ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
لم نعـد تنظيمـا أصبحنـا حالـة لم تكن إشارات السيد سركيس نعوم (1)
المتعلقة بالخيارات "السوريةـ
الأميركية" بعيدة عن الدقة.
فقد كانت رؤيته في غاية السداد،
وهو يشير إلى الأسباب التي تدفع
الأميركيين إلى غض الطرف عن
الواقع الداخلي في سوريا ،
ولاسيما ما يتعلق منها
بالديموقراطية وحقوق الإنسان.
فالخوف من "صندوق الاقتراع!!
ليس حالة النظام السوري وحده،
وإنما هو حالة إقليمية ودولية
كذلك. وإذا كنت تجد في كل بلد عربي أو
إسلامي فرجة ما للحرية أو
الديموقراطية، فلأمر ما يفرض
على الشعب السوري أن يعيش حالة
الإغلاق المطلق، الإغلاق
الفكري والمدني والسياسي. الذي فات الأستاذ سركيس أن يشير
إليه هو الغطاء والدعم الذي
قدمته الولايات المتحدة
والمنظومة الغربية ، خلال
أربعين عاماً ، للنظام في سوريا
ثم في لبنان. فهل كان ما يجري في
لبنان خلال ربع قرن بدءاً من
زراعة المخدرات في البقاع إلى
ما تشكو منه المعارضة اللبنانية
اليوم، وما جرى في حماة وتدمر (المجزرة
- ـ والسجن) غائباً عن
المجتمع الدولي، حتى الآن؟!
وإلى أي حد يمكن للولايات
المتحدة أن تضحي بصدقيتها وهي
تشن حملة، فيما تزعم، من أجل "العقول
ـ والقلوب"، حين تُرى متحالفة
مع نظام كهذا؟! هل أدركت الإدارة
الأميركية حجم الانعكاس السلبي
على صدقيتها في العقول والقلوب
حين أخذت النظام الليبي في
الأحضان، وهي تنادي بالحرية
والديموقراطية؟! للإدارة الأميركية، ولا شك،
مشروعها ولكن هذا المشروع
الأساس، بغض النظر عن موقفنا
منه أو موقفه منا، يصطدم
موضوعياً، وبعيداً عنا، ببعض
الأنظمة السياسية في عالمنا
العربي، صداماً "صدّامياً"
لا ينفع فيه الترقيع أو التصويج.
من حق السيد سركيس بالطبع أن يقدم
نفسه عراب صفقة بين الإدارتين
السورية والأميركية، وأن يحمل
على عاتقه يافطة التخويف من
الإسلام منقوشة على الوجهين
بالعربية والأميركية معاً. وأن
يطالب القيادة السورية أن تبادر
إلى اتخاذ "المواقف الملائمة
التي تحمي الاستقرار المهدد
بالزعزعة وشعاراتهم القومية
تلافياً لأن يصبح المقدور ليس
منه مهروب كما يقول المثل...". احتراماً منا لمكانة السيد سركيس
نعوم ولعمقه الثقافي الغائر
سنعقب بعض التعقيبات على ما ورد
في مقاله من باب التصحيح
المعلوماتي أولاً. ثم نوضح
أبعاد موقف الإخوان المسلمين في
سوريا: الدولة والمجتمع. الموقف
الذي قطع الطريق على كل محاولة
لتجاوز مشروع الإصلاح الوطني
الذي انخرط الإخوان المسلمون
بثقلهم العقائدي والديموغرافي
في صميمه. ذكر الأستاذ سركيس "بأن جماعة
الإخوان المسلمين في سوريا
أصبحت قطباً معارضاًً للنظام
وتسبب ذلك بحل مجموعتهم أو
حزبهم أو بحظره عام 1958... لا أدري إن كان السيد سركيس، قد مر
على تاريخ سوريا الحديث. ولا
أدري إن كان قد سمع أن عام 1958 هو
عام الوحدة بين سوريا ومصر. وأنه
كان بعد هذا العهد عهد آخر سمي
اصطلاحاً ـ عهد الانفصال ـ وأن
الإخوان المسلمين حلوا أنفسهم
عام 1958 وفاء لمتطلبات الوحدة،
وأنهم على الرغم من العلاقة
السيئة بين إخوان مصر وعبد
الناصر، لم تكن علاقتهم بعبد
الناصر في عهد الوحدة في الخانة
نفسها. وأن الإخوان المسلمين هم
التنظيم السياسي السوري الوحيد
الذي لم يوقع على صك الانفصال.
وأنه في عهد الانفصال حيث تمتع
المجتمع السوري ببعض الحرية
النسبية كان الإخوان المسلمون
جزء صميماً من الحياة السياسية
في الشارع وفي مجلس النواب وفي
الحكومة. لقد فرضت حرب إقصاء واستئصال على
الإخوان المسلمين منذ الثامن من
آذار 1963، حيث سيطر الحزب
الشمولي على السلطة، فحل
الأحزاب، وأغلق الصحف، وصادر
الحياة العامة بكل أبعادها
الفكرية والسياسية والمدنية.
هذا الحزب وهذا النظام هو الذي
ينصحه الأستاذ سركيس اليوم بأن
يبادر إلى حماية نفسه وشعاراته
"تلافياً لأن يصبح المقدور
ليس منه مهروب...". ويجانب السيد سركيس نعوم الدقة
كثيراً حين يتحدث عن "ضربة
قاضية"، أو عن "تحسن
بالعلاقات" بين الإخوان
والنظام. ثم لا ندري كيف يفوت
مطلعاً مثله أن يشير إلى
البرنامج السياسي الذي تقدمت به
الجماعة منذ أشهر فقط، ويتوقف
عند ميثاق الشرف الذي مضت عليه
ثلاثة أعوام. لأنه لو أتيح
للأستاذ نعوم أن يتابع البرنامج
السياسي لأدرك بعد الأفق الذي
تستشرفه جماعة الإخوان
المسلمين في تفاعلها مع
المتغيرات والمستجدات. وهذه
نقطة سنعود إليها في خاتمة هذا
المقال. وحين يحلل السيد سركيس أسباب قلق
واشنطن من نمو الموقف الإسلامي
في سوريا(...) يذكر ثالث الأسباب
التي تدعو واشنطن إلى القلق من
الإخوان المسلمين!! "إصدار
الإخوان تصريحاً يعكس أو الأحرى
يناقض قرارهم المتخذ قبل سنوات
قليلة بالانخراط في حوار جدي مع
النظام وجاء هذا التصريح بعد
اغتيال الرئيس الشهيد رفيق
الحريري، وحمّل النظام في سوريا
وإن على نحو غير مباشر مسؤولية
تنامي حالة العداء لها،
ومسؤولية هذا الاغتيال". ويضيف السيد نعوم " طبعاً
يستدرك الباحثون الأميركيون في
المراكز نفسها بالقول أثار كل
ذلك قلقاً بالغاً في أوساط
مراقبين غربيين كثيرين مقتنع
بعضهم بوجود علاقة ما أو صلة بين
الإخوان المسلمين وتحديداً
السوريين منهم وبين القاعدة.
لكن البعض الآخر يعتقد أن قلة من
هؤلاء تتعاون مع القاعدة إلا
أنها لا تعكس وجهات نظر التنظيم
أو مواقفه ككل . هنا نستطيع أن نقول للسيد سركيس(...)
لا أحد في هذا العالم يتحرك في
فراغ. فهل يستطيع هو أو من أوحى
إليه أن يقنعنا أن بيان جماعة
الإخوان المسلمين عن مقتل
الحريري يمكن أن يثير قلق من ذكر
وهو المثقف البارع؟! أما أن هذا البيان يناقض القرار
المتخذ قبل سنوات قليلة
بالانخراط في حوار جدي مع
النظام فعلى السيد نعوم أن يعلم
أن الحوار الجدي لا يكون من طرف
واحد ولا بد له من طرفين مقتنعين
وجادين. ربما يظن بعضهم أن
الحوار الوطني هو بعض المونولوج
المسرحي، بالتأكيد الإخوان
المسلمون ليسوا من هؤلاء. أما الحديث عن ارتباط جماعة
الإخوان المسلمين بالقاعدة،
فهومجرد تهويمات مكشوفة،
اكتشفها الأميركيون أنفسهم يوم
سُلموا ملفات آلاف المواطنين
السوريين الأبرياء تحت لافتة
التعاون لمكافحة الإرهاب. وربما
جاء دور المعارضة السورية
لتبادر لإعداد الملفات
المقابلة. نعود إلى قدرة الأخوان المسلمين
على استلام السلطة في سوريا
وإمكاناتهم المادية والثقافية
لنؤكد للسيد نعوم أنه ليس في
برنامج الإخوان المسلمين
المرحلي ـ لو اطلع عليه ـ رغبة
عاجلة في الوصول إلى السلطة بل
إنهم يؤكدون في طروحاتهم على
حاجة سوريا إلى حكومة وحدة
وطنية تصل ما انقطع، وتصلح ما
فسد، وتبني ما هدم. ربما كان المطلوب من مثقف مثل
السيد نعوم أن(...) يعيد قراءة
موقف الإخوان المسلمين، بل
الحالة الإسلامية والمدنية في
سوريا التي انصهر الإخوان
المسلمون في دائرتها. إن البيان الذي صدر بمناسبة
اغتيال الحريري هو بداية
البداية التي أرادتها القيادة
السورية يوم صممت على إدارة
ظهرها لكل مبادرة للإصلاح، صدرت
عن مؤسسات المجتمع المدني أو عن
القوى السياسية أو عن جماعة
الإخوان المسلمين في توافقية
تاريخية إجماعية لم يشهد لها
تاريخ سوريا مثيلاً. ألا يظن السيد نعوم معنا أن
تعاملاً أكثر دينامية وإيجابية
مع متطلبات المعارضة اللبنانية
كان سيجنب القيادة السورية
بالتأكيد هذه الخاتمة المشينة
في لبنان؟ كان غبطة البطريرك
صفير ووليد جنبلاط وأمين الجميل
والمرحوم الحريري يمكن أن يرضوا
ببعض الحق مع توفير الكرامة
والاحترام لإنسان لبنان؛ ولكن
النظام السوري أصر أن يمضي في
المعركة معهم إلى ساحة كسر
العظم، فأصر على التمديد للحود
من غير ما سبب مقنع، ثم جاء
اغتيال الحريري ليقطع بين
النظام والمعارضة اللبنانية كل
الجسور. فهل يمكن لهذه السياسة
الحمقاء بشهادة الجميع أن تتكرر
على أكثر من صعيد؟ الإخوان المسلمون حالة
مجتمعية الذي يجب أن ننهي به المقال هو أن
يعلم السيد نعوم(...) أن الإخوان
المسلمين في سوريا ليسوا حزب
البعث العربي الاشتراكي. فإذا
كان هناك من يتحدث عن مخطط
مستقبلي لاستئصال "البعثوية"؛
فإن التفكير في استئصال "الإسلام
والمسلمين" أصبح من أوهام
التاريخ بعد قرن ونصف من
المحاولات اليائسة التي قادت
إلى النتائج العكسية. لقد فشلت
خلال التاريخ الحديث كل سياسات
"تجفيف المنابع " و"الحرمان
الثقافي" و"الحصار
الاقتصادي على الفرد" و"الإقصاء
السياسي" و"شكال الإستئصال
المادي" والذي مورس بطريقة
يندى لها جبين الانسانية
والانسان . الأديان و المجتمعات
لا تستأصل أبداً ، ولقد كان هذا
معلماً بارزاً في تاريخ الإسلام
الحضاري ، وبفضله لا تزال
مجتمعات المسلمين تعج بعشرات
الأقليات التي لم يبق منها
مثلاً في اسبانيا رجل واحد يكون
شاهدا على ما كان . الحوار هو
الخيار الوحيد الذي اقترحه
الإسلام ، وهو الخيار الوحيد
الذي تفتح له الابواب . وقد أثبت تاريخ الإسلام الحضاري
وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين
أنها جماعة راشدة واثقة قادرة
على التعاطي الحضاري والسياسي
بآفاقه المتعددة. إن من يطلع على البرنامج السياسي
لجماعة الإخوان المسلمين في
سوريا والذي صدر في 12/2004 يدرك أن
الإخوان قد تجاوزوا مرحلة "التشكيل
الحزبي" المغلق إلى حالة من
التماهي مع المجتمع السوري. إن
مجموعة ميثاق الشرف الوطني
والعلاقات التي تربط الإخوان
بالتيارات والقوى السياسية في
سوريا، وبالشرائح الاجتماعية،
قد جعلت من أي عملية لتجاوز
الإخوان أو للهروب من
استحقاقاتهم أمراً مستحيلاً. لا ندري إن كان السيد نعوم قد أدرك
مغزى بناء التوافقات مع لجان
المجتمع المدني، ومع القوى
السياسية في سوريا. ولا ندري إن
كان قد تابع لقاءات الإخوان
بالأشقاء الأكراد، وإن كان قد
استطاع أن يضع هذه اللقاءات في
إطاريها الإسلامي والوطني. بل
لا ندري إن كان الأستاذ سركيس قد
تابع موقف الإخوان المسلمين في
سوريا من "المعارضة
اللبنانية" وحديثهم عن
مطلبية واحدة تتأكد بضرورة
الانسحاب "العسكري والأمني"
من الحياة العامة. من هنا نقول للسيد نعوم لم يعد
الإخوان المسلمون في سوريا
شخصيات تقوى أو تضعف، ولم يعد
الإخوان المسلمون في سوريا "تنظيماً"
أو "حزباً" أو "جماعة"
تحل أو تحظر أو تستأصل؛ بل لقد
أصبحوا حالة سياسية ومدنية
واجتماعية تعبر من خلال المجتمع
السوري عنه. (1)
"النهار"، سركيس نعوم،
سوريا والإخوان المسلمون،
14/3/2005. زهير
سالم / قيادي في الإخوان
المسلمين السوريين مقيم في لندن
النهار 04/04/2005
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |