هل
يتجه الإعلام السوري إلى تغيير
حاسم
بقلم
فايز سارة
يبدو الاعلام السوري هذه الأيام
كأنه على قاعدة انقلاب عام بفعل
متغيرات تجري في محيطه السياسي
وفي داخله ايضا، وكلها تؤشر الى
تبدلات محتملة في واقع الاعلام
السوري الذي كاد الموقف الرسمي
من إصلاحه أن يكون مثالا فجا
لرفض اطروحات الاصلاح التي
اطلقها الحراك الاجتماعي
والسياسي، وجرى تجاهلها أو
رفضها قولا وعملا خلال السنوات
الأربع الماضية.
والتغييرات الاخيرة في الاعلام
السوري، تجاوزت في طبيعتها "التغييرات
الهادئة والتدريجية" على نحو
ما يصف دائما المسئولون
السوريون المطلة خطواتهم على
سياق عملية التغيير، ولعل بين
مؤشرات هذا التحول الاتيان
بوزير للاعلام من داخل المؤسسة
الاعلامية، وهذا لم يحدث منذ
سنوات طويلة، بل إن الوزير
الجديد مهدي دخل الله مختلف عن
كل وزراء الاعلام الصامتين
والمتحفظين غالبا ممن جاءوا الى
وزارة الاعلام في ظل سلطة
البعث، إذ بدا الرجل صاحب رأي لا
يخفيه، وموقف لا يتهيب الاعلان
عنه حتى عندما كان رئيسا لتحرير
صحيفة "البعث".
وما يدعم التحول في الاعلام
السوري ما نقل عن حديث لوزير
الداخلية الجديد اللواء غازي
كنعان، وتضمن تعريضا بالاعلام
السوري الرسمي الذي لا يقرأ،
وتأكيده ضرورة إصلاحه وتطويره.
وقد تبع ذلك بأيام اعلان "مصادر
سورية"، اخلاء جانب الاجهزة
الامنية من مسئوليتها كمرجعية لوسائل الاعلام السورية، وانتقال
هذه المرجعية الى وزارة
الاعلام، ما يعني كف يد الاجهزة
الامنية عن التدخل في ادارة
وتوجيه وسائل الاعلام، وهو نهج
سائد ومعروف في الاعلام السوري.
والقيام بهذه التغييرات السياسية
في واقع الاعلام السوري، يكمل
ويدعم خطوات اجرائية بدأت
بوادرها في الاعلام قبل وقت
قليل، منها تخفيف الرقابة بصورة
جزئية والسماح بدخول أوسع
للصحافة العربية والاجنبية الى
الاسواق، وبدء نشر بعض الاخبار
المحلية التي كان من المحظور نشرها،
ثم جاءت خطوات مهمة في السياق
ذاته بعد التعديل الوزاري
الجديد، كان منها إحداث اصلاحات
سياسية وادارية بينها اعادة
ترتيب هياكل الادارة والتحرير
على نحو ما حدث في الهيئة العامة
للاذاعة والتلفزيون وفي
الوكالة العربية السورية
للانباء "سانا". وكانت
الاخيرة تحتكر توزيع الاخبار
السورية، وتفرض صيغة موحدة لها،
وقد جرى كسر الاحتكار، وصار
لوسائل الاعلام المختلفة حق
اختيار الاخبار وصوغها. ثم
اعطيت وسائل الاعلام حق تعيين
مراسلين في الخارج، وبعضها أخذ
يدقق في اهلية وأداء المراسلين
بعد أن كان عملهم في السابق "رمزيا" و"مجرد تنفيعة" تتدخل في
تعيينهم فيه جهات مرجعية وخصوصا
الجهات الامنية منها.
وإعادة ترتيب البيت داخل المؤسسات
الاعلامية، لا يمكن أن تكون
منفصلة عن ترتيب مماثل في وزارة
الإعلام التي تشرف وتدير
المؤسسات الاعلامية الرسمية،
وتتولى دور المرجعية بالنسبة
إلى الاعلام الخاص والاعلام
الذي تصدره احزاب الجبهة من
مجلات وصحف. وكان في مقدمة
الترتيبات التي اتخذها الوزير
الجديد، انهاء وجود عدد من
المستشارين ومعظمهم لم يكونوا
من جهاز الاعلام، وهو ما ترافق
مع حديث عن اعادة هيكلة وتنظيم
مؤسسات الاعلام الرسمي الذي بين
ملامحه، دمج صحيفتي "الثورة"
و"تشرين" الحكوميتين في
صحيفة يومية واحدة، وتحويل
صحيفة "البعث" اليومية
الناطقة بلسان الحزب الحاكم،
والتي كان يرأس تحريرها وزير
الاعلام الحالي إلى مجلة فكرية
اسبوعية، وفصل المحطة الفضائية
السورية عن الهيئة العامة
للاذاعة والتلفزيون، وإجراء
تبديلات في المناصب القيادية
والادارية داخل الاجهزة
الاعلامية.
وتضع هذه المؤشرات الاعلام السوري
على قاعدة تبدلات حاسمة، يمكن
أن تدفعه الى تغير كلي في
توجهاته وفي بناه ودوره في
الحياة العامة السورية، غير أن
تجربة السنوات الماضية
وخلاصاتها في موضوع الاعلام
بالذات، تدفع في اتجاه آخر،
خلاصته، أنه ما من اصلاح حاسم في
موضوع الاعلام.
ولعل أبرز الوقائع في هذا
الجانب تجربة السوريين مع قانون
المطبوعات، وقد ظهرت مطالب
كثيرة من أجل تغييره، وعندما تم
ذلك، كانت الثمار قانون مطبوعات
"متخلف ومتعسف" مقارنة
بالقانون السابق. كما أن بين
الوقائع، أن معظم الرخص باصدار
مطبوعات سورية جديدة، إنما
اعطيت في المجالات المتخصصة في
الاعلان والرياضة والرقميات،
واقل القليل منها كانت له
اهتمامات سياسية وثقافية
واجتماعية، ومعظم الرخص اعطيت
لابناء مسئولين أو مسئولين
سابقين.
إن واقع حال الاعلام السوري
يتنازعه اتجاهان، أحدهما يسير
بالاعلام نحو التغيير، وآخر
يحاول تكريس واقع تخلف وتردي
الاعلام في نمطيته ولا نقديته
ودعوته للسياسة الرسمية وبعده
عن متابعة شئون السوريين
وحياتهم العامة. وعلى رغم تصاعد
مؤشرات غلبة الاتجاه الاول، فإن
الحسم في حل الاعلام، يحتاج الى
قرارات سياسية كبرى، لعل الابرز
فيها اعادة النظر في قانون
المطبوعات، وفسح المجال أمام
صدور مطبوعات ثقافية وسياسية،
بل ومساعدتها في الصدور
والاستمرار لأن في صدورها خدمة
للمجتمع ومساعدة في تقويته
للقيام بما ينبغي القيام به من
مهمات تعزز البناء الوطني
السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
صحيفة
الوسط
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|