هل
نختلف في رؤية الإصلاح؟
البعث
الإداري ـ الافتتاحية
د.عيد
أبو سكة
يعلن
بعض المسؤولين في بلدنا أننا (أو
أنهم) ماضون نحو اقتصاد السوق،
لكنهم لا يحيطون علماً بالكيفية
التي نمضي بها أو نهوي بها نحو
اقتصاد السوق!
وعن
أي سوق.. وعن أي اقتصاد يتحدثون؟..
حقيقية لا ندري!.. الظاهر أنهم لا
يرغبون في إعلامنا كي لا يشغلوا
بالنا بالتوجس من هذا الأمر أو
ذاك!..
خلاصة
القول أنهم أذنوا لأنفسهم كي
يفكروا نيابة عنا في أمورنا
المعيشية ومتاعبها المتفاقمة
يوماً بعد يوم.. ولكن، ليس هذا هو
بيت القصيد، وليس هنا مربط
الفرس!.. فقبل تسعة أشهر بالتمام
والكمال كانت الأحاديث عن
الإصلاحين الإداري والاقتصادي
الشغل الشاغل للحكومة
ورجالاتها، باعتبارها حكومة
جديدة مليئة بالحماس ومحاطة
بالتشجيع من كل حدب وصوب.. ثم
فترت الأحاديث الساخنة شيئاً
فشيئاً بمجرد انقضاء أشهر
التدريب الثلاثة على التشكيل
الحكومي إلى أن تلاشت تقريباً
خلال الشهرين المنصرمين!
ونخشى
أن يكون بعض المسؤولين في بلدنا
قد أولوا اهتماماً متزايداً
بحلقات البحث والندوات
والمعارض، على حساب إجراءات
واستحقاقات أكثر ضرورة
وإلحاحاً لدفع العملية
الإصلاحية قدماً نحو الأمام.
قد
نكون مخطئين، وقد يكون في جعبة
الحكومة الحالية جوائز وأوراق
عديدة لم يجر كشفها بعد.. وهذا ما
يدفعنا إلى القول: شيء جيد أن
يكون الواقع المعيشي للناس في
مقدمة أولويات عمل الحكومة، فلن
يبخس أحد، ولم يضن أحد على
امتنانه وشكره للحكومة في هذا
الجانب، خاصة بالنسبة لزيادات
الرواتب والأجور، وكذلك
التفكير وبدرجة عالية من
المسؤولية الاجتماعية لدور
الحكومة بقضايا مثل قروض الزواج
وغيرها لكن أحداً لا يقبل،
وبالمقياس ذاته، أن تتباطأ
العملية الإصلاحية في سيرها،
إلا إذا كان الإصلاح المنشود،
من وجهة نظرنا، شيئاً آخر
مغايراً تماماً لما يراه بعض
المسؤولين عندنا.
نحن
نعتقد أن الإصلاح الإداري الذي
وصفه السيد رئيس الجمهورية
بتاريخ 4/8/2004 المدخل للإصلاح في
المجالات الأخرى، هو التغيير في
القيادات الإدارية للهيئات
والمؤسسات والتغيير في الأنظمة
والتشريعات، ونسف لبؤر
البيروقراطية والفساد في
الوزارات، وإعادة رسم الهياكل
التنظيمية وتغيير أنماط السلوك
ولغة الخطاب الإداري، والتمسك
بالرؤية المستقبلية وبالتخطيط
وبرسم السياسات والاستراتيجيات
البعيدة المدى لنظم التكوين
العلمي والتأهيل المستمر
لتطوير الموارد البشرية
وتحفيزها، لتكون قادرة على
إحلال تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات (بوابة الحكومة
الالكترونية) محل الإدارة
القديمة بأوراقها وإجراءاتها
المتخلفة!
نحن
نعلم أن الإصلاح لا يقدر على
القيام به أو تحقيقه وزير واحد
أو مجموعة من الوزراء أو حتى
مجلس الوزراء، ولكن يمكن
القول بأن العملية الإصلاحية
تبدأ من المجلس وقد تنتهي عنده
لأسباب دستورية وهيكلية
وقانونية، رغم حاجته الأكيدة
لمؤازرة من السلطتين التشريعية
والقضائية، والحزب وأحزاب
الجبهة والمنظمات الشعبية
والنقابات المهنية وجميع قوى
الحراك السياسي والاقتصادي
والاجتماعي والثقافي والنفسي،
فالإصلاح ليس جرعات مخففة وليس
ترقيعاً، إنه جراحة عميقة تحمل
في طياتها قدراً كبيراً من
الخطورة على الناس عند انزلاقها
وعلى المؤسسات والهيئات عند
تعثرها.
ترى
هل نملك الرؤية ذاتها؟ وهل
نتحدث عن إصلاح بعينه أم نملك
لخياراتنا أكثر من إصلاح إداري؟
السؤال الذي نراه ضرورياً الآن:
ماذا فعلنا على طريق مكافحة
البطالة والبطالة المقنعة؟ وما
هي سياستنا لخلق فرص عمل جديدة؟
وماذا بشأن السياسة الوطنية
الشاملة للرواتب والأجور؟
أين
هي مؤسسات التدريب والتطوير
المستمر للكوادر والقيادات
الإدارية؟ هل يكفي وزير دولة
غير متفرغ، ومن غير أجهزة تحت
إدارته أو وصايته، لمتابعة شؤون
وشجون الإصلاح الإداري على
المستويين المؤسساتي والوطني!
وهل
يقدر وزير دولة بهذا الحجم
المتواضع جداً من الصلاحية أن
يسهر على إعداد وتنفيذ
الاستراتيجية الشاملة للإصلاح
الإداري حين تمتد مخالبها في
جميع الاتجاهات وعلى جميع
المستويات!
أخيراً، إذا كان الإصلاح
الإداري الحقيقي يتطلب كشفاً
بقوائم الفساد ولوائح بأسماء
المفسدين، فأين هي الإجراءات
التي يفترض أنها ابتدأت في هذا
السياق؟ وأين هي الأجهزة التي
يفترض أنها تثبت أقدامها على
تخوم المعركة الفاصلة ضد الفساد
وإلى جانب الناس كونهم حلفاء
طبيعيين للإصلاح المنشود!
أوترانا
نتحدث عن إصلاح آخر!
الإصلاح معركة مثل كل
المعارك، لها أسلحتها
وأدواتها، ولن يكتب لها الفوز
إن لم يتحول الفساد (في ذهن
الناس) من مجرد مخالفة قانونية
إلى عاهة اجتماعية، وانحراف عن
مستوى الأخلاق والقيم النبيلة
والفاضلة في المجتمع!
كما
لن يكتب الفوز للإصلاحيين
والمصلحين في معركة كهذه إن لم
تكن الحكومة في مقدمتها!
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|