انسحاب
سورية من لبنان كان أسهل من
اللازم
هل
سوريا تقوم بالإصلاح ؟
يونايتد
برس إنترناشيونال
قبول سوريا بهذه السرعة المفاجئة
لسحب قواتها ووحدات المخابرات
من لبنان المجاورة بعد 30 سنة جاء
بشكل مفاجئ، كما سار بصورة
هادئة جداً لدرجة أن بعض
المحللين يشكون في أنه كان أسهل
من اللازم.ماذا يعني هذا؟ إنه
يعني أن سوريا ما تزال تملك ورقة
أو اثنتين جاهزتين للاستخدام،
بكلمات أخرى: هل يمكن أن تكون
سوريا تخطط للعودة؟ أم أنها
ستستغل الوضع الراهن من أجل
تسوية قضاياها الداخلية؟.
هل تذكرون خطاب الرئيس بشار الأسد
أمام مجلس الشعب في 7 آذار عندما
قال: "الانسحاب السوري من
لبنان لن يعني غياب الدور
السوري". ثم أضاف الرئيس
السوري: "قوة سوريا ودورها في
لبنان لا تعتمد على وجود قواتها
هناك".
في حديثه عن قضية مغادرة وحدات
المخابرات السورية للبنان يقول
ريموند تيلر العضو السابق في
مجلس الأمن القومي: "لست
متأكداً من أنهم عبروا الحدود
إلى سوريا".
ما من شك أن الأقمار الصناعية
العالية التقنية التي تبث
أخبارها إلى وكالة الأمن القومي
في واشنطن سوف تتابع تحركات
ضباط المخابرات السوريين وهم
يغادرون، وما من شك أن محللي
الصور سوف يحللون كل جزئية من
تفاصيل الصور التي تلتقطها هذه
الأقمار. كما أن عناصر
المخابرات اللبنانية سوف
يركبون متنكرين في سيارات
التاكسي ويتابعون السيارات
السورية فقط لكي يتأكدوا أن
وجهتها الأخيرة هي فعلاً ضمن
الأراضي السورية.
من المؤكد أيضاً أن الشكوك حول
إعادة سوريا النظر في قرارها أو
وجود دوافع خفية لديها يمكن
اعتبارها أنها قائمة على أساس
نظريات المؤامرة، فالشرق
الأوسط يملك ما يكفيه ويزيد من
أولئك الذين يرون مؤامرة وراء
كل باب أو تفجير قنبلة، ولكن بين
حين وآخر تبدو واحدة من هذه
النظريات وكأنها مبررة.
لم يكن من باب المصادفة أن سيارة
انفجرت يوم الجمعة في أحد
الأحياء المسيحية في بيروت مما
أدى إلى جرح 11 شخصاً. نظريات
المؤامرة سترى في هذا الانفجار
رسالة بأن استمرار المظاهرات من
قبل المعارضة في لبنان سيكون له
عواقب وخيمة. يكفي المرء أن
يتذكر الحرب الأهلية التي دامت
15 عاماً حتى يدرك إلى أي مدى
يمكن أن تسوء الأمور, بعد
المظاهرات الحاشدة المعادية
لسوريا يوم الاثنين الماضي
والتي شارك فيها حوالي 1 مليون
شخص فإن الرئيس اللبناني إميل
لحود دعا إلى إيقاف كافة
المظاهرات محذراً من إمكانية
تعرض المتظاهرين لمشاكل، وقد
يرى أصحاب نظريات المؤامرة صلة
بين هذه الأحداث.
أصحاب نظرية المؤامرة الذين
يعرفون جيداً المنطقة
واللاعبين فيها والتركيبة
العقلية لسكانها وتاريخها
وميلها إلى العنف قد يتوصلون
إلى نتيجة بأنه من غير المألوف
بالنسبة للسوريين أن يسمحوا
لأنفسهم بأن يدفعوا جانباً دون
أن يتمكنوا من الرد. خاصة وأن
المخاطر التي يتعرضون لها لا
تقتصر على فقدان ماء الوجه،
والتي تعتبر قضية ذات أهمية
كبرى في العالم العربي، وإنما
أيضاً فقدان عنصر مهم من عناصر
الاقتصاد السوري.
ما يحرك فعلاً الطموحات السورية
للبقاء في لبنان يتمثل في عوامل
اقتصادية أكثر منها سياسية. ففي
السنوات الـ30 الماضية كان لبنان
يمثل البقرة الحلوب بالنسبة
للاقتصاد السوري الجامد. يبلغ
متوسط الدخل في سوريا حوالي 150
دولار شهرياً حسب ما أفاد به
أفراد من المعارضة، أو 1100 دولار
سنويا حسب الأمم المتحدة. وفي
كلتا الحالتين فإن سوريا حسب
السي آي إيه تحل في المرتبة 150
فيما يتعلق بحصة الفرد من
إجمالي الناتج المحلي، أي أنها
وراء لبنان (وترتيبها 131)
والأردن (135) وحتى جزيرة قبرص
الصغيرة التي ترتيبها 116.
يقول دبلوماسي اوربي ذو اطلاع على
المنطقة: "هذا هو الشرق
الأوسط. نحن نتحدث عن النقود. إن
أهمية العائد الذي يدره لبنان
بالنسبة لسوريا مثل أهمية النفط
بالنسبة للسعودية". كما أشار
المسؤول الذي تحدث شريطة عدم
الكشف عن اسمه إلى التجارة
الغير مشروعة التي كانت تتم بين
الحدود السورية اللبنانية.
يؤكد أصحاب نظرية المؤامرة أن
سوريا اشتطت بعيداً حتى وصلت
إلى اغتيال رئيس الوزراء
اللبناني السابق رفيق الحريري
بسبب أنه أصبح مزعجاً بالنسبة
لدمشق. وإذا كانت المخابرات
السورية لم ترتكب هذه الجريمة
بنفسها فإنها على الأقل سمحت
بها. اغتيال الحريري كان عملاً
من الأهمية وله عواقب بعيدة
التأثير إلى درجة أن دمشق لا بد
أن تكون على الأقل قد أعطت إشارة
الموافقة على تنفيذه. لهذا فإن
تقرير الأمم المتحدة حول
الحادثة والذي من المفترض أن
يصدر يوم الاثنين يُنتظر بكثير
من الترقب.
يسأل أصحاب نظرية المؤامرة ما
الذي ستفعله دمشق، وتحديداً
الرئيس السوري بشار الأسد
تالياً؟
يقول تانتر: "سيحاول بشار أن
يماطل ويكسب الوقت ويقوم بأقل
جهد ممكن. الاسد يواجه معضلة:
ففي حال قبل قرار الأمم المتحدة
رقم 1559 فسوف يفقد شرعيته أمام
شعبه، وفي حال قبل بسحب القوات
من لبنان فإنه سيتراجع أمام
المعارضة في الداخل. سوف يختار
الاسد حلاً وسط، وسينتهي به
الأمر بأنه لن يرضي أحداً"،
كان الاسد يأمل في كسب الوقت
لذلك راهن على دعم أصدقائه
القدامى في لبنان مهما كان
ثقلهم السياسي: حزب الله. لكن
المنظمة الشيعية المسلحة،
والتي تركب حالياً موجة
الديمقراطية، ربما تقرر أنه ليس
من مصلحتها الوقوف في صف دمشق
كما يرى تانتر.
ومع ذلك فإن بعض المحللين يرون أن
هناك فرصة سانحة أمام الرئيس
السوري لكي يعزز قاعدته
الداخلية. يقول جوشوا لانديز من
جامعة أوكلاهوما في موقعه سيريا
كومنت أن بشار ليس معرضاً للخطر
حالياً. ويضيف لانديز الذي يمضي
الآن مدة سنة في دمشق: "في
الواقع يبدو بشار وكأنه عزز
سلطته نتيجة القضية اللبنانية:
فقد وضع عائلته في مراكز قوة
أكبر وتمكن من تهميش عدد من
شخصيات الحرس القديم. ويأمل
الإصلاحيون أن يستغل الاسد هذه
اللحظة لكي يدخل المزيد من
الإصلاحات الجوهرية". هل يمكن
أن تكون هذه اللحظة الذهبية
بالنسبة للاسد التي كان ينتظرها
من أجل دفع الحرس القديم
خارجاً؟
تانتر هو أحد الأشخاص الذين
يعتقدون أن بشار لم يكن يسعى
وراء الإصلاح أساساً.
أما الآخرون، مثل لانديز، فيأملون
"أن الرئيس سوف يستجيب لنكسة
لبنان بأن يتولى السيطرة على
الأوضاع الداخلية بشكل أكثر
إحكاماً ويعمل على تعزيز
الإصلاح. لكن ليس من الواضح ما
إذا كان سيفعل ذلك".
ترجمة
ناديا عطار : سيريا نيوز 22/3/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|