اعتراف
رسمي وقانوني بتدهور القوة
الشرائية
للرواتب
والأجور بنسبة 100%
علي
عبود
اعترفت الحكومة في القانون الجديد
للعاملين بالدولة بتدهور
القدرة الشرائية للرواتب
والأجور بنسبة 100% تقريباً عن
قوتها خلال عشرين عاماً.
ومقارنة سريعة بين جداول الرواتب
الملحقة بقانون العاملين
الصادر في مطلع عام 1985 وجداول
الرواتب الملحقة بالقانون
الجديد الذي أصبح نافذاً مع
مطلع عام 2005 يؤكد بوضوح التدهور
السريع للرواتب والأجور.
وتصر الحكومة على الحديث مراراً
وتكراراً عن مزايا ومكاسب
القانون الجديد، وانضم مؤخراً
إلى الحديث عن هذه المزايا رئيس
الاتحاد العام لنقابات العمال.
ويبدو أن الحكومة وجهت الإعلام
الرسمي لتعداد مزايا قانون
العاملين الجديد في الزوايا
والتقارير واللقاءات وهذا ما
حدث تماماً عند صدور القانون
الملغى رقم واحد عام 1985 وكأن
التاريخ يكرر نفسه!
لقد اكتشفنا أننا أمام حملة خداع
وتضليل تلاعبت بمشاعر العاملين
كما حدث منذ عشرين عاماً.
بالمحصلة فإن القانون الجديد لا
يعيد الاعتبار إلى الوظيفة
العامة ولا يشجع على استقطاب
الخبرات بل إنه يلحق ظلماً
كبيراً بكل من يمتلك خبرة فعلية
في مجال عمله وهذا الأمر كان ولا
يزال يدعو إلى الاستغراب.
تلقى جميع العاملين في وزارات
الدولة ومؤسساتها العامة
باستثناء أصحاب المناصب
الرفيعة صدمة من العيار الثقيل
بعد إقرار مجلس الشعب للقانون
الجديد للعاملين بالدولة..
وأصاب القانون الجديد جميع
العاملين حتى من وصل منهم إلى
الحد الأعلى للأجر باستثناء
أصحاب المناصب الرفيعة بخيبة
أمل مروعة، وشعر كل من علق
الآمال الكبيرة أو الصغيرة على
القانون المنتظر بحالة لا توصف
من اليأس والإحباط..
انتظر العاملون في الدولة قانوناً
جديداً متطوراً ومتقدماً
ينصفهم ويحسن مستواهم المعيشي
وظروف عملهم ويردم الهوة
الكبيرة التي تفصل الأجور عن
الأسعار فاكتشفوا من خلال ما
نشر من مناقشات مجلس الشعب وبعض
المختصين أنهم أمام قانون متخلف
جداً دفعهم إلى "الترحم"
على القانون رقم /1/ لعام 1985.
وفضل جميع العاملين في الدولة بل
وتمنوا أن يعيد مجلس الشعب
القانون إلى الحكومة إذا لم
يتمكن من تعديله جذرياً، أو
الطلب من الحكومة استمرار العمل
بالقانون الصادر قبل عشرين
عاماً فهو قانون جيد بل وممتاز
في حال تحرير مواده من قبضة
الحكومات المتعاقبة وتنفيذ
الأحكام والمواد التي تنصف
العاملين وتحسن مستوى معيشتهم..؟
خداع وتضليل
اكتشف العاملون في الدولة أن لا
مزايا ولا مكاسب جديدة في
القانون الجديد..
وكان من حق العاملين أن يشعروا
بالإحباط وأن تصيبهم حالة من
الذهول وعدم التصديق لأن
تنظيمهم النقابي روج للمزايا
والمكاسب الجديدة القادمة
وفعلت الحكومة مثل التنظيم
النقابي فروجت أيضاً على مدى
أشهر لمكاسب ومزايا مادية تحسن
المستوى المعاشي وظروف العمل..
فماذا كانت الحصيلة بعد إقرار
مجلس الشعب لمشروع القانون الذي
أصبح قانوناً..؟
اكتشف العاملون باستثناء أصحاب
المناصب الرفيعة أن المزايا
والمكاسب مجرد مزاعم وأوهام إذ
لا مزايا ولا مكاسب تستحق الذكر
في القانون الجديد.
واكتشف الجميع أنه كأنه ضحية
عملية خداع وتضليل وتلاعب
بمشاعر العاملين من خلال العزف
على وتر تحسين الأوضاع المعيشية
وظروف العمل..
ومن قرأ أو سيقرأ أحكام ومواد
القانون الجديد سيكتشف أنه أمام
قانون متخلف كثيراً عن القانون
رقم /1/ لعام 1985..
وإذا كان الحديث طال وتشعب وكثر
حول الضرر الذي ألحقه القانون
الصادر قبل عشرين عاماً
بالعاملين، فإن القانون
المذكور لا يتحمل أي مسؤولية
فليست مواده هي التي حرمت
العاملين من المزايا والمكاسب
التي نص عليها وإنما الحكومات
المتعاقبة التي جملت وأوقفت
العمل بجميع المواد التي أقرت
لمصلحة تحسين الأوضاع المعيشية
للعاملين.
والسؤال، إذا كان القانون الصادر
قبل عشرين عاماً جيداً في حال
تنفيذ جميع أحكامه ومواده
وإلغاء جميع الاجتهادات
والتفسيرات اللامنطقية التي
لحقت به فلماذا الإصرار على
إعداد قانون جديد متخلف عن
الأول بكثير..؟
ترسيخ وقوننة للواقع المتدهور..؟
القراءة المتأنية للقانون الجديد
بعيداً عن تصريحات المسؤولين
ومزاعمهم حول المكاسب والمزايا
القادمة تكشف أن الهدف عن
القانون الجديد ليس تحسين أوضاع
العاملين وظروف معيشتهم وعملهم
بل ترسيخ الأمر الواقع من خلال
نصوص قانونية..
القانون الجديد يؤكد من خلال
الجداول الجديدة للرواتب
والأجور أن القوة الشرائية
لأصحاب الدخل المحدود للعاملين
لدى الدولة ومؤسساتها تراجعت
كثيراً عن مستواها قبل عشرين
عاماً..
والاكتشاف المذهل أن رواتب عام 2005
المتبعة بالجداول الملحقة
بالقانون رقم /1/ لعام 1985 هي أفضل
وأقوى من الرواتب المتضمنة
بالجداول الملحقة بالقانون
الجديد.
أما عملية تضليل وخداع العاملين
بأجر فتبرز بشكل مفضوح وفج في
المزاعم التي روجتها الحكومة
حول تعويض الاختصاص فهي تؤكد
منذ سنوات أن هذا التعويض سيمنح
على أساس الراتب الحالي لا على
أساس راتب 1974.. وكانت الحكومة
صادقة فعلاً فهي أقرت المادة
التي تمنح العاملين التعويض على
أساس الراتب الحالي لكنها خفضت
نسبة التعويض من 55% إلى 8% أي أن
الزيادة الفعلية التي طرأت على
تعويض الاختصاص هي 1% فقط
فهنيئاً للعاملين في الدولة على
هذه الزيادة "المحرزة" بعد
عشرين عاماً من الانتظار..؟؟
وهكذا يتضح أن الأمر ليس أكثر من
تشريع أو قوننة للأوضاع الراهنة
إذ أصبحت الحكومات المتعاقبة
"مضحكو" في كل مرة يتقاضى
فيها عامل في الدولة تعويضاً أو
مكافأة أو أجراً عن عمل إضافي أو
لقاء إيفاد بمهمة مقابلاً
مادياً على أساس راتب آخر قبل
ولادته.. ولإنهاء هذا الوضع
الشاذ فضلت الحكومة إعداد مشروع
قانون يمنح التعويضات على أساس
الرواتب الحالية بعد تخفيض نسب
هذه التعويضات بحيث لا يتغير
الواقع الراهن وإذا تغير فبشكل
طفيف وغير ملموس..
ولو أرادت الحكومة إنهاء الوضع
الشاذ وتحسين الأوضاع المعيشية
للعاملين وظروف عملهم لما
احتاجت إلى قانون جديد كان يكفي
تفعيل المواد المجمدة التي لم
تطبق في قانون العاملين الصادر
قبل عشرين عاماً وإنهاء مجلدات
التفسير التي تبلغ ثلاثة آلاف
صفحة والتي كانت تركز على حرمان
العاملين من أي مزايا أو مكاسب
تحسن أوضاعهم المعيشية..
الخيبة كبيرة
سبق أن قلنا أن الخيبة كبيرة جداً
وإن ما تضمنه القانون الجديد من
مزايا هي هزيلة جداً ونتحدى
الحكومة أن تثبت لنا العكس..
والسؤال كيف يمكن للحكومة أن تقنع
العاملين في الدولة أن القانون
الجديد سيحسن أحوالهم المعيشية
وظروف عملهم إذا كانت الحدود
الدنيا للرواتب التي أقرها
القانون رقم (1) لعام 1985 هي أقوى
وأفضل من رواتب الحد الأدنى
التي أقرها القانون الجديد؟
لقد كان الحد الأدنى للفئة الأولى
عند بدء التعيين في عام 1986 يبلغ
1145 ليرة سورية وهو مبلغ كان
يعادل آنذاك 330 دولاراً.
وبموجب القانون الجديد زاد الحد
الأدنى لبدء التعيين للفئة
الأولى نظرياً إلى 6585 ليرة
سورية ولكنه تراجع عملياً أي من
ناحية القدرة الشرائية من 330
دولاراً إلى 137 دولاراً أي أن
القدرة الشرائية لمن كان يعين
قبل عشرين عاماً تراجعت بمقدار
103 دولارات لمن سيعين حالياً فهل
هذا معقول..؟
هل هذا هو تحسين الأوضاع المعيشية
للعاملين في الدولة وظروف عملهم..؟
أما راتب بدء التعيين لحامل شهادة
الدكتوراه فكان مطلع عام 1986
يبلغ 1355 ليرة سورية أي 271
دولاراً وزاد هذا الحد وهو
الراتب الأقصى الذي يتقاضاه من
يرضى بعمل لدى الدولة بعد نفاذ
القانون الجديد إلى 8835 ليرة
سورية وهي زيادة نظرية لأن
القدرة الشرائية لمن عين قبل
عشرين عاماً تراجعت من 271
دولاراً إلى 162 دولاراً لمن
سيعين حديثاً..
وتصبح الحصيلة هزيلة أكثر وخيبة
الأمل أكبر كلما نزلنا إلى
الفئات الأدنى فالحد الأقصى
لأجر بدء التعيين في الفئة
الثانية تراجع من 209 دولارات إلى
117 دولاراً أما الحد الأقصى
لراتب بدء التعيين في الفئة
الخامسة فقد تراجع من 135 دولاراً
إلى أكثر بقليل من 73 دولاراً..
ويمكن أن نتصور شكل المزايا
والمكاسب التي منحها القانون
الجديد للعاملين بالدولة عندما
ينص على منح راتب لعامل في
الدولة عند بدء التعيين بمقدار
3810 ليرات فقط وهو مبلغ قوته
الشرائية أقل من نصف القوة
الشرائية لراتب بدء التعيين
لنفس العامل قبل عشرين عاماً..
ثغرات كثيرة
تضمن قانون العاملين الجديد
الكثير من الثغرات التي كرسها
القانون الصادر قبل عشرين عاماً
ويوحي تكريسها مجدداً في قانون
أقره مجلس الشعب في القرن
الحادي والعشرين أن الحكومة لا
تفكر جدياً بإصلاح الرواتب
والأجور ولا بإعادة الاعتبار
إلى الوظيفة العامة ولا بتحسين
الأوضاع المعيشية للعاملين
وظروف عملهم.
انتظرنا مثلاً أن تلغي الحكومة
جداول الرواتب وتوزيعها على
فئات لكنها فعلت العكس إذ حرصت
على إلحاق القانون بجداول
مماثلة للقانون الصادر قبل
عشرين عاماً دون أن ندري الحكمة
من تضمين القانون بجداول ستعدل
مع كل زيادة على الرواتب
والأجور..
ولعل أبرز ثغرة في القانون الجديد
سبق أن كتبنا عنها الكثير هي
المساواة بين حملة الشهادات في
الرواتب حسب سنوات الدراسة دون
أي اهتمام لنوعية الاختصاصات أو
التطور الذي شهدته البلدان
المتطورة على صعيد الأنظمة
الدراسية..
فهناك ظلم لحق بأصحاب الشهادات في
القانون الصادر قبل عشرين عاماً
وكرسه القانون الجديد وهو ظلم
بمنزلة عقاب شديد لمن جد واجتهد
وحصل على الإجازة الجامعية
بثلاث سنوات أو أقل أو من حصل
على الدكتوراه في دولة تعتمد
نظام المقررات لا السنوات.
ومن الثغرات التي لم يتلافها
القانون الجديد موضوع الخبرات
فقد أهملتها الحكومة كلياً.
وهذا الأمر مستغرب فهي من جهة
تؤكد أهمية الخبرات ومن جهة
أخرى لا تشجع ولا تستثمر
الخبرات المتاحة ويكفي القول من
خلال القانون الجديد إن الحكومة
لا تعترف بالخبرات فصاحب
الشهادات العالية والذي لديه
خبرة لا تقل عن 5 أو 10 سنوات في
مجال اختصاصه يعين بنفس أجر أي
خريج جديد..
ومثلما فعل القانون الصادر قبل
عشرين عاماً فقد منع القانون
الجديد انتقال أي عامل من فئة
دنيا إلى أعلى مهما امتلك من
إمكانيات وخبرات ومؤهلات تفوق
مستوى الكثيرين من الفئة الأعلى
إلا إذا حصل على شهادة أعلى من
شهاداتهم التي تم تعيينهم
بموجبها. وهذا يعني أن الحكومة
غير جادة بالاستفادة من الخبرات
المتراكمة في الجهات العامة
وتفضل عليهم أصحاب الشهادات
عديمي الخبرات في المناصب
العليا..؟؟
وعد.. من وزيرة العمل..!!
استغربنا جداً تصريح وزيرة الشؤون
الاجتماعية والعمل الدكتورة
ديالا حج عارف حول مشروع قانون
جديد للأجور والرواتب..
وقد أكدت عارف على هامش مناقشة
مجلس الشعب لمشروع قانون
العاملين أن الوزارة تدرس
حالياً مشروع قانون منفصل
للأجور والرواتب.
استغربنا هذا التصريح وتساءلنا:
إذا كانت الحكومة جادة بإصدار
قانون منفصل للرواتب والأجور
فلماذا كان المحور الرئيسي
لقانون العاملين الجديد هو
الرواتب والأجور والتعويضات
وطبيعة العمل والاختصاص.. الخ..؟
فإذا كانت الحكومة جادة فعلاً
بإصدار قانون جديد للرواتب
والأجور ألا يعني هذا تعديلاً
في المواد الأساسية لقانون
العاملين الجديد أو إلغاء له
بشكل أو بآخر..؟
برأينا أن تصريح وزيرة الشؤون
الاجتماعية والعمل هو
للاستهلاك وهو بمنزلة مسكن
لامتصاص غضب الطبقة العاملة، إذ
سبق أن وعدت الحكومة بإنجاز
قوانين تضمن حقوق العاملين في
الدولة منذ عشرين عاماً.. ولم
يصدر منها شيء حتى الآن..؟؟!!
كانت الفرصة متاحة.؟.
ونقول بصراحة أن الفرصة كانت
متاحة أمام الحكومة لإعداد
مشروع متطور يواكب العصر
ويتجاوز الثغرات التي برزت خلال
العشرين عاماً الماضية.
ونقول أيضاً لو أن الحكومة كانت
جادة فعلاً بإعادة الاعتبار إلى
الوظيفة العامة وتشجيع الخبرات
واستقطابها وتحسين الأوضاع
المعيشية للعاملين في الدولة
وظروف عملهم لعملت على تضمين
القانون الجديد التالي:
إلغاء المواد التي تتناول كل ما
يتعلق بالرواتب والأجور في
القانون القديم وبخاصة الجداول
التي تتضمن الحدين الأدنى
والأقصى.
أن يركز القانون على مسؤوليات
وواجبات العاملين في الدولة
وحقوقهم..
أما فيما يخص الرواتب والأجور
فكان يجب أن ينص القانون على
مادة تقول: يحدد الحد الأدنى
للرواتب والأجور بقرار يصدر عن
مجلس الوزراء..
ويفترض أن يكفي هذا الحد الأدنى
لتأمين المستلزمات الأساسية
لأسرة مكونة من أربعة أفراد بغض
النظر عن المستوى العلمي أو
الشهادة التي يحملها العامل في
الدولة أو الذي يعين حديثاً.
كان يجب أن يتضمن القانون الجديد
مادة تنص على التالي:
تقوم الوزارات والجهات العامة
بوضع سلم للرواتب والأجور حسب
الاختصاصات والأعمال التي
تنسجم مع طبيعة عملها ويصدر هذا
السلم بقرار من مجلس الوزراء.
ويفترض أن يقترن ذلك بتطبيق قانون
الضمان الصحي وقانون تأمين
البطالة.
وباختصاص كان يفترض بالقانون
الجديد أن ينص على التالي:
رفع الحد الأدنى لبدء التعيين إلى
المستوى الذي يكفي لتأمين
المستلزمات الأساسية للمعيشة.
وضع سلم للرواتب والأجور يراعي
الشهادات العلمية والخبرات
يضاف إلى راتب الحد الأدنى.
جعل الترفيع الدوري 10% سنوياً لردم
الهوة بين الأسعار والأجور.
وأي تعديلات أخرى غيرها لا يمكن أن
تؤذي إلى الإصلاح المطلوب
للرواتب والأجور وإعادة
الاعتبار إلى الوظيفة العامة.
كي لا تتكرر المأساة
ما حدث للعاملين بعد صدور القانون
رقم /1/ لعام 1985 كان مأساة حقيقية
فقد تم تشكيل لجنة دائمة لتفسير
هذا القانون كانت المسؤولة عن
إرباك حياة العاملين وحلت
التفسيرات تدريجياً محل
القانون وكل ذلك لتحقيق هدف
واحد هو حرمان العاملين من
المزايا والمكاسب التي نص عليها
القانون المسمى باسمهم..
جرى بكل سهولة تأجيل أو تجميد جميع
المواد التي تنص صراحة على
تحسين الأوضاع المادية
للعاملين، وربطت الحكومة تنفيذ
مواد أخرى بصدور قوانين ومراسيم
لم تصدر حتى الآن..
والقراءة الأولية للقانون الجديد
تشير أنه نسخة معدلة ومنقحة عن
القانون الصادر قبل عشرين عاماً.
ونخشى أن تشكل له لجنة دائمة
لتفسيره وتتكرر المأساة.
ليست المسألة في قبول الحكومة
برفع الحد الأقصى للأجر لجميع
الفئات فهي تعرف أن هذا التعديل
لن يكلفها أي نفقات مادية قبل
عقد من الزمن، وأن المسألة هي في
التحديد المسبق لهذه الرواتب
وتوزيعها على فئات لا تحقق
المساواة العادلة..
ومن ينظر إلى جداول الرواتب
والأجور فسيجد أن المنطق يقضى
بعكسها أي أن الحدود القصوى هي
التي يجب أن تكون على أقل تقدير
الحد الأدنى لبدء التعيين.
إن نظرة إلى الحد الأدنى لبدء
التعيين يؤكد أن الحكومة لا
تفكر جدياً بإصلاح الرواتب
والأجور فحامل شهادة الدكتوراه
مهما كان اختصاصه يبدأ أجره عند
التعيين بمبلغ 8825 ليرة سورية.
ترى هل سأل الجهبذ الذي وضع هذا
الرقم: إذا كان يكفي هذا الراتب
شخصاً لا يقل عمره عن 27 عاماً
لمواجهة أعباء الحياة..؟؟
وبالطبع لا يفرق القانون بين حامل
دكتوراه في الفيزياء أو
التكنولوجيا الحيوية أو
النووية وبين حامل دكتوراه في
الجغرافيا فالراتب واحد لجميع
حاملي الدكتوراه..؟؟
هل زيادة الرواتب ممكنة..؟
قد تسأل الحكومة أو يسأل بدلاً
عنها الكثيرون، ومن أين تأتي
بالموارد لإصلاح الرواتب
والأجور..؟
والجواب بسيط جداً..
هل مسؤولية المواطن أم الحكومة
تدهور قدرته الشرائية بحدود 100%
خلال عشرين عاماً..؟
وهل مسؤولية المواطن أم الحكومة
البحث عن الموارد المالية..؟
وهل المواطن مسؤول عن قيام
الحكومات السابقة بتجميد راتبه
طوال عقد من السنوات مع نسبة
تضخم لا مثيل لها..؟
وهل مسؤولية المواطن أن يتحمل
خسائر الشركات الحكومية..؟
ومع ذلك نرى أن زيادة الرواتب
ممكنة من خلال انتهاج سياسات
مالية واقتصادية مناسبة، فإذا
كانت الخسائر التجارية في بعض
المؤسسات والشركات العامة حسب
موازنة عام 2005 تتجاوز 62 مليار
ليرة سورية فإن هذه الخسائر
جانب واحد من جوانب هذه
السياسات المطلوبة التي إذا ما
عالجتها الحكومة فهي كفيلة
بإيجاد الموارد الكافية لإصلاح
الرواتب فكيف إذا انقلبت
الخسائر التجارية إلى أرباح
تجارية..؟؟
أما بإصلاح القطاع العام المؤجل
إلى تاريخ غير معروف فهو أيضاً
جانب آخر من السياسات المالية
والاقتصادية الكفيل بتحقيق
موارد مالية كبيرة.. وإذا ما
تضمن الإصلاح بعضاً مما ورد في
وثيقة لجنة الـ 35 التي طواها
النسيان وبخاصة ما يتعلق بتحويل
الشركات العامة إلى شركات
مساهمة أو قابضة أو متضامنة فإن
ما تنفقه الحكومة حالياً على
هذه الشركات سيتحول إلى فائض
مالي لتحسين مالية الدولة،
وبالتالي بالإمكان استثمار هذا
الفائض في إصلاح الرواتب
والأجور وهو إصلاح ضروري وأساسي
للإصلاح الاقتصادي ولتحسين
البنية التحتية وتطوير المرافق العامة.
هنيئاً للعاملين بزيادة تعويض
الاختصاص بنسبة 1%
وعندما تتحسن الرواتب والأجور
وتصبح كافية ووافية وتزيد عن
المستوى المطلوب لأساسيات
الحياة يصبح بإمكان الحكومة رفع
الدعم الذي "تمنن" به
المواطن بمناسبة وبغير مناسبة
وكذلك يصبح بإمكان الحكومة
تطبيق ضريبة القيمة المضافة وهي
ضريبة تزيد من واردات الدولة
وبنسبة لا تقل عن 20% كما حصل في
لبنان مثلاً عندما طبق هذه
الضريبة في السنة الأولى.
أخيراً..
إن القانون الجديد ليس خيراً على
العاملين بالدولة وإنما هو
تكريس للواقع والتراكمات التي
نجمت عن التطبيق السيء للقانون
رقم /1/ لعام 1985 وكان يفضل لو أن
مجلس الشعب رد القانون إلى
الحكومة وطالبها بتطبيق
القانون رقم /1/ كاملاً أي تحرير
المواد من القبضة الحديدية
للحكومات المتعاقبة وإحداث
القوانين التي وعد بها هذا
القانون منذ عشرين عاماً والتي
كان ولا يزال ينتظر العاملون
صدورها وبخاصة قانون الضمان
الصحي..
الأسبوع
الاقتصادي 1/1/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|