العقيدة
العسكرية الصهيونية...
إلى
أين تسير؟
مفكرة
الإسلام ـ كتبه للمفكرة: عصام
زيدان
يتضح من الأدبيات
العسكرية والاستراتيجية
الصهيونية أن مسيرة ما يسمي
بالسلام لم تسهم حتى الآن حتى
على مستوى المؤسسة العسكرية في
تكوين توجه نحو البدء بالانتقال
من حالة الحرب إلى حالة السلم،
بل يمكن القول أن الفكر العسكري
الصهيوني يتجه نحو التخطيط
لتصورات واحتمالات تندرج
جميعها في خانة الحرب والنزاعات
المسلحة, وليس هناك ملمح أو دليل
في الفكر العسكري الصهيوني يوحي
بأن الهرولة العربية نحو السلام
وكونه الخيار الاستراتيجي
الوحيد قد تركت أي أثر أو تغيير
يذكر في فكر المؤسسة العسكرية
الصهيونية.
وبالرغم من أن جملة
المتغيرات الحادثة في المنطقة
تقلل بصورة عامة من إمكانات
نشوب حرب عربية ضد 'إسرائيل', علي
الأقل في المدى المنظور، فإننا
نري الفكر الإستراتيجي
الصهيوني في الوقت الراهن يركز
على مجموعة من التهديدات, سواء
كانت تهديدات محتملة أو كامنة
أو متصورة, لتبرير تطوير قدراته
العسكرية.
ولعل من أبرز
التهديدات المباشرة والمحددة
التي تركز عليها 'إسرائيل' ما
يسمي بـ'الإرهاب' الذي تربطه
بصعود نجم الإسلاميين سواء في
فلسطين أو في الدول العربية
المجاورة وغير المجاورة.
وتتصور 'إسرائيل'
إمكانية حدوث نوع من المشاركة
بينها وبين الدول العربية,
لاسيما المحيطة, التي تظهر
امتعاضًا من الظاهرة ذاتها, بما
قد يساعدها على الاندماج فعليًا
في منطقة الشرق الأوسط, من ناحية,
والتخلص من هذه 'الظاهرة
المقلقة', أو الحد من تأثيرها
علي الأقل, من ناحية أخري.
ومن الممكن فهم
طبيعة الأحداث التي تدور في
قطاع غزة والملاحقات الأمنية
والتنسيقات مع دول الجوار و'تخويفها'
من دويلة 'طالبانية' ضمن هذا
التصور.
ومن جملة
التهديدات التي تتصورها 'إسرائيل'
كذلك امتلاك بعض الدول العربية
نوعيات متطورة من التقنيات
العسكرية مما يعرض التفوق
النوعي الصهيوني للتآكل,
وازدياد أعداد الدول المالكة
للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى
والقادرة على إصابة أهداف
استراتيجية في 'إسرائيل'
وازدياد كميات وأنواع الصواريخ
في دول المنطقة مما يؤدي إلى
اتساع التهديد الإستراتيجي.
ومن ثم تسعى 'إسرائيل'
إلى تطوير القوة العسكرية
لتواكب هذه التصورات وتلك
التهديدات الممكنة والمتصورة.
ولنا أن نتصور أن
القيادة العسكرية الصهيونية،
ستجد أمامها, من الناحية
النظرية, عدة بدائل يشكل كل منها
مفهومًا أمنيًا هو إطار لتطوير
استراتيجيتها العسكرية: ـ
البديل الأول: هو
المفهوم الأمني الدفاعي،
والأساس الذي ينطلق منه هذا
المفهوم هو الحجة القائلة بأن
الجيش الصهيوني يواجه مهمة جد
صعبة وعسيرة، فمهمة اختراق خطوط
'العدو' بهدف نقل الحرب إلى أرضه
ستكلف الجيش ثمناً باهظاً جدًا
من الخسائر البشرية، التي لا
يستطيع المجتمع الصهيوني
تحملها, وعلي ذلك فمهمة التطوير
تنبع من عقيدة دفاعية وحدود
آمنه, تعززها قوة ردع كافية.
البديل الثاني: هو
المفهوم الهجومي، وأساس هذا
المفهوم يبقى الاعتماد على
النوعية، سواء في الأفراد أو
المعدات, في أعلي المستويات,
وذلك نابع من فهم الطبيعة
المتغيرة للمنطقة المحيطة بـ'إسرائيل'
وتقلباتها المفاجئة.
ويركز هذا البديل
علي مفاهيم الضربة الاستباقية
والحرب الوقائية.
وبناء علي هذا
الخيار سيُجهز الجيش الصهيوني
بمجموعة من الأسلحة والأنظمة
المتطورة, بحيث تكون الطاقة
التدميرية أقوى بكثير من الطاقة
التدميرية للأسلحة العربية
مجتمعة, لتصور ذهني بحت مفاده أن
الدول العربية قد تعضد بعضها
حالة نشوب الحرب.
البديل الثالث: هو
الخيار النووي حيث تفيد
التقارير الصهيونية أنه أصبح
جاهزًا للاستعمال, والخلاف فقط
يدور حول ما إذا كان من الضروري
الإفصاح عن هذا الخيار وحدود
إمكانياته, أم يبقى سرًا كما هو الحال الآن.
وفي جميع الأحوال
سواء سرًا أم علانيةً، فإن 'إسرائيل'
ستحتفظ بسلاحها النووي سلاحًا
رادعًا وحاسمًا لحين الحاجة,
ووسيلة للضغط والمساومة وضمان
الأمن المطلق، وجاهزًا لتحقيق
توازن نووي إقليمي إذا ما
امتلكت إحدى دول المنطقة سلاحاً
نوويًا مشابهًا وعجزت 'إسرائيل'
عن تدميره, أو امتلكت سلاحًا
تدميريًا أقل قوة ولكنه قادرٌ
علي إلحاق ضربات تدميرية موجعة
لقلب الكيان الصهيوني.
ونحن إذا ما تتبعنا
الأدبيات العسكرية والسياسية
والاستراتيجية، وبخاصة أقوال
وأفعال وسياسات الحكومة
الصهيونية في الوقت الراهن
فسنلاحظ أن هناك إجماعًا إزاء
صياغة الاستراتيجية العسكرية
وإعادة بناء الجيش على أساس 'الخيار
الأسوأ', وأن الوسيلة الوحيدة
إلى ذلك هو التفوق العسكري،
سواء بنوعية الجندي أو نوعية
السلاح أو احتكار السلاح النووي.
ويرى هذا الإجماع
أن التفوق القادر على الردع هو
المؤهل لمواجهة أسوأ
الاحتمالات التي قد تطرأ على
موازين القوى.
ولعلنا نبرهن علي
ذلك بحدثين: ـ
الأول: الدعوة
الصهيونية لإعادة النظر في
مفهوم الردع العسكري بما يتوافق
والتحديات الراهنة والمستقبلية
حيث أمر وزير الحرب
شاؤول موفاز بتشكيل لجنة للبحث
في مفهوم الردع العسكري
الصهيوني، في ضوء التطورات
الأخيرة في المنطقة والعالم.
ووفقا لما ذكرت
صحيفة معاريف, فقد سلم موفازُ
الوزيرَ السابق المختص بشؤون
الأمن القومي دان ميريدور مهمة
قيادة اللجنة التي ستنهي عملها
خلال عام واحد.
وفي ختام المداولات التي ستجري
مرة كل أسبوع سترفع اللجنة إلى
وزير الحرب استنتاجاتها بشأن
المفهوم الأمني لـ'إسرائيل'.
وهذا يعني أنه خلال
العام المقبل سيعاد النظر في
نظرية الأمن القومي 'الإسرائيلية',
وسيتم على وجه الخصوص مراجعة
مفهوم هيكل القوة في الجيش
الصهيوني ومعايير استخدامها,
كما سيتم تحديث الفرضيات
الاستراتيجية, وخصوصًا ما يتعلق
بسياسة الغموض النووي ودورها في
الوضع الراهن.
ويميل الاعتقاد
السائد في المؤسسة العسكرية
الصهيونية إلى أن استنتاجات
لجنة ميريدور ستحدث ثورة في كل
ما يتعلق بمفهوم الأمن القومي
ومفهوم استخدام القوة، والحرب
الوقائية. وهو ما عبر عنه
ميريدور للصحيفة بقوله: إن
الحديث يدور عن عمل جدي جدًا،
سيستغرق نحو عام، والعالم حولنا
تغير، ويجب إعادة التفكير في
مفهوم الأمن والاستراتيجية
الشاملة.
الثاني: تطوير
القدرات الهجومية في مجالات عدة
وميادين شتى:
ـ فقد نقلت صحيفة 'معاريف'
أيضًا عن قائد سلاح البر
الصهيوني الجنرال يفتاح رونتال
أن جميع المشاة في الجيش
سيزودون قريبًا ببندقية هجومية
جديدة 'تابور' التي تنتجها مصانع
السلاح الصهيونية.
وأوضح الجنرال
رونتال أن البندقية الجديدة
خفيفة جدا [3.7 كيلو جرام مع
المخزن المملوء] ولا يتعدى
طولها 72 سم, وبإمكان بندقية 'تابور'
أن تطلق 850 طلقة في الدقيقة وهي
مزودة بمنظار مجهز بأشعة ليزر
لتحديد الهدف بدقة بالغة.
وذكرت الصحيفة أن
سلاح البر طلب 15 ألف بندقية
كدفعة أولى. [للمناسبة , فإن هذه
البندقية تعد أكثر فتكا من
بندقية الجليل التي استخدمها
الإرهابي باروخ جولدشتاين في
مذبحة المسجد الإبراهيمي أثناء
صلاة فجر الجمعة 25 فبراير 1994
مطلقا بها 118 طلقة دفعة واحدة
أدت إلى مقتل , ما أدى يومها إلى
مقتل وإصابة نحو 350 مصليا]
ـ وأيضًا كشفت
مصادر صهيونية مطلعة عن اقتراح
تدرسه رئاسة أركان الجيش لبناء
سفن إنزال برمائية كبيرة الحجم
وتستطيع الإبحار في المحيطات
ولمسافات بعيدة و'تأدية مهمات
متعددة', وشن عمليات برية في
مناطق ودول تبعد عنها آلاف
الأميال.
وأوضحت هذه
المصادر أن سفينة الإنزال
البرمائي المقترحة يصل وزنها
إلى 13 ألف طن وتستطيع نقل نحو 600
جندي مع معداتهم وآلياتهم
بالإضافة إلى طاقمها المؤلف من
115 بحار وأسطول صغير من طائرات
الهليكوبتر لعمليات النقل
والهجوم البري.
كما تستطيع طائرات
حربية تقلع عموديًا من العمل
انطلاقاً منها, وستبلغ كلفة
بناء هذه السفينة أكثر من 700
مليون دولار أميركي.
وتملك البحرية
الصهيونية حاليًا خمس سفن إنزال
برمائية صغيرة الحجم تتسع لأقل
من مائة جندي وبحار وتستطيع نقل
بضع آليات فقط ولمسافات محدودة.
وقد طرح المحللون
عدة تفسيرات حول هذه المحاولات
الصهيونية المحمومة لتملك
أسلحة هجومية وتطوير الترسانة
العسكرية والنظر من جديد في
مفهوم الردع, بما يتوافق
ومقتضيات الوضع الراهن
والمستقبلي.
الطرح الأول: يكمن
في تساؤلات عن حاجة 'إسرائيل'
إلى سفينة بهذا الحجم ما لم تكن
لديها خطط توسعية لفرض هيمنتها
على ما بات يعرف بـ 'الشرق
الأوسط الكبير' الممتد من
موريتانيا حتى الحدود
الباكستانية- الهندية , حيث
يعتبر العديد من المحللين سفينة
الإنزال البرمائي هذه
استكمالاً لخطوات سابقة
اتبعتها 'إسرائيل' لتعزيز سياسة
'الذراع الطويلة' أو فرض القوة
ضد الأهداف البعيدة, التي كانت
بدأتها قبل بضعة أعوام عبر
الحصول على غواصات 'دولفن'
الألمانية القادرة على الإبحار
في المحيطات, وعلى طائرات 'أف-16'
و'أف-15' القادرة على ضرب أهداف
بعيدة في باكستان, مثلاً, من دون
الحاجة إلى التزود بالوقود جواً.
كما تملك 'إسرائيل'
أكثر من ثلاثين طائرة نقل
عسكرية كبيرة وعشر طائرات
لتزويد الطائرات بالوقود جوًا.
وقد سبق وتملكت
المؤسسة العسكرية الصهيونية
الصواريخ الباليستية المتوسطة
المدى طراز 'اريحا-1 ' و'اريحا-2'
وهي أيضًا تعزز سياسة 'الذراع
الطويلة'.
ـ وبحسب صحيفة 'ديفنس
نيوز' الدفاعية فإن القيادة
الصهيونية تتهيأ لـ 'عمليات
هجوم استراتيجية' تتوقع أن
تشنها في العقد الثالث من هذا
القرن.
وأنه في حال أقرت
خطة بناء هذه السفن البرمائية
فإن القوات الصهيونية ستقوم
بإنشاء فرق لمشاة البحرية معدة
لعمليات خارج 'الأراضي
الإسرائيلية'.
ونقلت الصحيفة عن
قائدي القوات البحرية والبرية
الصهيونيين قولهما: أن حرب 'إسرائيل'
ضد ما تسميه 'الإرهاب الدولي'
وسعيها إلى 'منع انتشار أسلحة
الدمار الشامل' قد يقودانها إلى
خوض هجمات سريعة ضد أهداف تبعد
آلاف الأميال عنها.
ـ ويقول الخبير
الاستراتيجي والأدميرال السابق
في البحرية الإيرانية علي كاظمي:
أن 'إسرائيل' بصغر مساحتها[
الأرض المحتلة] لا تحتاج إلى سفن
برمائية كبيرة, والتفسير
المنطقي الوحيد لهذه الخطوة هو
وجود نيات عدوانية مبيتة.
الطرح الثاني: يذهب
إلي أن هذه الخطوة لا تقود إلي
الاعتقاد بضرورة شن حرب, ولكن
ربما ستشكل عونًا كبيرًا للقوات
الأمريكية والغربية في المنطقة
خلال تأدية عمليات عسكرية
مشتركة.
والمعني أن 'إسرائيل'
قد تقوم بعمليات عسكرية خاطفة
بالنيابة عن الولايات المتحدة
الأمريكية, لتخفيف حدة
الانتقادات الموجهة إلي
الإدارة الأمريكية بنزوعها
الدائم إلي الحل العسكري.
الطرح الثالث: يفسر
تلك المحاولات بأنها استغلال
للأوضاع الراهنة المواتية
لبناء ترسانة عسكرية أكثر قوة
وحداثة, حيث تستثمر 'إسرائيل'
المتغيرات في العلاقات الدولية
التي تمخضت عن 'قطب واحد' موال
علي طول الخط, ولا يكاد يرفض
طلبًا,لا سيما في مجال التسلح,
كما أنها تستغل قضايا الصراع
المحتدم حول 'الإرهاب' و'النزعات
العدوانية' تجاهها من دول
الجوار لتبرير الرغبة في
الحصول علي أحدث الأسلحة
والمعدات القتالية.
وأخيرًا: ـ
نقول: أنه ليس
بوسعنا فهم المؤسسة العسكرية
الصهيونية علي أنها كيانًا
مستقلاً, فالمؤسسة العسكرية
الصهيونية تستمد من الأطر
الثلاث : السياسية والاجتماعية
والاقتصادية جذورها التاريخية ومقومات بقائها
وحدود تطلعاتها.
وعلي وجه الخصوص,
فالصلة الجوهرية بين الجيش
والنظام السياسي في 'إسرائيل'
ليست بخافية علي أحد, فهو دعامة
النظام السياسي بجانب دوره
المتنامي في صنع القرار السياسي.
كما أنه في ذات
الوقت أداة في يد الساسة لتحقيق
أحلام صهيون التوسعية في الخارج,
والبطش والإسكات لصوت الجهاد في
الداخل.
وطالما أن حدود
الفصل بين المؤسستين ليست واضحة
المعالم, فان الأدوار المنوطة
بالجيش في المستقبل تظل رهن
الظروف التي تمر بها المؤسسة
السياسية الصهيونية.
28/6/2004
مفكرة
الإسلام
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|