موفد
لـ "قدس برس" يدخل الفلوجة
ويشاهد
بقايا أنقاض وحطام
كان علينا أن نتخذ طرقا جانبية
للوصول إلى الفلوجة، المدينة
التي تتضارب بشأنها الأنباء،
بين من يقول إنه تمت السيطرة
عليها، ومصادر أخرى تؤكد أن
المدينة ما زالت تقاوم.. كان
رفيقنا في الرحلة واحد من أهالي
المدينة، تمكن من إخراج عائلته
منها، لكنه يصر على البقاء
داخلها، رغم ما أصابها من خراب
ودمار واسعين.
أخبرنا "الدليل" أن المخاطر
جمة في الطريق، وأن الداخل إلى
المدينة قد لا يخرج منها.
وبالرغم من الأخطار الجسام، في
مدينة صارت ساحة حرب لا تتوقف،
فليس ثمة من بد من المجازفة،
قررنا دخول المدينة، والوقوف
على حقيقة ما جرى ويجري هناك..
دخلنا الفلوجة عبر نهر الفرات..
كان
الطريق المائي هو الأكثر أمنا،
أو ربما الأقل خطرا.
أخبرنا رفيق الرحلة أو دليلها
"عبد الله" أن الأمور بدأت
تتحسن لصالح المقاومين بعد
الأيام العشرة الأولى، وأن
المدينة الآن تتعافى من "دنس
المحتلين"، كما قال، في إشارة
إلى القوات الأمريكية، حيث تقوم
المقاومة بشن عشرات الهجمات
اليومية على مراكز وتجمعات
القوات الأمريكية، الأمر الذي
اضطرها لتخفيف وجودها، كما قال.
دخلنا الفلوجة من أطرافها
الغربية، كانت المنطقة شبه
هادئة، غير أن أصوات الانفجارات
بالإمكان سماعها بوضوح بين حين
وآخر .. شهد يوم الجمعة (26/11) حيث
كنا هناك اشتباكات عنيفة، بدأت
منذ الساعة العاشرة، واستمرت
إلى ما يقارب منتصف ليل الجمعة/
السبت (26-27/11)، وأسفرت حسب بيان
صدر بعد ذلك عن فصائل جيش محمد،
التي تعتبر الفصيل الرئيس
للمقاومة في الفلوجة، عن تدمير
12 سيارة "همر" وتسع آليات
ما بين دبابة ومدرعة، فيما أكد
البيان أن أكثر من 26 جنديا
أمريكيا قتلوا في حي المهندسين،
شمال الفلوجة.
المناطق التي يسيطر عليها
المقاومون في المدينة تتسع يوما
بعد آخر، فبعد أن كانت ثلاثة
أرباع المدينة بيد القوات
الأمريكية، فإن انسحابات تلك
القوات بدأت تتوالى، بعد أن شن
المقاتلون هجمات مكثفة، وكان
آخر تلك الانسحابات حصل الجمعة،
عندما شوهد عدد من الآليات
العسكرية الأمريكية، وهي تنسحب
من بعض أطراف حي الجولان، الذي
ما زال يشهد معارك متقطعة بين
حين وآخر.
كما لا تزال المقاومة العراقية
تقوم بين الفينة والآخرى
بعمليات هجومية خاطفة، منها ما
يتعرض إلى القطعات الخلفية
للقوات الأمريكية، ومنها ما
يكون مواجهة، حيث يقوم خمسة أو
ستة من أفراد المقاومة بشن هجوم
خاطف بواسطة القذائف الصاروخية
على القوات الأمريكية
المتمركزة في نقطة معينة، وهم
يعلمون مسبقا أنهم يخوضون
مواجهة غير متكافئة نظرا لتفاوت
العدد والعُدة.
وقد أرعبت هذه الطريقة القوات
الأمريكية، كما يقول عبد الله،
لأن الذين يتقدمون إلى مثل هذه
العمليات غالبا ما يتمكنون من
إلحاق خسائر مباشرة وكبيرة
بالقوات الأمريكية، ناهيك عما
يمكن أن تتركه من أثر نفسي في
صفوف الجنود الأمريكيين.
وأمكن لموفد "قدس برس"، الذي
زار بعض الأماكن، التي تسيطر
عليها المقاومة العراقية، أن
يشاهد، بواسطة منظار متطور،
عددا من السيارات الأمريكية من
نوع "همر" وقد اشتعلت فيها
النيران، أو أعطبت بالكامل،
بالقرب من جامع الحضرة المحمدية
شمال الفلوجة. فقد أمكن له
مشاهدة أكثر من عشرين آلية
أمريكية مدمرة بالكامل، كما
شاهد أجزاء من مروحية أمريكية
من نوع "بلاك هوك"، أسقطت
في الفلوجة، وقد علقت على أسلاك
وأعمدة الكهرباء.
وفي فجر يوم السبت (27/11) وقبل أن
نغادر المدينة، فإن عبوات ناسفة
كانت مزروعة في مبنى دائرة ماء
ومجاري الفلوجة، انفجرت في عدد
من جنود القوات الأمريكية، مما
أسفر عن مقتل تسعة منهم، وإصابة
13 آخرين بجروح.
لم يكن الدخول إلى الفلوجة سهلا،
بل كان مخاطرة ومغامرة، لكن
الحقيقة تحتاج من يبحث عنها
ويدونها. غير أن المحزن في الأمر
مشاهدة العديد من المدنيين ممن
حوصروا، دون أن يجدوا من
يخرجهم، فهم يقفون في منطقة وسط
بين نيران القوات الأمريكية
والمقاومة العراقية،
فالاشتباكات ما إن تهدأ حتى
تشتعل من جديد، والمدينة تعاني
من انقطاع التيار الكهربائي منذ
يوم الهجوم، قبل أكثر من
أسبوعين، بالإضافة إلى انقطاع
الماء، وأغلب تلك العائلات
تفتقر إلى المواد الغذائية التي
تحتاجها. ويقول المقاومون إنهم
باتوا يخشون خشية جدية من أن
تكون بعض العائلات قد ماتت بسبب
الجوع، وافتقارها للخدمات
الأساسية.
حين هبط الليل وحلّت الظلمة كان
علينا أن ننهي الرحلة إلى
الفلوجة، غير أن قصة المدينة
التي تقاوم ما زالت مستمرة،
فالمقاتلون في داخلها يصرون على
المقاومة مهما كانت النتائج،
بينما القوات الأمريكية ترفض أن
يتكرر معها سيناريو نيسان
(أبريل) 2004، لذلك فهي تستعمل كل
ما تملك من قوة من أجل إخضاعها،
لتبقى مدينة المساجد ساحة للقصف
والتدمير، بعد أن غيبت المعركة
أغلب معالمها الجميلة، ولاسيما
مآذن المساجد، التي تحولت إلى
أماكن للقناصة الأمريكيين،
وبالتالي صارت أهدافا للنيران،
لتبقى مساجد الفلوجة بلا مآذن
ولا أذان.
خدمة
قدس برس
|