقوقهم كسجناء ، وأنا هنا
أذكر أنهم ما يزالون في زنزانات
انفرادية قذرة بعد ثلاث سنوات
ونصف ، وهذا يعتبر بموجب
اتفاقية مناهضة التعذيب ، شكلاً
رهيباً من أشكال التعذيب
والتحطيم الجسدي والعقلي ،
وأذكر أيضاً بأن ثلاثة أرباع
أحكامهم ستنقضي بعد شهر من الآن
، فهل ستوافق السلطة على منحهم
حقهم القانوني في الإعفاء من
ربع المدة ، وأي حجة ستقدمها
السلطة لترفض ذلك .
هل محكمة أمن الدولة العليا محكمة
خارجة عن القانون والنظام
القضائي المعمول به في عموم
سوريا ، وهل هناك قانونان اثنان
في سوريا ، واحد تطبقه محكمة أمن
الدولة وآخر تطبقه محاكم أخرى ،
ومن أعطى الأهلية لمحكمة أمنية
غير دستورية ، كي لا تلتزم بأصول
المحكمات القضائية ، وكي تصدر
أحكاماً مبرمة غير قابلة للنقض
، بخلاف الدستور ، و من هي كي
تمنع وتعطل إجراءً قضائياً
روتينياً ينطبق على كل السجناء
بنص قانوني صريح ، ( أقصد
الإعفاء من ربع المدة ) ، ولماذا
لا ينالون هذا الحق وهم قد قضوا
أحكامهم في سجن انفرادي مشدد ،
بدل الاعتقال السياسي العادي
الذي نص عليه قرار الحكم ، وهم
قد تعرضوا للإهانة والضرب ، ولم
نسمع عن أي اعتذار رسمي ، أو عن
تقديم أحد من الجناة للمحاكمة
بهذا الجرم ، (أقصد الاعتداء
بالضرب على سجين ) ، ولا عرفنا من
أصدر هذا الأمر أو لماذا وبموجب
أي قانون أو قرار قضائي أو
صلاحيات دستورية
.
لقد صودرت مني 25 لوحة زيتية رسمتها
في السجن بعد الحصول على موافقة
إدارة السجن و شعبة الأمن
السياسي و محكمة أمن الدولة
العليا ، ولكونها ملكية فكرية
ذات قيمة مادية ومعنوية محمية
بموجب مرسوم تشريعي ، ولكون
مصادرتها تمت خارج القانون
وبعيداً عن القضاء ، ما أزال أطالب
السلطات المتعسفة ، بالإفراج عن
أعمال فنية نادرة ستشكل جزءً من
تراث الحرية لأجيال الغد ،
فالسلطة الأمنية قد مددت قمعها
للأشخاص نحو تدمير الثقافة
والفن وقررت الانضمام إلى
طالبان أفغانستان
.
إخوتي الأعزاء : النظام أكبر من أي
فرد , النظام ينتج أفراده
ويصنعهم ، وليس الفرد هو من يصنع
النظام ، النظام كتجسيد مفترض
للآيديولوجيا يخدع المنتسبين
له ، ويزين نفسه بمسحات أخلاقية
وقيمية ، لكن ما يتجسد من سلوكه
يفضح جوهره وتكوينه الحقيقي ،
والنظر للنظام يجب أن
يتم من خلال أفعاله وليس أقواله.
هناك أكثر من 70 دولة حكمت بمثل هذا
النوع من النظم الشمولية فسورية
ليست ظاهرة استثنائية وفريدة ،
ومعظم هذه الدول نجحت في
الانتقال من هذا النظام نحو
نظام أكثر حرية وعدالة بسلام
وسلاسة ، وشعبنا لا يقل عن
شعوبها أبداً .
في النظام التعسفي الذي يدار
بالتعليمات وليس بالقانون ،
وبالولاء الشخصي وليس
المسؤولية القانونية , يتحول
الإنسان الحر المسؤول إلى عبد
مأمور بموجب صفقة يبيع بموجبها
إرادته وضميره مقابل أجر و
منافع. هذا الفرد هو في النهاية
مسؤول عن خطئه ، فالله قد خلقه
حراً وليس عبداً ، ووظيفته في
الدولة يحددها القانون وليس
التعليمات الشفهية ، وهو مسؤول
عن أفعاله وما تقاضى مقابلها من
منافع ، وعن جبنه وتخاذله عن
أداء واجبه الذي نص عليه
القانون ، وعن خيانته لقيمه
وضميره .. ومع ذلك فأخطاء النظام
أكبر من أن يتحملها شخص واحد ،
فللسلطة إغراءاتها وللمال
إغراءاته ، والنفس ضعيفة وأمارة
بالسوء ، خاصة بعد شيوع ثقافة
الفساد والإفساد والتسيب
والإهمال والسلبية . وكل مواطن
حتى لو كان خارج السلطة ، هو
أيضاً مسؤول عن سلوك سلطة تحكم
باسمه ، وهو إن لم يشاركها ،
لكنه سكت وتغاضى ولم يعترض ..
وحتى في حال أشد السلطات قمعية
لن تنعدم بين يديه وسائل
مقاومتها . أقول هذا لكي لا نوجه
تهمنا لأشخاص في النظام ، فلا
فرق كبير بينهم ، ولكي لا ينحصر
طلب الإصلاح في استبدال أشخاص
سرعان ما يصبحون نسخة عن
أسلافهم ، عندما ينخرطون في
ماكينة النظام ذاتها . فكل
الأنظمة المتشابهة تنتج شخصيات
متشابه إلى حد التطابق .
وكما يقول الكواكبي الاستبداد
والفساد صنوان متلازمان ، فكل
من يحتكر السلطة سيجد نفسه
سريعاً يسعى نحو احتكار الثروة
، وبالعكس ، ولما كان النظام
الحالي قد بدأ بالديكتاتورية ،
فإن الفساد اللاحق به هو جزء
تكويني من مكوناته ، فرموز
الفساد على علاقة وطيدة مع
النظام ، وهكذا كانت الخطوط
الحمر الخمسة التي وضعها النظام
أمام حركة ربيع دمشق تعني شيئاً
واحداً هو حماية وتخليد
الاستبداد والفساد ، وتأبيد
معاناة المواطن ، ووأد الأمل
بأي إصلاح أو تغيير .
فعندما يدور الحديث عن الإصلاح
الكل يتنطح ويدعي أنه من أنصار
الإصلاح ، لكن الكل متفق على أن
يبدأ الإصلاح من غيره ، ولا يشمل
مكاسبه وامتيازاته ، وهكذا يتفق
الجميع عملياً على عدم فعل أي
شيء ، ببساطة تفشل كل آليات
الإصلاح المطروحة لأن أول مبدأ
من مبادئ الإصلاح هو
أن تبدأ من نفسك وليس من غيرك ،
وهذا ما يرفضه بشدة رموز الفساد
والاستبداد المتحكمين بالسلطة
والثروة ، والذين كانوا شخصياً
وراء إحباط عملية الإصلاح وسحق
ربيع دمشق ورمينا في السجون .
وهم الآن من يحاولون جر سوريا في
طريق الهلاك . لنفس الدوافع ونفس
الأسباب .
متغطين بشعارات
وطنجية ، يكذبها في كل ثانية قلة
أمانتهم ، التي تجلت في حصولهم
بطرق غير مشروعة على ثروات
هائلة أفقرت الوطن والمواطن
.
لا بأس ، ليكذبونا و ليثبتوا
وطنيتهم ويعلنوا عن ثرواتهم
ومصادرها ، وليسمحوا للرأي
العام التحقق من صحتها ، هنا
تظهر الوطنية الحقيقية وليس
الكلام الفارغ المعد للتجارة
....
على فكرة , قانون إعلان الذمة
المالية ومراقبتها لكل مسؤول
وموظف ، موجود ومعمول به في
سوريا وقد أكد عليه مجلس الشعب
أكثر من مرة ، لكن أيا من
المسؤولين لم يجد نفسه معنياً
به ، فهم مشغولون في تحصيل أكبر
قدر من الثروة ، وعلى عينك يا
تاجر ، في ظل حالة الطوارئ
المفروضة فقط على حرية الرأي و
التعبير ، والعمل السياسي ،
وهنا قد يتنطح من يتنطح
ويطالبني بالدليل ، فأقول له
ليس المطلوب مني أنا المواطن
المعزول تقديم الدليل على فساد
الموظف ، الذي يستخدم كل ماكينة
السلطة القمعية المافيوية
وجيوش الشبيحة في إزاحتي عن
الوجود ، بل المطلوب من الموظف
إثبات نزاهته على الدوام بواسطة
نظام الشفافية المالية . وطالما
أنه لم يعلن ويصرح عن ثرواته
ومصادر دخله وكم استهلاكه فهو
متهم ومدان حتى يثبت العكس .
منذ فترة قريبة خرج شهود عيان من
فروع الأمن يروون مشاهداتهم عن
تعذيب وحشي يجري الآن ، جلد وماء
بارد وكهرباء وتعليق وكراسي
ألمانية .. يجري خاصة بحق
مجموعات من الشباب المتدين ،
أنا لا افهم كيف يستمر التعذيب
على قدم وساق ، بعد تصديق سوريا
على معاهدة منع التعذيب , وصدور
مرسوم تشريعي رئاسي فيه . ولا
أفهم كيف ننتقد الآخرين ونسكت
عما يجري عندنا وبأيدينا وبحق
أبنائنا ، أنا لا أفهم كيف يقبل
شعب حر كريم اعتنق عبر التاريخ
أنبل الشرائع بقصص مرعبة تجري
في سجوننا وفي أقبية فروع الأمن
، ولماذا لا نفتح السجون ويطلع
الرأي العام على ما يجري فيها ،
ولماذا لا يجوز للمحاكم قبول
الدعاوى المرفوعة ضد مرتكبي جرم
التعذيب من رجال الأمن إلا بعد
موافقة الأمن ذاته
..
ومنذ فترة قريبة أيضاً , جرى
اعتصام سلمي أمام قصر العدل
بدمشق للمطالبة بإلغاء حالة
الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين
وإطلاق الحريات العامة والعمل
على إيجاد حل ديمقراطي للمسألة
الكردية . لكن العقل الأمني تفتق
عن ذكاء نادر ، فأمر قادة
الاتحاد الوطني الطلاب بالنزول
إلى ذات المكان وفي ذات الوقت ،
ولم يكن خافياً كيف حملتهم
الباصات وكيف سار معهم رجال
وضباط الأمن ، وبدل أن تعلم
مدارسنا وجامعاتنا لغة الحوار
وقبول الرأي الآخر وتعلم
أبناءنا الأخلاق والقيم والأدب
، صارت تعلم القمع والوحشية
والإرهاب ، فأطلقت العنان
لممارسات تذل من يقوم بها قبل من يقع ضحيتها
.. لقد كانت رسالة معبرة جداً أن
يقوم الأبناء بضرب آبائهم ؟
وبماذا ؟ بعصي تحمل أعلام سوريا..
نعم لقد فهمت الرسالة ولا حاجة
للشرح
.
أخوتي الأعزاء : القوي , ليس الذي
يتمادى في الخطأ , بل من يملك
القدرة على الاعتذار ، ولا يقلل
من هيبة السلطة أن تستمع وتلبي
طموحات ومطالب الناس بل هذا هو
واجبها ، والشرعي من يحصل على
احترام الناس وليس من يحصل على
رهبتهم ..
أخوتي الأعزاء : بالعصا والضرب ،
بالعنف والسجون ، بالكذب
والنفاق لا تبنى الأوطان ، ولا
توجد كرامة ولا حرية مع الجبن
والخوف والسلبية ، ولا يوجد وطن
مع الظلم ، إن ظلم إنسان واحد
على يد السلطة الحاكمة هي جريمة
مسؤول عنها كل فرد وبشكل شخصي .
الوطن بيت وأسرة ، وفي الأسرة لا
مكان للظلم ولا للحقد ولا
للانتقام . و داخل الوطن لا يجوز
أن يمارس العنف من أي جهة جاء ،
ولا لأي سبب كان . ولا يجب أن
تسود الفوضى والتخريب والعبث
والتسيب والإهمال والفساد
والرشوة والاختلاس ، الوطن
أمانة ومن يسيء إلى هذه الأمانة
يجب أن يقصى عن السلطة ، من
اعتدى على مواطنيه بالضرب و
الإهانة لا يحق له أن يدعي
الوطنية ، من امتدت يده إلى
المال العام وملأ جيوبه بالمال
الحرام ، و راكم الأرصدة في
مشاريع الداخل وبنوك الخارج ،
لا مكان له في السلطة ، ولا
حماية ولا حصانة يجب أن تقدم
إليه ، ورجل الدولة الذي يبتز
المواطنين ويرهبهم ومن ثم يمارس
جرم التعذيب عليهم في السجون
والمعتقلات ، لا يصح ائتمانه
على أمن الوطن ، ولا القاضي
المختلس والمرتشي على إحقاق
الحق وإقامة العدالة ، الحق بين
والباطل بين ، ومصادر الشرعية
لا تقبل التزوير ، وطريق
الإصلاح أيضاً بين ، والذي يبدأ
بعودة الحقوق لأصحابها ، و رفع
المظالم وبشكل خاص إطلاق سراح
جميع المعتقلين ، ثم إغلاق ملف
الاعتقال والنفي ، و دفع
التعويضات . كما يتوجب تقديم كل
مسؤول تسول له نفسه الإساءة
للمواطنين ويسيء استخدام منصبه
للعدالة علناً لكي يكون عبرة
لغيره ، عندها تبدأ مسيرة
الإصلاح و تتم مصالحة حقيقية
بين أفراد الأسرة الواحدة
.
أخوتي : في الوطن لا يوجد ابن ست
وابن جارية .. وليس هناك من ولد
من أجل أن يحكم ويبقى حاكماً ،
ومن ولد من أجل أن يحكم ويبقى
محكوماً ، فسورية قد اختارت
النظام الجمهوري بشكل نهائي لا
عودة عنه ، وهذا يعني تداول كل
سلطة تبعاً لنتائج الاقتراع
التعددي و النزيه
.
ورغم اختلافنا الكبير معهم ، ورغم
ممارساتهم المستنكرة ضدنا ،
ورغم فسادهم واستبدادهم ،
وتنكرهم لكل مبادئ الحكم الشرعي
، وحتى لدستورهم ولقانونهم هم
الذي وضعوه بأيديهم ، نحن نعتبر
رجال السلطة أبناء وطننا ،
أهلهم أهلنا وأبناؤهم أبناؤنا
وأخطاؤهم يمكن إصلاحها أو
تعويضها ، ولن نقبل بأي انتقام
أو تصرف حاقد ضد احد .فالوطن
يستحق منا أن نتسامح مع بعضنا من
أجل مصلحته العليا ، وأن نكبر
فوق جراحنا
.
نحن بحاجة لنظام وأمن وحقوق
وقانون سيد على الجميع ، وهذه
ثوابت لا يجوز التفريط بها ، وهي
غاية الدولة ومسؤولية الحكومة ،
وقبلها وبعدها مسؤولية كل مواطن
مخلص وشريف ، لكن يجب أن تأخذ
هذه الحكومة تفويضاً شرعياً من
الشعب ، ويجب أن يعبر القانون
المعمول به عن توافق اجتماعي
صريح وواضح , وفق آليات التمثيل
الحقيقي الشرعي الذي يتم عبر
صندوق الاقتراع النزيه ، وفي
مناخ من الحريات التي تشمل
حتماً حرية التعبير والنشر
والاجتماع والتظاهر وتشكيل
الأحزاب والجمعيات . ويجب أن
يسهر على تطبيق القانون جهاز
قضائي مستقل محايد كفؤ ونزيه
شفاف تحت عين الشعب والإعلام
الحر المستقل
.
نحن نرى أن الأساس في الوطن هو
الفرد ، وليس الأمة ، الأساس هو
الإنسان الحر السيد الذي يتمتع
بحقوقه الأساسية قبل أن يدخل في
علاقة تعاقد مع غيره لتشكيل
المجتمع ، فحقوق الفرد قبل أي
دستور وأي نظام وأي قانون ، وكل
تعاقد يلغي حقوق الفرد الطبيعية
التي أقرتها مواثيق حقوق
الإنسان هو تعاقد فاسد ، لا يقره
أطراف تتمتع بالأهلية لتوقيع
العقد . بل هو سجن وقيد ووسيلة
استغلال وإكراه . الوطن لا يبدأ
بالعقيدة ولا بالهوية ولا
بالرمز . ولا يستمد مبرر وجوده
منها ، ولا يقبل أن تفرض عقيدة
ما (دينية أو دنيوية ) على
المجتمع وبواسطة السلطة ، كما
هو منصوص عنه في المادة الثامنة
من الدستور الحالي ، على كل حال
هذا الدستور معطل عملياً بسبب
فرض حالة الطوارئ
.
الوطن يبدأ من أفراد أحرار
متمتعين بالسيادة على قدم
المساواة ، فهم أحرار في
عقائدهم وضمائرهم ، ولا تشكل
هويتهم وقناعاتهم شرطاً مسبقاً
لانتمائهم للوطن ، أو تنقص أو
تزيد من حقهم في المشاركة في
الحياة السياسية ، فكل من ولد
على هذه الأرض أو عاش عليها فترة
محددة من
الزمن له ذات الحق في الجنسية ،
وله كامل حقوق المواطنة و كل
الفرص المتساوية مع غيره . وبعد
أن نعترف بالفرد ، يجري بناء كل
تعاقد وتحالف ونظام وسلطة فوق
ذلك ، والتي يشترط أن تكون
تداولية وتعبر عن نتائج
الاقتراع التعددي الحر ، وهذا
هو الجوهر العميق لليبرالية
والديمقراطية . وهو المحتوى
الحقيقي للعلمانية ،
فالعلمانية لا تعني التخلي عن
الهوية ولا عن الدين ولا عن
العقيدة ، لكن تشترط أن لا تكون
الأساس في الوطن السياسي ، الذي
يجب أن يؤمن حقوقاً متساوية
لجميع أبنائه ، بغض النظر عن
الهوية القومية نزولاً نحو
الانتماء العشائري ، أو
الانتماء الديني نزولاً نحو
الطائفي
.
في الوطن لا توجد عائلة كريمة
وعائلة غير كريمة ، ولا يوجد سيد
وعبد ، ولا يوجد طائفة حاكمة
وطائفة محكومة . الشعب ليس رعية
في مزرعة أحد . لكل فرد نفس الحصة
من السيادة والحرية ، والجميع
متساوون في الكرامة الإنسانية
والعزة الوطنية . إن جوهر
المجتمع المدني يتجسد هنا
في تجاوز المجتمع الأهلي دون
إلغائه ، ووظيفة المجتمع المدني
هي تجسيد حالة اجتماعية مختلفة
عن الحالة الأهلية ، تؤسس لحقوق
المواطنة التي يتمتع بها كل فرد
له حق الانتماء المباشر للوطن
والدولة ، دون الحاجة للمرور في
بوابات المجتمع الأهلي ( أي
الهويات القومية والعقائد
والديانات والانتماءات
الجغرافية والعشائرية
والطائفية .. ) وما يحدث في لبنان
والعراق يؤكد أن الديمقراطية
بحاجة لكي تنجح إلى مجتمع مدني ،
مما يجعلنا نتمسك بمفاهيمنا هذه
كي لا ننزلق ذات يوم من
الاستبداد السياسي إلى الإقطاع
السياسي والطائفية السياسية
.
أما الدين كمنظومة معرفية - قيمية
، وكمنبع للقيم والأخلاق وكضابط
طوعي للسلوك المراقب من قبل
الضمير فهو شيء رائع وضروري ,
وهو حاجة اجتماعية ملحة وأساسية
، لكن هذا ليس مبرراً لإعطاء
رجال الدين سلطة مادية على
الآخرين ، ومن ثم حرمان الشعب من
حقه في تقرير مصيره دون شروط أو
وصاية . ولا يوجد إنسان بلا
انتماء أو بلا هوية ، أو بدون
عقيدة أو قيم ، لكن هذا الانتماء
وهذه الهوية وهذه العقيدة يجب
أن لا تكون عنصرية تحرم الآخرين
من ذات الحق .
كما أن الدولة ليست شخصاً بشرياً
لتدخل في علاقات أخوة أو عداء
تاريخي مع الدول الأخرى ،
الدولة كائن سياسي يرتبط مع
الكائنات الأخرى بعلاقات
سياسية تنطلق وتنتهي بالمصالح
المتبادلة ، فلا يوجد عدو
تاريخي ثابت للدولة ، كما لا
يوجد حليف دائم ، وعندما تتغير
الإدارة تتغير
السياسات ومعها سلوك الدولة ،
وفي عالم السياسية الدولية هناك
براغماتية سائدة ، تتحرك فيها
الخصومات والتحالفات حسب
المكان والزمان والحالة . وقد
يكون عدو الأمس صديق اليوم ،
والعدو الاقتصادي صديق أمني
وهكذا . وللتعامل مع المتغيرات
الدولية المدفوعة بالعولمة
الرأسمالية ، يجب أن نخرج مفهوم
السياسة من عقلية العشيرة
والفخذ والبطن والمصاهرة ، إلى
عقلية الدولة ذات المصالح . وهذا
ضروري للتخلص من الشعارات
الجامدة التي صارت معيقة ولا
معنى لها ، فلا الخارج خارج صرف
ولا الداخل داخل صرف ، والعالم
يتغير و يسير بسرعة نحو
الاندماج
.
وعلينا أن نتمعن بأسباب تقدم
الأمم ونأخذ بها , وهنا سوف
نلاحظ أن اختلاف الهوية والتراث
لم يعيقا تطبيق نظام سياسي
ديمقراطي واحد في كل مكان من
العالم المتقدم ، مما يؤكد أن
وضع الخصوصية أو الهوية أو
الدين عائقاً أمام التحول
الديمقراطي ، هو إساءة للهوية
والدين وتواطؤ مع الاستبداد
والفساد ، كما أنه ليس هناك معنى
للجدل حول إصلاح من الخارج
وإصلاح من الداخل ، فالإصلاح لا
يحدث إلا من الداخل وبأيدينا
نحن ، لكن الضغوط الخارجية هي
العامل الحاسم في رضوخ هذه
الأنظمة لمتطلبات عملية
الإصلاح
. .
في كل الأحوال وكل الظروف و في كل
زمان ومكان : نحن ملتزمون بما
يخدم مصالح شعبنا ، ولن نهمل أي
من العوامل المؤثرة على حياتنا
إن كانت من الداخل أو من الخارج
، لكننا لا نستقوي إلا بالله
العلي القدير ، ولا نتكل إلا
عليه وحده ، ولا نفعل إلا ما
يرضيه ، مهتدين بنداء الحق الذي
يهتف في ضمائرنا ، فمن اعتز بغير
الله ذل ، وكل ما خلا الله باطل
.
لذلك أرى أن فكرة المجتمع المدني
وحقوق الإنسان والليبرالية
والعلمانية والديمقراطية
السياسية والعولمة هي أفكار
مترابطة عضوياً , وعميقة الصلة
بمفاهيم جديدة طرحتها وجسدتها
حركة ربيع دمشق . كما أنني أرى أن
هذه المبادئ تتفق تماماً مع
الجوهر الأصيل لكل دين ، لأن
الجوهر الأصيل لكل أخلاق هو
جوهر واحد ، وقد أجمعت كل
الديانات والثقافات عليه ، لذلك
يجب البدء منه باتجاه حوار
وتفاعل ثقافي مع الجميع
.
لقد طرحت حركة ربيع دمشق مفهوماً
جديداً للسياسة والوطن والهوية
والدين ، مختلفا ومتباينا عن
مفاهيم سادت بعد الحرب العالمية
الثانية ، وما تزال تحكم إلى
الآن كل الأحزاب والحركات
السياسية الحاكمة والمعارضة
على السواء ، والتي صارت كلها من
الماضي . والتي يفرض عليها
المناخ الجديد مراجعة الذات و
التفكير في كيفية دخول العصر
بسماته السياسية الجديدة ( في
هذا الصدد نحن نترقب بشغف
محاولة الحزب الشيوعي السوري (
المكتب ) ونتمنى له النجاح ليقدم
مثالاً للآخرين على اختلاف
عقائدهم ماركسية كانت أو قومية
أو دينية في التحول من نمط الحزب
- العقيدة - الجيش الذي يقوده
قائد خالد ، إلى نمط الحزب -
البرنامج التوافقي التعاقدي
حول برنامج سياسي يفترض أن
تتبناه الحكومة المنتخبة ) .
السياسة بمفهومنا الجديد ليست
قيادة وأمر وتسلط وسيطرة عسكرية
وسجون وقمع وتحالف عصبوي دموي
يقوم على الفداء بالدم ،
والمعارضة ليست تستر و انقلاب
وتآمر وعنف وإرهاب واغتيال ،
السياسة بمفهومنا هي لعبة تفويض
وتمثيل ، وهي التي ترعى السلم
الاجتماعي ، وكل اختلاف مرحب به
ويغني الحوار ، والمعارضة جزء
لا يتجزأ من النظام وهي لا تقل
شرعية عن السلطة . وأدوات
السياسة هي الشفافية والعلنية
والنضال المطلبي والاحتجاج
المدني السلمي المنظم والمنضبط
. وما يحسم خلافاتها هو صندوق
الاقتراع والتصويت الحر . وقد
حرص ربيع دمشق على تجسيد كل تلك
القيم والمفاهيم وتمسك
بالوسائل المنسجمة معها
.
لن يوجد أي حل لأي مشكلة من
المشاكل الكثيرة التي نعاني
منها اليوم ، ولن يمكننا التقدم
بوطننا نحو الأمام ولا خطوة
واحدة بدون الحرية ، بدون
المرور عبر بوابة الإصلاح
السياسي الذي يستبدل مفاهيم
قديمة للسياسة بمفاهيم حديثة
مختلفة جذرياً ، ويجسد تلك
المفاهيم الجديدة في الدستور
المؤسس للنظام السياسي ، وليس
هناك من طريق تسلكه سوريا نحو
المستقبل سوى الطريق الذي رسمه
لها ربيع دمشق ، و لنكف عن تضييع
الوقت ونعيد الحياة إلى ماكينة
الإصلاح الجدي ، و لتخرج سوريا
لملاقاة ربيعها : الذي يبدأ
بإطلاق سراح جميع المعتقلين
وإلغاء حالة الطوارئ و كل
الإجراءات الاستثنائية ،
وإصلاح القضاء و حماية استقلاله
، وإطلاق سراح حرية التعبير
والصحافة والعمل الحزبي
والتجمع السياسي
.
نحن نأمل من قوى الإصلاح في داخل
النظام أن تخرج من صمتها ، وأن
تمد يدها إلينا ، لنعمل معاً من
اجل مستقبل أفضل لكل مواطن ،
ونأمل ألا نقابل بالدوريات
والزنزانات و اللكمات و الرفسات
كما حصل في المرة السابقة ،
فأربع سنوات من السير في
الاتجاه الخاطئ يجب أن تكون
كافية لمن لديه عقل ولب . والحال
التي أوصلتنا إليها عقلية
الاحتكار والعناد لا نحسد عليها
، وتنذر بأوخم العواقب والتي لن
تكون في صالح أحد
.
وكما بدأت من الأسطورة أنتهي بها
... و الأسطورة تقول باختصار أن
الربيع لا يأتي بلا قربان
:
ولقد قدم ناشطو ربيع دمشق هذا
القربان الجسدي والمعنوي ،
وبذلوا كل ما لديهم ، وتعرضوا
للاضطهاد ودخل بعضهم السجون
وابتلعهم عالم الظلمة والتعسف
والظلم ، وقد حان الوقت لكي
ينبثق الربيع ويخرجوا للضوء
والحياة لتتجدد بروحهم الرائعة
زهور الحرية
.
أردوك قتيلاً
نثروا دمك القاني
فوق حقولك
بأوامر يصدرها الجاني
دفنوك و ظنوا أنك تفنى
فرجعت جميلاً
على شكل شقائق وحواري
تتمايل راقصةً تتغنى
خافوا وجهك أن يصبح قنديلاً
سحلوه
فوق براري
منعوا عن بذرتك الماء
منعوا عنها حبات المطر
وعبق الصبح
أن يهطل
أن يتندى
فسقاك الدمع الجاري
وبقيت روحك
مخصبة تحيى
التهموا الحاضر والماضي
سرقوا
نهبوا
شوهوا ما تبقى
سافرت بعيداً وطويلاً
لكنك ... عدت
عدت إلينا
بمنظرك الزاهي
شوقاً عشقاً
عدت إلينا كصوت الناي
يتمايل
أحلى
أطهر أنقى
يا روح ربيع تشقى
يا دمه المسفوح القاني
بالماء
وبالدمع
وبالعرق الجاري
ستحيى
وسترجع
للغوطة والفردوس
وللفيحاء
وتلقى
أصحابك أحبابك
سترجع
يا ربيع
مهاما طال الزمن وأبقى
سترجع
يا ربيع
إلى مدينتك دمشق
أبها
أقوى
أرقى
.
أستغفر الله العلي العظيم لي ولكم
, فيا فوز المستغفرين , الكاظمين
الغيظ ، العافين عن الناس , وبشر
الصابرين .. والسلام .
كلنا
شركاء ـ 3/4/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|