ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 19/10/2004


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العولمة الأمريكية ضد الدولة العراقية

تقديم وتعليق : باقِر الصرَّاف

كيف رأى بعض الغربيين المحايدين العدوان الأمريكي على العراق ؟   

لكن ما هي أساس الرؤية الأمريكية تجاه العالم بشكل عام ، والعراق بشكل خاص ؟ وما هي الآليات المتبعة لشن العدوان ؟ .

نرى إنهما يتعلقان بالبعد الأيديولوجي ، الصليبي الصهيوني الذي صاغ رؤيته المحافظون الجدد ، والشركات الاِقتصادية التي لخططها ومصالحها الأولوية في التفكير القيادي الأمريكي الذي يتجسد في الإِِدارة الأمريكية وهي عماد الرؤية التي سطرنا تفاصيلها أعلاه . في الرؤية التالية سنمضي فيها على الطريق السابق من خلال اِستحضار الرؤية التي اِستعرضها : أعدّها وقدّمها السـيد إبراهيم درويش في صحيفة ((القدس العربي)) الصادرة بالعددين 4549 . و4550 في يومي الخميس والجمعة وبتاريخ 8 / 9 كانون الثاني 2004 عند اِستعراضه لبعض الكتب التي صدرت حول العراق ، والتي تناولت كتاب ((أسلحة الخداع الشامل : اِستخدام الدعاية في الحرب على العراق)) للباحثين : وقد ورد ذلك الاِستعراض تحت العناوين التالية : الحلقة الأولى

واشنطن قامت بحملات اعلانية ربطت الصهيونية بالشيوعية للتأثير علي العالم العربي

شركة علاقات عامة تقاضت اموالا من العائلة الكويتية الحاكمة وقامت بإنشاء المؤتمر الوطني العراقي

إعداد وتقديم: إبراهيم درويش

منذ انهيار نظام صدام حسين ، صدر العديد من الكتب والدراسات ، التي تابعت الحقبة السابقة ، ركز بعضها علي شخصنة النظام الحديث عن فظائعه ، واكتفي البعض بالبحث في فكرة العراق منذ ان انشئ في اعقاب انهيار الدولة العثمانية ، واثناء الاحتلال البريطاني ، فيما دخل البعض في بوتقة الذاكرة واراد استعادة ذاكرة البطش والخوف اثناء نظام صدام حسين ، وفي هذه المذكرات او الاستعادات تم التركيز علي صورة وشخصية نائب الرئيس الذي اصبح فيما بعد الرئيس العراقي .

وهذه المذكرات كتبها ضحايا للنظام او شهود عن الحياة في بغداد في السبعينات من القرن الماضي . وفي نفس السياق صدرت كتابات لشخصيات من داخل النظام السابق تركت النظام وعاشت في المنفي ، ومحاولات كهذه تعتبر شهادات داخلية ، بعضها اراد تصفية الحساب مع النظام السابق والبعض الآخر اكتفي بتقديم رؤية متوازنة عنه كما في حالة جواد هاشم ، الذي قدم رؤية محايدة نوعا ما عن صدام الذي عرفه قبل ان يصبح رئيسا وعندما كان الهاشم وزيرا في حكومة احمد حسن البكر . في داخل الكتابة عن النظام السابق هناك ايضا كتابة عن فكرة البعث ، الصعود والانهيار . وكتابه عن فكرة الحرب ودواعي الغزو وهي كثيرة ، ووردت في الغالب في سياق الكتب الصادرة باللغة الانكليزية . ونحن هنا في هذا العرض لا نريد الدخول في حلبة التصنيف والفرز ، فقطعا هناك كتب كثيرة ستصدر لرواية تاريخ العراق اثناء حكم صدام ، وبسقوطه واعتقاله اصبح الباب مفتوحا للجميع لقول حكايتهم ووضع النقاط علي الحروف وسيمضي وقت طويل قبل ان تبرز رواية تاريخية مجمع عليها من كل الاطراف او رواية شبه رسمية متعارف عليها . سيتم اهدار الكثير من الحبر والعواطف قبل الوصول إلى بوابة هذه الرواية ، ومهمتنا في هذا الطور ليس التعليق علي الروايات التي نريد عرضها او تقديمها وليس تبنيها فهي شهادة ، في حالة الشهادة شخصية تتحدث عن ما شاهدت او تزعم انها كانت شاهدة عليه . لقد ارتأينا ان نبدأ رحلتنا هذه بقراءة سريعة في كتاب هام هو اسلحة الخداع الشامل لمؤلفيه شيلدون رامبتون وجون ستوبر عن دار جيرمي ثاتشر/بنغوين في نيويورك . والكتاب مهم لانه يقرأ إعلام الحرب والطريقة التي قامت بها الإِدارة الامريكية بتمرير حالة الحرب للامريكيين . انها قراءة في مفهوم الدعاية التي اِستخدمتها ادارة بوش في حرب العراق ، وتحليل لعلاقة الاعلام وصناعة الخبر بصناعة الغزو وصناعة الصورة التي تؤثر بالرأي العام ، تستغله وتقوم باستثماره لصالح السياسة الامريكية . الكتاب معني بتعرية لعبة الاكاذيب التي قامت بها المؤسسة الامريكية ، وهي عن خبراء الاتصالات الذين يضعون خبراتهم لتمرير اكاذيب السياسة العامة ، الخارجية منها . وهنا يبدأ الكاتبان قراءتهما لمعركة الدعاية التي خاضتها امريكا لاقناع الرأي العام او خداعه من خلال استعادة وتركيب ((يوم التحرير)) وسقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ، فالحادث الذي لم يحضره الا قلة من العراقيين نقل على شاشات التلفزيون باعتباره الحدث الأهم والذي يشير الى ترحيب العراقيين بالاحتلال الامريكي ، فالكاتبان يقولان هنا ان تحطيم تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وان رحب به العراقيون الا انه لا يعني ان العراقيين قاموا برمي الزهور علي الامريكيين كما تقترح الصور ، هناك قصة اخرى خارج القصة التي اراد الامريكيون ارسالها للامريكيين او الرأي العام الخارجي ، وبدلا من تحليل دلالات هذه الصور ينشغل الكاتبان باعادة تركيب الطريقة التي يتم فيها ادخال واعداد هذه الصور ، لكي توافق السياسة العامة والخارجية الامريكية .وسنعرف ان عملية صناعة الصور والتركيز علي الوجوه واختيار اللقطات تخدم دائما هدف السياسة وتصُّب في صالح السياسة ، فصور ساحة الفردوس ارادت مخاطبة ابن الشارع الامريكي ، وهي نفس الصور التي استقبلت فيها امريكا صور دخول القوات الامريكية الكويت بعد خروج العراقيين منها بعد اجتياحها عام  1990 ، في هذه الصور يقول خبير اتصالات ودعاية وإعلام أن الكويتيين الذين كانوا تحت اِحتلال العراقيين وجدوا وقتا لشراء أعلام امريكية رفعوها امام الجنود الامريكيين الذين دخلوا الكويت ، يعلق خبير الاتصالات قائلا من اين جاءت هذه الاعلام؟ ويجيب قائلا : هذه وظيفتي . في قلب لعبة الدعاية وصناعة الصور والقصص والاكاذيب هناك ما يطلق عليه الكاتبان صـناعة ماركة امريكية أو علامة تجارية امريكية ، وقد بدأت هذه العملية مباشرة بعد هجمات أيلول (سبتمبر) ، حيث اكتشف الامريكيون ان قضيتهم في العالم مجهولة او هكذا ظنوا . ورأت امريكا والحالة هذه حاجة بتوصيل رسالتها الي العالم . وهنا بدأت امريكا حملة صارت تعرف باسم الدبلوماسية العامة ، حيث صدر قانون 2002 نشر الحرية والذي دعا وزارة الخارجية الى جعل الدبلوماسـية العامة جزءا هاما من التخطيط للسياسة الخارجية ، واقتضي القانون انشاء نظاما متعدد للاعلام المسموع والمرئي وعبر الانترنت . واضافة الي تدريب الصحافيين من الدول الاجنبية والتأكيد علي التبادل الثقافي فقد رصد القانون 135 مليون دولار لانشاء واعداد برامج تلفزيونية في الشرق الاوسط .

ما يميز هذا الكتاب انه يشير الي الجهات اللاعبة وشركات العلاقات العامة التي لها علاقة بالمؤسسة الامريكية المحافظة. ويقدم لنا الكاتبان خارطة باسماء اللاعبين الرئيسيين في رسم السياسة الدبلوماسية العامة . وفي هذا السياق يقول الكتاب إن أحد اهم المستشارين الذين اعتمدت عليهم ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش في مجال الدبلوماسية العامة كان جاك ليزلي ، مدير عام شركة ويبر شاندويك وورلدوايد التي تعتبر من اكبر الشركات في العالم في مجال العلاقات العامة . واقترح ليزلي استخدام مبدأ كولن باول العسكري القاضي باستخدام القوة العسكرية الضخمة كأداة في مجال الاتصالات والدبلوماسية العامة، ويعني هذا المبدأ انه يجب عدم ترك اي نافذة يمكن من خلالها توصيل رسالة الولايات المتحدة . حيث قال يجب علينا ان لا نوفر أي اسلوب أياً كان يمكن من خلاله توصيل الرسالة الصحيحة للاهداف الصحيحة وبمصداقية . ويضيف ليزلي قائلا : في حالة استخدام هذه السياسة التي تعتمد على القوة الشاملة . . وفي حالة وجود تخطيط جيد وقيادة مركزية ، واذا وظفنا أحسن العقول هنا وفي الخارج فان رسالة امريكا ستصل . وحاولت الادارة الامريكية اثناء حرب افغانستان اِستخدام هذه الدبلوماسية اثناء الحملة على افغانستان ، حيث انشأت مكتبا إعلاميا مركزيا في واشنطن ولندن وإسلام اباد ، فيما حاولت السفارات الامريكية اقناع رؤساء تحرير صحف في جنوب شرق آسيا والشرق الاوسط لنقل رسائل امريكية بهدف مواجهة مشاعر العداء المتصاعد ضد امريكا ، خاصة حملة اشرطة الفيديو الشهيرة التي حاولت امريكا من خلالها تقديم صورة عن التعدد الديني والتسامح تجاه المسلمين الامريكيين ، او رسائل اعلامية تحاول إدانة بن لادن وربطه بالهجمات على امريكا ، كما شملت الجهود نشر قوات للقيام بعمليات سيكولوجية داخل افغانستان ، حيث كانت هذه القوات مستعدة لتوزيع منشورات تعمل على قسم الصف الطالباني وتشجيع القوي المعادية لطالبان هناك. وخلال نفس الفترة اعلنت وزارة الخارجية الامريكية عن تعيين شارلوت بيرز ، كمسؤولة عن حملة الدعاية او الدبلوماسية العامة . وبيرز شخصية معروفة وخارقة في مجال شركات العلاقات العامة وتعرف بكونها ملكة ماديسون افينيو ، وقبل تقاعدها عام 2000 شغلت مناصب ادارة شركات علاقات عامة عملاقة . وستفشل حملة بيرز في مجال الدبلوماسية العامة ، حيث سيعلن لاحقا عن استقالتها من عملها لاسباب صحية ، ولكن بيرز اقترحت مشاريع لشراء ساعات بث اعلامي في التلفزيونات العربية لتوصيل رسالة امريكا ، وواحد من هذه الدعايات كانت ترويج صور نجوم امريكيين مسلمين وتقديم رسائل عاطفية للعالم الاسلامي . وفي مقابلة مع المجلة المعروفة ((ادس ايج)) ، قالت أَنَّ الدبلوماسية العامة هي أمضي سلاح للتصدي للارهاب ، وقالت انها تبحث عن مستشارين لمساعدتها في انشاء مجلس الدعاية ، حيث كان يحمل في البداية اسم مجلس دعاية الحرب وهو الاسم الذي اطلق علي حملة مماثلة بعد هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر ، وركز المجلس الذي جمع بين عدد من المؤسسات والشركات الاعلامية على الرأي العام الامريكي ، حيث لعب على فكرة حب الوطن ، والتطوع للحرس الوطني ، كما اعاد انتاج رموز معروفة للامريكيين مثل سموكي الدب ، ولكن اعادة الانتاج ترافقت مع تقديم عبارات تلعب على فكرة الوطنية . ولم يقم المجلس بدور ذي بال في المجال الخارجي . فقد ترك الامر لراديو ((صوت امريكا)) الذي زاد من ساعات بثه في اللغات العربية والفارسية، والبشتو والاوردو. ولكن راديو ((صوت امريكا)) وجد صعوبة للوصول الى قطاعات شابة في العالم العربي ، ولهذا تم اختراع راديو سوا .    يقول الكاتبان ان تسويق امريكا وعرضها كماركة تجارية حتى في الدول التي تكرهنا لم تجد اعتراضا من بوش ، فقد اِعتقد هو ومساعدوه ان ايصال رسالة امريكا لهذه الدول ممكنة . ولكن تجارب امريكا في الماضي والحاضر ، اثبتت عكس هذا ، لان تسويق فكرة الحرية وربطها بامريكا ، كما حاولت بيرز ، كانت تتنـــاقض مع ميل امريكا للحديث بدلا من الانصات للآخرين ، ودعم امريكا المعروف للدول التي لا تحترم حقوق الانسان والحرية.

تاريخ الدعاية الامريكية في الشرق الاوسط

يستعرض الكاتبان محاولات امريكا التأثير على الرأي العام في العالم العربي ، حيث تعود هذه الفكرة الي فترة هاري ترومان ودوايت ايزنهاور ، في الوقت الذي كانت فيه امريكا تحاول ضم المنطقة العربية في الحلف المعادي للشيوعية . وفي الوقت الذي عبرت فيه امريكا عن قلقها علي منابع النفط العربي ، فقد كانت مهتمة بشكل آخر ، بصعود الحركات القومية العربية ، خاصة الناصرية . ويشير الكاتبان إلى الكتاب الالكتروني الذي اعده أرشيف الامن القومي الامريكي ، الذي يظل منظمة غير ربحية ، وهو الكتاب الذي تم فيه الحديث عن محاولات الادارة الامريكية التأثير على الرأي العام العربي منذ الخمسينيات من القرن الماضي . ويشير الكتاب الذي حررته جويس باتل ، الى الوسائل التي رأت امريكا انها مهمة للتأثير علي الرأي العام العربي ، الكتب والافلام ، الملصقات ، المجلات والمدارس والمكتبات العامة ، والعلاقات الشخصية . ويقول تقرير كتب عام 1952 ان مشاريع المساعدة يجب ان تحقق الهدف النفسي المنشود . وقامت امريكا بدعم مباشر لمجلات في العراق وايران زرعت فيها قصصا معادية للاتحاد السوفييتي ، وفي ايران قامت السفارة الامريكية بدعم حملة توزيع كتب ، فلسفية وروايات وغيرها تحمل اسم الناشر بحيث تبعد أي شبهة عن علاقة السفارة الامريكية بها . وتم الاتصال مع والت ديزني لانتاج افلام تدعم الديمقراطية . وفي السفارة الامريكية في العراق ، قام موظفو السفارة برسم كاريكاتير يصور دباً احمر ، والسفارة نفسها قامت برسم صورة خنزير احمر يحمل المطرقة والشاكوش . وفي بعض الحالات فإِن رسالة امريكا تعارضت مع وضع دول حليفة لها ، ففي السعودية ، أرادت السفارة نشر مواد معادية لروسيا في الوقت الذي تدعو فيه للديمقراطية دون النظر ان السعودية كملكية مطلقة . وفي بعض الاحيان حاولت السفارات الامريكية إستثمار المشاعر المعادية لاسرائيل لدعم حملتها المعادية للاتحاد السوفييتي ، ففي المدارس العراقية ، دعمت الولايات المتحدة حملة تربط بين الصهيونية والشيوعية .    ويتحدث الكاتبان عن الطريقة التي تم فيها إِستبدال الخطر الشيوعي بالخطر الايراني بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران . حيث حولت امريكا إستراتيجيتها نحو العراق وسلحت الرئيس العراقي صدام حسين باعتباره الحليف ضد الخطر الايراني . ويقول الكاتبان ان الكثير كتب عن العراق منذ عام 1992 إلا ان شيئا لم يذكر عن علاقة الادارة الامريكية بالنظام العراقي في الثمانينات . وفي تقرير نشرته صحيفة امريكية ، فقد رأت امريكا بصدام حسين ، سياجا ضد انتشار التهديد الشيعي الايراني وحزاما للحفاظ على الدول المؤيدة لامريكا في المنطقة ، والتي قد تنهار حسب نـظرية الدومينو ، وهذه المخاوف كانت كفيلة بتحويل النظام العراقي الى حليف استراتيجي لأمريكا ، فالدبلوماسيون الامريكيون في بغداد كانوا دائما يشيرون الى العراقيين باعتبارهم الرجال الاخيار ، وتواصل الدعم الامريكي للعراق حتي بعد ان كتب محلل لوزير الخارجية الامريكي جورج شولتز ان العراقيين يعتمدون كثيرا علي الاسلحة البيولوجية والكيماوية التي جاء معظمها من امريكا .     طبعا شجبت الادارة الامريكية في عهد ريغان هذا الاستخدام بلاغيا لكنها لم تقم بإتخاذ اجراءات عملية . بل ان الإدارة الامريكية حاولت منع تمرير قانون لفرض العقوبات على العراق بتهمة استخدام أسلحة ابادة ضد سكان حلبجة ، بل قبل اجتياح العراق للكويت في عام 1989 قامت ادارة جورج بوش الاب ، بتعبيد الطريق امام مشروع مساعدة جديد للعراق وصلت قيمته إلى مليار دولار امريكي .

يلاحظ الكاتبان ان مأساة حلبجة ظلت مخفية عن الاعلام الرسمي الامريكي ، حتي بداية التحضير للغزو الامريكي الجديد ، حيث بدأ حضورها واضحا في تعداد جرائم النظام السابق . يذكر الكاتبان جزءاً من تاريخ الدعاية الامريكية في العالم العربي لتذكير الذين لا يتذكرون ان التاريخ يعيد نفسه ، ويقولان : ان امريكا لا تتعلم من دروسها ، فبدلا من تغيير الطريقة التي تتعامل فيها أمريكا مع الشرق الاوسط وسكانه ، فانها لا تزال تحلم بالسيطرة عليه عبر مجموعة من الصور ، والتقارير التي طبخت أما في هوليوود أو في ماديسون افينيو. وفي هذا السياق يقدم الكاتبان تحليلا لجهود تحسين صورة امريكا في العالم العربي التي قادتها شارلوت بيرز ، حيث اتبعت نصيحة شركات العلاقات العامة في محاولة للتأثير علي الرأي العام ، عبر حملات اذاعية وتلفزيونية . ولكن مهمة بيرز تعقدت بسبب اثار الحملة علي افغانستان وتراجع صورة امريكا في العالم الاسلامي لادني درجاتها . ويبدو ان كل جهودها لتسـويق امريكا في العالم الاسلامي وفتح ابواب الحوار من خلال الانترنت مع المسلمين باءت بالفشل ، فحرب افغانستان حولت اسامة بن لادن ، زعيم القاعدة الى بطل شعبي .

ويرى الكاتبان ان مصير الحملة الاعلانية هذا لقي مصير حملات اخرى ، وجاء رحيل بيرز ليعلن نهاية لتاريخها الطويل في العمل الاعلاني والعلاقات العامة . وكعادتها ركزت مجلات وصحف الدعاية على الفشل أو المهمة التي انتهت بالسقوط السريع  . ولكن الكاتبين يقولان هنا ان العدل لبيرز يقتضينا القول انها اتبعت ما اشار به رجال العلاقات العامة . والمشكلة كما يقولون ليس في الاستراتيجية التي اتبعتها بيرز لتسويق امريكا ولكن بالبضاعة نفسها ، فامريكا خسرت المعركة في العالم الاسلامي منذ زمن طويل والشارع العربي اصبح عصيا على الاقناع ، نظرا للسياسة الخارجية والممارسة الامريكية التي دائما تدعم الجلاد وتعينه على الضحية . فامريكا قد تعتمد على اكبر رمز في العالم الاسلامي لتسويقها الا انه لن يفعل شيئا لصورتها، فالعلامة التجارية التي تريد تسويقها لا تتفق مع ممارسات امريكا وسياستها .

تسويق الحرب علي العراق

يقول الكاتبان : إنَّ إدارة الرئيس بوش اختارت ايلول (سبتمبر) عام 2002 لكي تقوم بحملة ضغط كبيرة داخل الكونغرس لتسويق حربها على العراق ، وبدأت الجهود بعد يوم واحد من عيد العمال ، وقامت الادارة بجهود كبيرة لبدء التحضيرات للحرب علي العراق ، فقد تم توجيه دعوة لقادة الكونغرس لحضور جلسات إِستماع خاصة لكل من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ، ووزير الخارجية كولن باول ، ومدير المخابرات المركزية ، جورج تينت ، كما حاول مساعدو بوش استكشاف احسن مكان لكي يعلن فيه بداية فك الملف العراقي ، ولم يجدوا احسن من جزيرة ايليس ، حيث كان تمثال الحرية وراء بوش وهو يلقي كلمته ، وبعد يوم واحد ظهر بوش امام الامم المتحدة ، حيث خاطب الجمعية العامة في 11 ايلول ، لم يكن عبثا او مصادفة ان تبدأ عملية دحرجة كرة الثلج العراقية مع احياء الذكرى الاولي لهجمات القاعدة علي امريكا . ومع هذه الجهود نشرت صحيفة ((واشنطن بوست)) تقريرا قالت فيه : إِنَّ إدارة بوش اعلنت عن انشاء مكتب للاتصالات الدولية وذلك لتنسيق رسالة البيت الابيض وتسويق صورة امريكا في الخارج ، ونشرت في نفس الوقت صحيفة ((التايمز)) البريطانية تقريرا قالت فيه ان امريكا تخطط لانفاق 200 مليون دولار على حملة اعلامية واسعة ضد صدام حسين ، وتستهدف كذلك الرأي العام العربي المتشكك بالنوايا الامريكية . ونشرت مجلة متخصصة بالعلاقات العامة تقريرا قـــالت فيه : ان وزير الدفاع رامسفيلد إعتمد على جماعات إتصال استراتيجية في حزام جماعات الضغط ، وذلك لتمرير رسالة امريكا ضد النظام العراقي . كما تم إِعداد فريق من الشبان العاملين في البيت الابيض الذين كانوا يلتقون يوميا من اجل التخطيط للعملية الاعلامية والهجوم على الاعلام ، ويذكر الباحثان هنا اهم اللاعبين في الحملة الإعلامية لاقناع الرأي العام بخطر العراق والتي ضمت كلا من دان بارليت مدير الاتصالات بالبيت الابيض ، ومدير مكتب الاتصالات العالمي ، تاكر ايسكو ، وجون ويلكنسون ، الذي عمل متحدثا رسميا باسم القيادة الوسطي وقائدها الجنرال تومي فرانكس ، ومن اللاعبين الاخرين المتحدثة باسم رامسفيلد فيكتوريا كلارك ، والمتحدث باسم كولن باول ، ريتشارد باوتشر ، ومستشارة ديك تشيني نائب الرئيس ، ماري ماتالين .

ومن بين اهم القضايا التي حاولت جماعات العلاقات العامة غير المباشرة التي اعتمد عليها رامسفيلد هي محاولة إيجاد روابط تدين النظام العراقي وتربطه بالارهاب .ولا ينسي الباحثان الاشارة إلى جماعة السياسة العامة للعراق ، والتي ضمت ممثلين عن معظم المؤسسات الامنية الامريكية ، حيث أرادت المجموعة إعداد ملف دعائي لكي يقوم باستهداف وجس رأي القادة السياسيين في اوروبا والعالم العربي . ويرى الباحثان ان هذا الهجوم الإِعلامي الصارخ علي الجبهات جعل من قضية : هل يجب علينا ضرب العراق ؟ حديث الساعة وغطت على الكثير من القضايا الملحة والعاجلة ، مثل الحرب على الارهاب ومصير بن لادن ، وكيف نعاقب مجرمي الشركات الامريكية العملاقة ، وماذا عن الاِقتصاد . فقد استطاعت ادارة بوش حرف انظار الرأي العام الامريكي والمعارضة الديمقراطية تحديدا عن الكثير من القضايا العاجلة والمحلية وقصر الحديث فقط علي الملف العراقي . ولكن هذه الحملة الاعلامية لفتح النقاش عن العراق لم تكن وليدة اللحظة فجذور الهجوم الاعلامي الصارخ هذا بدأ في الحقيقة ، بعد نهاية حرب الخليج. وتعود هذه الجذور إلى حملة تهيئة ما يعرف في دوائر المحافظين الجدد جورج واشنطن العراق والمقصود هنا ، احمد الجلبي ، فبعد فترة قصيرة من نهاية حرب الخليج عام 1991 وقع الرئيس الامريكي جورج بوش الاب ، قرارا يقضي بالاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ، وصادق على عملية سرية للمخابرات الامريكية للاطاحة بصدام ، وبدورها قامت المخابرات الامريكية باستئجار خبير علاقات عامة جون ريندون ، والذي كان يعمل في السابق خبيرا للحملات الانتخابية لعدد من الديمقراطيين ، وشركة العلاقات العامة التي يرأسها مجموعة ريندون متخصصة بمساعدة ودعم العمليات العسكرية الامريكية في الارجنتين ، وكولومبيا وهاييتي وكوسوفو وبنما وزيمبابوي . وبدأ ريندون العمل في العراق اثناء التحضير لعملية عاصفة الصحراء حيث كان يتلقي مئة الف دولار نيابة عن العائلة الكويتية الحاكمة ، ونجح ريندون باقناع الكويتيين برفع الاعلام الامريكية التي زودهم بها اثناء دخول القوات الامريكية الكويت .    وخلال العام الاول الذي تبع نهاية حرب الخليج ، وتعاقده مع المخابرات الامريكية : سي آي أي انفقت شركة العلاقات العامة مبلغ 23 مليون دولار، على انتاج اشرطة فيديو ، وكتب ساخرة تسخر من صدام حسين ، وإِقامة معارض متنقلة تصور جرائم النظام العراقي ، وبرنامجين اذاعيين يقدمان رسائل ساخرة من الكويتيين والتي تسخر من النظام العراقي وتدعو الضباط العراقيين للخروج على النظام . ولكن اهم انجاز لشركة ريندون انها قامت بتأسيس المؤتمر الوطني العراقي عام 1992 ، وهي المجموعة التي تعتبر اول محاولة لتنظيم المعارضة العراقية وضم صفوفها ، وحسب تقرير امريكي فقد اقترح ريندون اسم المظلة المعارضة وقام بتمرير 12 مليون دولار لها هي جزء من العملية السرية للمخابرات في الفترة ما بين 1992 و1996. وجمع المؤتمر الوطني العراقي ، عددا من المنظمات الكردية والاسلاميين والليبراليين ،

وفي تشرين الاول (اكتوبر) 1992 تم اختيار احمد الجلبي ، احد اصدقاء واعوان ريندون رئيسا له .

ويشير الكاتبان هنا إلى تاريخ الجلبي المثير للجدل ، ولكن ما يقدمه الكاتبان عن حياة الجلبي معروف وأهم منه علاقاته داخل الادارة الامريكية خاصة الصقور ، مثل ريتشارد بيرل . وتحت قيادة الجلبي حاول المؤتمر انشاء ميليشيا داخل العراق وذلك بهدف الاعلان عن حكومة مؤقتة والقيام بهجمات وحرب عصابات على المدن العراقية . ولكن الجلبي سرعان ما اختلف مع عدد من اعضاء المؤتمر ، ويقول ليث كبة ، الذي كان متحدثا باسم المؤتمر الوطني ، إِنَّ هم الجلبي كان اللوبي في واشنطن بدلا من بناء علاقات مع العراقيين ، وأدت الخلافات إلى تهميش المؤسسة ، وظل الجلبي لسنوات محل شك من المخابرات المركزية الامريكية ، حيث تخلت عن المؤتمر وبدأت بدلا من ذلك بدعم ((حركة الوفاق الوطني)) التي يترأسها اياد علاوي ، ولكن محاولة قلب نظام الحكم انتهت نهاية سيئة عندما قام صدام بإِعتقال عدد من افراد المؤتمر الوطني وجماعة الوفاق الوطني .     وعندها اعتبرت المخابرات الامريكية ان دعم هذا المؤتمر مضيعة للوقت . ومع ذلك ، فقد ظل الجلبي ، ضيفا على دوائر السلطة الامريكية ، واقام علاقات مع المحافظين الجدد والصقور المؤيدين لإسرائيل ، وهؤلاء غالبا ما نظروا اليه : جورج واشنطن ، وكان جلبي يعرف من اين تؤكل الكتف حيث كان يقدم اليهم ما يسرهم من أَنَّ صدام حسين سينهار وأَنه في مراحله الاخيرة ، وأن لدي المؤتمر الوطني العراق تأييدا واسعا في داخل العراق ، وان عملية الانشقاق عن النظام العراقي ستبدأ بعد بداية القصف الامريكي .

أما الحلقة الثانية فجاءت تحت العناوين التالية :

إدارة بوش اِستخدمت لغة مزدوجة فسمّت الاِحتلال ((حرية)) والهيمنة ((دفاعاً)) وقتل الأبرياء ((صدمة وترويعاً))

علاقة العراق بالقاعدة اِكتسبت شرعية بعد تكرار الكذبة . . . والحرب على الإرهاب ذريعة لكل أنواع الحروب

تحت وقائع اِحتلال معلن

حظوظ أحمد الجلبي وجماعته بدأت بالتحسن في عام 1997 وذلك عندما قامت مجموعة من أبرز المحافظين الجدد بالإعلان عن تأسيس ما صار يعرف بـ : ((القرن الأمريكي الجديد)) (بناك) وهو المشروع الذي أخذ يمارس الضغط باِتجاه زيادة النفقات العسكرية واِتخاذ موقف أكثر تشدداً من العراق ، وكان مؤسس بناك ويليامس كريستول ، الذي كان رئيساً مسؤولاً عن مكتب دان كويل ، نائب الرئيس الأمريكي ، ولوزير التعليم السابق ويليام بينيت ، وكلاهما من مشروع القرن الأمريكي الجديد ، ولكن كريستول معروف أكثر من موقعه كمدير تحرير المجلة التي أصبحت ناطقة باِسم المحافظين الجدد ((ويكلي ستاندارد)) وأصبح معظم المشاركين في مشروع القرن الأمريكي الجديد ، من كبار مسؤولي إدارة بوش الإبن ويضم أعضاء هذا المشروع أسماء مثل : اليوم إبرامز (من إدارة رونالد ريغان) ، جيف بوش (شقيق جورج بوش ، حاكم كاليفورنيا) . ديك تشيني (نائب الرئيس الأمريكي الحالي) ، الجنرال المتقاعد وين داونينغ ، وباستر غولسون ، وباريماكفاري (الذي كان مسؤولاً في مكافحة المخدرات في عهد كلينتون) ستيف فوربس (الناشر والمليادير ، والمرشح الجمهوري 1996 ، و2000 وفرانسيس فوكاياما (مؤلف كتاب ((تهاية التاريخ)) والمتحدث باِسم النواب الأمريكيين سابقاً نبوت غينغريتش ، وروبرت كاغان (كاتب خطابات وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولتز ونائب مدير شركة لوكهيد مارتن ، سابقاً ، جين كيركباترك ، مستشارة سابقاً للرئيسين بوش الأب وريغان ، لويس ليبي مدير مكتب تشيني ، ريتشارد بيرل ، أحد مستشاري وزارة الدفاع ، دونالد وزير الدفاع ، ونائبه بول وولفويتز ، ومدير المخابرات الأمريكية السابقة جيمس وولسي ، ومن أبرز المهام التي قام مشروع القرن الأمريكي الجديد عام 1998 هي لقيام بعمليات الضغط لإِقناع الكونغرس بإقرار مشروع قانون ((تحرير العراق)) وهو المشروع الذي جعل في مركز أهدافه ((تغيير النظام)) في العراق . وهو المشروع الذي جعل في مركز أهدافه تغيير النظام في العراق .    وقدم وولفويتز الذي يعتبر من اهم مهندسي الغزو على العراق شهادة في 25 شباط (فبراير) 1998 امام الكونغرس دعا فيها إلى الاطاحة بصدام حسين بدون استخدام القوة العسكرية ونشر القوات الامريكية . ويلاحظ المؤلفان أَنَّ : وولفويتز أراد من هذه الشهادة تطمين الكونغرس أن العملية لن تؤدي إلى انخراط القوات الامريكية او مشاركتها بالحرب على العراق ، ولكن بعد خمسة اعوام من هذه الشهادة ، وبعد عامين من هجمات ايلول (سبتمبر) 2001 ، عاد بول وولفويتز وجماعته من المحافظين الجدد إلى مقعد القيادة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية والتي جعلت في مركز تطلعاتها هي تغيير النظام بالعراق . ويلاحظ ان المجموعة بعد ايام قليلة من الهجمات دعت في رسالة مفتوحة للكونغرس ليس لملاحقة اسامة بن لادن وتنظيمه (القاعدة) ولكن لتوسيع مجال الحرب وضرب العراق وسورية وايران والسلطة الوطنية الفلسطينية. مع هذه الجهود انشغلت الادارة الامريكية بالاعداد لمشروع الحرب الدعائية والاعلامية ، فمجموعة ريندون إِستفادت من الحرب على الارهاب ، وسيلاحظ الكاتبان أَنَّ مفهوم الارهاب والاعلام متداخلان وان كل واحد يصب في مصلحة الآخر ، فالاول ، أي الارهاب يستفيد من الإعلان لتعزيز رسالته السياسية او الايديولوجية أما الطرف الثاني ، وهو الإعلام فيستفيد ماليا .     ومن هنا استفادت ريندون من إعلان الرئيس الامريكي الحرب علي الارهاب الدولي . ولم يتم الكشف عن نشاطات شركة ريندون للعلاقات العامة الا بعد وفاة مصور تلفزيوني استرالي الذي توفي في شمال العراق ، حيث ورد في نعيه في صحيفة استرالية محلية أنه كان موظفا في شركة ريندون وان مدير الشركة ومؤسسها جون ريندون طار إلى استراليا للمشاركة في جنازة الصحافي . وكشف المحقق الصحافي في صحيفة ((نيو يوركر)) بشكل اوسع عن نشاطات الشركة وعلاقتها باحمد الجلبي ، وهو الذي كان يقول للمحافظين الجدد ان استخدام اي شكل من اشكال القوة سيؤدي الي انتفاضة ضد الرئيس العراقي صدام حسين . ويقول الكاتبان إِنَّ بول وولفويتز وريتشارد بيرل اعجبا بالجلبي لانه كان يشاركهما الرأي وفيما يتعلق بخططها بشأن العراق في المستقبل ، خاصة فيما يتعلق بمستقبل النفط العراقي ، فالمؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه الجلبي كان يعتقد أَنَّ حقول النفط والقطاع النفطي يجب أن يدار من خلال مجموعة كبيرة من شركات النفط ، والتي ستضم الشركات الامريكية الكبيرة ، شيفرون تيساكو ، واكسون موبيل ، وبي بي ، اضافة للشركات الفرنسية والروسية . وفي تقرير صحافي اعده روبرت درايفوس ، في كانون الاول (ديسمبر) أشار فيه الي ان ادارة الرئيس بوش كان تفضل المعلومات التي كان يقدمها الجلبي وتنظيمه على المعلومات التي كانت تزودها المخابرات المركزية (سي اي ايه)، مع ان العديد من خبراء الاستخبارات الامريكيين كانوا يشككون بحيوية وصحة المعلومات التي يقدمها الجلبي ووصفوا المعلومات أنها دعائية وهي في الغالب معلومات تحب الإدارة الامريكية سماعها ، ومعظم المعلومات لم تكن تفرق بين الدعاية والمعلومة الخبرية وتستند على روايات اشخاص زعموا انهم انشقوا عن النظام والذين كانوا يرددون ما يطلب منهم المؤتمر الوطني عمله ، وفي الغالب يتم طبخ المعلومات قبل تقديمها .

لجنة غزو العراق

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 اخذ مسؤولو البيت الابيض بالعمل على انشاء مجموعة عمل جديدة اطلقوا عليها ((لجنة تحرير العراق)) ، واعتبرت اللجنة واحدة من لجان الدعاية والاعلام واللوبي التابعة لبناك أو مشروع القرن الامريكي الجديد ، وعملت اللجنة الجديدة بشكل قريب من معهد امريكان انتربرايز ، وهو المعهد المحافظ الذي يعمل العاملون في مشروع القرن الامريكي الجديد من داخل مكاتبه . وقدمت ((لجنة تحرير العراق)) بيانا بدا محايدا فيه الكثير من التعبيرات العمومية والطنانة مثل نشر الديمقراطية في العراق وانشاء حكومة فيه تحترم حقوق الانسان . ولكن ممثلي المجموعة كانوا واضحين في هدفهم وهو التخلص من صدام حسين بعيدا عن اسلحة الدمار الشامل المزعومة ، وقالوا : المشكلة في العراق ليست اسلحة صدام حسين ، ولكن صدام نفسه ، وقدمت اللجنة نفسها علي انها هيئة مستقلة مضيفة انها تريد العمل بشكل وثيق مع الادارة الامريكية ، وقام اعضاء اللجنة بعقد لقاءات مع كبار مسؤولي البيت الابيض ومع كوندوليزا رايس ، مستشارة الرئيس الامريكي ، لشؤون الامن القومي . لم تكن ((لجنة تحرير العراق)) ، اللجنة الوحيدة العاملة من اجل حشد الدعم للاطاحة بنظام صدام حسين ، فقد دعمت وزارة الخارجية مشروعا اخر هو فريق العراق للدبلوماسية العامة وهي الهيئة التي قالت الصحف الامريكية انها تهدف لتدريب عاملين في ((المعارضة العراقية)) ، إعلاميا وتهيئتهم لدعم وجهة نظر بوش في الاعلام الامريكي ، وبحسب تقرير صحافي ، فقد تلقي اعضاء المعارضة العراقية تدريبات حول الظهور الاعلامي المناسب في شبكات التلفزة الامريكية، وكيفية تقديم خطابات او كتابة مقالات في الصحف الامريكية. ولكن الاهم من ذلك ، فقد وضعت الخارجية في افواه هذه المجموعة الكلام الذي يجب ان يرد في كل الفعاليات الاعلامية ، فالرسالة كانت واضحة لهم وهي الديمقراطية ، انتخابات عامة . مع ((لجنة تحرير العراق)) ومجموعة ((العمل الاعلامية المخصصة للمعارضة العراقية))  فقد شارك اعضاء مشروع القرن الامريكي الجديد في كل الحملات الداعية للحرب علي العراق ، بما في ذلك الحملات التي دعتة لها مراكز بحث مثل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ، و معهد واشنطون لدراسات الشرق الادني ، ومعهد هدسون ، ومعهد هوفر ، ومن اهم شركات العلاقات العامة التي ساهمت في دعم نشاطات المحافظين الجدد ، بينادور وشركاؤها وهي مجموعة العلاقات العامة التي تديرها الباحثة اللغوية التي تعود في اصولها للبيرو في امريكا اللاتينية الينا بينادور ، وقامت المجموعة بحجز اوقات للمتعاملين معها او لعملائها وزبائنها في المحطات التلفزيونية الامريكية الكبيرة ، وفي موقع الانترنت التابع للشركة ذكرت بينادور اسماء عديدة لعبت دورا كبيرا في حشد الرأي العام ودعم غزو العراق ، وتضـم هذه الاسماء ، ماكس بوت ، محرر في صحيفة ((وول ستريت جورنال)) ، ارنود ري بورشغريف ، محرر في الصحيفة المحافظة ((واشنطن تايمز)) ، والكسندر هيج : وزير الخارجية الـسابق ، وتشارلس كروثامار ، كاتب اعمدة يكتب في ((واشنطن بوست)) و ((ويكلي ستاندرد)) ، ومايكل ليدين زميل باحث في معهد امريكان انتربرايز ، جوديث ميللر ، مراسلة في صحيفة ((نيويورك تايمز)) ، وريتشارد بيرل .    ولاحظ صحافي بريطاني أنَّ الاهمية التي أُعطيت لهؤلاء المحللين كانت كبيرة جدا مع ان الكليات والجامعات الامريكية فيها اكثر من 1400 باحث وخبير في شؤون الشرق الاوسط ، وقال الصحافي : إِنَّ العاملين في هذه المراكز غالبا ما اضفيت عليهم تعبيرات والقاب كبيرة باحث كبير و باحث دائم وما الي ذلك من الاسماء الفاقعة . ويقول الكاتبان ان بينادور إضافة لخدماتها لعملائها من ناحية حجز الاوقات الاعلامية المناسبة ، ومعظمها في البرامج الاخبارية الرئيسية ، قامت ايضا بتقديم نصائح لهم بالتركيز فقط على غزو العراق ، فبينادور وبيرل وليدن ، وبايبس أعضاء في لجنة الولايات المتحدة لتحرير لبنان ، وهي اللجنة التي تدعو الي استخدام القوة للاطاحة بالانظمة في سورية وايران وليبيا والسودان . كجزء من عمليات تسويق الحرب واللاعبين بها . فقد إهتم الاعلام الامريكي المتأثر بمطالب شركات العلاقات العامة بعودة اعضاء المؤتمر الوطني إلى العراق والطريقة التي انزل فيها احمد الجلبي في الناصرية مع اعضاء من قوات العراق الحر ، وهي الميليشيا التي دربتها البنتاغون ، وقد وصف معلق امريكي عودة هذه القوة قائلا انها لبست ثياب ((قوات التحرير)) التي تريدها، ولا توجد اية تقارير عن مشاركة هذه القوات باي عملية عسكرية ، فيما اشار ايضا الي اشكال العاملين الذين قال ان بعضهم كان يلبس الفاتيك الامريكي وكرشه بارز بشكل كبير . المهم في التغطية الاعلامية انه بعد عودة الجلبي لبغداد وسيطرته على نادي الصيد ، بدأت الشركات الاعلامية بتسويق صورته ، حيث بدأ اسمه ينط هناك وهناك ، واخذت أخبار تتحدث عن قيام اعضاء في نظام صدام السابق باللجوء اليه او الاستسلام ، كما اخذ المستشارون الامريكيون للجلبي يسربون أخبارا عن اعمال قوات العراق الحر والتي تقوم بحراسة المستشفيات ، فيما قال فرانسيس بروك ، مساعد الجلبي ، وموظف سابق في ريندون ان الجلبي قد يستجيب للضغوط الشعبية ويقبل منصب أول رئيس للعراق في مرحلة ما بعد صدام حسين ، مشيراً إلى ان جورج واشنطن [أي أحمد الجلبي] رفض العروض اكثر من مرة .اكذب اكذب يصدقك الناس

كل الحروب قامت على الخداع ، هذا ما قاله المنظر العسكري الصيني سان تسو ، وحرب العراق ليست استثناء ولكن الاختلاف أَنَّ الادارة الامريكية جعلت من الكذب اداة لخداع الجماهير ، وحشد الدعم الاعلامي لها ، وهنا يشير الباحثان الي مكتب التأثير الاعلامي ، وهو المكتب الذي انشأه رامسفيلد في البنتاغون للقيام بزرع معلومات وتقارير اعلامية فيها معلومات خاطئة وتزويد محرري الصحف بتقارير تعكس وجهة النظر الداعية لضرب العراق ، ومع ان رامسفيلد انكر في واحد من مؤتمراته الصحافية وجود هذا المكتب ، إِلا ان رامسفيلد الذي اجبر على اغلاق المكتب عاد واعترف بوجوده اثناء زيارة له في امريكا اللاتينية .

ويعود الكاتبان الي قصة سرقة الجنود العراقيين اثناء اجتياح الكويت لحاضنات الاطفال في مستشفي كويتي ، وهي القصة التي اخترعتها شركة علاقات عامة لاقناع الرأي العام الامريكي لدعم الحرب على العراق عام 1990 . ويقول الكاتبان : إِنَّ القصة التي تبين أن ابنة سفير الكويت في واشنطن لعبت دور الممثل الذي رسمته لها شركة علاقات عامة ، يتذكرها مجتمع العلاقات العامة بنوع من الاحتقار ولكن تأثير القصة لم يتغير على الرأي العام فهناك نسبة لا تزال ترى انها صحيحة مع ان القصة ثبت زيفها . يذكرنا الكاتبان ان القصة كانت من اختراع شركة العلاقات العامة هيل اند نولتنون ، وحصلت الشركة على الاموال التي دعمت حملتها هذه من الحكومة الكويتية في المنفي ، حيث قامت هذه الحكومة بتوقيع عقد مع الشركة بعد ايام قليلة من اجتياح العراق للكويت . وللتغطية على علاقتها مع العائلة الكويتية الحاكمة قامت الشركة الامريكية بإنشاء مجلس مواطنو الكويت الحرة ، وخلال فترة أشهر قامت الحكومة الكويتية بتحويل اكثر من 11 مليون دولار لهذا المجلس . وقامت شركة العلاقات العامة ، بتنظيم مقابلات صحافية للمسؤولين الكويتيين الذين كانوا يزورون امريكا ، كما نظمت احتجاجات ومسيرات مثل اليوم الوطني لتحرير الكويت ، وقامت بتوزيع 200 الف نسخة من تقرير اعد سريعا تحت عنوان (إِغتصاب الكويت) . كل هذه الجهود لم تترك إِلا اثرا محدودا ، ففي اللغة الاعلامية ولغة العلاقات العامة فالاعلام والصحافيون بشكل عام يبحثون عن شماعة يستخدمونها بشكل دائم ، وجاءت هذه الشماعة في جلسة استماع عادية في الكونغرس عن حقوق الانسان ، والتي ظهرت فيها فتاة لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها وقالت وهي دامعة انها شاهدت الجنود العراقيين وهم يسرقون حاضنات الاطفال ويتركونهم بدون عناية ، المتحدثة التي جذبت إهتمام السامعين وغيرت مواقف الكثيرين في امريكا ، تبين فيما بعد انها نيرة بنت سفير الكويت في واشنطن . ويري الكاتبان انه بين الكشف عن كذب القصة الذي أخذ شهورا وبين ظهورها فقد أحدثت ضجة كبيرة ويقول خبير إعلام من بين كل الاتهامات التي وجهت للديكتاتور ، لم تؤثر قصة مثل قصة الجنود العراقيين وهم يأخذون حاضنات الاطفال ويتركونهم ليموتوا علي ارضية المستشفي الباردة . ما يهم ان شركة العلاقات العامة اخترعت كذبة ونجحت بزرعها في عقول الرأي العام ، ولم يعد احد بعد ذلك يلتفت للتحقيقات التي اجرتها منظمات حقوق انسان وصحافيين وجدوا ان القصة لا اساس لها من الصحة    ويقول طبيب كويتي إِنَّ قصة نيرة غير صحيحة لان عدد الحاضنات الموجودة في الكويت كانت قليلة ، وبالتأكيد لم تكن بالمئات كما اشارت نيرة . واضاف الطبيب لا أحد شاهد الجنود العراقيين يقومون بهذه الاعمال والقضية لم تتعد الدعاية الحربية

     يتساءل الكاتبان ان نزوع امريكا لتصوير صدام حسين ونظامه بانه قاتل الاطفال ليست لعبة جديدة وقد استخدمت اثناء الحرب العالمية الثانية ضد الالمان ، ولكن الكاتبين يتساءلان هنا إِنَّ ادلة كثيرة كانت ستساعد الامريكيين لدمغ النظام العراقي بالوحشية بدلا من انتظار شركة علاقات عامة لكي تقوم باختراع القصة ، فاستخدام الغاز السام والاسلحة الكيماوية ضد سكان حلبجة الكردية ، يعتبر دليل ادانة لصدام حسين ، ولكن ادارة بوش كانت ستواجه مشكلة كبيرة ، فالعملية ضد البلدة الكردية حدثت في الفترة التي كان فيها صدام حسين حليف امريكا القوي ضد آيات الله في ايران . ويشير الكاتبان إلى إِنَّ الادارة الامريكية في تلك الفترة والتي كانت المزود الرئيسي للاسلحة الكيماوية للعراق لم تتجاهل القصة فحسب بل طلبت وزارة الخارجية من مسؤوليها تحميل الايرانيين اللوم .        وضمن هذا السياق ، فقد تجنبت ادارة بوش الاب واثناء حشد الدعم الدولي لعملية عاصفة الصحراء أي ذكر لحلبجة ولم يلتفت الصحافيون للقصة كذلك ، ففي اثناء عاصفة الصحراء عام 1991 جرى ذكر البلدة في تقارير اعلامية 27 مرة ، وخلال العقد الذي تلا الحرب لم تذكر الا لماما (16 مرة) ، ولم تذكر اثناء حملة بوش لانتخابات الرئاسة عام 2000 الا عشر مرات ، لكن القصة عادت للظهور وبقوة اثناء عام 2002 عندما بدأت إدارة بوش التحضير فعليا لغزو العراق ، فقد جري ذكر حلبجة 57 مرة في شهر واحد ، وفي اذار (مارس) 2003 وهو الشهر الذي بدأت فيه الحرب جرى ذكر حلبجة (145 مرة). وعن سبب العودة لموضوع حلبجة لإدانة صدام حسين ونظامه يقول الكاتبان انه بعد 15 عاما فذكرى المأساة انمحت من الاذهان ولهذا اصبح من المناسب ذكر القصة دون التورط في لعبة لوم امريكا على الدعم الذي قدمته في السابق لصدام حسين .

تضليل الرأي العام

في لعبة الاكاذيب التي ابتدعتها ادارة بوش ، هناك موضوع تضليل الرأي العام وعدم تقديم معلومات كافية له عن العراق ، واستطلاعات الرأي التي تقدم نتائجها حول المزاج العام من الحرب او التحضيرات لها تستفيد غالبا من جهل الرأي العام بالموضوع ، فمع ان بعض الاستطلاعات تزعم ان المشاركين فيها ، يعرفون عن الموضوع الذي يتحدثون عنه الا ان نظرة قريبة تظهر نوعا من الجهل ، ففي استطلاع أجرته مجموعة ((نايت رايدرز)) العام الماضي بين طلاب جامعات امريكية أظهر ان ثلثي الطلاب يعرفون شيئا عن ملف العراق ، ولكن نظرة قريبة تظهر مستوى عاليا من الجهل ، مثلا نصف الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنَّ واحدا علي الاقل من المهاجمين الذين هاجموا مركز التجارة الدولي والبنتاغون جاء من العراق ، في الحقيقة لم يشارك أي عراقي بالهجمات . ولاحظ الإستطلاع ان الاشخاص الذين يعتبرون انفسهم عارفين بالملف العراقي لم يكونوا داعمين للحرب ، وهنا يقول الباحثان انه لو كانت ادارة بوش صادقة مع الرأي العام الامريكي لما دعم الامريكيون الضربة الوقائية على العراق. من اكبر اكاذيب الحرب التي استندت عليها ادارة بوش لإِدانة صدام حسين ، هي الزعم بامتلاكه أسلحة دمار شامل تهدد امريكا ، وهنا يقول الكاتبان ان العراق امتلك في اثناء حرب الخليج عام 1991 أسلحة دمار شامل لكن كل المفتشين والمسؤولين الذين انشقوا عن النظام العراقي قالوا ان العراق تخلص من هذه الاسلحة . ويسرد الباحثان الجدل حول زعم اسلحة الدمار الشامل واصرار ادارة بوش على استخدام معلومات يشك بصحتها ان لم تكن كاذبة لتبرير الغرو علي العراق . ويقول الكاتبان انه من بين الاشياء المثيرة للسخرية الجدل الذي يقول : إِن تصرف العراق وإعلام صدام ساعدا على خلق انطباع بامتلاك العراق اسلحة دمار شامل ، ويشير الباحثان هنا إلى المسرحي الفرنسي جان انوي القائل :  الدعاية هي اخف سلاح ، احرص عليه في يدك ، فسـيتحرك في كل الاتجاهات مثل الثعبان ، ويقوم بلدغ الطرف الاخر . يسرد الباحثان هنا التقارير التي قدمها حسين كامل صهر صدام ، وتقارير فرق التفتيش عن الاسلحة التابعة للامم المتحدة ، وكل هذه التقارير تشير إلى ان العراق تخلص من اسلحته بعد نهاية حرب الخليج بفترة قصيرة . كل هذه التقارير لم تمنع الرئيس الامريكي جورج بوش من الحديث عن ترسانة من الاسلحة القادرة علي ضرب الولايات المتحدة ، واشار الي احد كبار مهندسي المشروع النووي العراقي الذي لم يذكر اسمه ، ويقول الكاتبان ان المهندس النووي المنشق لم يكن الا خضر حمزة الذي وصفه كامل انه كذاب محترف . ويتساءل الكاتبان بدهشة ان فكرة تهديد العراق لامريكا وهي الاسلحة لم تكن تتناقض مع الموقف المائع الذي ابدته ادارة بوش من الاسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية . لم تتوقف لعبة الاكاذيب عند هذ الحد ، بل تجاوزتها الي الزعم مع بداية الغزو عندما ادعي الامريكيون والكويتيون ان العراق اطلق صواريخ سكود التي لم تتجاوز العشرين ، وهي الصواريخ التي لا تنافس الصواريخ التي اطلقتها امريكا في اليوم الاول من عمليات الصدمة والترويع ، العراق اطلق 20 صاروخ كلها ضاعت في الصحراء او في مياه شط العرب .

ويقول الكاتبان ان الامريكيين والبريطانيين بدأوا الحرب وهم يملكون 3500 صاروخ من نوع توم هاوكس ، مع نهاية الغزو الذي لم يستمر الا ثلاثة اسابيع اطلق الامريكيون 800 صاروخ ، 1400 قنبلة محمولة علي الصواريخ وعددا كبيرا وغير محدد من القنابل العنقودية . في الاطار نفسه ، مارست امريكا نفس لعبة الاكاذيب في محاولة تضليل ودفع الرأي العام الامريكي للاعتقاد ان هناك علاقة قوية وصلة بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي ، فعلى الرغم من ثبوت زيف الادعاء عن لقاء محمد عطا ، قائد المهاجمين مع مسؤول في المخابرات العراقية في براغ ، عاصمة دولة التشيك ، الا ان البحث عن ادلة لربط صدام حسين بالقاعدة تواصل وتواصلت مع تصريحات كبار المسؤولين والمستشارين الامريكيين ، من امثال ويليام سافير الذي اكد في مقال له إِنَّ المسؤولين التشيك لا يزالون متمسكمين بموقفهم عن علاقة عطا بالمسـؤول العراقي مع ان رئيس الدولة نفسـه فاكلاف هافل ، ابلغ بوش انه التقارير كاذبة فيما يتعلق بهذا الموقف . وواصل ديك تشيني ، وكولن باول اللعب والاقتراب على حبل هذه العلاقة . وعلى خلاف القضايا الاخري والاتهامات التي ساقها المسؤولون الامريكيون بشأن العراق ، ففي قضية العلاقة مع القاعدة تمسك المسؤولون خاصة وولفويتز بلعبة مصادره سرية لا يمكن الكشف عنها في الوقت الحالي . قصة العراق والقاعدة وزعم العلاقة بينهما ، اكتسبت شرعية ليس من قوة الادلة ولكن من خلال الاعادة والتكرار.وفي هذا المجال يذكر الباحثان ان العراق ورد اسمه في تقرير وزارة الخارجية الامريكية ، أشكال الارهاب الدولي لانه الدولة الوحيدة في العالم الذي لم يشجب اعتداءات ايلول (سبتمبر) 2001 وردد التقرير علاقة العراق بالجماعات الفلسطينية التي تدعم الانتفاضة . وتقرير وزارة الخارجية الذي يتأثر عادة بعمليات الضغط السياسي وان شجب العراق وإيران وليبيا الا انه تحدث باعجاب عن دور السعودية وموقفها من الحرب علي الارهاب ، ويشير الكاتبان الي ان السعودية جاء منها 15 مهاجما من بين 19 مهاجما ، وهنا يشير الكاتبان الي بعض التقارير التي اشارت لتداخل مصالح العائلة المالكة مع مصالح القاعدة ، وجهود السعودية لتحسين صورتها في امريكا ، حيث اسهمت هيل نولتون ، ومجموعة كيواورفيس وقد تلقت المجموعة مبلغا يزيد عن العشرين مليون دولار للقـيام بحملة علاقات عامة نيابة عن السعودية في امريكا . يري الكاتبان ان الموقف المتصالح على الاقل في المستوي الرسمي ، جاء لتداخل مصالح النخبة الحاكمة في امريكا مع السعودية خاصة في مجال الاستثمارات والنفط.

اللغة المزدوجة وخداع المصطلحات

يشير الباحثان الي ذكاء الكاتب البريطاني المعروف ، جورج اورويل الذي كان اول كاتب في القرن العشرين يقدر العلاقة بين اللغة والسياسة واخترع والحالة هذه عددا من المصطلحات التي تشير لهذه العلاقة مثل التفكير المزدوج الذي يعني عكس الكلام ، ونيوز بيك. والحديث المزدوج هنا وسيلة لاضفاء جانب جميل على العمل القبيح ، فالصدمة والترويع يحل محل القتل والتشريد وتغيير النظام يخفي وراءه العامل الاهم وهو الاحتلال وسرقة نفط العراق .

وهنا يقدم الباحثان تحليلا للمحصول اللغوي الذي قدمته اداره بوش بهذا الاطار محور دول الشر (2002) ، فاختيار ايران والعراق وكوريا الشمالية على انها تعبير عن محور دول الشر يعمي الحقيقة ويطرح الكثير من الاسئلة عن عدم ضم عدد من الدول التي تدعمها امريكا ولديها سجل فقير في حقوق الانسان مثل السعودية وكولومبيا . وبنفس السياق يتم الحديث عن المصطلح الذي اخترعته الادارة لوصف التحالف الهزيل الذي جمعته من دول صغيرة وجمهوريات لم يسمع بها احد ، واطلقت عليه الادارة اسم تحالف الدول المستعدة للتطوع والمساعدة والتحالف الهزيل هذا ضم 30 دولة اضافة إلى 15 دولة وعدت بالمساعدة وطلبت الابقاء علي اسمها سرا ، على طرف النقيض من التحالف الاول الذي جمعته امريكا في حرب الخليج عام 1991 . اسماء العمليات تحمل وراءها معني غامضا ومزدوجا عملية القضية العادلة في بنما و عملية تحمل الحرية في افغانستان 2001 وهو الاسم الذي اختير عوضا عن عملية العدل المطلق وفي حالة العراق عملية الحرية للعراق حيث قال احد الباحثين ان اقتراح فكرة تحقيق الحرية للعراقيين نتيجة للاحتلال كذبة كبيرة .     اِستخدمت ادارة بوش تعبيرات لغوية لاخفاء المعاني الحقيقية لها او تجنبها مثل اعادة بناء دفاع امريكا ، والذي اعتبره الكثيرون خطوط رئيسية للهيمنة الامريكية على العالم وادامتها كما يطمح مشروع القرن الامريكي الجديد . ونفس الامر يصلح في الحديث عن الصدمة والترويع التي تركز على دقة ضرب الاهداف وتخفي الثمن الانساني الحقيقي وراءها . اللغة التي تعمي الحقيقة هي صورة عن الاساليب التي استخدمتها ادارة بوش لاخفاء الدافع الحقيقي وراء الحروب وتبدو اكثر وضوحا في موضوع الحرب على الارهاب ، حيث اصبحت هذه الحرب مظلة وذريعة لاستخدامها كغطاء لكل انواع الحروب ، وامريكا تعرف ان الحرب على الإرهاب طويلة ولا يمكن الانتصار عليها او انهاؤها ، وهنا يعلق الباحثان قائلين انه أسهل طريقة للتغلب علي المشاكل هي اعلان الحرب عليها ، مع ان الجميع يعرف ان مشاكل مثل المخدرات ، الفقر والفساد والارهاب طويلة وموجودة ولا يمكن انهاؤها قبل التغلب على مسبباتها.

شبكة البصرة - 3 /10/2004

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ