تعقيبا
على مقال الأستاذ ميشيل كيلو
الإخوان
المسلمون لسان الحال أبلغ من
لسان المقال
زهير
سالم : متابع سوري
(كلنا
شركاء) 27/9/2004
نشر الأستاذ ميشيل كيلو في (كلنا
شركاء) مقالا بعنوان (رسالة إلى
أخ مسلم) اعتبرها تذكيرا أو
استئنافا لما كان نشره منذ
ثلاثة أشهر عن حركة الأخوان
المسلمين في سورية مبرزا دورها
الإيجابي والسلمي في تاريخ
سورية، مطالبا الجماعة بموقف
أكثر وضوحا من أحداث الثمانينات
(الاعتراف بالخطأ والاعتذار).
وكان عتب الأستاذ ميشيل في محله،
حين شعر أن مقاله الأول لم يلق
التفاعل المنتظر له، مع أنه فتح
باب القول لأصحابه، ليس
بالضرورة ليستجيبوا وإنما
ليتفاعلوا على الأقل.
حين قرأت مقال الأستاذ ميشيل
الثاني ثم ردفه تباعا مقال نشر
باسم (ناصح أمين) على موقع جماعة
الإخوان المسلمين في 22\9\2004 شعرت
أن الخيوط تشابكت على غير
الطريقة المرجوة والمنتظرة،
وأن بإمكاني أن أدلي بدلوي في
الموضوع المطروح. لأعبر عن وجهة
نظر ذاتية كمساحة للتنفس في
إطار إلتزامي غير المنكور..
أول ما سأسجله في هذا المقام كنوع
من فض الاشتباك الذي أتمنى أن لا
يحصل بين الأستاذ ميشيل و(ناصح
أمين) هو أنني شخصيا ومعي آخرون
كثر استقبلنا مقال الأستاذ
ميشيل الأول بالترحاب ومقاله
الثاني بحسن الظن، مقدرين
للأستاذ الدور الذي يحاول أن
يقوم به، مقتنعين بأنه لا تنقصه
المعلومة، ولا يعوزه الفهم
لدورة الأحداث وتطورها، وأنه
إنما يكتب منحازا للصف الوطني
العريض، متطلعا للمصلحة
الوطنية العليا، دون أن يخطر
ببالنا أبدا بعض الرشحات غير
المناسبة التي وردت في مقال
ناصح أمين، والذي كنت أتمنى
عليه أن يفصح عن اسمه لكي لا
يخرج موقفه الفردي عن إطاره الشخصي،
وإن كنا نعتقد أن ساحة الحوار
متسعة للجميع.
من خلال انتمائي للإخوان المسلمين
ومعايشتي لهم ما يزيد عن أربعين
سنة لم أسمع أحدا من شيوخ
الجماعة، ولا من قادتها يدعي
العصمة لذاته -على طريقة
المستبدين- أو لقرار الجماعة
ومواقفها على طرائق الأحزاب
الثورية، وبناء عليه فإنني
أعتقد أنه ليس هناك سبب عقائدي
أو إيديولوجي يحول بين الجماعة
وبين الاعتراف بخطأ ارتكبته،
صغيرا كان هذا الخطأ أو كبيرا،
يتعلق بالذات أو بالآخرين.
واتخاذ مثل هذا القرار أو
الموقف شأنه شأن جميع قرارات
الجماعة، يحتاج إلى أكثرية
ديمقراطية (النصف زائد واحد)،
وليس بطريقة مشيخية كما سبق
لبعض الأفاضل أن أشار في مقال
سابق في جريدة النهار. وتشب في
أوساط الجماعة وعلى كافة
المستويات حوارات ساخنة، ويكون
شد وجذب ينتهي دائما بالالتزام
بقرار الأكثرية. وإذا كانت
الجماعة تبشر بالالتزام
الديمقراطي في الوسط الوطني
العام فأجدر بها أن تمارسه
واقعا في سيرورتها السياسية
القائمة.
سأتوقف من مقال الأستاذ ميشيل عند
محطة واحدة هي قوله (واليوم وبعد
مرور هذه الفترة الطويلة، أجد
من واجبي مصارحة الإخوان بحقيقة
أفكاري وبما أشعر به من خيبة
حيال تجاهلهم التام لدعوة لم
تحمل طابعا شخصيا أو فرديا،
يؤكد تجاهلها أنه قد يكون وراء
الأكمة ما وراءها، وأن هناك هوة
بين كلام الإخوان وأفعالهم،
سيلحق استمرارها ضررا شديدا
بالعمل الوطني والديموقراطي في
سورية..)
قول الأستاذ ميشيل بأن دعوته لم
تحمل طابعا شخصيا أو فرديا.. فتح
أما تفكيري منظومة احتمالات لم
استطع متابعتها أو حصرها..
أما المقولة الأهم في هذا السياق
فهي تأكيد الأستاذ ميشيل (أن
هناك هوة بين كلام الإخوان
وأفعالهم..) فهي التي تستحق
الوقفة الأوفى، ذلك أن الأخوان
فيما أرى وأشدد على صفتي
الشخصية في هذا المقام قد قدموا
الفعل على القول بل سبقوا القول
الذي يراد منهم اليوم لسبب قد
يقنع البعض وقد لا يقنع آخرين
بمنظومة أفعال منذ اللحظات
الأولى لتفجر الوضع حتى ساعة
كتابة هذه الأسطر فكان حالهم
أبلغ من كل مقولة تنتظر منهم..
منذ اللحظات الأولى لتفجر الوضع
لم تفوت الجماعة فرصة واحدة
للمصالحة الوطنية، بل كانت
تتلقى جميع العروض والوساطات
بإيجابية تامة حسما للنزاع،
وسدا لأبواب الشقاق.
ومن هنا كانت جميع جولات
المفاوضات والوساطات
والمبادرات بما فيها أخيرا
مبادرة الشبخ عبد الفتاح أبو
غدة رحمه الله تعالى، ومبادرة
الأستاذ المرحوم أمين يكن. كلها
تؤكد أن الإخوان المسلمين
راغبون في قلب الصفحة والبداية
من جديد على أسس جديدة.. ونتائج
هذه الجهود جميعا لا تغيب عمن هو
في مقامكم..
وتجلى الموقف العملي الثاني
للجماعة في وقف جميع عمليات
العنف منذ أواسط الثمانينات،
ولم يكن ذلك عن عجز كما قد يظن،
وإنما كان عن قرار. وقد استتبع
هذا الموقف أمرين إدانة عملية
التفجير التي تمت في القطارات
1986 من قبل مكتب الإرشاد
والتنظيم العالمي، وفي فترة
كانت الجماعة تعاني فيها من
انقسام حاد لا تجهل أسبابه.
ــ وأن أصدر مكتب الإرشاد و(التنظيم
العالمي للإخوان المسلمين)
قرارا يحدد فيه العلاقة بين
التنظيمات المحلية والأنظمة
الحاكمة بحدود المناصحة، ويحظر
اللجوء إلى القوة واستعمال
السلاح في أي ظرف.
فكان هذا أيضا إجراء عمليا آخر
أبلغ من كل قول أو موقف إعلامي
يراد من الجماعة أن تتخذه..
وتجلى الموقف العملي الثالث.. في
خطاب الجماعة الداخلي
والإعلامي ولا بد لمن يريد أن
يحكم على موقف الجماعة الحقيقي
في تحديد أهدافها ووسائلها أن
يتابع هذا الخطاب بكل آفاقه..
لعل الأستاذ ميشيل كان على حق يوم
أشار إلى بعض الخطاب المتشدد في
الحقية التي تحدث عنها، هذه
الملحوظة لحظها أيضا العلامة
الفقيه يوسف القرضاوي و أطلق
على ذلك الخطاب اسم (خطاب المحنة).
بينما أشار إلى خطاب الجماعة
الحالي على أنه الخطاب الإسلامي
الأصلي والأصيل.
ولعل من المناسب أن نقارن في هذا
السياق بين من يطلق وعدا
بالتغيير وبين من ينهج هذا
التغيير عمليا وممارسة، ويقطع
بها أشواطا في طريق تغيير يريده
ويتوخاه. وهذا يؤكد أن الجماعة
قد خلفت مرحلة الثمانينات وراء
ظهرها، وأنها تستأنف عصرا جديدا
برؤية قادتها المؤسسين، وأنها
قطعت شوطا في طريق التغيير
العملي (الداخلي) و(الخارجي)
بطريقة لم يعد بإمكان أحد
التراجع عنها..
رابعا- ولعلي لا أذيع سرا حين أشير
إلى أن مجلس شورى الجماعة، ومنذ
أحداث حماة الأليمة قد شكل لجنة
لتقويم المرحلة والحدث بكل
أبعادهما، وأن هذه اللجنة قد
أصدرت تقريرها منذ بضع سنوات.
حقا أن هذا التقرير لم ينشر
لأسباب تكتيكية، إلا أنه كان
صريحا وقاطعا في تقويم المرحلة،
والإشارة إلى المجريات وأن
العبرة من التقرير قد أخذت
مداها في قرارات الجماعة
ورؤيتها وسياستها كما أسلفت.
وأحببت من هذا التأكيد على أن
حرص الجماعة على الانغماس في
العمل الوطني، وفي الحوار
السلمي الديمقراطي، وفي نبذ
العنف، ليس فكرة عارضة، وتوجها
طارئا وإنما هو موقف أساس نابع
من رؤية وفقه مصادر لكل ما عداه..
وجاء ميثاق الشرف الوطني -خامسا-
الذي ألح على نبذ العنف واعتماد
صندوق الاقتراع الحر النزيه،
وطالب بسورية دولة حديثة بنظمها
ومؤسساتها ليكون (جهيزة) التي
تزيل ريبة كل مرتاب، وتتقطع
تشكيك كل مشكك، كما تم إقرار
المشروع الحضاري لسورية
المستقبل الذي سيصدر قريبا
وسيؤكد على كل المعاني التي
ينتظرها الشعب السوري من كبرى
الحركات الإسلامية بأفق رحب
ورؤية عصرية.
ثم كانت هذه الطامة الأخيرة،
باحتلال الأمريكان للعراق،
والتهديدات التي تتناثر حول
قطرنا صباح مساء من بني صهيون.
ولقد عبرت الجماعة عن أصالتها
بموقف ينم على البصيرة
الاستراتيجية النافذة، ومدت
يدها الإيجابية للتعاون مع كل
الفرقاء الذين يريدون بناء
الوطن وحمايته، بعيدا عن جميع
أشكال التعصب الطائفي أو العرقي..
جماعة الإخوان المسلمين التي زج
بها الاستبداد والقهر والظلم
والاستفزاز في نفق مظلم استطاعت
بحمد الله أن تخرج منه، وقد نفضت
عنها كل ما علق بها من ظلماته
لتبقى الناصعة النقية..
السؤال الذي أطرحه على الأستاذ
ميشيل : إذا كانت جميع هذه
الخطوات الإيجابية والعملية
الدالة لم تقبل من جماعة
الإخوان المسلمين فهل ستقبل
منها كلمة، أو سيغير واقع الحال
اعتذار أم أن وراء الأكمة ما
وراءها..
وحتى هذه الكلمة وذاك الاعتذار
يبقى مادة للحوار ولا بد للقرار
الديمقراطي من استيفاء الشروط؛
تأكيدا على أن كلام الإخوان
المسلمين، لا يصدر من فراغ ولا
يصدر في هواء.. السؤال الذي يلح
على أذهان الكثيرين هو المكيال
الأمريكي نفسه حيث تضج أمريكا
لألفين قتلوا ظلما في نيويورك
ولا ترى في عشرات الآلاف من سكان
أفغانستان أو العراق أكفاء أو
أندادا!!
وشكرا للأستاذ ميشيل.
|