احتمالات
توسيع العقوبات الأمريكية ضد
سوريا ..
المغزى
والدلالات
مركز
الخليج للدراسات الاستراتيجية
في تصعيد جديد ضد سوريا، نقلت
صحيفة نيويورك تايمز يوم 5 يناير2005
عن مسئولين في الاستخبارات
الأمريكية قولهم: إن الولايات
المتحدة تدرس فرض عقوبات جديدة
ضد دمشق لحثها على فرض إجراءات
"صارمة" على العراقيين
المقيمين بها، الذين تتهمهم
واشنطن بتقديم دعم مالي ولوجستي
"للمتمردين" في العراق،
وذلك وفقا للصحيفة التي أشارت إلى
أن من بين الخطوات التي تدرسها
الإدارة الأمريكية في هذا الصدد
فرض بعض العقوبات الاقتصادية
الجديدة التي من شأنها عزل
النظام المصرفي السوري، الأمر
الذي يطرح العديد من التساؤلات
حول مغزى ودلالات وأهداف هذه
الخطوة وعلاقتها بالتطورات
الإقليمية والدولية خاصة على
صعيد الأزمة العراقية والقضية
الفلسطينية. وفي هذا السياق
يتفق المراقبون على أن
التهديدات الأمريكية بتوسيع
العقوبات ضد سوريا تأتي
استكمالاً للضغوط التي تمارسها
واشنطن عليها منذ بدء الحرب ضد
العراق بدعوى دعم دمشق جماعات
المقاومتين الفلسطينية
واللبنانية ضد الاحتلال
الإسرائيلي وجماعات المقاومة
العراقية ضد الاحتلال الأمريكي
من ناحية، وتطويرها أسلحة
الدمار الشامل من ناحية ثانية،
وغياب الديمقراطية بها من ناحية
ثالثة، حيث صعدت الإدارة
الأمريكية فور سقوط النظام
العراقي السابق من خطابها
السياسي ضد سوريا مستخدمة
العديد من الأوراق السياسية،
منها: وقف التعاون الأمني
والاستخباراتي بين البلدين في
مجال مكافحة الإرهاب والقائم
منذ أحداث 11سبتمبر، وقطع
الإمدادات البترولية التي كانت
سوريا تحصل عليها من العراق، وا
لتي تقدر بنحو 200 ألف برميل
يوميا مما
ألحق خسائر أولية بالاقتصاد
السوري تقدر بنحو مليار دولار،
وتكثيف تسريب التقارير التي
تتحدث عن رغبتها في تغيير
النظام السياسي السوري، وتقديم
دعم هو الأول من نوعه للمعارضة
السورية في الخارج من خلال
السماح لسبع من جماعاتها تطلق
على نفسها "الائتلاف
الديمقراطي لتحرير سوريا"
بعقد مؤتمرات في واشنطن خلال
عامي 2003،2004 تناولت سبل تحويل
سوريا إلى بلد ديمقراطي بمساعدة
الولايات المتحدة، وهو ما يعد
تكرارا للطريقة التي وظفت بها
الولايات المتحدة جماعات
المعارضة العراقية في
التسعينيات، عبر استخدامها
كورقة ضغط تلوح بها في
لحظات التوتر مع العراق، رغم
علمها المسبق بمحدودية قدرات
تلك الجماعات وافتقارها
للقاعدة الجماهيرية. وقد مثل
توقيع الرئيس الأمريكي جورج بوش
في شهر مايو 2004 ما يسمى بقانون
"محاسبة سوريا وسيادة لبنان"
وصدور قرار مجلس الأمن الدولي
رقم (1559) في شهر سبتمبر من نفس
العام مرحلة جديدة من الضغوط
والتهديدات الأمريكية ضد
سوريا، حيث تضمن القانون فرض
عقوبات اقتصادية ودبلوماسية
ضدها، منها: فرض حظر كامل على
دمشق ومنعها من استيراد
التكنولوجيا المتطورة ذ ات
الأوجه المتعددة الاستخدامات
والأدوية، ووقف تعاملات
الشركات الأمريكية مع سوريا في
مجال البترول، وحظر دخول
الشركات السورية السوق
الأمريكية، ووقف رحلات شركات
الطيران السورية إلى الولايات
المتحدة، والعكس، وتجميد كل
الأرصدة المالية لسوريا في
البنوك الأمريكية سواء
الحكومية أو الخاصة، كما تضمنت
العقوبات الدبلوماسية فرض قيود
على تحركات واتصالات وأنشطة
الدبلوماسيين السوريين في
الولايات المتحدة وإيقاف أو
تخفيض مستوى التمثيل
الدبلوماسي بين البلدين، ووضعت
الولايات المتحدة شروطًا "مهينة"
أمام سوريا لتجميد هذه
العقوبات، منها: قيام دمشق بطرد
من تصفهم واشنطن بالإرهابيين من
أراضيها وسحب قواتها
الموجودة في لبنان "15 ألف
جندي"، ووضع حد لبرامج أسلحة
الدمار الشامل المزعومة، وأن
تتوقف عن "مساندة"
المناهضين لقوات الاحتلال
الأمريكي في العراق، وأخيرا
الشروع في محادثات سلام ثنائية
غير مشروطة مع إسرائيل، فيما
طالب قرار مجلس الأمن رقم (1559)
الذي تقدمت به كل من الولايات
المتحدة وفرنسا سوريا بسحب
قواتها من لبنان وحل حزب الله
والتنظيمات الفلسطينية
الموجودة داخل مخيم "عين
الحلوة" للاجئين الفلسطينيين
جن وبي لبنان. وعلى الرغم من
التجاوب السوري إلى حد كبير مع
المطالب الأمريكية السابقة كما
يظهر في تعاونها مع الولايات
المتحدة والحكومة العراقية
المؤقتة في مجال ضبط الحدود مع
العراق ومنع عمليات التسلل عبر
الحدود بين البلدين، حيث اتخذت
الحكومة السورية عددًا من
الإجراءات في هذا الإطار منها:
بناء ساتر ترابي على طول الحدود
المشتركة، وزيادة عدد قوات حرس
الحدود إلى حوالي الضعف، وزيادة
عدد نقاط المراقبة، كما أبدت
دمشق بعض المرونة فيما يتعلق
بوجودها العسكري في لبنان حيث
أعادت نشر بعض قواتها في هذا
البلد، على الرغم من ذلك لم
تتوقف الحملة الأمريكية ضدها
إعلاميا وسياسيا خلال الفترة
الأخيرة، حيث نشرت الصحف
تقريرًا منسوبًا إلى المخابرات
الأمريكية في شهر سبتمبر2004 يكشف
النقاب عن أن الولايات المتحدة
وإسرائيل انتهيتا من الإعداد
لخطة عسكرية تحت عنوان "مكافحة
الإرهاب في كل من سوريا ولبنان"،
وتعتمد على قيام الجيش
الإسرائيلي بتنفيذ عمليات
عسكرية ضد أهداف محددة في
الأراضي السورية في نفس الوقت الذي تقوم فيه القوات
الأمريكية بضرب مواقع حزب الله
في لبنان، مستغلة قرار مجلس
الأمن السابق. وأشار التقرير
إلى أن تل أبيب وواشنطن أعدتا
هذه الخطة تحت زعم أن فصائل
المقاومة الفلسطينية وعناصر
تابعة لحزب الله وعناصر دينية
مختلفة تعقد اجتماعات منتظمة على
الاراضي السورية من أجل الاتفاق
على ضرب أهداف مهمة داخل
إسرائيل وتعطيل إجراء
الانتخابات الفلسطينية وأن
النظام السوري يرعى هذه
الاجتماعات، وزعم التقرير أن
الاستخبارات الأمريكية
والإسرائيلية حصلتا على وثيقة
تؤكد وجود تعاون سري بين إيران
وسوريا للإعداد والتخطيط
لقيادة المجموعات "الإرهابية"
داخل العراق من أجل زعزعة
الوجود الأمريكي هناك، وكذلك
التخطيط لعمليات ضد إسرائيل.
وفي نفس السياق أكد الجنرال
جورج كامس، أحد كبار القادة
الأمريكيين في العراق أن بلاده
حصلت على معلومات "جيدة" في
شهر سبتمبر2004 تفيد أن بعض كبار
المسئولين السابقين في حزب
البعث العراقي قد أسسوا قيادة
عليا تعمل في سوريا وتقدم
التوجيهات والتمويلات
للمتمردين في العراق، مشيرا إلى
أن من بين هؤلاء عزة إبراهيم
نائب الرئيس العراقي السابق
وعددا من أقارب صدام حسين، وأن
هذه المجموعات تحظى بدعم سوري
أو على
الأقل تغض السلطات
السورية الطرف عنها، فيما
انتقدت صحيفة واشنطن تايمز يوم 6
يناير2004 النظام السوري قائلة:
"إنه لا يستحق المعاملة
الكريمة"، لأنه مازال يساند
حزب الله والجماعات "الإرهابية"
الفلسطينية التي تسعى إلى تخريب
الانتخابات الفلسطينية، كما
يواصل " تدمير" العراق من
خلال دعمه التمرد "الإرهابي"
في هذا البلد. والسؤال المثار
الآن هو: هل تكتفي الولايات
المتحدة بالعقوبات والضغوط
الاقتصادية والسياسية السابقة
ضد سوريا وأن تعمل على توسيعها
مثلما أشارت صحيفة "نيويورك
تايمز" لإجبار سوريا على
التجاوب "الكامل" مع
المطالب والشروط الأمريكية
التي تمثل في جوهرها أهدافًا
إسرائيلية، أم ستتجه إلى
استهداف دمشق عسكريًا وتكرار
نفس السيناريو العراقي مستفيدة
من حالة الضعف والتمزق العربيين
الراهنين؟
وفي هذا الإطار يستبعد الاتجاه
الغالب من المراقبين أن يتكرر
السيناريو العراقي مع سوريا
وذلك لعدة أسباب، أهمها: ان
سوريا ليست دولة "منعزلة"
عن العالم الخارجي مثلما كان
حال العراق إبان عهد صدام حسين،
وهو ما سيسبب لواشنطن مشاكل
سياسية وعسكرية هائلة خاصة مع
استمرار المأزق الأمريكي في
العراق في ضوء الارتفاع المستمر
في خسائر القوات الأمريكية،
والفشل في ضبط الأمن والاستقرار
في هذا البلد على الرغم من مرور
أكثر من 20 شهرا على سقوط النظام
السابق واحتلال العراق . ورغم
ذلك، فإن إقدام الولايات
المتحدة على استهداف سوريا
عسكريًا ليس مستبعدا تماما، حيث
يشير البعض إلى احتمالات قيام
واشنطن بتوجيه ضربات جوية
وصاروخية ضد بعض الأهداف
السورية دون أي تدخل بري
ولاسيما أن احتلال سوريا لا
يحقق ذات المصالح التي يحققها
احتلال العراق وفي مقدمتها
السيطرة على المنابع النفطية
الضخمة، أو أن تعهد إلى إسرائيل
بهذه المهمة خاصة أن الأخيرة
شنت هجوما عسكريا في أكتوبر 2003
ضد أحد المواقع بالقرب من
العاصمة السورية دمشق بدعوى أنه
يمثل مركزًا لتدريب الإرهابيين.
وقد نال هذا الهجوم تأييد
واشنطن التي اعتبرته حقا مشروعا
لإ سرائيل في الدفاع عن أمنها!
وما يزيد الأمر سوءا في هذا
الإطار أن العالم العربي لا
يملك أي استراتيجية محددة
للتعامل مع المخاطر التي تحيط
بسوريا جراء التهديدات
الأمريكية الإسرائيلية تماما
مثلما لم يكن لديه أي
استراتيجية للتعامل مع الأزمة
العراقية مما ساهم في انفجارها
ووصولها إلى ما هي عليه الآن،
فهل ينتظر العالم العربي حتى
تتساقط دوله واحدة تلو أخرى أم
ينشط لإصلاح أوضاعه وتعزيز
وحدته في مجابهة التحديات
والتهديدات التي تواجه المنطقة
ككل وليس دولة دون أخرى؟
(أخبار
الخليج ) 23/1/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|