الحملة
الإنسانية من أجل المفقودين في
وطنهم سورية
المفقودون
وسياسة
التدمير الاجتماعي
ماذا
يخلف الغائب المعلق بين اليأس
والرجاء في نفوس أهليه، وفي
بيئته المجتمعية؟!
ما
هي المشاعر التي تعكسها
المحاولات الدؤوب لطرق كل
الأبواب، لتلقي خبر أو إشارة،
ثم لا تلقى إلا الإعراض
والصدود؟!
أي
سيرورة للعيش تكون لأبيه وأمه
وزوجه وأولاده، وهؤلاء جزء
بنيوي من المجتمع، يناط (بولي
الأمر) حمايته وكفايته؟!
كل
كتب الفقه الإسلامي التي تحدثت
عن أحكام المفقود تصورته
مجاهداً أو تاجراً انقطعت
أخباره في دار حرب، أو مسافراً
يضرب في الأرض، أو يركب متن
البحر، أو ضحية من ضحايا حريق أو
هدم أو غرق.
وكل
المجاميع الفقهية، قدرت ما
ينبني على بقاء مصير الإنسان
معلقاً في حالة من العماء، بين
الموت والحياة، فأناطت (بولي
الأمر) أن يوظف من يبحث عنه،
ويتقصى أخباره، ويأتي عنه بخبر
يقين. قرر الفقهاء أنه إذا عجز
أولياء المفقود الأدنون عن
الإنفاق على هؤلاء السعاة للبحث
عنه، أنفق عليهم ولي الأمر من
بيت المال، لما يترتب على جهالة
مصير فرد من المجتمع من المفاسد
الخاصة والعامة في أهله وماله
وعشيرته.
ولكن
أحداً من الفقهاء لم يتصور أن
يقوم (ولي الأمر) بحجب مصير أحد
مواطنيه عن ذويه، مهما كانت
جريرة هذا المواطن وجنايته، لأن
الإقدام على هذه الفعلة هو في
نظر الفقهاء كما في نظر أصحاب
الشرائع تدمير للذات، يقدم فيها
من تسنم ذروة السلطة لحماية
المجتمع وكفايته، على تدمير هذا
المجتمع وتمزيقه. وجعل شريحة من
أبنائه تعيش حالة قلق وتشتت
وضياع وترقب، فما بالنا عندما
تشمل هذه الشريحة عشرات الآلاف
من المواطنين؟!
سياسات
التدمير والتشفي والانتقام لا
تنبت إلا الكراهية والحقد
والتربص، وهذا وذاك سداة ولُحمة
لنسيج الفصام والتفتت وفتح
الثغرات في البنيان.
إن
الكشف عن مصير المفقودين في
قطرنا العربي السوري، ومواساة
الجراح بالمعروف، هو العتبة
الحقيقية لتجاوز حالة الفصام
المجتمعي التي خلفتها ظروف
المحنة والفتنة، وآن الأوان
لمجتمع الغد المفتوح على الوئام
والحب أن يتجاوز تلك الظروف.
|