الاعتقال
السياسي التعسفي
في
العهد الجديد
رزان
زيتونة
منذ بداية "العهد الجديد"
وحتى الآن،لم يشهد ملف الاعتقال
التعسفي- السياسي في سورية
تغيرا جوهريا، ينبئ بأنه يتجه
نحو إغلاقه، على الرغم من حصول
عدة إفراجات شملت المئات من
المعتقلين القدامى فإغلاق
هذا الملف يتطلب تبييض السجون
من نزلائها الحاليين من جهة،
وإيقاف عملية الاعتقال التعسفي
من جهة أخرى، هذا فضلا عن تسوية
أوضاع المفرج عنهم على كافة
الأصعدة، وإن كانت خطوات جزئية
قد اتخذت على المستوى الأول،
فإن أي تغيير لم يطرأ على
المستوى الثاني، ناهيك عن مسألة
تسوية أوضاع المعتقلين
السابقين والتعويض عليهم.
استمرار الاعتقالات التعسفية:
بمقارنة بسيطة بين عامي 2003 و2004،
نلحظ أن وتيرة الاعتقال لم تشهد
تغيرا إيجابيا يذكر، بل على
العكس تماما.
وفقا لمنظمات حقوق الإنسان
المحلية، فقد تم إحصاء حوالي 300
حالة اعتقال خلال العام الماضي،
أعداد كبيرة منهم من المنفيين
العائدين من العراق، والباقون
يتوزعون بين المشاركة في أنشطة
عامة والتعبير عن الرأي وأسباب
أخرى مختلفة.
أما عام 2004، فقد أحصت المنظمات حتى
اللحظة، أكثر من مئة حالة
اعتقال تعسفي، أغلبها لشبهة
الانتماء إلى تيارات إسلامية
مختلفة "سلفية- وهابية...."،
بالإضافة إلى اعتقال عدد من
النشطاء والمهتمين بالشأن
العام.
هذا فضلا عن رصد مئات الاعتقالات
في الأوساط الكردية عقب أحداث
آذار الماضي، والتي أثبتت من
جديد، أن الأجهزة الأمنية
ماتزال فوق القانون والقضاء
قولا واحدا.
طبعا، جميع هذه الأرقام، هي مما
استطاعت المنظمات المحلية
إحصاؤه وليست أرقاما نهائية
بحال من الأحوال.
القضاء الاستثنائي:
شهد العامان الماضيان العديد من
محاكمات الرأي أمام القضاء
الاستثنائي، وشكلت العودة
لاستخدام المحاكم الميدانية
العسكرية، نكسة قوية لحقوق
الإنسان السوري المتردية أصلا.
كما شهدت الفترة الماضية استخدام
القانون رقم 49 لعام 1980 المتعلق
بتنظيم الإخوان المسلمين،
بالنسبة للسوريين العائدين من
المنفى الذين اعتقلوا وأحيلوا
للقضاء الاستثنائي، وكان آخر
هذه الأحكام على حد علمنا،
الحكم الذي صدر بحق محمود
النبهان بالسجن اثني عشر عاما،
كما تستمر محاكمة الحدث مصعب
الحريري وفقا لهذا القانون.
نقطة أخرى تسجل على القضاء
الاستثنائي، وهي عدم الإفراج عن
المعتقلين الذين أنهوا فترة
محكوميتهم التي قضى بها هذا
القضاء، - الصحفي يحيى الأوس، 33
معتقلا من التيار الإسلامي من
حلب على سبيل المثال- أو
الاحتفاظ بالمعتقل على الرغم من
شموله بالعفو - عبد الرحمن
الشاغوري مثالا.
انتهاك حقوق السجناء:
شهد هذا العام مقارنة بسابقه،
تصعيدا خطيرا فيما يتعلق بحقوق
السجناء، تجلى في وفاة عدد من
المعتقلين الأكراد تحت
التعذيب، واعتقال الأطفال
والأحداث وإخضاعهم لشتى وسائل
التعذيب، هذا فضلا عن استمرار
انتهاك الحقوق المختلفة
للمعتقلين سواء فيما يتعلق بمنع
الزيارات أو السجن الانفرادي
لمدد طويلة، وافتقار مراكز
الاعتقال الأمنية لأدنى معايير
الصحة، وغير ذلك من الانتهاكات
التي لم تشهد خطوة واحدة رسميا
في سبيل الحد منها، هذا على
الرغم من مصادقة سورية أخيرا
على اتفاقية مناهضة التعذيب
التي أصبحت كغيرها من المعاهدات
الدولية لحقوق الإنسان، حبرا
على ورق.
المعتقلون القدامى:
شهد هذا العام إطلاق العشرات من
المعتقلين القدامى على دفعات،
بدأت في شباط الماضي، وشملت 114
معتقلا، تلتها دفعتان في تموز
وآب الماضيين على التوالي و
شملت حوالي 150 معتقلا.
إلا أنه حتى عملية الإفراج
الأخيرة هذه شملت انتهاكا سافرا
لحقوق هؤلاء المعتقلين.
فبعد أكثر من شهر على نقل أكثر من
مئتي معتقل من سجن صيدنايا إلى
فرع الأمن العسكري، تم الإفراج
عن أقل من نصفهم بينما أعيد 120
منهم إلى السجن من جديد.
وغني عن الذكر الحال التي أصبح
عليها أولئك الذين أعيدوا إلى
المعتقل بعد أن كانوا على مسافة
خطوات من الحرية، أما العائلات،
فقد تحول الشبان فيها إلى ما
يشبه خلايا نشطاء حقوق إنسان،
يتحركون ويسألون ويستقصون،
للحصول على خبر من هنا أو هناك،
كي يسكّنوا فيه ألم الأكبر سنا،
ممن عمل فيهم الانتظار عمله.
وغني عن الذكر أن إعادة المعتقلين
إلى سجنهم بهذا الشكل، تعتبر من
باب التعذيب العقلي أو النفسي
وفقا للقانون الدولي لحقوق
الإنسان،سواء للمعتقلين أو
عائلاتهم، ويمثل عقوبة إضافية
لا نجد لها تبريرا إلا
الاستهتار المطلق بحقوق الناس
وآلامهم، هذا إذا لم ننظر إلا
الجانب غير الحقوقي لهذه
الممارسة والذي قد يتمثل بتخبط
وربما صراعات خفية في أروقة
الأجهزة الأمنية وأجهزة السلطة
بشكل عام.
إن الإفراج عن جميع المعتقلين
السياسيين في سورية، هو حق يجب
أن يعاد لهم، لكن من غير أن
ينطوي على انتهاكات أخرى – وإن
كانت معنوية في هذه الحالة- تفقد
هذه الخطوة الكثير من رصيدها،
إن على الجانب الإنساني أو على
الجانب السياسي، لمن يرغب
باعتبار الإفراج الجزئي عن
المعتقلين خطوة إيجابية في طريق
طي الملفات الساخنة لحقوق
الإنسان السوري.
أخيرا..
لا يزال كل من المحامي حبيب عيسى-
البروفسور عارف دليلة - المهندس
فواز تللو- الطبيب وليد البني -
النائبين السابقين رياض سيف
ومأمون الحمصي، قيد الاعتقال في
سجن عدرا لتمضية الأحكام التي
صدرت بحقهم من محكمة أمن
الدولة، ويعانون من عقوبة
إضافية هي السجن الانفرادي،
وكأنه يراد باستمرار اعتقالهم
رغم الحملات الحقوقية محليا
ودوليا من أجل الإفراج عنهم،
استمرار اعتقال أي أمل بإغلاق
ملف الاعتقال السياسي في سورية
والتقدم خطوات نحو الأمام في
طريق تحسين حقوق الإنسان السوري
وتمتعه بحرياته العامة التي حرم
منها لسنوات طويلة.
--------------------
جريدة
الرأي السورية
|