لغز
"الأسد" الأمريكي..
و"الحمل"السوري
أحمد
المرشد
القرار السوري بإعلان الانسحاب
إلى البقاع اللبناني تنفيذاً
لاتفاق الطائف لم يكن مفاجئاً
لأحد بشكل عام، وقد كان القرار
بمثابة انحناءة “ذكية” أمام
الريح العاتية التي تهب بقوة من
واشنطن وباريس، خاصة في حالة
عدم وجود بديل آخر، أو تجنباً
لخروج مخز أو مهين.
والقيادة السورية ليست أول قيادة
عربية تنحني للعاصفة، فقد
سبقتها ليبيا، عندما رضخت
للعقوبات الدولية في حادث
لوكيربي، وعندما بادرت بكشف
برنامجها النووي دون أن يطلب
منها أحد، وكذلك سبقهما صدام
حسين نفسه عندما وافق على دخول
مفتشي الوكالة الدولية للطاقة
الذرية إلى أي مكان يرغبون حتى
القصور الرئاسية نفسها.. وربما
يكون هذا الانحناء للعاصفة
أمراً طبيعياً في عالم أحادي
القوة تلعب فيه الولايات
المتحدة دور الشرطي ورجل
القانون في آن واحد من أجل فرض
مفاهيمها، ولا يوجد من يستطيع
أن يواجهها بفيتو حقيقي يقول
لها “لا”.. فقد انهارت
الامبراطورية السوفييتية،
وانكفأت دولة الوحدة الأوروبية
والمارد الأصفر (الصين) على
أحلامهما الاقتصادية، لعلهما
يحققان تفوقهما السياسي خلال
العقدين القادمين. ولكن السؤال
الذي يلح على الذهن هل يعد
الرضوخ للرغبات الأمريكية
والانحناء أمام عواصفها
العاتية طوق النجاة لأصحابه؟ هل
يمكن أن يضمن أصحاب هذا المبدأ
سلامتهم وسلامة بلادهم.. طالما
أنهم حققوا رغبات السيد
الأمريكي المتسلح بأساطيله
وقواته المستعدة للانقضاض في أي
لحظة، والمتسلح أيضاً بجبروت
سياسي وعنجهية لم يعرف لهما
التاريخ مثيلاً؟ الإجابة عن هذا
السؤال لا تحتاج إلى تفكير.. فهي
“لا” و”ألف لا”!! لماذا؟! لأن
صدام الذي فتح أبواب قصوره وغرف
نومه لمفتشي الوكالة الدولية
للطاقة والذين كان يعرف أن
أغلبهم جواسيس يعملون لصالح
واشنطن لم يسلم من العواقب، فقد
ضربت واشنطن عرض الحائط بكل
التقارير التي قالت انه لا يوجد
دليل واحد على أنه يملك أسلحة
نووية أو أسلحة دمار شامل،
وقرروا أن يلصقوا له تهمة
الارتباط بتنظيم القاعدة أيضاً..
وقاموا بغزو بلاده واحتلالها،
ولم يكتفوا بذلك بل اقتادوه
مقيداً ومكبلاً بالأصفاد أمام
كاميرات الصحافة والتلفزيون،
وأظهروه ذليلاً منكسراً وكأنه
من سكان كهوف العصر الحجري،
ليكون عبرة لمن لا يعتبر. اما
ليبيا فقد ظلت واشنطن تعتبرها
دولة حليفة للارهاب، وسربت
أنباء عن ضلوعها في محاولة
اغتيال زعيم عربي كبير. ولا
نعتقد أن السيناريو سيكون
مغايراً في خطوطه الرئيسية مع
سوريا، فقائمة الاتهامات تطول
يوماً بعد يوم، وفي كل لحظة تكشف
واشنطن عن اتهام جديد ضد سوريا،
ففي البداية اتهمتها باحتلال
لبنان، مع أن الكل يعرف كيف دخلت
القوات السورية إلى هناك، وكيف
كان ذلك بمباركة واشنطن نفسها.
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد،
فقد اتهموها بأنها هي التي
اغتالت رئيس الوزراء الراحل
رفيق الحريري، وعندما حدثت
عملية تل أبيب الفدائية التي لم
يتبنها أحد قالوا ان لديهم
معلومات “مؤكدة” بأن التخطيط
لهذه العملية قد قامت به عناصر
من الجهاد الإسلامي في سوريا..
ولو سقطت طائرة غداً لقالوا ان
المخابرات السورية هي التي
أسقطتها، ولو غرقت سفينة لقالوا
هم الذي أغرقوها.. ولأن شر
البلية ما يضحك فقد انطلقت
النكات هنا وهناك وقال البعض ان
واشنطن قد تعلن في القريب
العاجل أن لديها معلومات مؤكدة
وتسجيلات صوتية تؤكد أن
المخابرات السورية تقف وراء
طوفان تسونامي الذي أغرق الآلاف
في جنوب آسيا.
ولذلك فهم يطلقون الكذبة، وعلى
أثرها يحركون الدبابات
والأساطيل ويدقون طبول الحرب..
تماماً كما فعل الذئب مع الحمل
في تلك الحكاية الشهيرة التي
قرأناها كثيراً، والتي كانت
تتحدث عن ذئب يقف في مكان مرتفع
عند نبع ماء يتدفق من أعلى إلى
أسفل، وكان الذئب يريد افتراس
أحد الحملان بعد أن لاحظ أنه يقف
أسفل التلة عند مصب الماء..
فافتعل الذئب الغضب واتهم الحمل
بأنه يعكر نبع الماء.. وعبثاً
حاول الحمل أن يقنع الذئب
الجائع بأنه لا يمكن أن يفعل
هذا، حتى لو أراد، لأن الماء
يجري من عنده (أي من عند الذئب)،
والحكاية بتفاصيلها معروفة
وتنتهي بانقضاض الذئب على الحمل
والتهامه.
ومن يتابعون مجريات الأحداث على
الساحة اللبنانية السورية
يتذكرون تلك الحكاية ويتساءلون
ماذا سيفعل الذئب أو “الأسد”
الأمريكي تجاه “الحمل”
السوري؟! والإجابة قد تبدو
لغزاً لا يصعب حله، فالنيات
تبدو واضحة وتبقى فقط التفاصيل
المتعلقة بالتنفيذ!! لكن السؤال
الأخير الذي يلح على الذهن بعد
كل هذا الكلام وهذه الحكايات،
هل الانحناء للعاصفة الأمريكية
هو البديل الوحيد أمامنا؟
دار
الخليج 12/3/2005
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|