في
11 أيلول / سبتمبر 1990
بوش
الأب يضع عقيدته و نظرته للعالم
الذين يراهنون على الرئيس
الأمريكي جورج بوش في ولايته
الثانية يعتقدون ان 11 سبتمبر
كانت سببا في سياسته الدولية و
يقدمون له الأعذار لهذه السياسة
الكارثية و يراهنون ان بنيته
الأخلاقية و تصوره للعالم
الأكثر أمانا تجعل الآخرين
يثقون به .
و هنا لا بد لنا من البحث في عقيدة
الرئيس بوش من خلال خطاب والده
في 11 سبتمبر 1990 أسابيع قليلة بعد
غزو صدام حسين للكويت و في 11
سبتمبر 1990 كان الرئيس جورج بوش
الأب يلقي خطابا تاريخيا أمام
الكونغرس ننشر نصه الأصلي
باللغة الأمريكية ملحقا .
أعطى للخطاب عنوانا عريضا ( نظرة
إلى النظام الدولي الجديد ) و قد
كلف بعدها كل من ديك تشيني و بول
ولفوويتز مهمة التنظير لما جاء
في هذا الخطاب لكن خسارته في
الانتخابات الرئاسية جعلت
مشروعه الأساسي يتأخر و لكنه
عاد واضحا مع وصول ابنه البار
إلى السلطة الذي نشر و أشار إلى
هذا الخطاب في خطابه الذي ألقاه
في 11 سبتمبر 2002 بمناسبة
الاحتفال بـ 11 سبتمبر و يجب
التذكير ان هذا الخطاب كان قد
اعد في الثاني من أغسطس "اليوم
الاول للغزو الصدامي للكويت"
في اجتماع مصغر في ASPN INSTITUTE و حضرته ماغريت تاتشر .
بوش الأب اعتبر انه الآن أمام حدث
في مواجهة لحظات وحيدة و رائعة
"فأزمة الخليج التي تبدو
خطيرة الا إنها فرصة نادرة
للتقدم نحو مرحلة تاريخية
لهدفنا و هو إقامة نظام دولي
جديد .. و الدخول في مرحلة أكثر
تحررا من التهديدات و الإرهاب و
أقوى في البحث عن العدالة
ألاحظتم التعابير المستعملة
" .
يتابع بوش الأب حديثه قائلا : في
هذا العالم لن يكون لنا أي عدو
يهددنا فقط خصوم في العالم
الثالث الذين عليهم ان يتمسكوا
بجهودهم من اجل التسلح و لذا
فعلى الكونغرس ان يطور برنامجا
متعددا للدفاع يأخذ بعين
الاعتبار ليس فقط تحسين
العلاقات بل مسؤولياتنا في
مواجهة الأخطار فالعالم ما زال
خطرا و هذا الأمر واضح
فالاستقرار ليس أكيدا و المصالح
الأمريكية ليست مضمونة و عدم
الاستقرار الإقليمي سيكون
شاملا .
بوش الأب يؤكد ان يوتوبيا
ياغوباشتوف التي تقول ان العالم
المسالم سيكون نتيجة اتفاق بين
الأمم يقودنا للقول ان مفهوم
النظام الدولي الجديد لم يعد
ثمرة تفاهم بل ثمرة قواعد
تفرضها القوة العسكرية
للولايات المتحدة الأمريكية و
حسب وجهة نظر النظر الأمريكية
فإن هذا الموقف مشروع و في
النهاية فان هذه المهمة هي
المشروع التبشيري للآباء
المؤسسين لهذه الأمة "الأمريكية"
الخاضعة لله A nation under God في استعمالها لقوتها
الاقتصادية و العسكرية قانونها
على باقي العالم .
و هنا يجب الا ننسى ان شعار
الولايات المتحدة الموجود على
الدولار يحمل شعار آت Novus ordo seculorum أي
النظام الجديد للعصور
و لا عجب فان هذه النظرية هي نظرية
جامعة يال و
رابطة خريجيها المسماة Skull
& Bones أي العقل و العظم و معظم خريجيها
كانوا وراء الفضائح التي طالت
الولايات المتحدة منها فضيحة
ووترغيت و غزو خليج الخنازير و
المجموعة التي فلسفت و أسست
وكالة الاستخبارات الأمريكية و
تسيطر على معظمها المؤسسات
المالية و تدير مجلس العلاقات
الخارجية الأمريكي .
*مرحلة الانتظار و انتصار المشروع
الاستراتيجي :
في المرحلة الأولى بدا بوش ينتظر
قيام نظام دولي جديد عبر منظمات
حكومة تكون الولايات المتحدة هي
المهيمنة و المنتصرة على ان
تكون الأمم المتحدة هي المنطقة
التي تحكم القضايا السياسية و
ان النقد الدولي و البنك الدولي
الاقتصادي العالمي و كان هذا
تصور مجلس العلاقات الخارجية و
الأمريكية و التي كان جورج بوش
مديره العام .
و أمام انتقادات الرأي العام
الأمريكي لمشروع بوش تسليم
الأمم المتحدة مهاما دولية و
على رأسهم توماس جيفرسون تم
تفسير منطق بوش خرج ديك تشيني
الذي كان وزيرا للدفاع بالقول
ان هذه المؤسسات لن تكون سوى
ناقلا لقوة الأمم المتحدة و
ضمان السلام الذي تريده
الولايات المتحدة و ان وزارة
الدفاع الأمريكية سيكون لها
السلطة لواجهة كل الاحتمالات و
كلف لجنتين بالبحث في الموضوعين
التاليين :
_ الأولى : تعمل على دراسة
التهديدات المحتملة على
المصالح الحيوية الأمريكية .
_ الثانية : تعمل على وضع
الاستراتيجية و الإمكانيات
الضرورية للقوات الأمريكية
لضمان النظام الدولي الجديد
الذي تحدث عنه الرئيس .
بسرعة فائقة قد الأميرال دافيد
جير مياه نائب كولن باول رئيس
الأركان آنذاك تقريره حول
التهديدات المحتملة في السابع
من شباط / فبراير 1991 و جاء في
التقرير ان المخاطر هي التالية :
1- إعادة بناء حلف وارسو .
2- مهاجمة كوريا لقناة
باناما .
3- احتلال روسيا لدول
البلطيق .
4- مهاجمة الرعايا
الأمريكيين في الشرق الأوسط .
5- امتلاك العراق و كوريا
لأسلحة دمار شامل خاصة و أنهما
محكومتان بصدام حسين .
*مشروع ولفوتز الاستراتيجي :
من جهته قد بول ولفوويتز في الثامن
عشر من شباط / فبراير من العام
نفسه سيناريوهاته
السبعة حيث كان قد كلف بوضع
السياسة الدفاعية و شكل لجنة
كان من أعضائها لويس ليبي و اريك
ادلمان زلماي
خالد زاده و ذلك تحت عنوان
توصيات للسياسة الدفاعية و رغم
سرية هذا التقرير الا ان قدرة
قادر سربت أجزاء منه للصحافة و
وسائل الاعلام و الغريب ان ديك
تشيني كان هو الذي سمح بالتسريب
في محاولة منع لنشر عقيدته
الرسمية رغم معارضة كل من برنت
سكوكروفت مستشار الأمن القومي و
الجنرال كولن باول رئيس الأركان
آنذاك .
فباول كان مع نظرية الاحتفاظ بقوة
تدافع فقط عن المصالح الحيوية
للولايات المتحدة الأمريكية
بينما كان ولفوويتز يدافع عن
نظرية قيام جيش قادر على إبقاء
التفوق الأمريكي في كل أنحاء
العالم .
و جاء في تقرير ولفوويتز : ان هدفنا
الاول هو المعرفة المسبقة لعودة
عدو جديد سواء على أراضي
الاتحاد السوفيتي السابق أو في
أي مكان و الذي يمكن ان يشكل
تهديدا مشتبها للتهديد الذي كان
يشكله الاتحاد السوفيتي و هو
العم الغالب الذي تتضمنه
استراتيجية الدفاع الإقليمي و
يفرض علينا ان نعرف مسبقا بكل
القوى التي يمكن لها ان تعارض
هيمنتنا لمنطقة أو لمصادرة ثروة
يمكن في حال سيطرتنا عليها ان
تجعلنا قوة شاملة . و هذه
المناطق تتضمن أوروبا و الشرق
الأقصى و أراضي الاتحاد
السوفيتي السابق
و جنوب شرق آسيا .
*عناصر المخطط الاستراتيجي
و يتابع تقرير ولفوويتز هناك ثلاث
عناصر تابعة لهذا الهدف :
- الاول : ان على الولايات المتحدة
ان تؤكد ان القائد الضروري
النظام الدولي و ان باستطاعتها
ان تنتصر على كل المزاحمين
المحتملين و الذين عليهم ان لا
يحلموا بالقيام بدور إقليمي عام
و ان لا يأخذوا اتجاها عدوانيا
للدفاع عن مصالحهم المشروعة .
- الثاني : في المناطق التي لا
مقاومة فيها ان نمثل مصالح
الدول الصناعية بشكل يجعلهم غير
قادرين على مزاحمتنا أو محاولة
قلب النظام السياسي و الاقتصادي
الموضوع .
- الثالث : يجب ردع كل المزاحمين
المحتملين سواء حاولوا لعب
إقليمي اكبر أو دور شامل.
أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي
فان ولفوويتز يبدي تخوفه من
الاندماج الأوروبي فيقول في
تقريره السري : رغم ان الولايات
المتحدة الأمريكية تدعم مشروع
الاندماج الأوروبي الا ان علينا
الأمريكيين ان نبقى متيقظين من
نظام امني أوروبي بحث قد يفجر
حلف شمال الأطلسي و خاصة هيكلية
القيادة العسكرية فيه .
و حول هذا الموضوع يؤكد ولفوويتز
ان بقاء القيادة للأمريكيين فان
على الولايات المتحدة ان تكون
قادرة على التحرك منفردة في حال
عدم قدرتها على تنظيم تحرك
جماعي و ان تشكل لاحقا تحالفا
كيفما اتفق ، و ان تفهم الآخرين
ان النظام العالمي بات نهائيا
بيد الولايات المتحدة
الأمريكية . الكلام طبعا في شباط
/ فبراير 1991 .
بسبب الفضيحة التي أحدثها التقرير
عادت الإدارة الأمريكية و خففت
من لهجتها قليلا لكن الرسالة
وصلت للأوروبيين الذين عدلوا
وثيقة ماستريخت لإدخال مادة
تربط سياستهم الدفاعية بحلف
شمال الأطلسي "اتفاقية
ماستريخت 4 Titre
V , ARTICLE j4 , PARAGRAPH 4
لكن فشل ولفوويتز و ديك تشيني في
تنفيذ مخططهما لم يمنعهما من
تأكيدهما فقام ديك تشيني في
الأيام الأخيرة من ولايته عام
1993 بوضع تقريره المسمى Defense Strategy for the Regional Defense Strategy
: 1990s الذي يؤكد على هذه
النظرية و يؤكد على ان للمنظمات
الدولية و ان عليها ان لا تخسر
نهاية الحرب الثالثة "الحرب
الباردة" ان علينا ان لا نبقى
مصالحنا الحساسة مرتبطة بآليات
دولية التي تستطيع دول معادية
ان توقفها .
بالفعل فإن وصول بوش الابن إلى
الرئاسة الأمريكية و إعادة
مهندسي الاستراتيجية إلى كل من
المواقع الأساسية في الولايات
المتحدة مناسبة لوضع هذه
الاستراتيجية قيد التنفيذ و
تتلخص بالتالي :
- رفض الأمم المتحدة و تهميشها .
- الحروب الاستباقية على
المخاطر الصاعدة .
- إقامة تحالفات مؤقتة حسبما
تقتضي الظروف .
من هنا يبدو واضحا ان رد الفعل
الأمريكي على أحداث 11 سبتمبر لم
يكن رد فعل بقدر ما هو استمرار
لتنفيذ استراتيجية شاملة و
بالتالي فان ما تسميه الإدارة
الأمريكية حرب على الإرهاب ليس
سوى تمويه لاستراتيجية عامة لدى
حكام الولايات المتحدة .
Intelligencia
15-9-2004
|