حزب
الفساد العربي !
د.
فهد الفانك
الاحزاب العربية ضعيفة،
وغالبيتها الساحقة قطرية، اي
ليس لها امتدادات في طول الوطن
العربي وعرضه، ولكن حزبا واحدا
اصبح مؤسسة قوية وتنتشر فروعه
في كل بلد عربي، ويمكن القول إنه
بشكل مباشر او غير مباشر تسلم
مقاليد السلطة، وهو حزب الفساد
العربي.
يقال ان الفساد يقابل بالتسامح في
بعض الأقطار العربية، والواقع
انه يتمتع بالحماية في معظمها،
فكيف يحارب الفساد بواسطة
الفاسدين؟ الفساد اصبح حزبا
نخبويا واسع النفوذ في السياسة
والاقتصاد والثقافة، وهو يقود
ثقافة فساد متكاملة تعتمد على
التراث، حيث يقال "النبي قبل
الهدية" في محاولة لشرعنة
الفساد والرشوة، واعطائها وجها
اجتماعيا ودينيا مقبولا!.
بعض الأنظمة العربية فشلت خلال
نصف قرن في بناء الديمقراطية
السياسية، وفشلت في تحقيق
التنمية الاقتصادية
والاجتماعية، وفشلت في إقامة
الوحدة العربية، فلم يعد من
حقها ان ترسم مستقبل الأمة
العربية، ولكن أين هي مؤسسات
المجتمع المدني لتنهض بالمهمة؟
نسمع كثيرا عن أهمية توزيع الدخل
بعدالة، ولكن المطلوب أكثر من
ذلك، اي توزيع عادل لعناصر
القوة في المجتمع، وهي الثروة
والسلطة او الجمع بين الامارة
والتجارة، ويقال ان العلاج يكمن
في الشفافية ولكننا نجد في
التطبيق ان الشفافية انتقائية،
فالصراحة مطلوبة ومقبولة عندما
تكون المعلومات مفيدة او غير
ضارة، ومن غير المعقول ان نتوقع
تطبيق الشفافية من جانب من
تؤذيهم الحقائق، باختيارهم.
وحتى الشفافية جرى توظيفها احيانا
لخدمة الفساد، الصحافة قد تصبح
شفافة وتكشف "تفضح" الفساد
او تهدد بفتح الملفات لأغراض
الابتزاز، وحتى الذين ينادون
بالشفافية لا يطبقونها على
أنفسهم، الا عندما يكون ذلك في
مصلحتهم.
الصحافة الاميركية مثلا ليست
شفافة بل انتقائية، وهي تخدم
اجندة السلطة، واذا كان الامر
كذلك فكيف نطالب او نتوقع الاخذ
بمبدأ الشفافية من جانب مؤسسات
اخرى كالمخابرات، والجيوش،
والبنوك والبحث والتطوير في
الشركات وتصنيع وتسويق
الاسلحة؟ بل ان اكبر مورد مالي
عرفه التاريخ العربي، وهو
واردات النفط، لا تعرف الشعوب
العربية حجمها، او كيفية
انفاقها، كما ان بعض الحكومات
العريقة في الديمقراطية لا
تتورع عن الكذب وتضليل الرأي
العام لتحقيق مآربها وتبرير
عدوانها.
الرأي
28 / 09 / 2004
|