بسم
الله الرحمن الرحيم
جماعة
الإخوان المسلمين في سورية
مجلس
الشورى
بيان
صادر عن مجلس الشورى
لجماعة
الإخوان المسلمين في سورية
في
ختام دورته العادية الثانية
يا
أبناء شعبنا الأبيّ في سورية
الحبيبة.. يا أبناء أمتنا
العربية والإسلامية..
لقد
هبّت رياح الحرية والديمقراطية
على أكثر بلدان العالم، إلاّ
أنها كانت تختنق عندما تصل
حدودَ بلدنا الحبيب، حيث ما
يزال الاستبدادُ هو الصفةَ
الملازمةَ لنظامٍ ينتهك حقوق
الإنسان، ويحتفظ بالسجناء
السياسيين لسنواتٍ طويلة، حتى
بعد انتهاء مدد أحكامهم الجائرة
أصلاً، ثم يطلق سراح أعدادٍ
منهم، ليمنّ عليهم، ويعدّ ذلك
انفتاحاً وانفراجاً.. لقد حوّل
النظامُ الوطنَ إلى قوةٍ طاردةٍ
لأبنائه، بعد ما كان واحتَهم
الآمنةَ التي ينعمون في ظلالها،
فأصابهم ضنكُ الحياة، وعزّت
لقمةُ العيش، واختنقت نسمةُ
الحرية..
إنّ
تقارير منظمات حقوق الإنسان،
تؤكّد استمرارَ نهج الاعتقال
السياسي، وحالات الموت تحت
التعذيب في السجون السورية، حتى
بعد أن وقّعت سورية مؤخّراً على
المعاهدة الدولية لمناهضة
التعذيب.. وكذلك استمرارَ
معاناة المهجّرين من أبناء
الوطن الشرفاء، وآلامِ ذوي
المفقودين في السجون
والمعتقلات..
لقد
استعرض مجلس الشورى الأوضاع
الداخلية في سورية، والأحداث
المؤسفة التي وقعت في مدينة
القامشلي وبعض المدن السورية،
نتيجة الاحتقان الداخليّ،
والظلم الواقع على إخوتنا
الأكراد، والأساليب القمعية
العنيفة التي ما تزال السلطة
تواجه بها أيّ تحرّكٍ سياسيّ،
وكلّ مدافعٍ عن حقوق الإنسان..
وإنّ
المجلس إذ يحيّي مواقفَ
المعارضة الوطنية الشريفة،
بكلّ أطيافها، داخلَ الوطن
وخارجَه، ليؤكّدُ من جديد: أنّ
الجماعةَ التي وضعت يدها بيد
الأطراف الوطنية في مؤتمر
الميثاق الوطني الأول، قبل
عامين، ما تزالُ تمدّ يدها إلى
كلّ المواطنين الشرفاء، وإلى
أطياف المعارضات الأخرى، للعمل
معاً، ومن خلال الحوار
الإيجابيّ البنّاء، على توسيع
دائرة العمل المشترك، في إطار
المصلحة الوطنية العليا، على
طريق الحرية والديمقراطية
والإصلاح، ورفع الظلم
والمعاناة عن أبناء شعبنا
المنكوب، فحرية المواطن ليست
هبةً يمنّ بها الحكام
المتسلّطون، إنما هي حقه
الفطريّ والطبيعيّ، وهي الراحة
الكبرى التي لا تُنالُ إلاّ على
جسرٍ من التعب والتضحيات.. في
مواجهة الاستبداد والتسلّط
والقمع، ومكافحة ركام الفساد
المستشري على كافة الأصعدة
الإدارية والاقتصادية
والسياسية والأمنية
والاجتماعية..
يا
أبناء شعبنا الأبيّ: إنّ مجلس
الشورى وهو ينظر بقلقٍ بالغ،
إلى الأوضاع السورية المتردّية
في كافة المجالات، في ظلّ ما
يحيط بالأمة والوطن من أخطارٍ
وتحدّيات، ليؤكّد المنهجَ
الوسطيّ المعتدل لجماعة
الإخوان المسلمين، وارتفاعَها
إلى قمة المسئولية الوطنية
والقومية، برفضها الاستقواء
على الوطن بالأجنبيّ، ودعوتَها
إلى المصالحة الوطنية، وتعزيزِ
الجبهة الداخلية، لمواجهة هذه
الأخطار والتحدّيات، رغمَ كلّ
ما أصاب أبناءها من ظلمٍ
وتشريدٍ وحرمان..
لكنّ
السلطة الحاكمة ما تزال تُديرُ
ظهرَها لهذا الخطاب الوطنيّ
الصادق، الذي تميّزت به كلّ
فصائل المعارضة الوطنية، والذي
تفرضه مقتضيات العقيدة
والقومية والوطنية.. وراحت
تبحثُ عن مخرجٍ لأزمتها، في
التخويفِ من البديل الإسلاميّ،
والتحريضِ على أبناء الوطن
المعارضين، والتعاونِ الأمنيّ
مع الولايات المتحدة
الأمريكية، وإعطاءِ الدروس
المزعومة في فنون مكافحة
الإرهاب، والارتماء على
التفاوض مع العدو الصهيونيّ
بدون قيدٍ ولا شرط..
إنّ
مجلس الشورى، إذ يحذّر من
العواقب الوخيمة لاستمرار هذه
السياسات بحق الوطن والأمة،
ليدعو إلى الاستفادة من درس
العراق القريب، ويؤكّد أن القوة
الحقيقية لأيّ نظام، إنما تكمن
في الانفتاح على قوى الشعب
الحية، وتلاحمه معها، في أجواءٍ
من الحرية والمشاركة الحقيقية،
وأنّ سياسات التسلّط والقمع
والإكراه، لا تُنتِجُ إلاّ
المزيدَ من الاحتقان والعنف
والتشرذم والانقسام، والخضوعَ
للضغوط الخارجية والاستسلام..
إنّ
الإفراجَ مؤخّراً عن بعض
المعتقلين السياسيين، بعد أن
قضَوا في السجون أكثر من عشرين
عاماً، وكذلك إشادة بعض
المسئولين بإيجابية مواقف
الجماعة، والاعتراف بالظلم
الواقع على أبنائها.. وإن كان
يُعَدّ مؤشّراً إيجابياً في
الاتجاه الصحيح، إلاّ أنه لا
بدّ أن يقترنَ بخطواتٍ عملية،
لإزالة الظلم، وردّ المظالم،
ومعالجة كافة الملفات المتعلقة
بها..
كما
أنّ تسريب أنباءٍ لا صحة لها، عن
اتصالاتٍ مزعومةٍ مع قيادة
الجماعة، للعودة إلى البلاد،
والمشاركة في الحياة السياسية..
كلّ ذلك لا يمكن أن يخفيَ حالةَ
الاحتقان السياسي في البلاد،
وحقيقةَ الأوضاع الإنسانية
المأساوية، نتيجةَ استمرار
سياسة الاعتقالات التعسفية، في
ظلّ قانون الطوارئ والأحكام
العرفية، والقوانين والمحاكم
الاستثنائية، إذ لا بدّ –
تمهيداً لأيّ إصلاحٍ حقيقيّ - من
المبادرة إلى إطلاق سراح كلّ
السجناء السياسيين، والكشف عن
مصير المفقودين منهم، ومعالجة
مشكلات المنفيين والمهجّرين،
وإلغاء القانون رقم (49) لعام 1980
الذي يحكم بالإعدام لمجرّد
الانتماء لجماعة الإخوان
المسلمين، والسير بعد ذلك في
طريق الإصلاح العمليّ، الذي
يعيد للمواطن حريته وكرامته
وحقوقه المهدورة، ويرى آثاره في
واقع حياته اليومية، وفق
برنامجٍ واضحٍ مُعلَن، تحقيقاً
للشفافية، وبعثاً للأمل،
وتأكيداً للمصداقية.
لقد
أقرّ مجلس الشورى، المشروعَ
السياسيّ لسورية المستقبل،
الذي يمثّل رؤية جماعة الإخوان
المسلمين لسورية، بلداً لكلّ
أبنائه، تسودُ فيه كلمةُ الحق
والعدل، وتُصانُ فيه حريةُ
المواطن وكرامتُه، وتتحقّقُ
فيه الوحدةُ الوطنية، ويُنبَذُ
فيه التعصّبُ الطائفيّ،
وتتكافأ فيه الفرص، ويتساوى
الجميعُ أمامَ القانون،
يتنافسون لما فيه خير الوطن،
محتكمين إلى صناديق الاقتراع
الحرّ النزيه، بعيداً عن
استبداد السلطة، وتغوّلها على
الدولة والمجتمع.. بلداً يأخذ
فيه التيار الإسلاميّ إلى جانب
التيارات الوطنية الأخرى،
دورَه الفاعلَ في بناء الوطن
والدفاع عنه والمشاركة في صنع
قراراته.. بلداً يحملُ مشروعَ
النهضة العربيةّ الإسلاميّة،
منطلقاً من آفاق الوحدة الوطنية
إلى آفاق التضامن العربي
والتكامل الإسلامي..
إن
مجلس الشورى وهو يتطلّع إلى
بزوغ شمس الحرية في ربوع بلدنا
الحبيب، ليحيّي المقاومةَ
الفلسطينيةَ الباسلةَ بكلّ
فصائلها، ويعلنُ تضامنَه مع
الأسرى الفلسطينيين وصيامِهم
عن الطعام في سجون الاحتلال،
ويخصّ بالتحية والإكبار
الأمهاتِ الفلسطينيات اللواتي
يُقدّمنَ فلذاتِ أكبادهنّ في
أروع ملحمةٍ جهاديةٍ اخترقت
جدران العجز العربيّ وفجّرت
طاقات الإبداع في المقاومة.
كما
يقرّر المجلس إدانةَ الخلط
المشبوه بين المقاومة المشروعة
للاحتلال، وبين الإرهاب الذي
يستهدف الأبرياء، في بلاد الغرب
أو في بلاد العرب والمسلمين،
ويستنكر استهداف الأبرياء،
وبخاصةٍ في أرض الحرمين
الشريفين، كما يستنكرُ
محاولاتِ تشويه صورة الإسلام،
ومحاربته تحت ذريعة محاربة
الإرهاب، وكلّ أشكال الاحتلال
لبلاد العرب والمسلمين، وجرائم
القصف والتدمير التي يرتكبها في
الفلوجة والنجف وغيرها على
أرض العراق الشقيق، ويحيّي
المقاومة الباسلة للاحتلال في
العراق وفي كل مكان.
وينظر
مجلس الشورى بقلقٍ بالغ، إلى
محاولات التدخّل الأجنبيّ في
السودان الشقيق، الذي يتعرّض
أمنه القوميّ ووحدةُ أراضيه،
إلى مؤامرةٍ دولية، تهدف إلى
التحكّم بمنابع النيل، ووضعِ
واديه بمصره وسودانه، تحت رحمة
المشروع الأمريكي الصهيوني،
الذي يسعى إلى الهيمنة على
العالم كله.
ورأى
المجلس في مشروع الشرق الأوسط
الكبير، والمشاريع الأخرى
المختبئة خلفَ شعارات الإصلاح،
محاولةً مكشوفةً للدخول على
أمتنا، واقتحام الأبواب عليها،
لاستلاب هويتها وخصوصيتها،
بدعاوى الديمقراطية والإصلاح،
مستغلاً حالةَ الظلم
والاستبداد والفساد التي تعاني
منها شعوبُ أمتنا العربية
والإسلامية.
ووجّه
المجلس التحية، إلى وسائل
الإعلام العربية المقروءة
والمسموعة والمرئية، التي كان
لها دورٌ هامّ في فضح جرائم
الاحتلال والاستبداد، مما عرّض
بعضَها إلى الحجب أو الإغلاق أو
التضييق، في محاولةٍ للتغطية
على هذه الجرائم والممارسات.
وفي
الختام: فإنّ مجلس شورى جماعة
الإخوان المسلمين في سورية،
يُهيبُ بأبناء الأمة جميعاً –
حكاماً محكومين – لاستشعار
مسئولياتهم التاريخية، في هذه
المرحلة الدقيقة، ويدعو إلى
تجاوز كلّ الخلافات الداخلية
والبينية، والوقوف صفاً واحداً
مرصوصاً، في مواجهة الأخطار
والتحدّيات. "وقل اعملوا،
فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون.."
والله
أكبر ولله الحمد
لندن
في 9 من رجب 1425 الموافق 25 من آب 2004
مجلس
الشورى
لجماعة
الإخوان المسلمين في سورية
|