لماذا
يجب أن نغير؟!
ميشيل
كيلو
هل التغيير واجب لان الرئيس
الأميركي بوش استحسنه أو أمر به
، أم لأن الوضع العربي يستدعي
التغيير ويتطلبه ؟.
ثمة حقبة تاريخية بدأت في
خمسينيات القرن الماضي ، وترسخت
في سبعينياته ، بدا واضحا لكل
مراقب حصيف أنها تخلق شروطا
جديدة لتبدل دولي قد يؤدي إلى
نتيجتين تاريخيتين حاسمتين هما
:
-
سقوط النظام الاشتراكي والمعسكر
السوفييتي ، إن هما فشلا في
التكيف مع مستجدات العالم ،
الرأسمالي أساسا ، وأخفقا في
تطوير أبنيتهما وآليات
اشتغالهما .
-
عودة علاقة استعمارية من نمط
جديد بين المركز الرأسمالي
المتقدم ومحيطه المتخلف ، إن
بقيت طرق تنمية وإدارة العالم
الثالث السياسية والاجتماعية
والاقتصادية موزعة بين نموذج
داخلي يقوم على حكم أسر وطوائف
وديكتاتوريات ، أو حكم حزب واحد
وخلطة اشتراكية / قومية ذات نموذج
أيديولوجي هجين ومغلق
.
في خمسينيات وسبعينيات القرن
الماضي ، لم تكن أميركا ترفع
لواء الديموقراطية بل كانت نصير
الاستبداد الرئيس في العام
وداعيته ، وخاصة في البلدان
المسماة نامية ، ولم تكن تفكر
ولو مجرد تفكير بإسقاط المعسكر
الاشتراكي باختراقه ديموقراطيا
، لاعتقادها أن هذا محال،
ولأنها خشيت أن تفضي محاولتها
إلى حرب نووية تدمر أراضيها
وقوتها دون لأن يفضي بالضرورة
إلى تحرير شعوب الدول الدائرة
في الفلك السوفييتي . فضلا عن أن
أميركا كانت تعترف رسميا ، منذ
مؤتمر يالطا عام 1945 ، بعدم جواز
تغيير نظام هذه الدول تحت أي ظرف
وفي أي حال .
هكذا ، مر العالم الرأسمالي بحقبة
تغير بنيوي بدلت البيئة العالم
والدول ، وجعلت بقاء الآخرين
ووضعهم يرتبط بالتغيير ، وفرضت
عليهم أحد بديلين : إما المسارعة
إلى إجرائه ، أو التعرض لعواقب
وخيمة ستترتب على توازنات قوى
ترجح أكثر فأكثر لصالح النظام
الرأسمالي / الأميركي . وإذن ،
فإن الحاجة إلى التغيير لم تنبع
من مطالبة أميركية ، رئاسية
كانت أم غير رئاسية ، بل ترتبت
على تطورات موضوعية استثمرتها
أميركا لقلب موازين القوى
الدولية ، دون أن تنشر ولو من
بعيد الديموقراطية في العالم ،
أو تذكرها بين أهدافها
.
واليوم ، يوجد ثمة من يخبرنا أن
أوضاعنا ستتغير ، ليس لأنها
بحاجة إلى تغيير بسبب تبدل ظروف
العالم وعلاقاته وتوازنات قواه
، بل لأن الرئيس الأميركي أمر
بتغييرها ، كأننا لا نخضع كبقية
خلق الله لتطورات العالم
وتوازنات القوى القائمة فيه ،
ولسنا بحاجة إلى إجراء تغيير
يأخذ الواقع المتغير بعين
الاعتبار ، فيصون مصالحنا فيه ،
ويحمي أوطاننا من تأثيراته
المدمرة ، وكأن التغيير يصير
إلزاميا بمجرد أن يصدر أمر
أميركي بصدده
!.
من الغريب أن وجهة النظر الأخيرة
يتبناها طرفان يبدوان متناقضين
بل ومتعاديين ، يمثل أولهما
أميركا ، وثانيهما النظام
العربي . تتفق أميركا مع النظام
العربي ، أو يتفق النظام العربي
مع أميركا - لا فرق - على أن
التغيير مطلب خارجي ، وإن اختلف
الجانبان حول مبرراته ،
فبينما
تعتقد أميركا أنه ضروري لامتصاص
الاحتباس الإرهابي الموجود في
العالم العربي والإسلامي، يؤمن
النظام العربي أنه يستهدف إثارة
البلبلة وإشاعة الاضطراب، لغرض
في نفس يعقوب الأميركي . تقول
النظم : إن المطالبة بالإصلاح لا
مبرر موضوعي لها ، وإنها محاولة
لاختراق بلدانها ، وإن من يؤيد
من مواطنيها الإصلاح ، مطلق
إصلاح ، مشبوه وعميل ، كأنها
ليست نظما تقادمت وفشلت وعجزت
عن حل أية مشكلة من المشاكل التي
وعدت بتخليص شعوبها منها ، ولم
تتحول إلى نظم استبدادية/
إرهابية ألحقت ضررا رهيبا
بأوطانها ، جوفها من الداخل
وكشفها تجاه الخارج ، أو كأنه
ليس هناك من يطالب بالإصلاح
بقصد التخلص - لوجه الله والوطن
ولمصلحة أبنائه - من أخطاء وعيوب
قاتلة لصيقة بأبنية النظام ذلك
، وكأنه لا يمكن أن يوجد نمط من
الإصلاح خليق بتحصين البلدان
التي تطبقه ضد سقوط يبدو وشيكا
وحتميا تحت احتلال أو نفوذ الأميركيين
وغيرهم من الطامعين والمتجبرين
الأجانب ، أو كأن الإصلاح لا
يمكن أن يكون موجها إلا ضد
الداخل، وليس له فعل أو تأثير
على الخارج، أو كأنه لا يزيل
عيوب ونواقص يرتبط بإزالتها
إنقاذ الوطن ، وحماية استقلاله
وحريته ، وتعزيز منعته !.
ثمة إذن نوعان من التغيير : واحد
يرتبط بعيوب النظم الذاتية
وبتبدل حاضنتها الدولية
والإقليمية ، وبما يجب أن تفعله
كي تحرر نفسها من نقاط ضعف قاتلة
، نشأت في سياق تطور الحكم
وأخطاء إدارته المتراكمة
والخطيرة ، فهو ، إذن ، نمط
مطلوب ولازم وحتمي ولا بد من
تحقيقه ،
وإلا
انهار كل شيء . وأخر تطالب به
أميركا لأغراض ومقاصد خاصة
بمصالحها واستراتيجياتها ،
يتذرع بالديموقراطية والإصلاح
كي يزعزع النظم والدول ، لا علاج
له غير القيام بإصلاح شامل ، يتم
التوافق عليه وطنيا ويتوافق مع
المصلحة الوطنية العليا ، فيسحب
أوراق الضغط من يد واشنطن ، ويقوي البلدان التي
يتم فيها ويمنحها الزخم اللازم
لإحباط ما يحاك ضدها من مؤامرات
، ويستهدفها من خطط وتهديدات .
وفي حين لا يرتبط النوع الأول
بأميركا ، التي ترفضه وتقاومه،
مع أنه - والأصح: لأنه - إصلاح
ديموقراطي وطني من شأنه حشد
طاقات الشعب المعطلة ووضعها في
خدمة الاستقلال والسيادة ،
وتعزيز قدرة الدولة والمجتمع
على الدفاع عن الوطن ، يقترن
النوع الثاني بسياساتها
واستراتيجياتها ، التي لا سلطة
عليها لشعوبنا ومجتمعاتنا ، ولم
يستشرها أحد فيها ، وتأخذ شكل
أمر قطعي يطلب إليها الامتثال
لإصلاح تجهل أبعاده ومدلولاته
ومراميه، وإن كانت على يقين من
أنه سيخدم دولة عظمى أجنبية،
دأبت على التنكر لحقوقها، ودعمت
الاستبداد في بلدانها ، بينما
تجاهلت الملايين من أبنائها
وبناتها ، الذين أمضوا حياتهم
في السجون والمنافي ، أو قضوا
على يد جلادي هذا الاستبداد ،
الذي خدم أميركا خلال فترة
طويلة ، وحين عجز عن حمايتها من
الأصولية بدأت تسحب ثقتها منه ،
وتتنكر له وتدعو إلى
الديموقراطية ، وصار على ضحاياه
اعتبار أنفسهم مرتزقة لديها ،
من واجبهم المسارعة إلى تنفيذ
أمرها ، دون النظر إلى مصالح
أوطانهم ، ودون أن يحق لهم اتخاذ
موقف خاص من سياساتها وأهدافها
، أو يحق لهم تذكر ما فعلته بهم
خلال نيف ونصف قرن من تأييد
ومساندة الاستبداد
والدكتاتورية
.
يتصارع هذا النوعان من الإصلاح ،
اللذان يتجسدان في خطين
متناقضين . بينما تتخذ معظم
النظم العربية موقفا عدائيا
تجاه دعاة الإصلاح في بلدانها
وتعمل لإجراء مساومة على الخط
الثاني مع صاحبته : أميركا ،
ونراها تلعب دورا مضادا حتى
لمبدأ الإصلاح الوطني والشامل ،
وتصف دعاته بأشنع النعوت ، بحجة
كاذبة وباطلة هي أنهم يطالبون
بالنوع الأميركي منه . بهذه
السياسة الوضيعة تقوض النظم فرص
إصلاح وطني فيه نجاة بلدانها من
الأخطار الخارجية والغزو
الأجنبي ، وتسعى إلى ملاقاة
أميركا في منتصف الطريق أو في
تسعون بالمائة منه ، وتبدي
رغبتها في تحقيق ما تريد ، إن هي
ضمنت وجودها وواصلت دعمها
.
لهذا كله ، تبدو المنطقة وكأنها
تشهد صراعا محتدما بين قوى
ثلاثة : قوى الإصلاح الوطني
الشامل ، والنظم المستعدة
للتواطؤ ، لكن أميركا لم تقبل
بعد التفاهم معها ، وأميركا ،
التي تعتقد أن الوطن العربي
يشبه تفاحة نضجت وحان قطافها ،
وأن عليها فعل ذلك قبل أن تنجح
قوى الإصلاح الوطني في فرض ما
تصبو إليه من تغيير ، سيفوت
عليها الفرص أو يجعل بلوغها
أكثر صعوبة وتكلفة .
كيف سينتهي هذا الصراع ؟. سؤال
يتوقف جوابه على ما سيفعله في
الفترة القصيرة القادمة كل
مواطن عربي ، ما دام فشل الإصلاح
الوطني الشامل ، وتفاهم النظم
مع أميركا ، يعنيان سقوطنا
ووقوع أوطاننا تحت استعمار
أميركي / صهيوني هو ، دون أي شك ،
أكثر أنواع الاستعمار وحشية ،
التي عرفها التاريخ !.
كلنا
شركاء ـ 04/04/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|