ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 07/02/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الديمقراطية الأمريكية الموعودة ..

فاقد الشيء لا يعطيه

سكروكروفت: الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط

يشعل العنف ولا يحقق الديمقراطية

إميل أمين

هل تحولت الديمقراطيات الغربية الحديثة وبصورة خاصة الديمقراطية الأمريكية إلى منظومات سياسية إكراهية؟

تساؤل شغل بال الكثيرين من المفكرين والكتاب العالميين منذ القرن التاسع عشر وكان على رأس هؤلاء عالم الاجتماع والسياسة الفرنسي الشهير “ألكسي دو توكفيل” صاحب كتاب “الديمقراطية في أمريكا” بأجزائه الأربعة.

يقول توكفيل: يصعب أن ترصد الوجوه الاستبدادية للديمقراطية الحديثة بحكم تواريها في الغالب خلف شعارات والاستبداد الجديد يتخلق في رحم الديمقراطية الحديثة وذلك من خلال تمدد ما يسميه بالأيادي والأعين الخفية للدولة إلى مستوى خواص الحياة الفردية في الداخل والآن جاء دور الخارج وهو ما لم يقدر لتوكفيل أن يشهده في حياته.

أمريكا تريد بسط نظامها والذي تطلق عليه الديمقراطي بالمطلق عبر أرجاء المسكونة.. هذا هو الطرح الذي أضحى سيمفونية يجب على العالم كله عزفها وتشنيف الآذان بها.

والحق أن أحدا لا يرفض النموذج الديمقراطي مع الأخذ بعين الاعتبار أن النظام الديمقراطي كما يقول السياسي البريطاني الأشهر “ونستون تشرشل” نظام سيئ جدا ولكنه أحسن الأنظمة المعروضة علينا.

 

إن كانت الديمقراطية شيئا مهما في حياة الناس إلا أنها يجب أن تكون عقلانية وناضجة وليست غنائية مطلقة من النوع الذي تترنم به الولايات المتحدة.

ثم يبقى التساؤل موضوع هذا الطرح هل الولايات المتحدة مرشحة لحمل البشارة الديمقراطية إن جاز استخدام مفردات الخطاب السياسي الممزوج بالأدبيات الدينية للتيارات اليمينية الجديدة؟ وماذا إذا كانت الولايات المتحدة ذاتها إن لم تكن قد فقدت بالمطلق فهي في طريقها بالتأكيد لفقدان قيمها ونظامها الديمقراطي كما تقول صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية؟ هل يحق لها إذن المطالبة بدمقرطة تتجاوز النصح والإرشاد إلى الغزو العسكري المسلح؟

 

بوش والديمقراطية المفقودة

 

في الأسابيع الماضية طلعت علينا صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكية بمقال للكاتب المعروف “بوب هيربرت” تحت عنوان “أمريكا تفقد قيمها ونظامها الديمقراطي”. ومما لا شك فيه أن اتهاما جللا كهذا لابد أن يستند إلى مسوغات بقدر وزنه وقد وجد الكاتب في وزير العدل الأمريكي الجديد غايته المنشودة.

يذكّر بوب هيربرت القارئ بداية بما آلت إليه بلاده من رفض للتوقيع على اتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان مرورا برفضها لاتفاقية كيوتو للمحافظة على البيئة وسخطها على المحكمة الجنائية الدولية الوليدة بل وتهديدها لمن ينتمي إليها وصولا إلى ما اعتبره الكاتب الطامة الكبرى للنظام الذي يتشدق بالديمقراطية صباح مساء كل يوم وهو تعيين “البرتو جونزاليس” مستشار الرئيس بوش للشؤون القانونية والمؤيد لعمليات التعذيب التي تمت في العراق وجوانتانامو وزيرا للعدل ليصبح بذلك في أعلى مركز قانوني في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويضيف بوب هيربرت “من وجهة نظري إن جونزاليس لا ينبغي أن يسمح له بالاقتراب من هذا المنصب فأحكام جونزاليس فيما يتعلق باحتجاز ومعاملة السجناء في العراق وما يطلق عليه الحرب ضد الإرهاب يدخل تحت نطاق “العار” كما أن ممارساته في تلك الوقائع يغلب عليها الرعب والفظاعة والبدائية ولكن هذا هو الحال مع إدارة بوش التي تكافئ الفشل بأعلى المناصب”.

وبعيدا عن “النيويورك تايمز” نطرح من جهتنا تساؤلا مصيريا فهل سيقر الكونجرس ترشيح جونزاليس؟

أمران لا ثالث لهما إما الإجابة ب “نعم” وهذا سيكون ترسيخا ودعما لسياسة التعذيب الأمريكية رغم تعهده باحترام القوانين وحقوق الإنسان وإما ب “لا” وساعتها ربما تستعيد الديمقراطية الأمريكية شيئا من الكثير الذي فقدته وإن كنت أغلّب أن يوافق الكونجرس على ترشيحه.

 

 

وزير التعذيب الأمريكي الجديد

 

من هو جونزاليس الآتي من بعيد؟ إنه احد أعضاء الجماعة الحاكمة الجديدة الذي قام بخطوات ومحاولات صريحة تستهدف تمكين بوش من التلاعب بالقانون الأمريكي لتبرير الممارسات البربرية وعمليات التعذيب التي لجأ إليها المحققون الأمريكيون تحت مسمى حماية الأمن القومي الأمريكي فقد كان يلعب دور “ترزي القوانين” الذي يحاول تفصيل التشريعات بما يتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية.

يقول روبرت سكير من الواشنطن بوست “إن جونزاليس كتب مذكرة قانونية وقدمها إلى الرئيس بوش في 25 يناير/كانون الثاني عام 2002 يضرب فيها باتفاقيات جنيف عرض الحائط حيث طالب بعدم تطبيق تلك الاتفاقيات على أسرى الحرب التي تقودها أمريكا على الإرهاب” على حد وصفه ولم يكتف بذلك بل قال إن “الصيغة التي قدمها تعالج القصور في بنود الاتفاقية التي عفا عليها الزمن للتحرر من قيودها خلال استجواب السجناء من أعداء الولايات المتحدة”.

وخلال تلك المحاولات يبدو جونزاليس كمحام منعدم الضمير يطلع موكله على الثغرات القانونية والوسائل التي يمكن اتباعها للمراوغة القانونية وتفادي الإدانة في أي جريمة يقدم عليها في المستقبل ولا يعبأ جونزاليس بالمحاكم الدولية والقانون الدولي بقدر ما يخشى من ممثلي الادعاء الأمريكيين الذين ربما يسعون لسن قوانين فيدرالية لحظر تعذيب سجناء الحرب الأجانب.

والحقيقة هي أن جونزاليس أراد الالتفاف حول قانون مكافحة جرائم الحرب الذي يقضي بعقوبات جنائية تصل إلى حد الإعدام للعسكريين الأمريكيين الذين يتورطون في جرائم تعذيب ويقول “من الصعب التنبؤ بدوافع ممثلي الادعاء الأمريكيين والمستشارين المستقلين الذين ربما يسيئون استخدام الفقرة 2441 من القانون الخاص بممارسات التعذيب”.

 

 

هل كانت الديمقراطية الأمريكية غائبة في ظل ألاعيب وحيل جونزاليس للتخديم على بوش؟

الحقيقة أن الانقسام الذي طال كل شيء في ولاية بوش الأولى طال أيضا خبراء القانون إذ ظل البعض منهم عند المبادئ والمفاهيم الأصيلة للأحاديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان لذا فقد أرسلت مجموعة من خبراء القانون من بينهم “رير آدم” و”جون هوستون” خطابا إلى اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ حذرت فيه من توصيات جونزاليس التي سوف تتسبب في مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان وتصاعد مشاعر العداء للولايات المتحدة وتوجيه ضربة للديمقراطية في البلاد.

إلا أن المضي قدما في إجراءات ترسيخ أقدام جونزاليس في موقعه وموضعه الجديد أمر يفيد بأن إدارة بوش لم تتغير إنها إدارة تؤمن بأنها تستطيع أن تفعل وتقول ما تريده مهما كان ذلك وهذا السلوك يغير من طبيعة الولايات المتحدة نفسها إذ أنه يدمر النظام الديمقراطي الأمريكي وهو ما أدى إلى أن تعطي الولايات المتحدة ظهرها للعالم كله وتشن حربها المروعة في العراق.

 

 

ماذا يعني ما تقدم؟

يعني أن الإدارة الأمريكية تصر على السير في الاتجاه المعاكس من خلال تركيبة خاصة يمتزج فيها الجهل بالقوة وتختلط فيها مشاعر الكراهية بمعايير عدم الكفاءة، ذلك لأنه بالرغم من جلسات الاستماع والتحقيق التي تعرض لها جونزاليس إلا أن شيئا لم يتغير، فإدارة بوش وفقا لما نشرته صحيفة الواشنطن بوست مؤخرا تقوم بخطط سرية لاحتجاز المزيد من السجناء باعتبارهم إرهابيين مشتبها بهم في السجون الأمريكية دون أن تتم إدانتهم رسميا، ونتيجة لهذه الخطط سيستمر احتجاز المئات من المعتقلين في السجون الحربية الأمريكية والتابعة لجهاز الاستخبارات الأمريكية CIA وسيكون هناك المزيد من المعتقلين في تلك السجون دون أن تجد الحكومة دلائل كافية لمحاكمتهم وإدانتهم رسميا ويطول الاحتجاز حتى قيل إن هناك تشريعا في الطريق يقضي بالاحتجاز مدى الحياة دون أن يدري أحد ما هي هوية هؤلاء المعتقلين وما هي التهم التي ستوجه إليهم؟

هل يفيد ذلك بأن النموذج الذي طرحته الولايات المتحدة على الدوام نموذج “الملاك الحارس” للنظام الديمقراطي والقيم العليا الخاصة بالحق والعدالة قد اختل؟ وما هو مستقبل ذلك النظام في حال استمرار كل من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في موقعه ووصول ألبرتو جونزاليس لمنصب المدعي العام إضافة إلى وجود بورتر جوس المدير الحالي للمخابرات المركزية الأمريكية؟ تساؤل يزعج نصف الشعب الأمريكي الذي قال لا لبوش ويزعج بالأكثر الكثير من دول العالم المطالبة بانتهاج النسق الديمقراطي الأمريكي.

 

 

هل اعترفت الحكومة بكل شيء؟

 

والحقيقة أن ما أصاب أمريكا الديمقراطية لم يتوقف عند جونزاليس فقط لكن يبدو أنه يتخطاه إلى غيره من المسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بوش. فتحت هذا العنوان “الاعتراف” يقول مايكل ايسيكوف من “النيوزويك” الأمريكية مؤكدا انه بينما يبدأ جونزاليس جلسات الاستماع حول تثبيته فإن وثائق جديدة تشير إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI قد انتهك حقوق سجناء جوانتانامو وأن الانتهاك كان أكثر انتشارا مما جرى الاعتراف به وأن مديره “روبرت موللر” قد يكون في المقعد الساخن حسب وصف المجلة الأمريكية ويضيف الصحافي الأمريكي أن خلافا جديدا يتخمر حول شهادة سابقة بشأن موللر، ففي الأسابيع القليلة الأخيرة نتيجة لدعوى مبنية على قانون حرية المعلومات أقامها اتحاد الحريات المدنية في نيويورك تم الإفراج عن حزمة من الوثائق المثيرة تخص مكتب التحقيقات الفيدرالية وتسجل تقارير وكلائه عن انتهاكات خطيرة في خليج جوانتانامو وكوبا وقد دفعت الوثائق التي أفرج عنها أخيرا بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى التساؤل عما إذا كان موللر ضلل لجنة القضاء بمجلس الشيوخ عندما استجوب بدقة عن الموضوع في جلسة مايو/أيار الماضي.

وتبين بعض الوثائق الداخلية لمكتب التحقيقات الفيدرالي أنه على الأقل لمدة سنة قبل شهادة موللر كان كبار المسؤولين في المكتب يعترضون على الممارسات غير التقليدية من قبيل تغطية رؤوس السجناء وصفعهم والحرمان من النوم واستخدام الكلاب للإخضاع من جانب محققي الولايات المتحدة العسكريين في خليج جوانتانامو بل إن رسالة إلكترونية تخص مكتب التحقيقات الفيدرالي في ديسمبر/كانون الأول 2003 تسميها “أساليب التعذيب”.

وأكثر من ذلك فإنه طبقا لوثيقة أخرى منذ ربيع 2003 كان احد المحامين في مكتب التحقيقات الفيدرالي يضغط على البنتاجون كي يحقق في حالات معينة من الانتهاك ابلغ عنها عملاء المكتب المخصصون لجوانتانامو.

إحدى الحالات التي تذكر على نحو مخيف بمشاهد من سجن أبو غريب في العراق تضمنها تقرير من احد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يقول إن محققة عسكرية أمريكية قامت بضرب سجين مقيد الكاحلين بالرسغين بعد وضع مستحضر رطب على جسده ثم قامت بثني إبهاميه إلى الخلف ما جعله يكشر من الألم ثم أمسكت بأعضائه التناسلية طبقا لرواية أخرى للحادثة تضمنها خطاب إلى البنتاجون كتبه “تي جيه هارينجتون” نائب المدير المساعد لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لشؤون المقاومة.

 

 

هل وضعت الديمقراطية الأمريكية على الرف إلى حين قد يطول؟

أغلب الظن ذلك والشاهد هنا هو المجلة الأمريكية الذائعة الصيت “النيوزويك” والتي تختم تقريرها بقولها “الواضح أن التحريات والخلافات ابعد ما تكون عن الانتهاء فثمة مراجعات عريضة لممارسات الاستجواب العسكرية في الولايات المتحدة يقوم بها مفتش الأسطول الأدميرال “البرت تشرش” بلغت مرحلتها الأخيرة” كما أن مكتب التحقيقات الفيدرالية أعد ردا مؤلفا من 300 صفحة على أسئلة المتابعة من لجنة القضاء بمجلس الشيوخ حول شهادة موللر السابقة تناول كثيرا من الأمور التي أثيرت في وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي المفرج عنها حديثا. لكن هذا الرد قابع في وزارة العدل بغرض المراجعة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والظاهر انه لن يكون هو ولا تقرير تشيرش من الأمور التي سيفرج عنها إلى العلن في أي وقت قريب على الأقل ليس قبل التصويت في مجلس الشيوخ على تعيين جونزاليس الذي قام بدور مركزي في خلق السياسات التي حكمت معاملة السجناء.

 

 

 

الشرق الأوسط والديمقراطية الأمريكية

 

والحق انه إذا كان هذا هو واقع حال الديمقراطية مع بدايات فترة بوش الثانية حيث الظواهر والشواهد المتجمعة في الأفق لا تبشر بالخير فهل يمكن لهذه الإدارة حقا أن تجلب الديمقراطية لدول الشرق الأوسط؟ وهل هي حقا تريد الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ ولماذا خفت حدة المطالبات بالديمقراطية في الأشهر الثلاثة الأخيرة وحل محلها التعاون الاقتصادي؟ تساؤلات ثلاثة ينبغي الوقوف أمامها مليا.

بداية تتساءل “الواشنطن بوست”: من المسؤول عن إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ وتعلنها صراحة شعوب المنطقة وليست أمريكا.

لكن يرى بوش أن نجاح العملية الانتخابية في كل من فلسطين والعراق اللتين تغرقان في دوامة من العنف والاضطرابات الأمنية سوف يؤدي إلى تدعيم حركات الإصلاح وتصاعد الضغوط الشعبية في مواجهة الأنظمة القمعية بالعالم العربي على حد وصف الصحيفة ومع ذلك يرى محللون سياسيون أن إجراء الانتخابات في ظل موجات العنف الحالية لن يحقق الاستقرار الأمر الذي سوف يقوض سياسة بوش في المنطقة.

ففي إحدى الندوات التي عقدت مؤخرا أكد برنت سكروكروفت مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بوش الأب على أن إصرار بوش الابن على إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المقرر في 30 يناير الجاري سوف يجر العراق إلى مزيد من الفوضى ويدخل بها في نفق الحرب الأهلية.

ومن ناحية أخرى يرى عدد من المحللين والسياسيين أن الديمقراطية يجب ألا تفرض وإنما يجب تهيئة الشعوب إلى المضي بنفسها نحو التحول الديمقراطي ولعل ما حدث على الساحة السياسية الأوكرانية مؤخرا خير دليل على ذلك فقد استطاع زعيم المعارضة فيكتور يوشينكو أن يحشد الشعب الأوكراني ليقف في وجه محاولات فرض الديكتاتورية ولم يقف يوشينكو مكتوف اليدين أمام محاولات رئيس الوزراء الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية لصالحه وقام بثورة سلمية نجحت في النهاية في الوصول به إلى سدة الحكم ولذلك يجب أن يصبح ما حدث في أوكرانيا نموذجاً يحتذى به في نشر الديمقراطية.

والمؤكد في تاريخ الأمم والشعوب أن الاحتلال لا يمكنه بحال من الأحوال أن يجلب ديمقراطية على أسنة الرماح أو من خلال فوهات البنادق فالأمل على سبيل المثال في انتشال العراق من محنته ومن حالة الفوضى والعنف كما يرى سكروكروفت يكمن في أن يختفي وجه الاحتلال الأمريكي بحيث يتولى حلف شمال الأطلسي “الناتو” أو المجتمع المدني ممثلا في الأمم المتحدة مهمة إحلال الاستقرار في العراق خاصة أن العراقيين لن يتعاملوا معهم بعداء مثلما يحدث مع قوات الاحتلال الأمريكي، ويرى المسؤول الأمريكي السابق رفيع المستوى أن استمرار الوجود الأمريكي في العراق من شأنه إشعال العنف بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها الأمر الذي ينعكس سلبا على جهودها في الحرب على الإرهاب، إلا أن بوش يصر على أن الانتخابات العراقية سوف تكون تجربة باعثة على الأمل بالنسبة للعراقيين، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها في العراق يحرزون تقدما ملموسا نحو إجراء انتخابات ناجحة، لكن الباعث على الأمل لا يعرفه إلا بوش وحده وأما النجاح الذي يتحدث عنه فيشبه كثيرا الحرث في الماء.

وتبقى هنا جزئية مهمة إذ كيف يمكن للنموذج الأمريكي للديمقراطية أن يعم وينتشر في الوقت الذي تؤكد فيه استطلاعات الرأي رفض الشعوب للسياسة الخارجية الأمريكية؟.

فقد كشف استطلاع للرأي أجري مؤخرا في فرنسا أن نسبة 76% من الأوروبيين ترفض السياسات الأمريكية الخارجية وهي نسبة تزيد بمقدار 20% على ما كان عليه الوضع قبل عامين.

وفي استطلاع آخر لمركز “بيو” في واشنطن تبين أن الأغلبية في 35 دولة من دول العالم من بينها دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي يكنون مشاعر سلبية قوية تجاه الولايات المتحدة بسبب سياساتها الخارجية.

ويرى العديد من المراقبين أن هذه النسب والأرقام إنما تكشف عن تحول وشيك وجذري في النظام العالمي الراهن، ويقول هؤلاء إن الولايات المتحدة تدخل عمليا في مواجهة مع الكل، بعد أن كانت المواجهات في السابق بين الولايات المتحدة وحلفائها ضد النازية أو ضد الشيوعية أو حتى الإرهاب.

باتت الولايات المتحدة “النموذج الديمقراطي المخملي المفترض” العدو للعديد من الدول وذلك بسبب طغيانها الذي تمارسه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لذا فإننا نجد كاتبا أمريكيا متميزا مثل دانيال سامبر يرى “أن اخطر ما في الأمر هو أن الولايات المتحدة ولأول مرة في تاريخها ومنذ إنشائها باتت تبعث على الفرقة والانقسام في أرجاء العالم”.

والواقع أن نتائج هذه الاستطلاعات إنما هي تأكيد على أن الرئيس الأمريكي ومستشاريه قد بذروا بذور الفرقة والانقسام في جميع أرجاء العالم إلى الدرجة التي بات فيها قلق الناس من تصرفات واشنطن يزيد على قلقهم من الإرهابيين، وبالتالي أصبح النظر إلى كافة المشروعات الديمقراطية الأمريكية كأنه نظر آثم يجلب الخطيئة والشر ولاشك أيضا أن ثقة الولايات المتحدة الزائدة في سياستها ونزعتها الانفرادية قد زادت من صعوبة مكافحة الإرهاب في العالم وفي الوقت ذاته جعلت كافة الأحاديث عن الديمقراطية الأمريكية أحاديث مجروحة ومشكوك في صدقيتها وإمكانية تفعيلها بشكل حقيقي على الأرض.

أما الأمر الآخر والذي يتعلق بحقيقة إرادة بوش وإدارته في إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط ففيه حديث كثير ومتناقضات بينة لا تخفي على اللبيب وهو هنا شاهد من أهلها واعني به مجلة الفورين بوليس الأمريكية التي تعنى بالشؤون السياسية الأمريكية والدولية.

تقول في ملف أخير لها عن الديمقراطية في الشرق الأوسط لقد شكل التحول الديمقراطي في تلك المنطقة الساخنة هدفا رئيسيا لسياسة بوش الخارجية وتعد هذه السياسة الجديدة انقلابا على عقود طويلة من الدعم المتواصل لما أسمته بنظم الحكم الشمولية في المنطقة وهي تعكس أيضا القناعات الجديدة التي تشكلت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول من عام 2001 بأن الديمقراطية في الشرق الأوسط هي العلاج الأفضل للإرهاب الإسلامي.

ورغم أن هذه الرغبات الأمريكية تبدو عميقة وصادقة إلا أن للولايات المتحدة قائمة أهداف ومصالح أخرى غير نظيفة في المنطقة مثل السيطرة على البترول والتعاون في مكافحة الإرهاب وإقامة السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين والدول المجاورة ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وفي النهاية منع المتشددين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة.

وغني عن البيان أن الحماس الذي شعرت به الولايات المتحدة فجأة بشأن الديمقراطية في هذه المنطقة يتعارض بشكل ما مع هذه الخلطة من المصالح والأهداف لهذا فإننا نرى الولايات المتحدة تطلق عدة مبادرات من اجل تشجيع الديمقراطية في هذه المنطقة مثل الشرق الأوسط الكبير وشراكة الشرق الأوسط إلا أن هذه المبادرات تتكون من إجراءات تدريجية ومتواضعة لترويج التغيير الديمقراطي دون أن تمثل أي تحد حقيقي لما أسمته “الفورين بوليسي” سلطات الحكومات المتجبرة.

والحاصل انه رغم إيمان بوش بأهمية التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط إلا أن سياسات الولايات المتحدة ما زالت تحمل قدرا من التناقض بشأن السرعة التي سيتم فيها أي انفتاح سياسي في المنطقة وهذا بدوره يجعل من الصعوبة بمكان التصديق بالدعوة إلى الديمقراطية خاصة في ظل التناقض الواضح بين وزارة الخارجية الأمريكية من جهة والأجهزة الاستخبارية الأمريكية من جهة ثانية.

والواقع يقودنا إلى معادلة غير مفهومة ولا محسوبة العواقب ذلك أن ألف باء الديمقراطية هي عملية الانتخاب الحر وبالتأكيد لا يمكن اختزال المسيرة الديمقراطية في صناديق الاقتراع فقط لكنها النتيجة أو الخلاصة النهائية.

إلا انه بين صناديق الانتخابات وبين الإدارة الأمريكية جدل غير واضح المعالم بالنسبة للدول الإسلامية والعربية بمعنى انه في ظل هذه المشاعر العدائية للولايات المتحدة في المنطقة إضافة إلى مشاعر التعاطف مع التيار الإسلامي فإن أي انتخابات حرة ومفتوحة قد تؤدي في النهاية إلى صعود من يعتبرون من قبل واشنطن نظما غير صديقة إلى سدة الحكم فكيف التوفيق في هذا الحال؟ لا أحد يعرف وأحسب أن إدارة بوش بقضها وقضيضها لا تملك إجابة عن هذا التساؤل.

وتبقى النقطة الثالثة في هذه الجزئية وفيها نطرح على المائدة بعدا يتمثل في خفوت صوت المناداة بالديمقراطية والشرق الأوسط الكبير في الأشهر الثلاثة الأخيرة والتركيز بصورة اكبر على القضايا الاقتصادية فما الذي جرى؟

الخليج الإماراتية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ